عرض مشاركة واحدة
  #388  
قديم 06-12-2024, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (349)

صـــــ(1) إلى صــ(16)




حكم المقاسمة بين الشريكين قبل تصفية الحقوق
قال رحمه الله: [ولا يقسم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما] : قوله: (ولا يقسم) : المال في المضاربة.
(مع بقاء العقد): عقد المضاربة.
(إلا باتفاقهما): أي: باتفاق الطرفين.
صورة هذه المسألة: لو أعطاه عشرين ألفا، وقال له: خذها، اضرب بها في الأرض وتاجر بها، فأخذها ووضعها في تجارة العطور -مثلا-، وبعد شهور ربحت هذه العشرون ضعفها، وفي هذه الحالة لو أصبح المال -مثلا- أربعين ألفا: عشرون رأس المال، وعشرون ربحا، فهذه العشرون التي هي ربح موجودة في أعيان، عشرة منها نقد وسيولة، وعشرة منها في المحل، فأصبح رأس مال المحل ثلاثين ألفا، وعشرة آلاف سيولة، فقال العامل لرب المال: يا فلان! لو أن هذه العشرة قسمناها بيننا بما اتفقنا عليه؟! الأصل الشرعي يقتضي أن المضاربة لا يقسم فيها المال إلا بعد أن تصفى الحقوق، ويرد رأس المال إلى رب المال، ثم يجبر ما في المال من حقوق، وتفك الرهونات وغير ذلك من الاستحقاقات من الديون وغيرها، ثم يقسم بعد ذلك الربح؛ لكن لو أن الطرفين اتفقا على هذه العشرة آلاف أن يقسماها بينهما فحينئذ قال بعض العلماء: من حقهما ذلك؛ لأنه لو حصل انكسار فسيكون على الطرفين.
وقال بعض العلماء: ليس من حقهما ذلك؛ لأن المضاربة لا زالت قائمة، فلربما حصل انكسار إلى درجة دخول الانكسار على رأس المال، صحيح أنهما الاثنان أخذا العشرة آلاف مقاسمة، فقد يكون هناك خسارة حتى تدخل على رأس المال، والخسارة التي تدخل على رأس المال لا حظ فيها على العامل، ولا يغرم فيها العامل، فقالوا: وفي هذه الحالة إذا حصلت القسمة قبل تصفية الحقوق ولم يجر على سنن المضاربة ففيه مخاطرة.
وهذا القول لا شك أنه أورع وأحوط وأليق وألزم للأصل؛ أنه لا يقتسم ولو رضي الطرفان؛ لكن إذا أرادا أن يقتسما فيفسخان عقد المضاربة الأولى ويصفيانها ثم ينشئان مضاربة جديدة، أما والمضاربة الأولى قائمة، ففيه تغرير ومخاطرة على الوجه الذي ذكرناه.

صور الخسارة والانكسار في المضاربة
قال رحمه الله تعالى: [وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر جبر من الربح قبل قسمته أو تنضيضه] : إذا أعطى رجل إلى آخر ماله ليضارب به، فحصلت خسارة أو انكسار فهذا يكون على صور:

قبل الدخول في التجارة
الصورة الأولى: أن يعطيه المال فيشتري به العروض، وبمجرد شراء العروض تنزل أسعارها وينكسر سوقها قبل تصريفها وبيعها، فتصبح الخسارة والعروض قائمة.
مثال ذلك: أعطاه -مثلا- مليون ريال وقال له: اذهب وضارب بها.
فقال: من المصلحة أن نضارب في السيارات.
فاشترى عشر سيارات، كل سيارة بمائة ألف، فبمجرد ما اشترى العشر سيارات من هذا النوع كسد سوقها، وأصبحت بنصف قيمتها، فحينئذ العين موجودة وهي السيارات، والخسارة محكوم بها قبل البيع والتصريف والتنضيض، والتنضيض: أن تباع السيارات ويقصد النقد، فنض المال بمعنى: أن العروض تصفى بالنقدين إما الذهب وإما الفضة.
ففي هذه الحالة: إذا حصلت الخسارة وقعت قبل الدخول في التجارة.

بعد الدخول في التجارة
والحالة الثانية: تكون الخسارة بعد الدخول في التجارة.
وإذا كانت بعد الدخول في التجارة: فتارة تكون الخسارة مباشرة: يعني: بمجرد دخوله وبيعه وشرائه تنكسر البضائع ويكسد السوق وتحصل الخسارة إما بانكسار بعض البضائع دون بعض، أو بانكسار كل البضائع.
مثال الأول: أن يشتري طعاما وقماشا، فالطعام يربح، والقماش ينكسر على وجه يأخذ ربح الطعام وزيادة، فحينئذ تكون الخسارة في الأمرين.
فإن كانت الخسارة والعروض قائمة والعقد على عرض معين، فحينئذ لا إشكال، ويكون الواجب كالآتي: يبيع هذه الأعيان ويجب على العامل أن يبيع، فلا يقول العامل: أنا ليس لي مصلحة في هذه المضاربة، بل إنها خسارة، وهو واثق أنه سيخسر؛ لأن العامل لا يأخذ شيئا إلا إذا ربح، فإذا علم أن السيارات خسرت قد يعترض ويقول: لا أريد أن أبيعها؛ لأنه لا مصلحة لي في البيع، فيلزم شرعا بتصريف البضائع وبيعها وتنضيض المال، أي: رده بالنقدين، فلو قال له رب المال: بع السيارات، وامتنع، أجبره القاضي على البيع، وألزمه بالجلوس في المحل وتصريف البضائع تصريفا على الوجه المعروف ولا يضر برب المال من هذا الوجه؛ لأنه دخل على أساس أن يتحمل مسئولية المتاجرة، فيبيع ويشتري رابحا وخاسرا.
إذا: في حالة شراء الأعيان إذا كان العامل امتنع عن بيعها بعد كسادها وخسارة سوقها، يلزم شرعا بذلك، فلو امتنع العامل امتناعا كليا، وقال: لا أبيع مهما كان الأمر، ومهما كلفني الأمر، فزجره القاضي ووعظه وخوفه بالله أن الأصل في العقد بينهما يحتم عليه ذلك، فإن قال: لا أبيع، وامتنع امتناعا كليا، في هذه الحالة يقيم القاضي شخصا يبيع السلع ويبيع البضائع ويلزمه بدفع أجرة ذلك الشخص.
إذا: في حال الكساد والخسارة لو امتنع العامل وقال: لا مصلحة لي، ولا أبيع شيئا فيه خسارة لا حظ لي فيه، وهذا سيأخذ مني شهورا أو يأخذ مني وقتا.
نقول: ليس من حقك ذلك، بل إن أصل الاتفاق بينك وبين رب المال يحتم عليك أن تقوم بتصريف البضاعة كما اشتريتها، هذا بالنسبة لحال الأعيان.
قد تحصل الخسارة بعد الدخول في البيع والشراء: وهذه تأتي على صورة، كأن يقوم صاحب المال ويعطي للمضارب مالا كأن يعطيه مائة ألف ويتنوع في البضائع، وتحصل الخسارة كما ذكرنا، في بعض البضائع دون بعض، فتجبر البضائع بعضها ببعض، مثال ذلك: لو أعطاه مليونا، فجعل نصف المليون في السيارات، ونصفها في الأراضي، فالنصف الذي في السيارات خسر النصف، فأصبحت السيارات تباع بمائتين وخمسين، والنصف الذي في الأراضي والعمائر والدور ربح مائتين وخمسين ألفا فيضم ربح هذا إلى خسارة ذاك، ونوجب على العامل رد المليون كاملة إلى صاحب المال.
ولا يقول: إنني ربحت في هذا فآخذ، أو خسرت في هذا ولا أتحمل، بل نقول: المال واحد، والمضاربة واحدة.
لكن لو أنه قال له: هذه خمسمائة ألف ضارب بها، فدخل بها في الأراضي، ثم جاءه بخمسين ألفا ثانية، فدخل بها في الطعام، فالتي في الأراضي خسرت، والتي في الطعام ربحت، على أنهما منفصلين كالشخصين، كان للعامل ربح الثانية، ورد المال الخاسر في العقار إلى رب المال، مثال ذلك: أعطاه مليونا وقال له: هذه -مثلا- خمسمائة ألف اضرب بها في الأرض، فذهب واشترى بها قطعتين من الأرض كل قطعة بمائتين وخمسين، فخسر في هاتين القطعتين، وأصبحتا تباعان بنصف القيمة، وأصبح المبلغ الذي تبقى من التجارة ومن المضاربة في الأراضي هو مائتان وخمسون، يعني: على نصف القيمة ورأس المال، فلو أنه وهو يتاجر في الأراضي أعطاه المائتين والخمسين الثانية، وقال: اضرب بها في تجارة أخرى، يعني: هذه عقدها منفصل عن عقد الأولى، فأخذ الخمسمائة ألف الثانية وضرب بها في الطعام -كما ذكرنا- فربح في الطعام ما يعادل مائتين وخمسين، فتصبح تجارة الطعام صفت على سبعمائة وخمسين ألفا، خمسمائة رأس المال، ومائتان وخمسون الربح، فنقول: هذه المائتان والخمسون لا يجبر بها كسر الأرض؛ لأن المضاربة الثانية خلاف المضاربة الأولى، كالمضاربة بين شخصين، ويكون حينئذ الربح في الثانية مستحقا على ما اتفقا عليه، وللعامل حظه ونصيبه، ويرجع في مضاربة الأرض فيرد رأس المال ناقصا نصفه، ويكون الغرم على رب المال وحده، هذا في حالة ما إذا انفصل عقدا المضاربة في حال الخسارة وحال الربح.
إذا: نقول: إذا أعطاه مال المضاربة مالا واحدا بعقد واحد فلا إشكال، فلو ربح بعض هذا العقد وخسر البعض يوفق بين الكل وننظر النتيجة، هل فيها ربح أو خسارة؟ فإن كان فيها ربح قسم بينهما على ما اتفقا، وإن كان فيه خسارة فإنه يرد لرب المال ماله، وأما إذا أعطاه المال فجزأ، أي: أعطاه جزءا مضاربة ثم أنشأ مضاربة ثانية فحصل ربح في الأولى دون الثانية، أو العكس، لم يجبر خسران هذه بربح تلك، فتكون كل مضاربة على ما اتفقا عليه.
وعلى هذا يكون هناك عقدان للمضاربة، فما حصل فيه النماء والربح قسم الربح على ما اتفقا، وما حصل فيه الخسران رد فيه العامل المال إلى ربه، ولا يقسم الربح إلا بعد رد رأس المال.
وبناء على هذه المسألة تترتب مسائل، فنقول: أولا: الأصل الشرعي يقتضي أن العامل لا يطالب بربح إلا بعد أن يصفى مال المضاربة، فتباع جميع الأعيان وهو تنضيض المال، فلا يأت عامل -مثلا- أعطيته مليونا فاشترى خمس عمائر، فأصبحت بخمسة ملايين، فيقول لك: أعطني ربحي الآن.
فتقول له: لا.
حتى تبيعها، وتحضر لي الخمسة ملايين، وبعد ذلك تأخذ حقك وآخذ حقي.
فلا تحصل القسمة، ولا يطالب لا رب المال ولا العامل بشيء من الربح إلا بعد تنضيض المال، فنقول له: بع المال، حتى ولو كان الآن رابحا، فإنه يجب عليك البيع، ثم بعد البيع والتصفية، يكون الحكم كالآتي: فلو أنه أعطاه مليونا على أن يضرب بها في تجارة الأطعمة، فدخل في هذه التجارة، وربح (100 %) وأصبح المليون مليونين، فلما جئنا ننظر إلى الأراضي التي هي للشريكين، وإلى السيارات، وإلى الطعام الموجود، وجدناه يعادل المليونين، فمعناه أن المضاربة ربحت مثلها، فلا نقول مباشرة: العامل له خمسمائة ألف، بل نبدأ ونقول: بع هذه الأعيان.
فتباع الأراضي؛ لأنه لو أعطاه مليونا يحتاج -مثلا- إلى أرض يبني عليها لتجارة ما، أو اشترى عمارة، أو اشترى دكاكين يبيع فيها، أو استأجر، فنقول أول ما نقول: يجب تصفية المال برد الحقوق، فتباع العقارات، وتباع وتصرف العروض من الأطعمة والأقمشة أو غيرها، وبعد تنضيض المال ووجود السيولة ننظر إلى الديون المستحقة على المضاربة، فتسدد الديون، وتفك الرهون إذا كان هناك أعيان مرهونة، كسيارات ونحوها، وبعد فك الرهون ورد الحقوق وإعطاء الأجرة للعمال، وتصفية الحقوق كاملة، بعد هذا كله نقول: اقسم.
فلا نقول -مثلا-: لو أنه باع أعيان أو عروض الشركة -شركة المضاربة- بمليون والشركة في الأصل كانت بخمسائة ألف، فالخمسمائة ألف الزيادة لا تقسم إلا بعد معرفة الحقوق الواجبة، هل هناك حقوق وديون أو لا؟ فلو فرضنا -مثلا- أن عندنا عشرة من العمال استغلهم هذا المضارب والعامل أثناء التجارة والعمل، وكل عامل له عشرة آلاف، فهذه خمسون ألفا دين على المضاربة، ولا يمكن أن نحكم بالقسمة حتى تسدد ديون العمال وتسدد فواتير وأجرة المحلات، وحينما يسدد جميع الحقوق المستحقة على شركة المضاربة، بعد ذلك تكون الخطوة الثانية، وهي: رد رأس المال إلى ربه وصاحبه.
فيبدأ أول شيء برد رأس المال إلى صاحبه، فإذا كان دفع له مليونا وربح مليونا، نقول: ادفع أولا المليون الأولى التي هي رأس المال إلى صاحبها، وبعد رد المليون إلى صاحبها يقسم ما بقي وفضل عن رأس المال على الوجه الذي اتفقا عليه، إن كان مناصفة فمناصفة، وإن كان أثلاثا فأثلاثا، إلى آخره.
النوع الثالث: شركة الوجوه
قال رحمه الله: [فصل: الثالث: شركة الوجوه] : النوع الثالث من أنواع الشركات: شركة الوجوه.
والوجه والجاه معناهما واحد، فإن الإنسان إذا كان له مكانة عند الناس فإن تلك المكانة جاه له من الله عز وجل وضعه له بين عباده، فالشخص يكون له الجاه بما جبله الله عز وجل عليه من الأخلاق الفاضلة، كالأمانة، والصدق والنصيحة ونحو ذلك من الأمور التي يضع الله بها القبول للعبد، فمن كان صادق اللسان، معروفا بالأمانة والنزاهة فإن الله عز وجل يضع له هذا الجاه والقبول بين العباد.
ولذلك يقول العلماء: إن هذه الشركة تقوم على الجاه وعلى الوجه، وتسمى هذه الشركة بـ (شركة الذمم) ، والسبب في هذا أنها تقوم على الدين، والدين متعلق بذمة الشريكين، والذمة وصف اعتباري في الشخص قابل للالتزام والإلزام، فالشريكان يتفقان فيما بينهما على أن يأخذا من الناس سيولة وأموالا، ويعملا بهذه الأموال بمعرفتهما وخبرتهما، فما كان من المال المأخوذ فهو بينهما على ما اتفقا، وما بيع وحصل من الربح فهو بينهما على ما اتفقا.
وبناء على ذلك: فهذه الشركة يمكن تصنيفها في الصنف الذي ذكرناه، أن يكون المال من غير الشريكين، والعمل من الشريكين؛ لأن الشركة تنقسم إلى أنواع: النوع الأول: أن يكون المال والعمل من الشريكين، وهذا يشمل شركة العنان وشركة المفاوضة، فالمال من الطرفين، والعمل من الطرفين.
النوع الثاني: أن يكون المال من أحدهما والعمل من الآخر، وهذا مثل شركة المضاربة والقراض.
النوع الثالث: شركة الجاه، يكون المال من غيرهما والعمل منهما.
فهما ليس عندهما سيولة ونقد، فيتفقان على ذهابهما للتجار، فهذا يأخذ خمسين ألفا، وهذا يأخذ خمسين ألفا، فأصبحت مائة ألف، أو يأخذان بضاعة بخمسين ألفا بينهما مناصفة، ثم هذه البضاعة يصرف هذا ما يستطيع، ويصرف هذا ما يستطيع، فيردان الخمسين ألفا، ثم يقسمان الربح الناتج بعد ذلك، وهذا النوع من الشركة قد يتفق الطرفان فيه على نسبة متساوية، فتقول لشخص: أتفق أنا وأنت على أن نشتري العروض أو نأخذ العروض بجاهينا مناصفة، فإذا قلت له: بجاهينا مناصفة، معناه: أن أي شيء يشتريه تضمن نصف قيمته ويضمن هو النصف الآخر، وأي شيء تشتريه أنت فإنك تأخذ نصفه ويأخذ هو نصفه.
مثال ذلك: لو اتفقتما على شركة الوجوه، وقلت له: أي شيء نشتريه فإنه بيننا مناصفة، أو الربح بيننا مناصفة، فذهب واشترى سيارة، وهذه السيارة قيمتها مائة ألف، على أنها شركة فخمسون منها واجبة عليك تضمنها في ذمتك، وخمسون ألفا واجبة عليه يضمنها في ذمته، فإذا اشترى هو بجاهه، وإذا اشتريت أنت بجاهك، فتتفقان وتقول له: أنا أتحمل نصف ما تشتري ونصف ما تأخذ والربح أيضا بيننا مناصفة، فحينئذ لا إشكال، وفي بعض الأحيان تقول له: أنا أتحمل ثلاثة أرباع، وأنت تتحمل الربع، فكل شيء تشتريه أو أشتريه ثلاثة أرباع قيمته ألتزم بها وربع قيمته تلتزم به أنت، والربح بيننا ثلاثة أرباعه لي وربعه لك، أو أي شيء تشتريه فأتحمل قيمة الثلثين، وتتحمل أنت قيمة الثلث، فلو أنك قلت له: أي شيء تشتريه بيني وبينك أثلاثا ألتزم أنا بثلثيه، وتلتزم بثلثه، والربح بيننا أثلاثا على حساب رأس المال، فذهب واشترى عودا بثلاثمائة ألف ريال، فإنك تضمن مائتي ألف، ويضمن هو مائة ألف، فلما اشترى العود وتاجر به انكسرتما في التجارة، فأصبحت قيمة العود مائة وخمسين ألفا، أي: بعتم العود بمائة وخمسين، فحينئذ بقي الدين عليكما الاثنان، أنت تغرم مائة ألف، وهو يغرم خمسين ألفا؛ لأنك ضمنت الثلثين، وضمن هو الثلث، والمائة والخمسون المستحقة على الشركة تقسم أثلاثا، فكل ثلث بخمسين ألفا، فتضمن المائة ألف وهي الثلثان، ويضمن هو الخمسون ألفا وهي الثلث.
إذا: فشركة الوجوه قائمة على الذمة، وهي وجوه من جهة أن الناس لا تعطي لك أموالها دينا إلا بالجاه،، والجاه سمعة الإنسان.
فلا يمكن أن شخصا يعطي شخصا دينا إلا وهو يعرف منه الصدق والوفاء، وإذا عرف منه الصدق والوفاء حينئذ يعطيه مالا؛ لأنه ليس هناك عاقل يعطي ماله لشخص يعرف بالكذب أو يعرف بالخيانة أو نحو ذلك من الأخلاق الرديئة والعياذ بالله.
فإذا جئت تقول: هي شركة وجوه، تنظر إلى أنها لا يمكن أن تقع إلا إذا دفع الناس أموالهم، والناس لن تدفع المال إلا بناء على الثقة، والثقة لم تكن إلا بالسمعة.
إذا: كأن الجاه والسمعة أساس في هذه الشركة، فرأس المال وهو العرض الذي عليه قامت الشركة افتقر إلى جاه وسمعة، فصارت شركة جاه وسمعة.
وإذا جئت تنظر إلى كون الشريكين التزما بالدين الذي يترتب على كون أحدهما أخذه، تقول: هي شركة ذمة؛ لأن كلا منهما التزم في ذمته أن يدفع قدر حصته، فصارت شركة وجوه، وصارت شركة جاه، وصارت شركة ذمة، فيسميها بعض العلماء بـ (شركة الوجوه) ، وهذا أشهر أسمائها، ويسميها بعضهم بـ (شركة الذمم) ، والمعنى -كما ذكرنا- واحد.
كأن يشتركا في الأقمشة أو الأراضي، فلو كان الاثنان معروفين بالخبرة في تجارة الأراضي والعقار، فقالا: نشتري الأراضي ونبيع فيهما، فما كان من ربح فبيننا مناصفة، وما كان من غرم لرأس المال لأخذ الأراضي من الناس فبيننا مناصفة، فأي عمارة أو أي مزرعة أو أي أرض أو مخطط يشترى فبينهما على ما اتفقا عليه غرما وغنما.

اشتراط الشراء بذمة الشريكين في شركة الوجوه
قال رحمه الله: [أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما فما ربحا فبينهما] : (أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما) : إذا: الشرط الأول: أن يشتريا في ذمتيهما.
الذمة -كما قلنا- وصف اعتباري؛ لأنه ليس من قبيل المحسوسات، إنما هو من المعنويات، فهو لا يرى ولا يلمس، وإنما هو من المعنويات، فتقول: في ذمتي لك ألف ريال، والذمة لا نراها، وليست بشيء محسوس، وإنما هو وصف اعتباري مقدر قيامه بالإنسان قيام الأوصاف المحسوسة في موصوفاتها، فتقول: في ذمتي ألف، عليك ألف في ذمتك، هذا كله وصف اعتباري.
إذا قلنا: في ذمتنا، أي: ذمة الشريكين، فخرج من الشركة ما لو اتفقت مع شخص على أن تشتري على ذمة الشركة، فلو أنك اتفقت معي على أن نشتري بذمتنا والربح بيننا مناصفة فذهبت أثناء الشركة واشتريت ثلاجة لبيتك؛ لكن على ذمتك، فلا تدخل في الشركة.
إذا: لابد في الشركة أن يشترى الشيء على ذمة الشريكين، أما لو اشتري على ذمة أحدهما لم يدخل في الشركة، ولا تقع الشراكة إلا إذا وقع الشيء أو اشتري على ذمة الشركة وقلنا: (في ذمتيهما) ، الظرفية هنا: قد تكون الذمم متساوية، كأن تقول: أي شيء تشتريه فإني ألتزم بنصف قيمته، وأي شيء أشتريه تلتزم بنصف قيمته، فذمته لك وذمتك له مناصفة، أو -كما ذكرنا- تكون مختلفة، أحدهما يلتزم بالثلثين والآخر يلتزم بالثلث أحدهما يلتزم بثلاثة أرباع، والآخر يلتزم بالربع، تقول له: أنا طاقتي في حدود الربع، فإذا خسرت الشركة أستطيع أن ألتزم بالربع، ولا أستطيع أن أتحمل أكثر من الربع، لعدم وجود المال والسيولة عندي، أو أنت تنظر إلى حاله، فترى أنه فقير فتقول: لا أريد أن أغرر بك، وأحملك المسئولية؛ ولكن يمكن أن تتحمل معي الربع، ونحو ذلك من الأمور التي يتفق فيها الطرفان على اختلاف الذمة.
إذا: (في ذمتيهما) : ذمة الشريكين، إما متساوية إن اتفقا على المساواة، وإما متفاوتة على حسب الاتفاق.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-12-2024 الساعة 05:16 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.49 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]