
05-12-2024, 08:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (312)
صــــــــــ 220 الى صـــــــــــ 226
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي» قال: فدل جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وصفت من انفراق حال المستحاضتين وفي قوله دليل على أنه ليس للحائض أن تستظهر بطرفة عين وذلك أنه أمر إحداهما إذا ذهبت مدة الحيض أن تغسل عنها الدم وتصلي وأمر الأخرى أن تربص عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ثم تغتسل وتصلي، والحديثان جميعا ينفيان الاستظهار فقلت للشافعي: فإنا نقول: تستظهر الحائض بثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي، ونقول: تتوضأ لكل صلاة (قال الشافعي) : فحديثاكم اللذان تعتمدون عليهما عن رسول الله يخالفان الاستظهار، والاستظهار خارج من السنة والآثار والمعقول والقياس وأقاويل أكثر أهل العلم فقلت: ومن أين؟ فقال الشافعي: أرأيتم استظهارها من أيام حيضها أم أيام طهرها؟ فقلت: هي من أيام حيضها فقال: فأسمعكم عمدتم إلى امرأة كانت أيام حيضها خمسا فطبق عليها الدم فقلتم نجعلها ثمانيا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها إذا مضت أيام حيضها قبل الاستحاضة أن تغتسل وتصلي وجعلتم لها وقتا غير وقتها الذي كانت تعرف فأمرتموها أن تدع الصلاة في الأيام التي أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصلي فيها قال: أفرأيتم إن قال لكم قائل لا يعرف السنة: تستظهر بساعة أو يوم أو يومين أو تستظهر بعشرة أيام أو ست أو سبع بأي شيء أنتم أولى بالصواب من أحد إن قال ببعض هذا القول هل يصلح أن يوقت العدد إلا بخبر عن رسول الله أو إجماع من المسلمين؟ ولقد وقتموه بخلاف ما رويتم عن رسول الله وأكثر أقاويل المسلمين ثم قلتم فيه قولا متناقضا فزعمتم أن أيام حيضها إن كانت ثلاثا استظهرت بمثل أيام حيضها وذلك ثلاث، وإن كان أيام حيضها اثني عشر استظهرت بمثل ربع أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كانت أيام حيضها خمسة عشر لم تستظهر بشيء، وإن كانت أربعة عشر استظهرت بيوم، وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين فجعلتم الاستظهار مرة ثلاثا ومرة يومين ومرة يوما ومرة لا شيء فقلت للشافعي: فهل رويتم في المستحاضة عن صاحبنا شيئا غير هذا؟ فقال: نعم شيئا عن سعيد بن المسيب وشيئا عن عروة بن الزبير (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر أن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ليسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة قال مالك: الأمر عندنا على حديث هشام بن عروة فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول عروة وندع قول ابن المسيب؟ فقال الشافعي: أما قول ابن المسيب فتركتموه كله ثم ادعيتم قول عروة وأنتم تخالفونه في بعضه فقلت وأين؟ قال: قال عروة: تغتسل غسلا واحدا يعني كما تغتسل المتطهرة وتتوضأ لكل صلاة يعني توضؤا من الدم للصلاة لا تغتسل من الدم إنما ألقي عنها الغسل بعد الغسل الأول، والغسل إنما يكون من الدم وجعل عليها الوضوء ثم زعمتم أنه لا وضوء عليها فخالفتم الأحاديث التي رواها صاحبنا وصاحبكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن المسيب وعروة وأنتم تدعون أنكم تتبعون أهل المدينة وقد خالفتم ما روى صاحبنا عنهم كله إنه لبين في قولكم أنه ليس أحد أترك على أهل المدينة لجميع أقاويلهم منكم مع ما تبين في غيره ثم ما أعلمكم ذهبتم إلى قول أهل بلد غيرهم فإذا انسلختم من قولهم وقول أهل البلدان ومما رويتم وروى غيركم، والقياس والمعقول فأي موضع تكونون به علماء وأنتم تخطئون مثل هذا وتخالفون فيه أكثر الناس
[باب الكلب يلغ في الإناء أو غيره]
سألت الشافعي عن الكلب يلغ في الإناء في الماء لا يكون فيه قلتان أو اللبن أو المرق قال: يهراق الماء واللبن والمرق ولا ينتفعون به ويغسل الإناء سبع مرات وما مس ذلك الماء واللبن من ثوب وجب غسله لأنه نجس فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» .
(قال الشافعي) : فكان بينا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الكلب يشرب الماء في الإناء فينجس الإناء حتى يجب غسله سبعا أنه إنما ينجس بمماسة الماء إياه فكان الماء أولى بالنجاسة من الإناء الذي إنما نجس بمماسته، وكان الماء الذي هو طهور إذا نجس فاللبن والمرق الذي ليس بطهور أولى أن ينجس بما نجس الماء فقلت للشافعي: فإنا نزعم أن الكلب إذا شرب في الإناء فيه اللبن بالبادية شرب اللبن وغسل الإناء سبعا لأن الكلاب لم تزل بالبادية فقال الشافعي: هذا الكلام المحال أيعدو الكلب أن يكون ينجس ما يشرب منه ولا يحل شرب النجس ولا أكله أو لا ينجسه فلا يغسل الإناء منه ولا يكون بالبادية فرض من النجاسة إلا وبالقرية مثله، وهذا خلاف السنة والقياس والمعقول والعلة الضعيفة وأرى قولكم: لم تزل الكلاب بالبادية حجة عليكم فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغسل الإناء من شرب الكلب سبعا والكلاب في البادية في زمانه وقبله وبعده إلى اليوم فهل زعمتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك على أهل القرية دون أهل البادية أو أهل البادية دون أهل القرية؟ أو زعم لكم ذلك أحد من أئمة المسلمين أو فرق الله بين ما ينجس بالبادية والقرية؟ أورأيت أهل البادية هل زعموا لكم أنهم يلقون ألبانهم للكلاب ما تكون الكلاب مع أهل البادية إلا ليلا لأنها تسرح مع مواشيهم ولهم أشح على ألبانهم وأشد لها إبقاء من أن يخلوا بينها وبين الكلاب، وهل قال لكم أحد من أهل البادية ليس يتنجس بالكلب وهم أشد تحفظا من غيرهم أو مثلهم أو لو قاله لكم منهم قائل أيؤخذ الفقه من أهل البادية وإن اعتللتم بأن الكلاب مع أهل البادية؟ أفرأيتم إن اعتل عليكم مثلكم من أهل الغباوة بأن يقول: الفأر والوزغان واللحكاء والدواب لأهل القرية ألزم من الكلاب لأهل البادية، وأهل القرية أقل امتناعا من الفأر ودواب البيوت من أهل البادية من الكلاب فإذا ماتت فأرة أو دابة في ماء رجل قليل أو زيته أو لبنه أو مرقه لم تنجسه هل الحجة عليه إلا أن يقال الذي ينجس في الحال التي ينجس فيها ينجس ما وقع فيه كان كثيرا بقرية أو بادية أو قليلا فكذلك الكلاب بالبادية والفأر والدواب بالقرية أولى أن لا تنجس إن كان فيما ذكرتم حجة وما علمت أحدا روى عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين أنه قال فيه إلا بمثل قولنا إلا أن من أهل زماننا من قال: يغسل الإناء من الكلب مرة واحدة وكلهم قال ينجس جميع ما يشرب منه الكلب من ماء ولبن ومرق وغيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن ممن تكلم في العلم من يختال فيه فيشبه والذي رأيتكم تختالونه لا شبهة فيه ولا مؤنة على من سمعه في أنه خطأ إنما يكفي سامع قولكم أن يسمعه فيعلم أنه خطأ لا ينكشف يتكلف ولا بقياس يأتي به فإن ذهبتم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر إذا ماتت الفأرة في السمن الجامد أن تطرح وما حولها فدل ذلك على نجاستها فقد أخبر أن النجاسة تكون من الفأرة وهي في البيوت، وإنما قال في الفأرة قولا عاما وفي الكلب قولا عاما فإن ذهبتم إلى أن الفأرة تنجس على أهل القرية ولا تنجس على أهل البادية فقد سويتم بين قوليكم وزدتم في الخطأ وإن قلتم إن ما لم يسم من
الدواب غير الفأرة والكلب لا ينجس فاجعل الوزغ لا ينجس؛ لأنه لم يذكر فإما أن تقولوا الوزغ ينجس ولا خير فيه قياسا وتزعمون أن الكلب ينجس مرة ولا ينجس أخرى فلا يجوز هذا القول. .
[باب ما جاء في الجنائز]
سألت الشافعي عن الصلاة على الميت الغائب وعلى القبر فقال: أستحبها فقلت له: وما الحجة فيها؟ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال «نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وكبر أربع تكبيرات» (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر مسكينة توفيت من الليل» قال وقد روى عطاء «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قوم ببلد آخر» قلت للشافعي: نحن نكره الصلاة على ميت غائب وعلى القبر فقال: فقد رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على النجاشي وهو غائب ورويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على ميت وهو في القبر غائب فكيف كرهتم ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد موصول من وجوه أنه صلى على قبور وصلت عائشة على قبر أخيها وغير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث الثقات غير مالك وإنما الصلاة دعاء للميت وهو إذا كان ملففا بيننا يصلي عليه فإنما ندعو بالصلاة بوجه علمنا فكيف لا ندعو له غائبا وهو في القبر بذلك الوجه؟ . .
[باب الصلاة على الميت في المسجد]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد» ، قلت للشافعي: فإنا نكره الصلاة على الميت في المسجد فقال: أرويتم هذا أنه صلى على عمر في المسجد فكيف كرهتم الأمر فيه وقد ذكره صاحبكم أذكر حديثا خالفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخترتم أحد الحديثين على الآخر فقلت: ما ذكر فيه شيئا علمناه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فكيف يجوز أن تدعوا ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحاب النبي أنهم فعلوه بعمر وهذا عندكم عمل مجتمع عليه؛ لأنا لا نرى من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا حضر موت عمر فتخلف عن جنازته فتركتم هذا بغير شيء رويتموه، وكيف أجزتم أن ينام في المسجد ويمر فيه الجنب طريقا ولا يجوز أن يصلى فيه على ميت (أخبرنا الربيع) : مات سعيد فخرج أبو يعقوب البويطي وخرجنا معه فصف بنا وكبر أربعا وصلينا عليه، وكان أبو يعقوب الإمام فأنكر الناس ذلك علينا وما بالينا. .
[مسائل في الحج]
[باب في فوت الحج]
. سألت الشافعي هل يحج أحد عن أحد؟ قال: نعم يحج عمن لا يقدر أن يثبت على المركب والميت قلت: وما الحجة؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس «أن الفضل بن العباس
كان رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم» وذلك في حجة الوداع (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن أيوب عن ابن سيرين «أن رجلا جعل على نفسه أن لا يبلغ أحد من ولده الحلب فيحلب فيشرب ويسقيه إلا حج وحج به معه فبلغ رجل من ولده الذي قال الشيخ وقد كبر الشيخ فجاء ابنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر فقال: إن أبي قد كبر ولا يستطيع أن يحج أفأحج عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: نعم» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وذكر مالك أو غيره عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس «أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة لا تستطيع أن نركبها على البعير وإن ربطتها خفت أن تموت أفأحج عنها؟ قال: نعم» فقلت للشافعي: فإنا نقول ليس على هذا العمل فقال: خالفتم ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من روايتكم ومن رواية غيركم علي بن أبي طالب يروي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن المسيب والحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى هذه الأحاديث وعلي وابن عباس وابن المسيب وابن شهاب وربيعة بالمدينة يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل وهذا أشبه شيء يكون مثله عندكم عملا فتخالفونه كله لغير قول أحد من خلق الله علمته من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع من عدا أهل المدينة من أهل مكة والمشرق واليمن من أهل الفقه يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل، فقلت للشافعي: فإن من حجة بعض من قال هذا القول أنه قال: إنه روي عن ابن عمر لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فجعل الحج في معنى الصيام والصلاة فقال الشافعي: وهذا قول الضعف فيه بين من كل وجه قال: أرأيتم لو قال ابن عمر لا يحج أحد عن أحد وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا أن يحج عن أحد كان في قول أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي مثلكم ولرأي بعض التابعين فتجعلونه لا حجة في قوله إذا شئتم لأنكم لو كنتم ترون في قوله حجة لم تخالفوه لرأي أنفسكم ثم تقيمون قوله مقاما تردون به السنة والآثار ثم تدعون في قوله ما ليس فيه من النهي عن الحج قياسا وما للحج والصلاة والصيام؟ هذا شريعة وهذا شريعة فإن قلتم قد يشتبهان لأنه عمل على البدن أفرأيتم إن قال لكم قائل: أنتم تزعمون أن الحج في معنى الصلاة والصوم وقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أن تحج عن أبيها» فأنا آمر الرجل أن يصلي عن الرجل ويصوم عنه هل الحجة عليه إلا أنه لا تقاس شريعة على شريعة؟ فكذلك الحجة عليكم أورأيتم ما فرقت بينه السنة مما هو أشد تقاربا منها فكيف فرقتم بينه؟ فإن قلتم ما هو؟ قلت: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر، ونهى عن المزابنة وأجاز بيع العرايا» وهي داخلة في المزابنة وداخلة في بيع الرطب بالتمر لو لم يجزها، فلما أجازها فرقنا بينهما بالسنة وقلنا: تجوز العرايا وهي رطب بتمر وكيل بجزاف؟ ولا يجوز ذلك إذا وضع بالأرض فكان التمر والرطب في الأرض معا فهذا أولى أن لا يفرق بينه بأنه شيء واحد بعضه حلال بما أحله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعضه منهي عنه بما نهى عنه رسول الله، وقد خالف هذا بعض المشرقيين فرأينا لنا عليهم بهذا حجة فالحجة عليكم بنصه أن يحج أحد عن أحد وأنتم تروونه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تروون عن أحد من أصحابه خلافه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكيف تقيسونه بالصوم
والصلاة أفرأيتم إذا كنتم تجيزون أن يحج أحد عن أحد إذ أوصى بذلك فخالفتم ما قلتم من أن لا يحج أحد عن أحد وأجزتم مثل ما رددتم فيه السنة أفيجوز لو أوصى أن يصلى عنه أو يصام عنه؟ فإن أجزتموه فقد دخلتم فيما كرهتم من أن يكون عمل آخر لغيره وإن لم تجيزوه فقد فرقتم بين الصلاة والصوم والحج. والله أعلم. .
[باب الحجامة للمحرم]
. باب الحجامة للمحرم سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم فقال: يحتجم ولا يحلق شعرا ويحتجم من غير ضرورة فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم يومئذ بلحي جمل» (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم» ، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه وقال: مالك مثل ذلك قال الشافعي: ما روى مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يذكر في حجامة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله فقال برأيه فكيف إذا سمعت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت بخلاف ما سمعت عنه لقول ابن عمر وأنتم لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى فينبغي أن تقولوا: إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقولون في الحجامة قولا متناقضا. .
[باب ما يقتل المحرم من الدواب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ وهو عندنا جواب على المسألة فكل ما جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الإحلال وأن يكون مضرا قتله المحرم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر المحرم أن يقتل الفأرة والغراب والحدأة مع ضعف ضرها إذ كانت مما لا يؤكل لحمه كان ما جمع أن لا يؤكل لحمه وضره أكثر من ضرها أولى أن يكون قتله مباحا في الإحرام، قلت: قد قال مالك: لا يقتل المحرم من الطير ما ضر إلا ما سمي وقال بعض أصحابه: كان قول النبي «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم جناح» يدل على أن ما سواهن على المحرم في قتله
جناح (قال الشافعي) : - رحمه الله: أفرأيتم الحية أسميت؟ فقد زعم مالك عن ابن شهاب أن عمر أمر بقتل الحيات في الحرم قلت: فيراها كلبا عقورا قال: أوتعرف العرب أن الحية كلب عقور؟ إنما الكلب عندها السبع والكلاب التي خلقها الله متقاربة كخلق الكلب، فإن قلتم: إنها قد تضر فتقتل، قيل غير مكابرة كما زعم صاحبكم أن الكلب العقور ما عدا على الناس فأخافهم وهي لا تعدو مكابرة، وإن ذهبتم إلى أنها تضر هكذا فقد أمر عمر بن الخطاب أن يقتل الزنبور في الإحرام والزنبور إنما هو كالنحلة فكيف لم تأمروا بقتل الزنبور وقد أمر به عمر وأمرتم بقتل الحية إذ أمر بها عمر؟ ما أسمعكم تأخذون من الأحاديث إلا ما هويتم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقلتم: يقتل المحرم الفأرة الصغيرة ولا يقتل الغراب الصغير وإذا قلتم هذا فقد أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنعتموه فإن قلتم: إنما أباح قتله على معنى أنه يضر والصغير لا يضر في حاله تلك فالفأرة الصغيرة لا تضر في حالها تلك فلا بد أن تخالفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغراب الصغير والفأرة الصغيرة وهذا حجة عليكم أزعمتم أن الغراب يقتل لمعنى ضرره فينبغي أن تقتل العقاب لأنها أضر منه، فإن قال: لا بل الحديث جملة لا المعنى، قيل: فلم لا يقتل الغراب الصغير لأنه غراب؟ .
سألت الشافعي عمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يرمي قال: يفعل ولا فدية ولا حرج، وكذلك كل ما كان يعمل في ذلك اليوم فقدم منه شيئا قبل شيء ناسيا أو جاهلا عمل ما يبقى عليه ولا حرج، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو بن العاص قال: «وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع للناس بمنى يسألونه فجاءه رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج» (قال الشافعي) : - رحمه الله - وبهذا كله نأخذ. .
[باب الشركة في البدنة]
سألت الشافعي هل يشتري السبعة جزورا فينحرونها عن هدي إحصار أو تمتع؟ قال: نعم قلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر قال: «نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا نحروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية بدنة عن سبعة وبقرة عن سبعة والعلم يحيط أنهم من أهل بيوتات شتى لا من أهل بيت واحد فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة متمتعين ومحصورين وعن كل سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة إذا لم يجدوا شاة وسواء اشتروها وأخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أو ملكوها بأي وجه ما كان ملك ومن زعم أنها تجزئ عن سبعة لو وهبت لهم أو ملكوها بوجه غير الشراء كانت المشتراة أولى أن تجزئ عنهم قلت للشافعي: فإنا نقول: لا تذبح البدنة إلا عن واحد ولا البقرة وإنما يذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته فإما أن يخرج كل إنسان منهم حصته من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فلا وإنما سمعنا لا يشترك في البدنة في النسك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد يجوز أو يقال لا يشترك في النسك أن يوجب الرجل النسيكة ثم يشرك فيها غيره وليس في هذا لأحد حجة لأنه كلام عربي ولا حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأصحابه وأهل الحديبية فكان ينبغي أن يكون هذا العمل عندكم لا تخالفونه لأنه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وألف وأربعمائة من أصحابه.
(قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض قال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة وأنتم تجعلون قول الواحد وفعله حجة في بعض الأشياء، فإذا وجدتم السنة وفعل ألف وأربعمائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أوجب عليكم أن تجعلوه حجة.
[باب التمتع في الحج]
سألت الشافعي عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: حسن غير مكروه وقد فعل ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما اخترنا الإفراد لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد غير كراهية للتمتع ولا يجوز إذا كان فعل التمتع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مكروها فقلت للشافعي: وما الحجة فيما ذكرت؟ قال: الأحاديث الثابتة من غير وجه وقد حدثنا مالك بعضها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه «سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يتذاكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد: بئسما قلت يا ابن أخي فقال الضحاك: فإن عمر قد نهى عن ذلك فقال سعد: قد صنعها رسول الله وصنعناها معه» فقلت للشافعي: قد قال مالك: قول الضحاك أحب إلي من قول سعد وعمر أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سعد.
(قال الشافعي) : عمر وسعد عالمان برسول الله وما قال عمر عن رسول الله شيئا يخالف ما قال سعد إنما روى مالك عن عمر أنه قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج ولم يرو عنه أنه نهى عن العمرة في أشهر الحج.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة وكنت ممن أهل بعمرة.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن حفصة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي» .
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فهذان الحديثان من حديث مالك موافقان ما قال سعد من أنه عمل بالعمرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج فكيف جاز لكم وأنتم ترون هذا أن تكرهوا العمرة فيه وأن تثبتوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما وصفت وادعيتم من خلاف عمر وسعد وعمر لم يخالف سعدا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما اختار شيئا غير مخالف لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تتركون أنتم على عمر اختياره وحكمه هو أكثر من الاختيار لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تتركونه لما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تتركونه لقولكم فإذا جاز لكم هذا فكيف يجوز لكم أن تحتجوا بقوله على السنة وأنكم تدعون أنه خالفها وهو لا يخالفها وما رويتم عنه يدل على أنه لا يخالفها فادعيتم خلاف ما رويتم وتخالفون اختياره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|