
07-12-2024, 04:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة :
|
|
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
قال رحمه الله: [وحصاد ونحوه] والحصاد حصاد الثمر الذي هو مثلا جذاذ النخل، فلو أن العامل مكث ما يقرب من أحد عشر شهرا وهو يسقي النخيل ويقوم عليه، ثم اكتمل نضج النخيل، فجاء لرب البستان وقال له: إني قد سقيت والعقد بيني وبينك عقد مساقاة، فالآن قص الثمرة عليك، وليس بيني وبينك أي شرط، فبعض العلماء يقول: الجذاذ نصفه على العامل، ونصفه على رب المال مناصفة، فكل واحد منهما يجذ حقه، هذا مذهب بعض العلماء، وأن العامل ليس مطالبا بالجذاذ.
وقال بعض العلماء: العامل مطالب بالجذاذ، ثم يقسم الحق على ما اتفقا عليه، وإن كان الأقوى في الحقيقة أن العامل مطالب بالجذاذ، وبناء على ذلك نقول للعامل: أنت الذي تطالب بجذ النخيل، ثم بعد جذه يفعل ما في مصلحته من التشميس أو نحوه من التفصيل الذي ذكرناه.
فالعنب يحتاج إلى قص، تعرفون أن العنب الذي تروه في السوق وتشاهدونه يكون على أطراف أغصان، وهذه الأغصان تحمل ثمرة العنب، وتتصل ثمرة العنب بالأغصان بواسطة الخيط المعروف ما بين الثمرة وما بين الغصن، وهذا الخيط يقص ويقلم ويقطع، ثم تؤخذ ثمرة العنب وتزبب ويكون هذا أشبه بجذ ثمرة النخيل، فيطالب العامل فقط بقص هذا القدر من المحصول ولا يطالب بتفريقه، إنما يطالب فقط بالقص، ثم صيرورة العنب زبيبا هذه تحتاج إلى نظر، من حيث الأصل فالجذاذ يكون للعنب، لكن إذا أرادوا أن يقسموا العنب فلا يمكن تقسيمه إلا إذا كان زبيبا، أما لو قسم عنبا وهو موجود على حاله ووضعه لا يمكن إلا عن طريق الخرص وهذا يحتاج إلى أهل الخبرة فيقولون مثلا: هذه العشرة العروش من العنب ثلاثة منها محصولها يعادل السبعة الباقية، فيعطى كل منهما حقه بالقسم، أو تقص ثم يقسم بينهما بالطريقة التي تقوم بتنشيفه وصيرورته زبيبا، أو ينتظر حتى ييبس فإذا صار زبيبا فقسمه سهل لأن الزبيب يمكن كيله وقسمته بين العامل وبين رب المال.
ما يلزم به رب المال في عقد المساقاة
قال رحمه الله: [وعلى رب المال ما يصلحه] أي: الالتزامات التي تلزم رب النخيل ما يصلحه، وهذه قاعدة: أن ما يصلح الثمرة على العامل، وما يصلح المال والنخيل والعنب على رب المال، فنطالب العامل بما فيه صلاح الثمرة، ونطالب رب المال بما فيه صلاح النخل من حيث المحافظة عليه، ولذلك نطالبه بتهيئة كل الأسباب لحفظ الثمرة، وحفظ النخل من الاعتداء عليه أو نحو ذلك مما سيفصله المصنف رحمه الله.
[كسد حائط] حيطان البستان تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون الحائط من البناء، فإذا كان الحائط مبنيا وحفظ النخل والعنب فلا إشكال.
القسم الثاني: إذا لم يكن مبنيا فالغالب أن يكون مثلا من أغصان الشجر، أو الجريد يوضع بعضه وراء بعض، أو يضعون أعواد الأثل، ويوضع بينها الشوك أو الأشياء التي تمنع من دخول الدواب، وتمنع من دخول الآدميين، نقول لرب المال: أنت مطالب بوضع السياج المحافظ على النخل؛ لأنه لا يمكن للعامل أن يأتي ويشتغل في المزرعة والمزرعة يدخلها كل من هب ودب، ولربما جاء في مزرعة عنب يريد أن يستصلحها ويسقيها طيلة العام وحدودها وحيطانها مفتوحة، فتأتي الدواب في الليل وتأكل العنب وينتهي كل شيء، وهذا فيه ضرر.
إذا: نطالب رب المال بحفظ الحيطان وسدها، فإذا قصر في شيء من ذلك يلزم بسداده، فلو أنه قصر ودخلت بهيمة وأفسدت فإنه يتحمل المسئولية ويضمن حق العامل، وبناء على ذلك لا بد أن نطالب رب المال بحفظ المال.
بعض العلماء يرى أن سد الحيطان على العامل إذا كان من الأغصان ونحو ذلك، والصحيح أنه على رب المال وليس على العامل.
قال رحمه الله: [وإجراء الأنهار] إذا كان النهر بجوار المزرعة ويحتاج إلى مدخل يدخل منه إلى المزرعة، فهذا المدخل يحتاج إلى عامل أو يحتاج إلى مؤنة وكلفة مثل المواسير في زماننا أو محابس الماء التي تدخل الماء على المزرعة،: نقول ما وراء ذلك من دخول النهر إلى المزرعة أنت مطالب به، وأما بالنسبة لداخل المزرعة يطالب به العامل، فنعطي كلا منهما الواجب الذي عليه، ونلزمه في هذه الحالة إجراء النهر إلى المزرعة.
فمثلا لو كانت المزرعة تبعد عن النهر مسافة ثلاثة أمتار فتحتاج إلى مجرى يجري فيه الماء، فنقول لرب المزرعة أنت مطالب بحفر هذا المجرى أو مطالب بوضع المواسير أو وضع المواطير التي تسحب الماء إلى المزرعة، فالعامل لا يطالب بشيء من ذلك الخارج عن المزرعة، وفي حكم ذلك مثلا إذا نقل الماء عن طريق السيارات ونحوها، فإنه يطالب به رب المال ولا يطالب به العامل.
شراء الدواليب الحاملة للماء
[والدولاب ونحوه] السواني كانت في القديم تقوم على الدواليب التي تحمل الماء فنقول: هذه الدواليب وشراؤها وإحضارها المزرعة، والدواب التي تحركها أنت مطالب بها، في زماننا المكائن، يطالب بإحضار المكينة ومؤنتها من وقود ونحوه.
حكم تقليم أغصان النخيل والعنب وقلع العشب في حرم مكة والمدينة
السؤال لأجل صلاح الثمرة يجب على العامل قطع الأغصان والحشائش، فهل هذا الحكم يسري فيما كان داخل حدود الحرم، أثابكم الله؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فحرم مكة والمدينة يجوز قطع الأغصان فيها والتصرف في المزروعات المستنبتة من الآدميين، فهذه مزرعتك يجوز لك قلع نخيلها ومزروعاتها، وتقليمها، وبرش النخيل، ولا حرج عليك في ذلك لأن هذا يعتبر ملكا لك، وإنما المحظور فيما ينبت خلقة، وأما بالنسبة لما يستنبته الآدمي فمن حقه أن يقلع، ومن حقه أن يعيد؛ لأن هذا هو شأن المزارع ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على أهل بساتين مكة، ولذلك يختص الحكم بما نبت طبيعة ولا يشمل ما استنبته الآدمي، وبذلك نجد في عبارة العلماء (دون المستنبت) يعني: الذي تنبته بنفسك فأنت حر في التصرف فيه بما ترى فيه من المصلحة، والله تعالى أعلم.
البيع المحرم والجائز في شماريخ البلح
السؤال إذا أراد شخص أن يشتري بلحا فهل يشتري بالشماريخ، وكذلك العنب أثابكم الله؟
الجواب إذا كان عذق النخلة محملا بالثمرة وأراد بيعه لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يبيعه بالعدد ويقول: أبيعك هذا الشمروخ بمائة ريال، فهذا يجوز، إذا عرف الشمروخ ونظر فيه وتفقده وفحصه، وهذا في حكم بيع الطعام الجزاف لكن بحكم المعدودات.
الحالة الثانية: لو قال له: أبيعك هذا العذق كل كيلو بخمسة ريالات أو هذا العذق مثلا مائة كيلو، وأبيعكه بخمسمائة ريال فلا يجوز بيع العذق والشماريخ على هذه الصورة؛ لأنه اشترى الثمرة والشماريخ ولا فائدة فيها، ولا نعلم وزن الثمرة من الشماريخ، ولذلك لا يجوز بيعه بالوزن، وهو موجود الآن في بعض الأحيان تأتي وتجده يقول: أبيعك الكيلو بعشرة، فهذا لا يجوز حتى يفصل الثمرة عن الشمروخ إذا كان يريد أن يبيعه بالوزن.
لكن إذا قال له: هذه الشماريخ أبيعك إياها بريال فإنه يجوز، وهذا العذق أبيعك إياه بخمسين فإنه يجوز، لكن أن يقول له: أبيعك هذا الكيلو بخمسة ريالات بالشماريخ أو بالعراجين فلا يجوز؛ لأنه أدخل المعلوم والمجهول، وهو يريد الثمرة ولا يريد العذق لأنه ليس بهيمة العذق هذا ما تأكله إلا البهائم ولا يأكلها الآدمي إذ ليس له فيها مصلحة، ولذلك فهو يأخذ الشمروخ ويخرج منه الثمرة ثم يرميه.
فالشمروخ ليس بمقصود ولا مطلوب، فيعتبر من الغرر والجهالة؛ لأنك إذا اشتريت الكيلو بخمسة ريالات فقد اشتريت الثمرة، وأدخل هذا الشمروخ نسبة بالوزن مجهولة فصير المعلوم مجهولا، فلا يجوز بيعه على هذا الوجه، لكن لو باع الشماريخ بدون وزن فلا بأس بذلك ويجوز، يقول: أبيعك كل شمروخ بريال أو أبيعك كل شمروخين بريالين وقد حدد الشماريخ ورآهن المشتري، أما إذا كانت خفية وفيها الطويل والقصير وفيها عدد كثير أو قليل فلا يجوز؛ لأن فيها جهالة ومدار الأمر كله على انتفاء الغرر، والله تعالى أعلم.
حراسة الليل على رب المال ولا يلزم بها المزارع
السؤال هل يجب على العامل أن يحرس الثمرة ليلا أم أن ذلك على رب المزرعة، أثابكم الله؟
الجواب ما شاء الله! النهار يسقي ويعزق ويحرث وفي الليل سهران على الحراسة، هذا مستحيل! نحن قلنا: هناك أسباب لحراسة النخل، وقلنا: إن سد الحيطان يطالب به رب المال ولا يطالب به المزارع، والله إنها مصيبة لو قيل له: تحرس بالليل فالحراسة المطالب بها رب المال، لكن بالنسبة لحفظ الثمرة أو النخل في الداخل مثل مراقبة النخل والعنب من بعض الآفات والجراثيم، مراقبة الثمرة هذه حراسة لمصلحة الثمرة، يراقبها ويتابعها ويراقب العراجين متى تتفتح الكيزان بالثمرة، هو مطالب بالمراقبة التي لمصلحة الثمرة، أما بالنسبة للحراسة فمن مهمة رب المال، وعلى رب المال أن يتعاطى أسباب الحراسة والله تعالى أعلم.
لزوم التفكر في مخلوقات الله سبحانه
السؤال فضيلة الشيخ! في توجيهكم لطلاب العلم بالنظر إلى الثمرة، ومعرفة صفاتها، هل هو مستنبط من قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [الأنعام:99] ؟
الجواب { انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [الأنعام:99] لا شك أن هذا مما يزيد من توحيد الله عز وجل والإيمان بالله، ومن أعظم نعم الله على العبد، بل ومن دلائل الشهادة إذا أراد الله أن يشهد العبد ملأ قلبه بالتفكر، فهو من فكرة إلى فكرة، ومن عبرة إلى عبرة، وهذا هو الواجب على ولي الله المؤمن؛ أنه لا تمر عليه لحظة إلا وزادته من الإيمان بالله، وهو على يقين أن مكانته ومنزلته في هذه الدنيا بل وفي الآخرة موقوفة على الإيمان بالله عز وجل، فإذا أصبح يتفكر في كل شيء وينظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله عز وجل في هذا الكون، ويتخذ من ذلك معينا على الإيمان بالله وعظمته، والله إن العقول لتحار {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [الأنعام:99] تجد نخلتين متجاورتين، هذه النخلة بجوار هذه النخلة، تسقى بماء واحد، وهذه ثمرتها من ألذ ما يكون إذا كانت بلحا، وهذه ثمرتها من أمر ما يكون إذا أكلتها وهي بلح، ثم تجد الأخرى تؤكل بلحا وهذه تؤكل تمرا، السكري الآن إذا أردت أن تأكله بلحا لا تستطيع أن تأكل حبة واحدة لأنها مرة كالحنظل وهي بلح، وبعضها حلو وهو بلح، وحلو وهو رطب، وحلو وهو تمر، الحلية لو أكلتها بلحا لا تشبع من حلاوتها ولذتها، وتأكلها رطبا وتأكلها تمرا، والحلوة تأكلها وهي خضراء وتأكلها وهي حمراء، وتأكلها وهي رطب، وتأكلها وهي تمر، ولكن لا تستطيع أن تأكل غيرها على هذه المراحل وهذا كله يزيد من الإيمان.
تصعد إلى النخلة وتجني ثمرتها فتخرج رطبها وبلحها وتمرها وأنت الذي غرست، وأنت الذي سقيت، وأنت الذي تعاطيت بإذن الله عز وجل كل الأسباب لخروج هذه الثمرة، ولكن الله عز وجل لم يجعل لك فيها رزقا ولا طعمة، فإذا بك تخرجها وتضعها في الصندوق، وتنزلها إلى السوق، فإذا بمسافر غريب مر على المدينة أو على مكة فيحمل هذه الثمرة طعمة لرجل في أقصى الشرق أو أقصى الغرب؛ لأن الله جعل له في هذه الطعمة رزقا، كتب الله عز وجل لهذه الثمرة متى تخرج؟ وكيف تخرج؟ والزمان الذي تخرج فيه، والصفة التي تخرج عليها طويلة! قصيرة! حلوة! مرة! ثم متى تجنى، ويجنيها عبده فلان في الدقيقة الفلانية والثانية الفلانية واللحظة الفلانية، وتوضع في الكيس الفلاني وفي الموضع الفلاني، ويحملها فلان، وتنقل إلى فلان، فلا إله إلا الله ما أعظم الله! يقول ابن عباس: (والله الذي لا إله إلا هو ما من ورقة على شجرة إلا عليها ملك يكتب خضرتها وماءها ويبسها وذبولها، ومتى سقطت وكيف سقطت وأين حملتها الرياح) ؛ كل ذلك مكتوب، وما يعلم جنود الله إلا الله وحده لا شريك له؛ والكون مع أنه متناثر، لكن ليس فيه مثقال خردلة ولا أدق من ذلك إلا وهو في علم الله جل جلاله، وهذه أمور تحار فيها العقول، الثمرة تسقى بماء في مكة، ويطعمها رجل في أقصى الشرق وأقصى الغرب؛ لأن الله جعلها طعمة ورزقا له، فالله سبحانه وتعالى قدر الأشياء.
إنا نقولها ويقولها المؤمن، والواجب على كل إنسان أن يقولها: والله لا نأسف على أموال، ولا نأسف على أننا نخرج من الدنيا وما بنينا ولا ملكنا، ولا أصبحت الأموال بأيدينا، ولا ثراء الدنيا، والله ما نأسف ولا نتألم ولا تتقرح القلوب إلا إذا خرجنا من الدنيا وما قدرنا الله حق قدره، والله ليس الأسف على الدنيا ولا على جاهها ولا على مالها ولا على عزها ولا على كرامتها، بل الأسف كل الأسف أن يخرج العبد من هذه الدنيا وما قدر الله حق قدره، وإذا بالصالحين والأخيار والموحدين من المؤمنين الكاملين في إيمانهم وتوحيدهم يخرجون بمثاقيل الحسنات في الإيمان بالله، لحظة من التفكر في ملكوت الله عز وجل قد يفتح الله لك بها باب سعادة لا تشقى بعدها أبدا، لأنك إذا عرفت الله أمنك من الخوف، وأعزك من الذل، وأكرمك من المهانة، ورفعك من الضعة، وأغناك من الفقر، وأولاك وأعطاك؛ لأنك ما خلقت إلا من أجل أن تعرفه.
والله إن العبد ليحار! تفكر في ساعات هذا الكون ولحظاته كلها، جعلها الله لكي تذكره بتوحيده سبحانه وتعالى، ومع ذلك ما أغفل الخلق عن الخالق! في كل يوم تغرب الشمس، ولو وقفت قبل غروبها بلحظات لجار عقلك من عظمة الله جل جلاله في ساعة مغيبها وطريقة غروبها، ومع ذلك فهي في كل يوم تغيب وما أحد وقف أمام الشمس وهي تغيب فيقول: لا إله إلا الله، ويقول: سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء! سبحان ذي الملكوت! سبحان ذي العزة والجبروت! فيقدر الله حق قدره، ولكن الله حليم واسع الرحمة، ولا يبالي سبحانه بنا، فإنا إن تفكرنا في عظمته لم نزد في ملكه شيئا: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئا) وعزة ربي إنه لغني عنا ونحن أفقر ما نكون إلى التفكر في عظمته جل جلاله.
ربما تقف في موقف معين من آية زمانية أو آية مكانية تدلك على وحدانية الله عز وجل، يصبح عندك من رسوخ الإيمان مالا تبالي معه بهذه الدنيا أقبلت أو أدبرت؛ لأن الذي يعرف عظمة الله سبحانه وتعالى يهون عنده كل شيء، ويصبح الخوف عنده أمنا؛ لأنه يحس بعظمة الله، وما جاء الخوف إلا من الجهل بالله، ولا جاء القلق والضعف ولا الخور إلا بسبب ذلك، {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام:82] تكفل الله عز وجل لك بأمرين: الأمن والهداية وتفكر في حال عبد سعيد جعل الله له الأمن والهداية! فأسعد الخلق من جعل الله له الأمن والهداية بالمعرفة بالله، فإن من عرف الله أصبح في غاية الأمن على قدر معرفته بالله سبحانه، والله إنا أدركنا بعض علمائنا ومشايخنا رحمة الله عليهم يأخذ الثمرة ويبكي، يأخذها وهي خضراء ويبكي من عظمة الله عز وجل، يتفكر ويقلبها ويتدبرها فلا تملك عينه إلا أن تفيض من خشية الله جل جلاله، قلت: ثمرة تزيد من إيمان ونحن في غفلة! الواحد منا يتبجح في الصناعات والاختراعات، ونأتي في المجالس نقول: اكتشفوا كذا وفعلوا كذا سبحان الله! والملكوت والجبروت والعزة والعظمة في حق الله لا يتكلم عنها أحد! فما أحلم الله عن خلقه! وما أغناه عن عبيده! الناس تتحدث بالمخترعات والموجودات، ضعف الطالب والمطلوب، وإذا حصل فيها أقل خلل ارتبكت ودمرت، وحدثت منها من الكوارث ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن خلق الله عز وجل ما اختل يوما من الأيام ولا اضطرب! وانظر إلى السماء تمر عليها القرون تلو القرون ما تشققت ولا تبدلت ولا غيرها الدهر ولا أثر فيها الزمان، بل هي باقية ناصعة كأنها خلقت من ساعتها، فسبحان الله جل جلاله! فعلى طلاب العلم والأخيار دائما أن يكونوا في مقام أليق بهم، فنحن أحوج ما نكون إلى التعرف إلى الله عز وجل، وسعادة الدنيا كلها بالمعرفة بالله، ومن عرف الله أحبه، ومن عرف الله هابه، ومن عرف الله طلبه ورغب فيه، وجد في الطلب بإقامة فرائض الله والبعد عن محارمه، والسعي بالصالحات والتشمير في الخيرات، ونسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا.
فمن رزق الإيمان رزق حلاوته، وإن للإيمان حلاوة تنسي كل حلاوة، ومن خرج من الدنيا وقد لقي حلاوة الإيمان فقد أصاب سعادة الدنيا والآخرة، فالإيمان بالله كله موقوف على المعرفة بالله سبحانه وتعالى، ولذلك فمن عرف الله فهو بخير الدين والدنيا والآخرة، وما قص الله عز وجل قصص الأنبياء ولا ذكر هذا الهدى العظيم الذي كانوا عليه إلا بالمعرفة بالله سبحانه وتعالى.
فعلى طالب العلم أن يتفكر ويتدبر، وليس الأمر مخصوصا على الزرع، بل كل شيء يجعل حاله من فكرة إلى فكرة، ومن عبرة إلى عبرة، فإذا أحيا الله قلبه بذكره فإن الله سبحانه وتعالى سيفتح له أبوب رحمته، كانوا يقولون: من أكثر من ذكر الله في قلبه وضع الله له المحبة بين الخلق، الذي يصبح دائما في تفكر في عظمة الله عز وجل يتأذن الله له بالمحبة بين الناس، وأغفل الناس عن الله أبعدهم عن محبة الناس؛ لأن من أكثر من ذكر الله بقلبه أحبه الله، وإذا أحبه الله وضع له القبول بين عباده، والله تعالى أعلم.
حكم تصرف الوكيل في مال الموكل بشيء زائد عما أذن له
السؤال ما الحكم إذا وكلني شخص لبيع سلعة بعشرة، فبعتها بخمسة عشر ريالا، وكذلك إذا وكلني ببيع سلعة بثمن مؤجل فبعتها بثمن حاضر أثابكم الله؟
الجواب باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فهذه المسألة سبق شرحها وتفصيلها قبل دروس قليلة كانت معنا في الوكالة، وبينا أن الوكيل إذا خرج عن الوكالة فإنه يضمن، فإذا باع السلعة مؤجلا طولب بدفع قيمتها معجلا، وبعض العلماء يرى بطلان البيع؛ لأنه تصرف في غير المال لكن لو رضي رب السلعة وأقره على ذلك فلا إشكال، وهكذا لو قال له: بعها بعشرة ريالات فباعها بخمسة عشر ريالا فإنه لا يصح له أن يبيع بأكثر إلا إذا أجاز المالك الحقيقي وأتم الصفقة، فحينئذ يجوز، وأما إذا لم يجز فترد الخمسة إلى المشتري ويكون البيع بالعشرة؛ لأنه وكل بالبيع على هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
ضابط كلام الشيخ الشنقيطي في ترجيح الأقوال وتصحيح الأحاديث
السؤال فضيلة الشيخ! في قولكم حفظكم الله: الأظهر والأقرب والأقوى هل هذا ترجيح، أثابكم الله؟
الجواب قول "الأظهر والأقوى" لا يستلزم الترجيح، لكن لو قلت: الذي يترجح في نظري، فهذا هو الترجيح، لكن الأقوى يعبر به في بعض الأحيان عن أصل أقوى من أصل، فنقول: هذا أقوى، وهذا القول أولى، وهذا القول أظهر، وهذا لا يستلزم الترجيح أعني أني إذا عبرت بالأظهر والأقوى ولم أنص على الترجيح فإنه ليس بترجيح، إلا أنني لا أعبر بالأقوى إلا وهو أقرب إن شاء الله من القول الصواب والقول الأرجح؛ لأنه لا يعبر بهذا غالبا إلا لوجود أمارة أو دليل يدل على قوة هذا القول، وقربه من الرجحان، لكن لا يستلزم الترجيح.
والسبب في هذا أنه ربما كانت هناك أصول تشكل أثناء التعبير لا يستطيع الإنسان أن يصرح بالترجيح، ولذلك إذا قلنا: هذا أقوى وهذا أظهر ونحو ذلك فإنه لا يستلزم الترجيح، لكنه يدل على قوة هذا القول وقربه إلى الصواب، فينتبه لذلك في جميع الدروس والفتاوى، فمنذ أن تكلمت في هذا العلم التزمت هذا المنهج، وهو أني إذا قلت: أقوى، أو قلت: أظهر؛ ما لم أنص على الترجيح فليس بترجيح، وهذا ولله الحمد أعرفه منذ أن بدأت في طلب العلم والفتوى فعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا سواء في الدروس الحديثية أو شروح الأحاديث وشروح الفقه، أو في الفتاوى أو في المحاضرات؛ إذا قلت: أقوى فإنه لا يستلزم الترجيح، فالترجيح له عبارة الترجيح، وهذه هي التي التزمها كذلك أيضا، إذا قلت: ثبت في الحديث، وصح في الحديث وهو حديث صحيح، فهذا ألتزم تصحيحه لكن إذا قلت: ورد أو جاء أو روي فهذا لا ألتزم فيه الصحة، منذ أن تكلمت لا ألتزم الصحة إلا إذا قلت: صح، وقلت: ثبت، وهذا قد نبهت عليه غير مرة، فعلى طالب العلم أن يتنبه إلى أنني لا ألتزم بالترجيح إلا إذا قلت فيها الراجح، ولا ألتزم الصحة إلا إذا قلت: ثبت أو صح، أما إذا قلت: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن رسول الله صلى عليه وسلم جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى ابن ماجة، روى أبو داود، ولم أنص على التصحيح، فهذا إيكال إلى من روى الحديث، وحكاية الحديث لا تستلزم تصحيحا ولا إثباتا للحديث، والله تعالى أعلم.
العقاب المترتب على الإلحاد في الحرم
السؤال في قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج:25] هل المقصود في هذه الآية الشرك أم الكبائر أم سائر المعاصي، أثابكم الله؟
الجواب أولا: هذه الآية من أعظم الآيات التي رجفت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات في تعظيم الحدود والحرمات، فقد بين الله تعالى في هذه الآية حرمة البلد الحرام، ونبه عباده إلى أن مكة شرفها الله لها حقوق عظيمة تستلزم من المؤمن والمؤمنة إذا دخل هذا الموضع الحرام أن يستشعر حرمته.
فمما خص الله به البلد الحرام: قوله (ومن يرد) والإرادة توجه القصد؛ لأن هناك هما للشيء وعزيمة هو إرادة وتوجه إلى ذلك الشيء، وقوله: (فيه) هذه للظرفية، والمراد بها ظرفية المكان أي: بحدود الحرم، (بإلحاد بظلم) : والإلحاد من اللحد، واللحد: الميل، والمراد بالإلحاد: الميل عن طاعة الله، والميل عن طاعة الله نسبي، فهناك ميل بالمعصية، وهناك ميل بالفسوق، وهناك ميل بالشرك والكفر، فهذه ثلاث مراتب للإلحاد، وأقصى ما يكون هو الإلحاد بالشرك والكفر ويقع الإلحاد بالميل عن طاعة الله عز وجل بأقل ما يكون به الإلحاد بالظلم.
وقوله تعالى: {بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج:25] يتوعد سبحانه وتعالى أن من فجر في الحرم والعياذ بالله وألحد أنه يذقه من العذاب الأليم، قال بعض العلماء: إن هذه العقوبة تقع في الدنيا وتقع في الآخرة، ويجمع الله فيها بين عقوبة الدنيا والآخرة، أي: فإما إن يعذب في الدنيا ويغفر الله له في الآخرة، وإما أن يجعل الله له العذاب الأليم في الآخرة دون الدنيا، فيمهله ويتركه حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويجعل عقوبته والعياذ بالله في الآخرة، أو يجمع الله له بين العذابين والعقوبتين، وهذا معروف.
فأما عقوبة الدنيا فيسلط عليه في رزقه ونفسه والعياذ بالله، ويسلط الله عليه في أهله وولده وعرضه، فإذا ألحد وظلم فالله عز وجل قد يبتليه ببلية في نفسيته، فتتسلط عليه الأمراض النفسية والهم والغم والنكد، ولذلك تجد الرجل وهو في جوار بيت الله الحرام يقول: أنا في هم وغم! وقد يكون ذلك بسبب انتهاكه لحد من حدود الله وحرمة من حرمات الله في بلد الله الحرام، ولذلك كان أمر هذا البيت عظيما، فينبغي على المسلم أن يتقي الحرمات.
وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنه من الأسباب التي أخرجته في آخر عمره أنه خرج عن حرمة الحرم، وإن كان الذي يظهر أنه خرج لسبب آخر، فالشاهد أن حرمة البيت عظيمة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا انتهى الناس من الحج يصيح فيهم ويقول: (يا أهل الشام! شامكم، ويا أهل اليمن! يمنكم، ولما سئل عن ذلك قال: أخشى أن تذهب حرمة البيت من قلوبهم) ولذلك تجد من قدم إلى هذا البيت من الغرباء ممن ليس من أهل مكة من شتى بقاع الأرض، إذا قدم إليه يقدمه وهو معظم لحرمات البيت، ويحس بعظمته، ولكن قليلا قليلا حتى يألف البيت، ولربما تصبح عنده مكة شرفها الله وغيرها على حد سواء.
فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك، وأن يتقي الله عز وجل وهو في جوار الحرم، وأن يستشعر عظيم نعمة الله عليه وجميله، وجليل فضله لديه، وأن يعطي هذا البيت حقه، وقالوا: إنه قل أن يعظم أحد هذا البيت إلا بارك الله له في رزقه، وبارك له في عمره، وبارك له في أهله وولده، وقل أن تجد عبدا صالحا يجاور هذا البيت وهذا الحرم، وهو يحفظ حرمات الحرم إلا وجدته في خير في أهله وولده وماله ورزقه، مطمئن القلب، مرتاح البال، وكل ذلك من تعظيم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإن ذلك خير له في دينه ودنياه وآخرته.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا وأن يسلم منا، وأن يتوب علينا وأن يتجاوز عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|