عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 07-12-2024, 08:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,969
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (355)

صـــــ(1) إلى صــ(13)


شرح زاد المستقنع - باب الإجارة [1]
تعتبر الإجارة من أهم العقود، وهي من الأبواب التي يكثر تعامل الناس فيها، وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء، وهي عقد معاوضة على منفعة معلومة مباحة بعوض معلوم، ولها أحكام معلومة في بابها، ذكر الشيخ هنا بعضها.
تعريف الإجارة لغة واصطلاحا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الإجارة] .
الإجارة: مأخوذة من الأجر، وأصل الأجر: العوض، وقد يطلق على المحسوسات وقد يطلق على المعنويات.
والإجارة في اصطلاح الشريعة: عقد معاوضة على منفعة معلومة مباحة بعوض معلوم.
فقولنا: (عقد معاوضة) العقد: هو الإيجاب والقبول، والإيجاب هو قول صاحب البيت أو صاحب السيارة أو صاحب الأرض: أجرتك، والقبول قولك: قبلت أو رضيت واستأجرت إلخ.
والمعاوضة: مفاعلة من العوض، والمفاعلة تستلزم وجود شخصين فأكثر، فكل عقد إجاره لابد فيه من طرفين: مؤجر ومستأجر، والمعاوضة تقع بين المؤجر والمستأجر، وهذه المعاوضة من العوض؛ لأنه في الإجارة لو قال له: أجرتك عمارتي بمائة ألف شهرا، فإننا نجعل المائة الألف -وهي العوض والأجر- مقابل السكنى شهرا، فصار هناك نوع من التقابل ونوع من المعاوضة، قال بعض العلماء: إنها معاوضة من هذا الوجه، فالأجرة مقابل العمل والمنفعة، كما سيأتي إن شاء الله في بيان أنواع الإجارة.
وقولنا: (على منفعة) خرج بذلك المضرة التي هي ضد المنفعة، والمنافع في الإجارة تشمل منفعة السكن، مثل أن تؤجر العمارة أو الشقة أو الغرفة في الفندق أو نحوه.
ومنفعة الركوب: مثل السيارات والقاطرات والطائرات والباخرات، ومنفعة العمل في البناء كأن تقول: ابن لي أرضا، أو ابن لي حائطا، أو ابن لي بيتا، أو ابن لي عمارة؛ فالبناء والحدادة والنجارة والسباكة كلها منافع.
وخرج أيضا: البيع، فالبيع تعاوض على الذات، فأنت مثلا إذا جئت إلى شخص وقلت له: أريد أن أشتري منك هذه السيارة بعشرة آلاف ريال، قال: قبلت، خذها بعشرة آلاف ريال، وتم البيع على ذات السيارة وعينها، فتملك ذات السيارة ومنفعتها من ركوبها وغير ذلك من مصالحها، لكن في الإجارة لا يكون ذلك، فالإجارة أن تقول له: أريد أن أصل إلى الحرم، أو أريد أن أصل إلى البيت، أو أريد أن أصل إلى المحل الفلاني، فاستأجرت السيارة، فملكت الركوب فقط فيها، وهذه منفعة الركوب، وقد يعطيك السيارة باليوم ويقول لك: خذها واركب عليها، وخذها بالمعروف يوما أو شهرا أو أسبوعا، أو بالكيلو مترات، كأن يقول: خذها وانتفع بها ركوبا مائة كيلو متر، أو ألف كيلو متر.
إلخ، فهذه منفعة ركوب.
وكذلك خرج بقولنا: (عقد معاوضة على منفعة) المضرة، فلا تجوز الإجارة على ما فيه ضرر، فلو أجره من أجل أن يقلع سنا من أسنانه لا يحتاج إلى قلعها، فإن هذا ضرر بالجسد، ولو أجره على أن يفعل به فعلا في جسده فيه مضرة، أو على أن يسقيه دواء فيه ضرر، أو على أن يعمل به عملية جراحية فيها مخاطرة والغالب هلاكه؛ فلا تكون هذه إجارة شرعية؛ لأن الإجارة الشرعية تكون على النفع لا على الضرر.
وخرج أيضا ما لا منفعة فيه، ولذلك نجد بعض العلماء يقول: على منفعة مقصودة؛ لأن المنافع قد تقصد وقد لا تقصد، فمن الممكن أن يقول شخص -كما يذكر الفقهاء- أنا أريد أن أفتح محلا أأجر فيه التفاح للشم، فلا يصح هذا؛ لأن شم التفاح ليس فيه منفعة مقصودة، فلا يوجد شخص عاقل يأتي ويدفع مالا من أجل أن يشم التفاح، ولذلك قالوا: إن هذه منفعة غير مقصودة، وبعض العلماء يقول: ويدخل في هذا أن يؤجره من أجل أن يستظل بالشجرة؛ لأن الاستظلال بالشجرة منفعة غير مقصودة عندهم، وإن كان الصحيح أنه يجوز أن يستأجر للظل، وقال بعض العلماء: ومن المنفعة غير المقصودة: أن ينظر في الكتاب فقط؛ كأن ينظر في شكل الكتاب وجرمه، لكن الصحيح أنه إذا اشتمل النظر على منفعة فيصح، كأن يشتمل على منفعة دينية كالاتعاظ والاعتبار ونحو ذلك، أما إذا لم يكن هناك منفعة فإنه لا يجوز، ومن هنا لو أن الكتاب كان قديما جدا، وهو من التراث، وقال له: أريد أن أطلع على ذلك الكتاب، فقال: ادخل واطلع في مكتبتي هذه القديمة الساعة بمائة، قالوا: يجوز؛ لأنها منفعة مقصودة، والاتعاظ والاعتبار مقصود، فإن كان لغير منفعة ولا مصلحة لم يجز.
وكذلك أيضا شدد بعض العلماء في إجارة الحلي للزينة؛ كأن تريد أن تذهب المرأة إلى فرح وزواج فتأخذ مثلا حليا أو قلادة تتزين بها، فهذه صحيح أنها منفعة للمظهر لكنها غير مقصودة، فليس لها منفعة حقيقية تترتب عليها، ومن هنا لو أنه استأجر من أجل أن ينفخ الهواء في شيء، أو ينظر إلى شيء لا مصلحة في النظر إليه، مثل ما يقع في ألعاب الأطفال ونحوها التي لا منفعة فيها، فقالوا: لا تكون إجارة على السنة.
إذا: يشترط في الإجارة أن تكون على منفعة، فخرج الذي لا منفعة فيه، وخرج الذي فيه ضرر.
وقولنا: (معلومة) خرجت المنفعة المجهولة، وسنبين -إن شاء الله- أن من شرط صحة الإجارة أن تكون المنفعة معلومة، فلو قال له: أجرتك بيتي أو أجرتك الشقة بعشرة آلاف ريال، ولكن إذا أردت أن أخرجك فاخرج، فلا ندري هذه المنفعة كم مدتها، فإن مدتها مجهولة فربما أخذ منه المال وبعد أسبوع أو أسبوعين يقول له: اخرج، فيقول: يا أخي! أنا أعطيتك العشرة الآلاف وأنا أريد أن تبقيني سنة، وما كنت أظنك أنك تقصد الأسبوع، ومن هنا تقع الشحناء والبغضاء، وقد بينا علة ذلك في كتاب البيع حينما بينا اشتراط العلم بالثمن والمثمن.
وكذلك ينبغي أن تكون المنفعة مباحة، ولذلك قالوا: (على منفعة معلومة مباحة) ، فلو استأجره على منفعة محرمة كالغناء المحرم، فلا يجوز، أما لو كان غناء مباحا كضرب الدف في العرس للأفراح، بشرط أن يكون ضربا لا محظور فيه ولا محرم فيه من أقوال الخنا ونحوه، فإذا أجر المرأة بالليلة كاملة أو بالساعة، فإن هذا لا بأس به؛ لأن ضرب الدفوف فيه مقصود شرعي، وقد نص العلماء على أنه أجمع على جواز الإجارة على المنفعة المباحة شرعا، فكيف إذا كانت المنفعة -وهي ضرب الدف- مقصودة شرعا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أعلموا النكاح واضربوا عليه بالدفوف) .
وإذا كانت الإجارة على منفعة محرمة، مثل الاستئجار على النياحة -والعياذ بالله- على الميت، واستئجار القراء في الثلاثة الأيام ليقرءوا على روح الميت، واستئجار الساحر والكاهن والعراف، والاستئجار للزنا -والعياذ بالله- والمحرمات؛ فإن هذا محرم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، فيشترط في الإجارة أن تكون على شيء مباح لا على شيء محرم هذا بالنسبة لحقيقة الإجارة الشرعية.
وعقد الإجارة يعتبر من أهم العقود، وطالب العلم إذا أتقن هذا الباب فإنه ينتفع لنفسه وينفع الناس، فقل أن يمر على الإنسان زمان إلا وهو مؤجر أو مستأجر أو مسئول عن إجارة، فإتقان هذا الباب مهم جدا وهو من الأبواب التي تعم بها البلوى كالبيع، ولذلك تجد الناس كثيرا ما يسألون عن هذا النوع من العقود وهو عقد الإجارة.


مشروعية الإجارة


وقد شرع الله هذا العقد بدليل الكتاب والسنة والإجماع: أما دليل جواز الإجارة من الكتاب فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {إن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6] ، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله أحل إجارة المرضعة، وأمر بإعطائها أجرها، فدل على مشروعية الإجارة، وكذلك قال سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه السلام على أصح أقوال العلماء في تفسير الآية: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك} [القصص:27] الآية، وقد اختلف في قوله: (على أن تأجرني ثماني حجج) ، فقال طائفة من العلماء: (تأجرني) أي: تعمل عندي ثماني سنوات وأزوجك إحدى ابنتي، فبناء على ذلك استأجره من أجل أن يعمل في رعي الغنم على الصحيح ثمان سنوات، وإن أتمها عشرا فمن عنده، وهذا القول هو الصحيح، فتكون (ثماني حجج) جمع حجة أو حجة، والحجة والحجة وصفت بذلك لأن العرب تطلق على العام الكامل حجة؛ لأن الحج لا يتكرر في السنة أكثر من مرة واحدة، فيقولون: حجة، ويقولون: حجة، فقوله: (ثماني حجج) أي: ثمان سنوات.
الوجه الثاني في الآية: (على أن تأجرني ثماني حجج) أي: الحج، وقصد بذلك الحج إلى بيت الله الحرام، وهو قول مرجوح في تفسير الآية الكريمة، وقالوا: هذه الآية تدل على جواز الإجارة على الحج، ولكنه قول مرجوح كما حكاه الإمام الماوردي رحمه الله في الحاوي وغيره.
هذا بالنسبة لقوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام في قصته مع موسى، ولذلك استأجر موسى نفسه من شعيب وأتم عشر سنين، قال بعض العلماء: إذا سئلت: أي الأجلين قضى؟ فقل: أكبرهما، وإذا سئلت: أيهما نكح؟ فقل: أصغرهما، فقد تزوج أصغر البنتين، وأتم أوفى الأجلين عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهذا شأن الكرام.
ومن الأدلة: قوله سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام يخاطب الخضر حينما رفع الجدار: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} [الكهف:77] وفي قراءة: (لتخذت عليه أجرا) ، فقوله: (لاتخذت عليه أجرا) ، أي: إنك حينما رفعت الجدار كان بالإمكان أن تطالب أهل القرية أجرة رفع الجدار، فدل هذا على مشروعية الإجارة.
ومن مجموع هذه الأدلة من الكتاب قال العلماء: إن الإجارة ثابتة بدليل الكتاب.
وأما دليل السنة: فهناك أحاديث قولية وأحاديث فعلية: أما الأحاديث القولية: فما ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه فقد خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه فلم يوفه أجره) نسأل الله السلامة والعافية! ووجه الدلالة في قوله: (ورجل استأجر أجيرا) أي: عاملا، (فاستوفى منه) أي: أخذ العمل كاملا ولم يوفه أجره، حتى ولو أنقصه شيئا بسيطا من أجرته فإن الله خصمه يوم القيامة، فليست القضية أن يمنعه من الأجرة، أما إذا منعه من الأجرة ولم يوفه فهذا أعظم، حتى لو أنقصه شيئا من أجرته فإنه داخل في هذا الوعيد، ووجه الدلالة في قوله: (استأجر أجيرا) ، فدل على جواز الإجارة ومشروعيتها.
وأما الدليل الثاني: فهو حديث اختلف العلماء في سنده، وقد حسن بعض العلماء إسناده، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ، وهذا يدل على حفظ حقوق الأجراء، وأنه ينبغي الوفاء لهم، وفيه دليل على مشروعية الإجارة.
أما السنة الفعلية: فإن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر وفعل الإجارة، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من نبي إلا ورعى الغنم، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟! قال: نعم، كنت أرعى الغنم لأهل مكة على قراريط) ، وهذا الحديث صحيح وثابت عنه عليه الصلاة والسلام، ووجه الدلالة أنه قال: (كنت أرعى الغنم لأهل مكة على قراريط) ، والرعي منفعة؛ ولذلك قالوا: يجوز أن تؤجر العامل أن يرعى الإبل أو الغنم أو البقر ويقوم عليها وعلى مصالحها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة) ، واختلف في قوله: (على قراريط) فقيل: إن قراريط موضع بمكة كان يرعى فيه، وهذا قول إبراهيم الحربي رحمه الله، والسبب في هذا: أن القراريط لا تطلق على الفضة، واستعظموا أن تكون من الذهب والدنانير، فقالوا: الغالب أن قوله (على قراريط) أي: موضع بمكة، وقد ضعف هذا القول الإمام ابن حجر رحمه الله، إلا أن الأرجح والأقوى وأنه على قراريط من دنانير، ولكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين ذلك.
أما الدليل الثاني الفعلي عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في حديث صحيح عن أم المؤمنين عائشة: أنه لما أراد الهجرة من مكة إلى المدينة استأجر رجلا من بني الديل هاديا خريتا، وهذا الرجل يقال له: عبد الله بن أريقط، وكان من الأزد، وقد كان على دين كفار قريش، فاستأجره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة من أجل أن يدلهم على الطرق التي لا يسلكها الناس، فسلك بالنبي صلى الله عليه وسلم مسلكا حذرا، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه استأجره، تقول عائشة رضي الله عنها: (استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن أريقط، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، ودفعا إليه راحلتيهما) ، فدل على أنه استؤجر والنبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه المال، وهذا بعد الوحي، فدل على مشروعية الإجارة وجوازها.
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية الإجارة، ولكن خالف في ذلك الأصم وابن علية، وهما محجوجان بالإجماع قبلهما كما قال الأئمة، وقد شدد بعض العلماء في خلاف هذين العالمين لمشروعية الإجارة، حتى قال بعضهم مقالة صعبة، كقول الإمام أبي بكر بن العربي: ولم يخالف في شرعيتها إلا الأصم فكان عن دليلها أصم.
ومراده من ذلك: أنه رد السنن والأحاديث الصحيحة، وقد كان العلماء يشدون على من يرد الأدلة الواضحة القوية فيحرم ما أحل الله عز وجل، وقوله: كان عن دليلها أصم، أي: أنه تصامم وهذه إنما هي كلمات لا يقصد منها العلماء حقيقتها؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين: (عقرى حلقى أحابستنا هي؟!) فليس المقصود حقيقة الشتم، وإنما المراد تنبيه طلاب العلم على أنه لا يقبل قول أحد كائنا من كان إذا صادم الكتاب والسنة، ولذلك قال الإمام أحمد: أبو ثور في هذه المسألة كاسمه.
أي: مسألة ذبيحة المشرك المشهورة، وكل هذا من باب التشديد والتشنيع على المخالف للسنن، والأدلة الواضحة، والذي يأتي بالشذوذات المخالفة لمذهب الصحابة والتابعين والأئمة، فـ الأصم وابن علية رحمهم الله كان قبلهما إجماع الصحابة والأئمة، والسنن والآثار في ذلك واضحة، إضافة إلى دليل الكتاب، ومع هذا كله شدد العلماء رحمهم الله في خلافهم.
وهذا النوع من العقود فيه رحمة بالناس وتيسير على العباد، فأنت إذا احتجت إلى مأوى أو سكن فقد لا تستطيع أن تشتريه، فخفف الله عز وجل عنك بأن تستأجره مدة بقائك، وقد تنزل بالمدينة والقرية والمكان المعين، وأنت لا تريد البقاء إلى الأبد، وإنما تريد أياما أو ساعات، فحينئذ خفف الله عز وجل ويسر على العباد بشرعية الإجارة، فتقضى بها المصالح، وتتحصل بها المنافع، وتدرأ بها المفاسد، فأنت لو كانت عندك مزرعة لا تستطيع حراستها، أو كان عندك إبل لا تستطيع رعيها، فتستأجر، فينتفع الأجير وتنتفع أنت، فتتحقق بذلك المصالح لعموم المسلمين، ففيها الرفق بالناس أفرادا وجماعات.
وقوله رحمه الله: (باب الإجارة) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بعقد الإجارة.
ومناسبة هذا الباب لما قبله: أن المزارعة نوع من الإجارة، فلما فرغ رحمه الله من الإجارة الخاصة بالمزارعة شرع في الإجارة العامة، وهذا من باب التدرج من الأدنى إلى الأعلى، وهذا مسلك العلماء رحمهم الله، أنهم ربما يذكرون الخاص قبل العام حتى يتمكن الإنسان من معرفة الأحكام العامة لعقود الإجارة.


الأسئلة




بيان استئجار شعيب لموسى عليه السلام










السؤال في قوله تعالى: {إحدى ابنتي هاتين} [القصص:27] لم يخصص أي واحدة منهما فهل في عقد الإجارة جهالة، أثابكم الله؟
الجواب البنتان معروفتان لموسى عليه السلام، فقد خرج معهما، ورجع معهما، وقال له أبوهما: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، أي: تخير منهما ما شئت، فهذا وجه لبعض العلماء أنه خيره بين الثنتين المعلومتين وقال له: أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، وهو يختار من شاء منهن، فاختار أصغرهما؛ لأن النص سكت، فلا يبعد أن يقول له: {قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل} [القصص:28] ، فلما سكتت الآية وجاءت للمقصود {فلما قضى موسى الأجل} [القصص:29] في سورة القصص، وبين الله سبحانه وتعالى أنه قضى الأجل وسار بأهله؛ دل على أن الأمر مبتوت فيه من العقد؛ لأن العقد لما جاء مجملا فهمنا من الأمور أنها مرتبة ومعلومة، ولاشك أن من خير بين الصغير والكبير فإنه يختار الأفضل، فاختار الأفضل لحفظ نفسه؛ لأنه يريد إعفاف فرجه عن الحرام، وهذا شأن كل إنسان يريد أن ينكح، وشأن كل إنسان عاقل يريد أن يبحث عن الشيء الذي يتحقق به مقصود الشرع على أتم الوجوه وأكملها، فليس في الآية أنه بقي على الإبهام إلى ما بعد ثماني سنوات، بل الذي وقع بعد ثماني سنوات هو بت النكاح وانتهاؤه أي: وقوعه.
إذا: نقول: الآية لا يمكن الاستدلال بها على الجهالة، ولذلك قال العلماء: إذا قال الرجل: أزوجك إحدى بناتي بعشرة آلاف ريال، فقال: قبلت، لم يصح؛ لأن شرط صحة النكاح تعيين الزوجين، وقد بينا هذا في باب النكاح، فبناء على ذلك إما أن نقول: إنه مجهول يؤول إلى العلم، فهو قال: (أريد أن أنكحك إحدى ابنتي) وكأنه يقول: اختر إحدى ابنتي بثمانية حجج وأزوجك، فاختار إحدى الابنتين، وهذا هو تمام الآية؛ لأن القرآن دائما يجمل عندما يذكر القصص، وهذا من أروع ما يكون، حتى إن جهابذة من يكتب في القصص وممن يعجب بكتابة ما يسمى بفن القصص- كثير منه مأخوذ من الكتاب والسنة، منتزع انتزاعا من علوم المسلمين من الكتاب والسنة، وهذا يعرفه كل أحد، حتى إنك حينما تتأمل في منهج القرآن في ذكر القصص، والأحداث المهمة في القصص، والتركيز على المقصود من القصة، وإغفال الجوانب التي لا علاقة لها بجوهر الموضوع؛ تجد القرآن في أتم الصور، وأجمل الحلل وأبهاها وأتمها؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد سبحانه وتعالى.
فالله عز وجل قد بين المقصود من هذه الآية، فلا يصح الاستدلال بالآية على جواز الإجارة المجهولة.
الأمر الثاني: نقول: افرض أنها مجهولة، فهذا شرع من قبلنا، وشرعنا بخلاف ذلك، وهو أنه لا بد فيه من التعيين، والإجماع منعقد على أنه لا بد من تعيين إحدى الزوجين.
والله تعالى أعلم.


حكم بيع دور مكة وتأجيرها


السؤال هل هناك خلاف في تأجير دور مكة؟ وما معنى حديث: (وهل ترك لنا عقيل من رباع؟) أثابكم الله؟
الجواب هذه المسألة ثابتة في السنة، فقد دلت السنة الصحيحة على جواز بيع دور مكة وإجارتها، والنص فيها واضح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع؟) ، وعاوض عمر رضي الله عنه أهل مكة حينما هدم بيوتهم في توسعة المسجد، فعمل الخلفاء وظاهر السنة على مشروعية بيعها وإجارتها، وهذا الذي عليه العمل، والله تعالى أعلم.


حكم أكل ما سقط في الطرقات من الثمر


السؤال ما حكم أكل الثمر الذي يكون على الطرقات ولا يعرف صاحبه أثابكم الله؟
الجواب الثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على تمرة فقال عليه الصلاة والسلام (لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها) ، ورخص عليه الصلاة والسلام لأصحابه في مثل هذا، وهو الذي يسمى باللقطة اليسيرة التي لا تتبعها همة صاحبها، فما كان من الحبات ونحوها من الأطعمة اليسيرة التي تسقط من أصحابها، ويغلب على الظن أن صاحبها لا تتبعها همته، فإنه يجوز أن يأكلها الإنسان ما لم يكن ممن تحظر عليه الصدقة، فإنه يتركها تورعا إذا وجدت فيها شبهة الصدقة.
والله تعالى أعلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]