عرض مشاركة واحدة
  #329  
قديم 05-12-2024, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (329)
صــــــــــ 356 الى صـــــــــــ 363





[سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل]
قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يضرب للفارس بسهمين سهم له وسهم لفرسه ويضرب للراجل بسهم وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم واحد» والمسلمون بعد لا يختلفون فيه، وقال أبو حنيفة الفرس والبرذون سواء، وقال الأوزاعي كان أئمة المسلمين فيما سلف حتى هاجت الفتنة لا يسهمون للبراذين قال أبو يوسف - رضي الله تعالى عنه - كان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يكره أن تفضل بهيمة على رجل مسلم ويجعل سهمها في القسم أكثر من سهمه. فأما البراذين فما كنت أحسب أحدا يجهل هذا ولا يميز بين الفرس والبرذون ومن كلام العرب المعروف الذي لا تختلف فيه العرب أن تقول هذه الخيل ولعلها براذين كلها أو جلها ويكون فيها المقاريف أيضا ومما نعرف نحن في الحرب أن البراذين أوفق لكثير من الفرسان من الخيل في لين عطفها وقودها وجودتها مما لم يبطل الغاية وأما قول الأوزاعي على هذا كانت أئمة المسلمين فيما سلف فهذا كما وصف من أهل الحجاز أو رأي بعض مشايخ الشام ممن لا يحسن الوضوء ولا التشهد ولا أصول الفقه صنع هذا فقال الأوزاعي بهذا مضت السنة وقال أبو يوسف بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن غيره من أصحابه أنه أسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم وبهذا أخذ أبو يوسف.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم.
(قال الشافعي) وأخبرنا عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأما ما حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم فلو لم يكن في هذا خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان محجوجا بخلافه لأن قوله لا أفضل بهيمة على مسلم خطأ من وجهين أحدهما أنه كان إذا كان أعطى بسبب الفرس سهمين كان مفضلا على المسلم إذ كان إنما يعطي المسلم سهما انبغى له أن لا يسوي البهيمة بالمسلم ولا يقربها منه وإن هذا كلام عربي وإنما معناه أن يعطي الفارس سهما له وسهمين بسبب فرسه لأن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال جل وعز {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60] فإذا أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا فإنما سهما الفرس لراكبه لا للفرس والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه بعنائه والمؤنة عليه فيه وما ملكه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما تفضيل الأوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن الأسود بن قيس عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبي حمصة الهمداني ففضل الخيل على الكوادن وقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهم يروون في هذا أحاديث كلها أو بعضها أثبت مما احتج به أبو يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهي عليه ولكن هذه منقطعة والذي نذهب إليه من هذا التسوية بين الخيل العراب والبراذين والمقاريف ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه. وقال أبو حنيفة إذا كان الرجل في الديوان راجلا ودخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو
فارس أنه لا يضرب له إلا سهم راجل وقال الأوزاعي لم يكن للمسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديوان وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسهم للخيل وتتابع على ذلك أئمة المسلمين وقال أبو يوسف ليس فيما ذكر الأوزاعي حجة ونحن أيضا نسهم للفارس كما قال فهل عنده أثر مسند عن الثقات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم سهم فارس لرجل غزا معه راجلا ثم استعار أو اشترى فرسا فقاتل عليه عند القتال ويفسرها هكذا وعليه في هذا أشياء أرأيت لو قاتل عليه بعض يوم ثم باعه من آخر فقاتل عليه ساعة أكل هؤلاء يضرب لهم بسهم فرس وإنما هو فرس واحد هذا لا يستقيم وإنما توضع الأمور على ما يدخل عليه الجند فمن دخل فارسا أرض الحرب فهو فارس ومن دخل راجلا فهو راجل على ما عليه الدواوين منذ زمن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى يومك هذا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
القول ما قال الأوزاعي وقد زعم أبو يوسف أن السنة جرت على ما قال وعاب على الأوزاعي أن يقول قد جرت السنة بغير رواية ثابتة مفسرة ثم ادعاها بغير رواية ثابتة ولا خبر ثابت ثم قال الأمر كما جرى عليه الديوان منذ زمان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وهو لا يخالف في أن الديوان محدث في زمان عمر وأنه لم يكن ديوان في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبي بكر ولا صدر من خلافة عمر وأن عمر إنما دون الديوان حين كثر المال والسنة إنما تكون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم فهذا الدليل على ما قال الأوزاعي لأنه لا يسهم عنده ولا عنده إلا لمن حضر القتال فإذا لم يكن حاضر القتال فارسا فكيف يعطى بفرسه ما لا يعطى ببدنه وأما قوله إن قاتل هذا عليه يوما وهذا يوما أيعطى كل واحد سهم فارس فلا يعطى بفرس في موضعين كما لا يعطى لو قاتل في موضعين إلا أن تكون غنيمة فلا يعطى بشيء واحد في موضعين والسهم للفارس المالك لا لمن استعار الفرس يوما ولا يومين إذا حضر المالك فارسا القتال ولو بعضنا بينهم سهم الفرس ما زدناه على سهم فرس واحد كما لو أسهمنا للراجل ومات لم نزد ورثته على سهم واحد، وكذلك لو خرج سهمه إلى بعير اقتسموه فقال بعض من يذهب مذهبه إني إنما أسهمت للفارس إذا دخل بلاد الحرب فارسا للمؤنة التي كانت عليه في بلاد الإسلام قلنا فما تقول إن اشترى فرسا قبل أن يفرض عليه الديوان في أدنى بلاد الحرب بساعة؟ قال يكون فارسا إذا ثبت في الديوان قلنا فما تقول في خراساني أو يماني قاد فرسا من بلاده حتى أتى بلاد العدو فمات فرسه قبل أن تنتهي الدعوة إليه؟ قال فلا يسهم له سهم فرس؟ قلنا فقد أبطلت مؤنة هذين في الفرس وهذان أكثر مؤنة من الذي اشتراه قبل الديوان بساعة
وقال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل أنه لا يضرب له بسهم في الغنيمة وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من المسلمين قتل بخيبر» فاجتمعت أئمة الهدي على الإسهام لمن مات أو قتل. وقال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يضرب لأحد ممن استشهد معه بسهم في شيء من المغانم قط وأنه لم يضرب لعبيدة بن الحارث في غنيمة بدر ومات بالصفراء قبل أن يدخل المدينة» .
وقال أبو يوسف ما قاله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفيء وغيره حال ليست لغيره وقد «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - في بدر ولم يشهدها فقال وأجري يا رسول الله؟ قال وأجرك قال وأسهم أيضا لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها فقال وأجري؟ فقال وأجرك» ولو أن إماما من أئمة المسلمين أشرك قوما لم يغزوا مع الجند لم يتسع ذلك له وكان مسيئا فيه وليس للأئمة في
هذا ما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لأحد من الغنيمة ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر وقد قتل بها رهط معروفون فما نعلم أنه أسهم لأحد منهم.
وهذا ما لا يختلف فيه فعليك من الحديث بما تعرف العامة وإياك والشاذ منه فإنه حدثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فخطب الناس فقال إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني» مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن البختري عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال "إذا أتاكم الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فظنوا أنه الذي هو أهدى والذي هو أتقى والذي هو أحيا" أشعث بن سوار وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري أنه قال أقبلت في رهط من الأنصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يمشي حتى انتهينا إلى مكان قد سماه. ثم قال هل تدرون لم مشيت معكم يا معشر الأنصار؟ قالوا نعم لحقنا قال إن لكم الحق ولكنكم تأتون قوما لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فاقتلوا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا شريككم فقال قرظة لا أحدث حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدا كان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بشاهدين ولولا طول الكتاب لأسندت الحديث لك وكان علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لا يقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرواية تزداد كثرة ويخرج منها ما لا يعرف ولا يعرفه أهل الفقه ولا يوافق الكتاب ولا السنة فإياك وشاذ الحديث وعليك بما عليه الجماعة من الحديث وما يعرفه الفقهاء وما يوافق الكتاب والسنة فقس الأشياء على ذلك فما خالف القرآن فليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن جاءت به الرواية.
حدثنا الثقة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه «إني لأحرم ما حرم القرآن والله لا يمسكون علي بشيء فاجعل القرآن والسنة المعروفة لك إماما قائدا واتبع ذلك وقس عليه ما يرد عليك مما لم يوضح لك في القرآن والسنة» .
حدثنا الثقة «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسمة هوازن أن وفد هوازن سألوه فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس إذا صليت الظهر فقوموا وقولوا إنا نتشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت الأنصار مثل ذلك وقال عباس بن مرداس أما ما كان لي ولبني سليم فلا وقالت بنو سليم أما ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الأقرع بن حابس أما ما كان لي ولبني تميم فلا وقال عيينة أما ما كان لي ولبني فزارة فلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمسك بحصته من هذا السبي فله بكل رأس ست فرائض من أول فيء نصيبه» فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم فرد الناس ما كان في أيديهم ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا حال لا تشبه حال الناس ولو أن إماما أمر جندا أن يدفعوا ما في أيديهم من السبي إلى أصحاب السبي بست فرائض كل رأس لم يجز ذلك له ولم ينفذ ولم يستقم ولا تشبه الأئمة في هذا والناس النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أما ما ذكر من أمر بدر وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسهم لعبيدة بن الحارث فهو عليه إن كان كما زعم أن الغنيمة
أحرزت وعاش بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهما فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنيمة وأعطى عبيدة سهمه وهو حي ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم الغنيمة فأما ما ذكر من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله فقد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدرا وإنما نزل تخميس الغنيمة نفل الأربعة الأسهم بعد الغنيمة.
(قال الشافعي) : وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من شهد فأما الرواية المتظاهرة عندنا فكما وصفت قال الله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] فكانت غنائم بدر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء وإنما نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} [الأنفال: 41] بعد بدر على ما وصفت لك يرفع خمسها ويقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب فإنه سن أنه للقاتل في الإقبال فكان السلب خارجا منه وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل كان يأخذه من سهمه من الخمس وإلا البالغين من السبي فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سن فيهم سننا فقتل بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين فالإمام في البالغين من السبي مخير فيما حكيت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنه فيهم فإن أخذ من أحد منهم فدية فسبيلها سبيل الغنيمة وإن استرق منهم أحدا فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة وإن أقاد بهم بقتل أو فادى بهم أسيرا مسلما فقد خرجوا من الغنيمة وذلك كله كما وصفت وأما قوله في سبي هوازن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوهبهم من المسلمين فكما قال وذلك يدل على أنه يسلم كالمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفسا وأما قوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمن ست فرائض بكل سبي شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمنا عن رضا ممن قبله ولم يرض عيينة فأخذ عجوزا وقال أعير بها هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا جدها بماجد فقال حقا ما تقول؟ .
قال إي والله قال فأبعدها الله وأباها ولم يأخذ بها عوضا.
وأما قوله نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من الثقات وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيرا وقضى مثله وإذا زعم أن الحيوان لا يجوز نسيئة لأنه لا يكال ولا يوزن ولا يذرع ولا يعلم إلا بصفة وقد تقع الصفة على البعيرين وهما متفاوتان فهو محجوج بقوله لأنه لا يجيز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهر النساء والديات وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد أجازها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسيئة فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة وإن زعم أن المسلمين أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة فقد رغب عما أجاز المسلمون ودخل بعضهم فيه وأما ما ذكر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» فما أحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط فيه حكم إلا بما أحله الله به وكذلك ما حرم شيئا قط فيه حكم إلا بما حرم بذلك أمر وكذلك افترض عليه قال الله عز وجل {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} [الزخرف: 43] ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه وشهد له أنه على صراط مستقيم وكذلك قال {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] فأخبر أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله وشهد له بأنه هاد مهتد.
وكذلك يشهد له
قوله «لا يمسكن الناس علي بشيء» فإن الله أحل له أشياء حظرها على غيره مثل عدد النساء وأن يتهب المرأة بغير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا على غيره فقال «لا يمسكن الناس علي بشيء» يعني مما خص به دونهم فإن نكاحه أكثر من أربع ولا يحل لهم أن يبلغوه لأنه انتهى بهم إلى الأربع ولا يجب عليهم ما وجب عليه من تخيير نسائه لأنه ليس بفرض عليهم فأما ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان محجوجا به وليس يخالف القرآن الحديث ولكن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبين معنى ما أراد الله خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما من بفرض الله فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله عز وجل قبل لأن الله تعالى أبان ذلك في غير موضع من كتابه قال الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت} [النساء: 65] الآية وقال عز وجل {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] وبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله عز وجل أخذنا به» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو كان كما قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - دخل من رد الحديث عليه ما احتج به على الأوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم جمع ما بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل ذي ناب من السباع وغير ذلك، قال أبو حنيفة - رحمه الله - إذا دخل الجيش أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام مددا لهم ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا بها إلى دار الإسلام فهم شركاء فيها، وقال الأوزاعي قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم ولا تشارك واحدة منهما صاحبتها في شيء أصابته من الغنيمة لا ينكر ذلك منهم والي جماعة ولا عالم، وقال أبو يوسف حدثنا الكلبي وغيره «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث أبا عامر الأشعري يوم حنين إلى أوطاس فقاتل من بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئا واحدا» وحدثنا مجالد عن عامر الشعبي وزياد بن علاقة الثعلبي أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة. محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعث عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة من المسلمين مددا لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبي أمية فوافقوا الجند قد افتتح البحثر في اليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدرا في الغنيمة وقال أبو يوسف فما كنت أحسب أحدا يعرف السنة والسيرة يجهل هذا ألا ترى أنه لو غزا أرض الروم جند فدخل فأقام في بعض بلادهم ثم فرق السرايا وترك الجند ردءا لهم لولا هؤلاء ما اقترب السرايا أن يبلغوا حيث بلغوا وما أظنه كان للمسلمين جند عظيم في طائفة أخطأهم أن يكون مثل هذا فيهم وما سمعنا بأحد منهم قسط الغنائم مفترقة على كل سرية أصابت شيئا ما أصابت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : احتج أبو يوسف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين من كان مع أبي عامر وهذا كما قال وليس مما قال الأوزاعي وخالفه هو فيه بسبيل أبو عامر كان في جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه بحنين فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في اتباعهم وهذا جيش
واحد كل فرقة منهم ردء للأخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئا دون السرية أو السرية شيئا دون الجيش كانوا فيه شركاء لأنهم جيش واحد وبعضهم ردء لبعض وإن تفرقوا فساروا أيضا في بلاد العدو فكذلك شركت كل واحدة من الطائفتين الأخرى فيما أصابوا فأما جيشان مفترقان فلا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد ولا أحدهما ردء لصاحبه مقيم له عليه ولو جاز جاز أن يشرك أهل طرسوس وغذقذونة من دخل بلاد العدو لأنهم قد يعينونهم أو ينفروا إليهم حين ينالون نصرتهم في أدنى بلاد الروم وإنما يشترك الجيش الواحد الداخل واحدا وإن تفرق في ميعاد اجتماع في موضع وأما ما احتج به من حديث مجالد أن عمر كتب فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركهم في الغنيمة فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته عنه فهو محجوج به لأنه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد الإسلام عشية وجاءهم المدد والقتلى يتشحطون في دمائهم لم يشركوهم ولو قتلوهم فنفقوا وجاءوا والجيش في بلاد العدو قد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم الجيش المدد بأشهر شركوهم فخالف عمر في الأول والآخر واحتج به فأما ما روي عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة فإن زيادا كتب فيه إلى أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - فكتب أبو بكر إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا نفسا أن أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم وهذا قولنا وهو يخالفه ويروى عنه خلاف ما رواه عنه أهل العلم بالغزو.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في المرأة تداوي الجرحى وتنفع الناس لا يسهم لها ويرضخ لها وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء بخيبر وأخذ المسلمون بذلك بعده» قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ما كنت أحسب أحدا يعقل الفقه يجهل هذا ما يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للنساء في شيء من غزوه وما جاء في هذا من الأحاديث كثير لولا طول ذلك لكتبت لك من ذلك شيئا كثيرا ومحمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن ابن هرمز قال كتب نجدة إلى ابن عباس كان النساء يحضرن الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكتب إليه ابن عباس «كان النساء يغزون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يرضخ لهن من الغنيمة ولم يكن يضرب لهن بسهم» والحديث في هذا كثير والسنة في هذا معروفة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا كما قال أبو حنيفة يرضخ لهن ولا يسهم والحديث في هذا كثير وهذا قول من حفظت عنه من حجازيينا.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره أن ابن عباس كتب إلى نجدة كتبت تسألني هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء فقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى وذكر كلمة أخرى وكتبت تسألني هل «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب لهن بسهم فلم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة» وإنما ذهب الأوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو منقطع روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين وضرب لليهود وللنساء بمثل سهمان الرجال، والحديث المنقطع لا يكون حجة عندنا وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس أنه متصل وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس، قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - فيمن يستعين به المسلمون من أهل الذمة فيقاتل معهم العدو لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم، وقال الأوزاعي أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن غزا معه من يهود وأسهم ولاة المسلمين بعده لمن استعانوا به على عدوهم من أهل الكتاب والمجوس، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ما كنت أحب أحدا من أهل الفقه يجهل هذا ولا يشك الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
أنه قال «استعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم» والحديث في هذا معروف مشهور والسنة فيه معروفة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
والقول ما قال أبو حنيفة وعذر الأوزاعي فيه ما وصفت قبل هذا وقد رأيت أهل العلم بالمغازي يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رضخ لمن استعان به من المشركين وقد روى فيه حديثا موصولا لا يحضرني ذكره.
[سهمان الخيل]

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
في الرجل يكون معه فرسان لا يسهم له إلا لواحد وقال الأوزاعي يسهم لفرسين ولا يسهم لأكثر من ذلك وعلى ذلك أهل العلم وبه عملت الأئمة، قال أبو يوسف لم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه أنه أسهم للفرسين إلا حديث واحد وكان الواحد عندنا شاذا لا نأخذ به، وأما قوله بذلك عملت الأئمة وعليه أهل العلم فهذا قول أهل الحجاز وبذلك مضت السنة وليس يقبل هذا ولا يحمل هذا الجهال فمن الإمام الذي عمل بهذا والعالم الذي أخذ به حتى ننظر أهو أهل لأن يحمل عنه مأمون هو على العلم أو لا؟ وكيف يقسم للفرسين ولا يقسم لثلاثة من قبل ماذا؟ وكيف يقسم للفرس المربوط في منزله لم يقاتل عليه وإنما قاتل على غيره؟ فتفهم في الذي ذكرنا وفيما قال الأوزاعي وتدبره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أحفظ عمن لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد وبهذا آخذ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن عبد الله بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهم - كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذوي القربى سهم أمه صفية يعني يوم خيبر وكان سفيان بن عيينة يهاب أن يذكر يحيى بن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد وروى مكحول «أن الزبير حضر خيبر فأسهم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أسهم سهم له وأربعة أسهم لفرسيه» فذهب الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا وهشام بن عروة أحرص لو أسهم لابن الزبير لفرسين أن يقول به فأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه بحرصه على زيادته، وإن كان حديثه مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا إنهم لم يرووا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد، قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يسهم لصبي في الغنيمة، وقال الأوزاعي يسهم لهم وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم بخيبر لصبي في الغنيمة وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وقال أبو يوسف ما سمعنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم لصبي وإن هذا لغير معروف عن أهل العلم ولو كان هذا في شيء من المغازي ما خفي علينا. محمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن رجل أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه: كتبت تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم فإنه يخرج من اليتم إذا احتلم ويضرب له بسهم.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - حدثنا عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله شك أبو محمد الربيع عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز

فكتب إلى عماله في المقاتلة فلو كان هذا كما قال الأوزاعي لإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وما أحد من المهاجرين والأنصار ولد له ولد في سفر من أسفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا محمد بن أبي بكر فإن أسماء ولدته بذي الحليفة في حجة الإسلام فثبت من هذه الأحاديث والفتيا والله أعلم أن غزوهم ومقامهم فيه كان أقل مدة من أن يتفرغوا للنساء والأولاد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الحجة في هذا مثل الحجة في المسألة قبل في النساء وأهل الذمة يرضخ للغلمان ولا يسهم لهم ولا يسهم للنساء ويرضخ.
قال أبو حنيفة في رجل من المشركين يسلم ثم يلحق بعسكر المسلمين في دار الحرب أنه لا يضرب له بسهم إلا أن يلقى المسلمون قتالا فيقاتل معهم وقال الأوزاعي من أسلم في دار الشرك ثم رجع إلى الله وإلى أهل الإسلام قبل أن يقتسموا غنائمهم فحق على المسلمين إسهامه وقال أبو يوسف فكر في قول الأوزاعي ألا ترى أنه أفتى في جيش من المسلمين دخل في دار الحرب مددا للجيش الذي فيها أنهم لا يشركون في المغانم وقال في هذا أشركه وإنما أسلم بعدما غنموا والجيش المسلمون المدد الذين شددوا ظهورهم وقووا من ضعفهم وكانوا ردءا لهم وعونا لا يشركونهم ويشرك الذي قاتلهم ودفعهم عن الغنيمة بجهده وقوته حتى أعان الله عليه فلما رأى ذلك أسلم فأخذ نصيبه.
سبحان الله ما أشد هذا الحكم والقول وما نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدا من السلف أنه أسهم لمثل هذا وبلغنا أن رهطا أسلموا من بني قريظة فحقنوا دماءهم وأموالهم ولم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم لأحد منهم في الغنيمة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالغزوات أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة أخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وبهذا نقول وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء يثبت ما روي عن أبي بكر وعمر لا يحضرني حفظه فمن شهد قتالا ثم أسلم فخرج من دار الحرب أو كان مع المسلمين مشركا فأسلم أو عبدا فأعتق وجاء من حيث جاء شرك في الغنيمة ومن لم يأت حتى تنقضي الحرب وإن لم تحرز الغنائم لم يشرك في شيء من الغنيمة لأن الغنيمة إنما كانت لمن حضر القتال ولو جاز أن يشرك في الغنيمة من لم يحضر القتال ويكون ردءا لأهل القتال غازيا معهم جاز أن يسهم لمن قارب بلاد العدو من المسلمين الذين هم مجموعون على الغوث لمن دخل بلاد الحرب من المسلمين.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في التاجر يكون في أرض الحرب وهو مسلم ويكون فيها الرجل من أهل الحرب قد أسلم فيلحقان جميعا بالمسلمين بعدما يصيبون الغنيمة أنه لا يسهم لهما إذ لم يلق المسلمون قتالا بعد لحاقهما وقال الأوزاعي يسهم لهما وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - وكيف يسهم لهذين ولا يسهم للجند الذين هم ردء لهم ومعونة؟ ما أشد اختلاف هذا القول؟ ، وعلم الله أنه لم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من السلف أنه أسهم لهؤلاء وليسوا عندنا ممن يسهم لهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : في التاجر المسلم والحربي يسلم في بلاد الحرب يلتقيان بالمسلمين لا يسهم لواحد منهما إلا أن يلقيا مع المسلمين قتالا فيشتركان فيما غنم المسلمون وهذا مثل قولنا الأول وكان ينبغي لأبي حنيفة إذا قال هذا أن يقوله في المدد فقد قال في المدد خلافه فزعم أن المدد يشركون الجيش ما لم يخرج بالغنيمة من بلاد الحرب فإن قال على أولئك عناء لم يكن على هذين فقد ينبعثون من أقصى بلاد الإسلام بعد الوقعة بساعة ولا يجعل لهم شيئا فلو جعل لهم ذلك بالعناء جعله ما لم تقسم الغنيمة ولو جعله بشهود
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]