
13-12-2024, 04:54 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (520)
صــ 381 إلى صــ 395
10800 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : قبل موت عيسى . [ ص: 381 ]
10801 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : قبل موت عيسى ، إذا نزل آمنت به الأديان كلها .
10802 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن قال : قبل موت عيسى .
10803 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن : " إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال عيسى ، ولم يمت بعد .
10804 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن أبي مالك قال : لا يبقى أحد منهم عند نزول عيسى إلا آمن به .
10805 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن أبي مالك قال : قبل موت عيسى .
10806 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال ، لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به . قال : فذلك حين لا ينفعهم الإيمان .
10807 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، يعني : أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى ، فيؤمنون به ، "ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا" .
10808 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن أنه قال في هذه الآية : " [ ص: 382 ] وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " قال أبو جعفر : أظنه إنما قال : إذا خرج عيسى آمنت به اليهود .
وقال آخرون : يعني بذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى ، قبل موت الكتابي . يوجه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل ، لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه .
[ ذكر من قال ذلك ] :
10809 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى .
10810 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى ، وإن غرق ، أو تردى من حائط ، أو أي ميتة كانت .
10811 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إلا ليؤمنن به قبل موته " ، كل صاحب كتاب ليؤمنن به ، بعيسى ، قبل موته ، موت صاحب الكتاب .
10812 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ليؤمنن به" ، كل صاحب كتاب ، يؤمن بعيسى [ ص: 383 ] "قبل موته" ، قبل موت صاحب الكتاب قال ابن عباس : لو ضربت عنقه ، لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .
10813 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ، ولو عجل عليه بالسلاح .
10814 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : هي في قراءة أبي : ( قبل موتهم ) ، ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى . قيل لابن عباس : أرأيت إن خر من فوق بيت ؟ قال : يتكلم به في الهوي . فقيل : أرأيت إن ضرب عنق أحد منهم ؟ قال : يلجلج بها لسانه .
10815 - حدثني المثنى قال : حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ابن مريم . قال : وإن ضرب بالسيف ، يتكلم به . قال : وإن هوى ، يتكلم به وهو يهوي .
10816 - وحدثني ابن المثنى قال : حدثني محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 384 ] شعبة ، عن أبي هارون الغنوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لو أن يهوديا وقع من فوق هذا البيت ، لم يمت حتى يؤمن به يعني : بعيسى .
10817 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة ، عن مولى لقريش قال : سمعت عكرمة يقول : لو وقع يهودي من فوق القصر ، لم يبلغ إلى الأرض حتى يؤمن بعيسى .
10818 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم الرماني ، عن مجاهد : " ليؤمنن به قبل موته " ، قال : وإن وقع من فوق البيت ، لا يموت حتى يؤمن به .
10819 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن منصور ، عن مجاهد : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " . قال : لا يموت رجل من أهل الكتاب حتى يؤمن به ، وإن غرق ، أو تردى ، أو مات بشيء .
10820 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا تخرج نفسه حتى يؤمن به . [ ص: 385 ]
10821 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت أحدهم حتى يؤمن به يعني : بعيسى وإن خر من فوق بيت ، يؤمن به وهو يهوي .
10822 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : ليس أحد من اليهود يخرج من الدنيا حتى يؤمن بعيسى .
10823 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن فرات القزاز ، عن الحسن في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت [ يعني : اليهود والنصارى ] .
10824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا إسرائيل ، عن فرات ، عن الحسن في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت .
10825 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا الحكم بن عطية ، عن محمد بن سيرين : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : موت الرجل من أهل الكتاب .
10826 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : قال ابن عباس : ليس من يهودي [ يموت ] حتى يؤمن بعيسى ابن مريم .
[ ص: 386 ] فقال له رجل من أصحابه : كيف ، والرجل يغرق ، أو يحترق ، أو يسقط عليه الجدار ، أو يأكله السبع ؟ فقال : لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى .
10827 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، قال : لا يموت أحد من اليهود حتى يشهد أن عيسى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
10828 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا يعلى ، عن جويبر في قوله : " ليؤمنن به قبل موته " ، قال : في قراءة أبي : ( قبل موتهم ) .
وقال آخرون : معنى ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قبل موت الكتابي .
ذكر من قال ذلك :
10829 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن حميد قال : قال عكرمة : لا يموت النصراني واليهودي حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم يعني في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة والصواب ، قول من قال : تأويل ذلك : "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى " .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال ، لأن الله جل ثناؤه حكم لكل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيمان ، في الموارثة والصلاة عليه ، [ ص: 387 ] وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة . فلو كان كل كتابي يؤمن بعيسى قبل موته ، لوجب أن لا يرث الكتابي إذا مات على ملته إلا أولاده الصغار ، أو البالغون منهم من أهل الإسلام ، إن كان له ولد صغير أو بالغ مسلم . وإن لم يكن له ولد صغير ولا بالغ مسلم ، كان ميراثه مصروفا حيث يصرف مال المسلم يموت ولا وارث له ، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغسله وتقبيره . لأن من مات مؤمنا بعيسى ، فقد مات مؤمنا بمحمد وبجميع الرسل . وذلك أن عيسى صلوات الله عليه ، جاء بتصديق محمد وجميع المرسلين صلوات الله عليهم ، فالمصدق بعيسى والمؤمن به ، مصدق بمحمد وبجميع أنبياء الله ورسله . كما أن المؤمن بمحمد ، مؤمن بعيسى وبجميع أنبياء الله ورسله . فغير جائز أن يكون مؤمنا بعيسى من كان بمحمد مكذبا .
فإن ظن ظان أن معنى إيمان اليهودي بعيسى الذي ذكره الله في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، إنما هو إقراره بأنه لله نبي مبعوث ، دون تصديقه بجميع ما أتى به من عند الله فقد ظن خطأ .
وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبا إلى الإقرار بنبوة نبي ، من كان له مكذبا في بعض ما جاء به من وحي الله وتنزيله . بل غير جائز أن يكون منسوبا إلا الإقرار بنبوة أحد من أنبياء الله ، لأن الأنبياء جاءت الأمم بتصديق جميع أنبياء الله ورسله . فالمكذب بعض أنبياء الله فيما أتى به أمته من عند الله ، مكذب جميع أنبياء الله فيما دعوا إليه من دين الله عباد الله . وإذ كان ذلك كذلك وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن كل كتابي مات قبل إقراره بمحمد صلوات الله [ ص: 388 ] عليه وما جاء به من عند الله ، محكوم له بحكم الملة التي كان عليها أيام حياته ، غير منقول شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته ، عما كان عليه في حياته دل الدليل على أن معنى قول الله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " ، إنما معناه : إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى ، وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ، ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى ، وأن ذلك كائن عند نزوله ، كالذي : -
10830 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثني يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد . وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي . وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، بين ممصرتين ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال ، وتقع الأمنة في الأرض في زمانه ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الغلمان أو : الصبيان بالحيات ، لا يضر بعضهم بعضا . ثم يلبث في الأرض ما شاء الله وربما قال : أربعين سنة ثم يتوفى ، [ ص: 389 ] ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه .
وأما الذي قال : عنى بقوله : " ليؤمنن به قبل موته " ، ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي - فمما لا وجه له مفهوم ، لأنه مع فساده من الوجه الذي دللنا على فساد قول من قال : "عنى به : ليؤمنن بعيسى قبل موت الكتابي" يزيده فسادا أنه لم يجر لمحمد عليه السلام في الآيات التي قبل ذلك ذكر ، فيجوز صرف"الهاء" التي في قوله : "ليؤمنن به" ، إلى أنها من ذكره . وإنما قوله : "ليؤمنن به" ، في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود . فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره ، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل ، أو خبر عن الرسول تقوم به حجة . فأما الدعاوى ، فلا تتعذر على أحد .
قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن بعيسى ، قبل موت عيسى وحذف"من" بعد"إلا" ، لدلالة الكلام عليه ، فاستغنى بدلالته عن إظهاره ، كسائر ما قد تقدم من أمثاله التي قد أتينا على البيان عنها .
[ ص: 390 ] القول في تأويل قوله ( ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( 159 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ويوم القيامة يكون عيسى على أهل الكتاب"شهيدا" ، يعني : شاهدا عليهم بتكذيب من كذبه منهم ، وتصديق من صدقه منهم ، فيما أتاهم به من عند الله ، وبإبلاغه رسالة ربه ، كالذي : -
10831 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " ، أنه قد أبلغهم ما أرسل به إليهم .
10832 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " ، يقول : يكون عليهم شهيدا يوم القيامة على أنه قد بلغ رسالة ربه ، وأقر بالعبودية على نفسه .
القول في تأويل قوله ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( 160 ) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ( 161 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فحرمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وقالوا البهتان على مريم ، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه طيبات من المآكل وغيرها ، كانت لهم [ ص: 391 ] حلالا عقوبة لهم بظلمهم ، الذي أخبر الله عنهم في كتابه ، كما : -
10833 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " الآية ، عوقب القوم بظلم ظلموه وبغي بغوه ، حرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم .
وقوله : " وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " ، يعني : وبصدهم عباد الله عن دينه وسبله التي شرعها لعباده ، صدا كثيرا . وكان صدهم عن سبيل الله : بقولهم على الله الباطل ، وادعائهم أن ذلك عن الله ، وتبديلهم كتاب الله ، وتحريف معانيه عن وجوهه . وكان من عظيم ذلك جحودهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتركهم بيان ما قد علموا من أمره لمن جهل أمره من الناس .
وبنحو ذلك كان مجاهد يقول :
10834 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثني أبو عاصم قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " ، قال : أنفسهم وغيرهم عن الحق .
10835 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقوله : " وأخذهم الربا " ، وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم ، لفضل تأخير في الأجل بعد محلها ، وقد بينت معنى"الربا" فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته .
[ ص: 392 ]
"وقد نهوا عنه" يعني : عن أخذ الربا .
وقوله : " وأكلهم أموال الناس بالباطل " ، يعني ما كانوا يأخذون من الرشى على الحكم ، كما وصفهم الله به في قوله : ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) [ سورة المائدة : 62 ] . وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ، ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم ، ثم يقولون : "هذا من عند الله" ، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة . فعاقبهم الله على جميع ذلك ، بتحريمه ما حرم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالا قبل ذلك .
وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل ، لأنهم أكلوه بغير استحقاق ، وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب .
وقوله : " وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " ، يعني : وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود ، العذاب الأليم وهو الموجع من عذاب جهنم عنده ، يصلونها في الآخرة ، إذا وردوا على ربهم ، فيعاقبهم بها .
[ ص: 393 ] القول في تأويل قوله ( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( 162 ) )
قال أبو جعفر : هذا من الله جل ثناؤه استثناء ، استثنى من أهل الكتاب من اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات التي مضت ، من قوله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " .
ثم قال جل ثناؤه لعباده ، مبينا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده : ما كل أهل الكتاب صفتهم الصفة التي وصفت لكم ، " لكن الراسخون في العلم منهم " ، وهم الذين قد رسخوا في العلم بأحكام الله التي جاءت بها أنبياؤه ، وأتقنوا ذلك ، وعرفوا حقيقته .
وقد بينا معنى"الرسوخ في العلم" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
"والمؤمنون" يعني : والمؤمنون بالله ورسله ، هم يؤمنون بالقرآن الذي أنزل الله إليك ، يا محمد ، وبالكتب التي أنزلها على من قبلك من الأنبياء والرسل ، ولا يسألونك كما سألك هؤلاء الجهلة منهم : أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، لأنهم قد علموا بما قرءوا من كتب الله وأتتهم به أنبياؤهم ، أنك لله رسول ، واجب عليهم اتباعك ، لا يسعهم غير ذلك ، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آية معجزة ولا دلالة غير الذي قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم من إخبار أنبيائهم إياهم [ ص: 394 ] بذلك ، وبما أعطيتك من الأدلة على نبوتك ، فهم لذلك من علمهم ورسوخهم فيه ، يؤمنون بك وبما أنزل إليك من الكتاب ، وبما أنزل من قبلك من سائر الكتب ، كما : -
10836 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، استثنى الله أثبية من أهل الكتاب ، وكان منهم من يؤمن بالله وما أنزل عليهم ، وما أنزل على نبي الله ، يؤمنون به ويصدقون ، ويعلمون أنه الحق من ربهم .
ثم اختلف في"المقيمين الصلاة" ، أهم الراسخون في العلم ، أم هم غيرهم ؟ .
فقال بعضهم : هم هم .
ثم اختلف قائلو ذلك في سبب مخالفة إعرابهم إعراب"الراسخون في العلم" وهما من صفة نوع من الناس .
فقال بعضهم : ذلك غلط من الكاتب ، وإنما هو : لكن الراسخون في العلم منهم والمقيمون الصلاة .
ذكر من قال ذلك :
10837 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان : ما شأنها كتبت : [ ص: 395 ] " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة" ؟ قال : إن الكاتب لما كتب : "لكن الراسخون في العلم منهم" ، حتى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قيل له : اكتب : "والمقيمين الصلاة" ، فكتب ما قيل له .
10838 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أنه سأل عائشة عن قوله : " والمقيمين الصلاة " ، وعن قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) [ سورة المائدة : 69 ] ، وعن قوله : ( إن هذان لساحران ) [ سورة طه : 63 ] ، فقالت : يا ابن أختي ، هذا عمل الكاتب ، أخطئوا في الكتاب .
وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود : ( والمقيمون الصلاة ) .
وقال آخرون ، وهو قول بعض نحويي الكوفة والبصرة : "والمقيمون الصلاة" ، من صفة"الراسخين في العلم" ، ولكن الكلام لما تطاول ، واعترض بين"الراسخين في العلم" ، "والمقيمين الصلاة" ما اعترض من الكلام فطال ، نصب"المقيمين" على وجه المدح . قالوا : والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته ، إذا تطاولت بمدح أو ذم ، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانا ، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله . وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه . وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب . واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرتها في قوله : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء ) [ سورة البقرة : 177 ] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|