عرض مشاركة واحدة
  #440  
قديم 04-12-2024, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,022
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 10 - 13].

1- أن الكفار لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، فلن ترفع ما وقع عليهم من عذاب الله تعالى، ولن تمنع عنهم ما لم يقع، ولا تعوضهم ما فقدوا من رحمة الله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾، وهذا بخلاف المؤمنين فإنهم ينتفعون بأموالهم بالصدقة، وبأولادهم بالدعاء ونحو ذلك وتكون من أسباب رحمة الله تعالى بهم.

2- إثبات الملكية الخاصة للكفار؛ لقوله تعالى: ﴿ أَمْوَالُهُمْ ﴾، فلا يجوز استباحة أموالهم إلا إذا كانوا محاربين للمسلمين.

3- أن أولاد الكفار ينسبون إليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَوْلَادُهُمْ ﴾.

4- إمداد الله للكفار بالأموال والأولاد كغيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20].

5- قدرة الله تعالى التامة وقوته التي لا تقهر، ونفوذ أمره فلا تغني الكفار أموالهم ولا أولادهم منه شيئًا.

6- الحذر من الانشغال بالأموال والأولاد عن طاعة الله تعالى، ومن الاغترار بها فهي قد تضر ولا تنفع.

7- أن الكفار هم وقود النار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ﴾.

8- التحذير من الكفر والوعيد للكافرين بالنار.

9- إثبات النار وعذابها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُودُ النَّارِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.

10- سلوك الكفار من هذه الأمة مسلك آل فرعون والذين من قبلهم بتكذيب آيات الله؛ لقوله تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾.

11- تكذيب آل فرعون ومن قبلهم بآيات الله وشدة تكذيب آل فرعون وطغيانهم، للتنصيص عليهم دون غيرهم، كيف؟! وقد ادعى فرعون الربوبية والألوهية.

12- إقامة الله - عز وجل - الحجة على الخلق بما آتاهم من الآيات الكونية والشرعية الدالة على ربوبيته وألوهيته وكمال صفاته؛ لقوله تعالى: ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾.
13- تعظيم الله - عز وجل - لنفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾ بضمير العظمة؛ لأنه العظيم سبحانه وتعالى.

14- أخذه - عز وجل - لفرعون وقومه والمكذبين قبلهم بآيات الله، وإهلاكهم بسبب ذنوبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ، وفي هذا رد على من زعم أن فرعون نجا من العذاب مستدلًا بقوله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 92].

وليس المراد في هذه الآية أنه نجا من العذاب، وإنما المراد بها أن الله أنجاه ببدنه؛ أي: بجثته فقط؛ حيث رمى بها الموج خارج البحر؛ ليتأكد بنو إسرائيل من هلاكه، فيطمئنوا لأنه قد أرعبهم وأرهبهم بجبروته، فلا يكادون يصدقون بأنه هلك حتى يعاينوا جثته، وليكون آية لمن خلفه، أما روحه فهي في العذاب، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

15- التهديد والوعيد للمكذبين من هذه الأمة بأخذهم وإهلاكهم بسبب ذنوبهم كالمكذبين من آل فرعون ومن قبلهم.

16- تشابه مواقف المكذبين بآيات الله ورسله، كما قال تعالى: ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 53].

17- أن ما يصيب الناس من عقوبات إنما هو بسبب ذنوبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾، ومفهوم هذا إثبات العدل له - عز وجل - فلا يعاقب أحدًا إلا بذنب، ولا يظلم أحدًا من خلقه.

18- إثبات الأفعال الاختيارية للعبد؛ لقوله تعالى: ﴿ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ فأضاف الذنوب إليهم، وقوله تعالى: ﴿ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، فأضاف الفعل إليهم، وفي هذا رد على الجبرية الذين ينفون الاختيار للإنسان، ويقولون: إنه كالسعفة في الهواء ونحو ذلك.

19- شدة وقوة عقاب الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.

20- التحذير من عقاب الله وشدته.

21- أن القرآن من عند الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، وفي هذا رد على من يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم افترى القرآن وتقوله من عند نفسه.

22- أهمية هذا الخبر الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يبلغه للكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ قل ﴾.

23- تخويف الكافرين وإرعابهم وإرهابهم؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾.

وفي هذا بشارة للمؤمنين بالغلبة وتقوية لقلوبهم ومعنوياتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، ووعد الله لا يتخلف إذا صدق المسلمون الله.

24- الوعيد والتهديد للكافرين بجمعهم وحشرهم إلى جهنم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.

25- الجمع للكافرين بين عقوبة الدنيا والآخرة؛ عقوبة الدنيا بهزيمتهم وغلبة المؤمنين لهم، وعقوبة الآخرة بجمعهم وحشرهم إلى جهنم.

26- شدة ظلمة النار وجهمتها وحرها، وبعد قعرها؛ لهذا سميت جهنم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.

27- ذم جهنم وأنها بئست المهاد والفراش؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾.

28- ضرب الأمثال والتوجيه لأخذ العبر والعظات من الأمور والأحداث الواقعة؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ الآية.

29- زيادة التصديق والطمأنينة في ربط الخبر والوعيد بحدث وأمر واقع مشاهد محسوس ليجتمع للمخاطب مع علم اليقين- وهو الخبر الصادق- عين اليقين وهو مشاهدة الحدث الواقع؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].

فهو عليه الصلاة والسلام مؤمن مصدق بأن الله يحيي الموتى، ولكنه أراد أن يجمع الله له مع علم اليقين عين اليقين، فيرى ذلك بعينه. وفي الحديث: «ليس الخبر كالعيان»[1].

30- أن القتال المشروع ما كان في سبيل الله، أي في سبيل إعلاء كلمة الله، خالصًا لله تعالى، موافقًا للشرع؛ لقوله تعالى: ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.

31- أن الغلبة والنصرة ليس بكثرة العدد والعدة، وإنما ذلك بتأييد الله تعالى ونصره للذين صدقوا الله في القتال في سبيله؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

كما قال تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وقال تعالى: ﴿ لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور ﴾ [الحج: 40، 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].

وهكذا كانت الغلبة والنصرة للمؤمنين في عهود الإسلام الزاهرة، وفاءً بوعد الله تعالى بقوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

أيام كان المسلمون أعزة
في دينهم والعود صلب المكسر
أيام كان الدين ملء نفوسهم
وأتوا على كسرى العظيم وقيصر[2]


32- أن ما كان من القتال في غير سبيل الله فهو في سبيل الكفر وأهله، سبيل الطاغوت؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].

33- أن الله عز وجل قد يُري المقاتلين من كل فئة الفئة الأخرى مثليهم ليكون ذلك من أسباب نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾.

ولا يعارض هذا قوله تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44]، فهذا في حال وذاك في حال أخرى.

فعندما عاين كل من الفريقين الآخر رأوهم مثليهم، ليستعد المسلمون ويتوجهوا إلى الله في طلب العون والنصر، وليحصل للكفار الخوف والرعب والوهن، وعندما التحم الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء وهؤلاء في أعين هؤلاء؛ ليقدم كل منهما على الآخر، ويتم ما أراده الله من نصر المسلمين وهزيمة الكافرين، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل.

عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾.

قال: هذا يوم بدر؛ قال عبدالله بن مسعود: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يُضعِفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا، وذلك قول الله - عز وجل -: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44] [3].

وقيل: قللوا في أعين بعضهم أولًا ليجترئ كل منهما على الآخر، ثم لما التحم القتال رأى كل فريق الآخر مثليهم.

34- الإشارة إلى أنه ليس الخبر كالعيان؛ لقوله تعالى: ﴿ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾.

35- تأييد الله تعالى بنصره من يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

36- إثبات الأفعال لله تعالى، والمشيئة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾[البروج: 16]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ [المائدة: 1].

37- الترغيب في التوجه إلى الله تعالى وسؤاله النصر، والتوكل عليه مع بذل أسباب النصر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

38- أن فيما ذكر من التقاء الفئتين المتقاتلتين، ورؤية إحداهما الأخرى مثليها، وتأييد الله بنصره للفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة عبرة وعظة لأصحاب الأبصار والبصائر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾.

39- أنه لا يعتبر بالوقائع والأحداث إلا أصحاب البصائر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.

40- الترغيب في أخذ العبرة والعظة من الوقائع؛ لأن الله أثنى على أهل البصائر وخصَّهم بالاعتبار، ويفهم من هذا ذم أهل الغفلة وعمي القلوب والبصائر.

[1] أخرجه أحمد (1/ 215)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[2] البيتان للشاعر محمد صادق عرنوس، من قصيدة نشرها في صحيفة الفتح، العدد 207، بتاريخ 14 صفر 1349هـ. انظر: «الوحدة الإسلامية في الشعر العربي الحديث» (ص166). والبيتان فيه بلفظ:
أيام كان المسلمون بحالة
مرهوبة والعود صلب المكسر
أيام كان الدين ملء قلوبهم
فأتوا على كسرى العظيم وقيصر


[3] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/ 246)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 606).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]