عرض مشاركة واحدة
  #436  
قديم 04-12-2024, 07:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,493
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله


ويحتمل عود الضمير إلى ﴿ الْكِتَابِ ﴾، والأول أظهر؛ لقولهم بعده: ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾؛ أي: كل من المحكم والمتشابه من عند ربنا، فالمحكم صدَّقنا به وعلِمناه، والمتشابه صدقنا به ورددناه إلى المحكم، ووكَلنا علمَه إلى الله، وكل ذلك حق وصدق، لا تناقض فيه ولا اختلاف، كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

وبعض السلف يصلون قوله: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾، بقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾، فتكون الواو عاطفة، وقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ معطوف على لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾، وفي هذا تشريف لهم، كما في قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويله، أي: تفسيره، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس- رضي الله عنهما-: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، ولهذا رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «أنا ممن يعلم تأويله»[9]، وتكون جملة ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ على هذا القول في محل نصب على الحال.

ولا تعارض بين القولين، فإن حُمِلَ معنى «التأويل» في قوله: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ على التفسير كان الوصل أولى، وإن حُمِلَ معنى «التأويل» على عاقبة الشيء وغايته وما يؤول إليه، ونحو ذلك فالوقف أَولى.

وقد رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «التفسير على أربعة أنحاء؛ فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل»[10].

ومراده بالذي (لا يعلمه إلا الله): هو ما يتعلق بالأمور الغيبية وحقائق الأشياء ومآلاتها.

وعلى هذا فتأويل القرآن كله بمعنى تفسيره مما يعلمه الراسخون في العلم؛ لأنهم إذا كانوا يعلمون تفسير المتشابه، فعلمهم بتفسير المحكم أَولى.

وقد فسر السلف - رضي الله عنهم - من الصحابة والتابعين وتابعيهم القرآن كله وفهموا معانيه.

قال مجاهد: «عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية، وأساله عن تفسيرها»[11].

قال ابن تيمية: «وتارة يكون الإحكام في التأويل والمعنى، وهو تمييز الحقيقة المقصودة من غيرها، حتى لا تشتبه بغيرها، وفي مقابلة المحكمات الآيات المتشابهات التي تشبه هذا وتشبه هذا، فتكون محتملة للمعنيين، ولم يقل في المتشابه: «لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله» وإنما قال: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾، وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع، فإن الله أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو، والوقف هنا على ما دلت عليه أدلة كثيرة، وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين وجماهير الأمة، ولكن لم ينف علمهم بمعناه وتفسيره، بل قال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات، وما لا يعقل له معنى لا يتدبر، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، ولم يستثن شيئًا منه نُهِيَ عن تدبره، والله ورسوله إنما ذمَّا من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمر الله، وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه الله، بل أمر بذلك ومدح عليه»[12].

﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ «الواو»: استئنافية، و«ما»: نافية، و﴿ يَذَّكَّرُ ﴾ أصلها «يتذكر» قُلِبَت التاء ذالًا وأُدغِمت في الذال الأخرى، والمعنى: وما يتعظ بالقرآن وما فيه من الهدى والمواعظ والبيان، ويفهم ويعقل ويتدبر ذلك وينتفع به ﴿ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.

﴿ إِلَّا ﴾: أداة حصر، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]، و﴿ أُولُو ﴾ بمعنى أصحاب، و﴿ الْأَلْبَابِ ﴾: جمع «لُب» وهو العقل؛ لأنه مجمع الخير والشر عند الإنسان، والمعنى: وما يتعظ بالقرآن وينتفع بما فيه من الهدى والبيان إلا أصحاب العقول السليمة، الذين تهديهم عقولهم إلى الحق والخير، وتمنعهم من الباطل والشر، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]؛ أي: الذي له لُب وعقل يهديه عقله إلى الخير ويحجره ويمنعه من الشر، وليس المراد بالألباب العقول التي بها مجرد الإدراك ضد الجنون، فهذه لا يمتدح بها، بل لا يكلف الإنسان إلا بوجود هذا العقل.

وإنما المراد بالألباب العقول التي بها حسن التصرف وفعل الخير وترك الشر، والتي هي مناط المدح أو الذم.

قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.
هذا الدعاء- والله أعلم- من تتمة كلام الراسخين في العلم.

قوله: ﴿ رَبَّنَا ﴾: أي يا ربنا، وحُذِفت ياء النداء للتخفيف، والتبرك والتيمن بالبداءة باسم الله عز وجل.

﴿ لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾: ﴿ لَا ﴾في الأصل للنهي، وهي هنا للدعاء؛ لأن النهي والطلب إذا جاء من أدنى إلى أعلى كان معناه الدعاء.

وإزاغة القلوب إمالتها عن الهدى والحق، أي: يا ربنا لا تمل قلوبنا عن الهدى والحق، وثبتنا على الصراط المستقيم.

وإنما خصُّوا القلوب؛ لأن عليها مدار صلاح الأعمال وفسادها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»[13].

وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».

وعن أنس- رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إن القلوب بين أُصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء»[14].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلب ابن آدم على أُصبعين من أصابع الجبار - عز وجل - إذا شاء أن يقلِّبه قلَّبه»، فكان يُكثِر أن يقول: «يا مصرف القلوب»[15].

وذلك لأنها محل العقل؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

فالعقل يكون بالقلوب، والقلوب في الصدور- كما ذكر الله - عز وجل - ولا ينافي هذا ارتباط العقل بين القلب والمخ- كما ذكر أهل العلم.

﴿ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾: أي بعد إذ مننت علينا بدلالتنا وتوفيقنا إلى الحق، وذلك أعظم مِنة، وأفضل نعمة، كما في قول المؤمنين: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، فهم يتوسلون إلى الله - عز وجل - بنعمته السابقة، وهي هدايته لهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
ن الأُُلَى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا[16]


﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾ أي: وأعطنا، والهبة: العطية بلا عوض ولا مِنّة.

﴿ مِنْ لَدُنْكَ ﴾؛ أي: من عندك؛ لأنك ذو المن والعطاء الجزيل، والفضل العظيم، أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، ولئلا يكون لأحد سواك مِنة علينا.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[17].

وعلَّم صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئًا حتى كان يسقط سوط أحدهم وهو على الدابة فينزل فيأخذه، ولا يسأل أحدًا يناوله إياه [18].

﴿ رحمة ﴾: رحمة الله - عز وجل - تنقسم إلى قسمين: رحمة ذاتية ثابتة له - عز وجل - كما قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58].

ورحمة فعلية يوصلها إلى من شاء من خلقه؛ كما قال تعالى: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].

ومعنى ﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾؛ أي: وأعطنا من عندك رحمة من رحمتك الواسعة تثبتنا بها على الهداية، وتزيدنا هدى وإيمانًا، وتُدخِلنا بها الجنة، فكل ذلك من آثار رحمة الله تعالى، ولهذا سمى الله الجنة رحمة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107]، وقال - عز وجل - في الحديث القدسي: «أنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء»[19].

كما سمى عز وجل إنزال الغيث رحمة، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

فسألوا الله تعالى زوال المرهوب بالتثبيت على الهداية، والسلامة من الميل عن الحق، وحصول المطلوب بالرحمة.

﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾: الجملة استئنافية للتعليل والتوسل، وقد أُكِّدت هذه الجملة بـ«إنَّ» وبكونها اسمية، وبضمير الفصل ﴿ أنت ﴾ الذي يفيد القصر.

و﴿ الوهاب ﴾ اسم من أسماء الله - عز وجل - على وزن «فعَّال» يدل على سعة عطائه - عز وجل - وفضله وإنعامه؛ أي: إننا إنما طلبنا منك هبة الرحمة لأنك أنت وحدك الوهاب ذو العطاء الجزيل، والفضل العظيم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].

وفي الحديث: «يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده»[20].

قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.
هذا من تتمة مقالة الراسخين يدل على قوة إيمانهم، وتمام يقينهم بالبعث والجزاء، وأنهم أحوج ما يكونوا إلى رحمة الله في هذا، كما قال إبراهيم عليه السلام في دعائه: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].

قوله ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ ﴾؛ أي: يا ربنا إنك جامع الناس.

﴿ ليومٍ ﴾؛ أي: ليوم القيامة، واللام فيه للتوقيت، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الواقعة: 49، 50]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 103].

﴿ لا رَيْبَ ﴾ ﴿ لا ﴾: نافية للجنس، و﴿ رَيْبَ ﴾: اسمها منصوب، و﴿ فيه ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبرها؛ أي: لا ريب حاصل فيه، أو نحو ذلك، والمعنى: لا شك فيه، أي: لا ينبغي أن يرتاب ويشك فيه.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾: تعليل وتأكيد لما قبله، أي: لجمعه - عز وجل - الناس ليومٍ لا ريب فيه، أي: لأن الله لا يخلف الميعاد.

وهذا- والله أعلم- من تتمة كلام الراسخين، وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة لتنبيه المخاطب، ولتعظيم الله؛ لأن مجيء الكلام بصيغة الغائب أبلغ في التعظيم كأنه سبحانه يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب تعظيمًا وتفخيمًا.

ويُحتمل أن يكون هذا مستأنفًا، وهو من كلام الله تعالى؛ لأن الأصل عدم الالتفات؛ لأنه خروج بالكلام عن المألوف.

والمعنى: إن الله لا يخلف ما وعد به من مجيء هذا اليوم العظيم، وما وعد به من حساب الخلائق ومجازاتهم فيه بأعمالهم، وغير ذلك.

وهذا من الصفات المنفية الدالة على كمال ضدها، وهو وفاؤه - عز وجل - بوعده، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6].

وذلك لأن إخلاف الميعاد إنما يكون بسبب كذب الواحد أو عجزه عن الوفاء بوعده، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد لكمال صدقه، فهو أصدق القائلين، ولكمال قدرته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].

[1] أي: بأنها زانية، وأن الولد ليس منه؛ ولهذا قال رؤبة بن العجاج:
بأبه اقتدى عدي في الكرم
ومن يشابه أبه فما ظلم




أي: ومن يشابه أباه فما ظلم أمه؛ حيث أراحها من ألسنة المتقولين على المحصنات بالباطل. انظر: «ديوان رؤبة» (ص182).

[2] أخرجه البخاري في الطلاق- إذا عرض بنفي الولد (5305)، ومسلم في اللعان (1500)، وأبو داود في الطلاق (2206)، والنسائي في الطلاق (3478)، والترمذي في الولاء والهبة (2128)، وابن ماجه في النكاح (2002)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] انظر الكلام على أسماء الفاتحة «أم الكتاب».

[4] انظر: «ديوانه» (3 / 1455- 1446).

[5] في «جامع البيان» (5/ 189).

[6] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/ 193)، وابن أبي حاتم في «تفسيره » (2/ 592-593).

[7] أخرجه البخاري في «التفسير» (4547)، ومسلم في «العلم» (2665)، وأبو داود في «السنة» (4598)، والترمذي في «التفسير» (2994).

[8] أخرجه أحمد (1/ 266)، وإسناده صحيح.

[9] انظر: «روح المعاني» (2/ 82 ).

[10] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (1/ 70 )، وفي إسناده انقطاع، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 18).

[11] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (1/ 85 )، وأبو نُعيم في «الحلية» (3/ 279).

[12] انظر: «مجموع الفتاوى» (13/ 275 ).

[13] أخرجه البخاري في الإيمان فضل من استبرأ لدينه (52)، ومسلم في المساقاة أخذ الحلال وترك الحرام (1599)، وابن ماجه في الفتن (3984)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

[14] أخرجه الترمذي في القدر (2140) وقال: «حديث حسن» وقد رُوِيَ نحوه عن عائشة رضي الله عنها.

[15] أخرجه أحمد (2/ 173).

[16] أخرجه البخاري في المغازي (4104)، ومسلم في الجهاد والسير (1803)، من حديث البراء
رضي الله عنه.


[17] أخرجه البخاري في الأذان (834)، ومسلم في الذكر والدعاء (2705)، والنسائي في السهو (1302)، والترمذي في الدعوات (3531)، وابن ماجه في الدعاء (3835) من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

[18] أخرجه مسلم في الزكاة (1043)، وأبو داود في الزكاة (1642)، وابن ماجه في الجهاد (2867)، من حديث أبي مالك الأشجعى رضي الله عنه.

[19] أخرجه البخاري في التفسير باب: (وتقول: هل من مزيد) (4850)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (2846)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[20] أخرجه البخاري في التفسير (4684)، ومسلم في الزكاة الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (993)، والترمذي في التفسير (3045)، وابن ماجه في «المقدمة» (197)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]