عرض مشاركة واحدة
  #522  
قديم 13-12-2024, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (522)
صــ 411 إلى صــ 425






القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ( 168 ) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ( 169 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكفروا بالله بجحود ذلك ، وظلموا بمقامهم على الكفر على علم منهم ، بظلمهم عباد الله ، وحسدا للعرب ، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم" لم يكن الله ليغفر لهم " ، يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها ، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها " ولا ليهديهم طريقا " ، يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدي هؤلاء الذين كفروا وظلموا ، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة ، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم . وإنما كنى بذكر"الطريق" عن الدين . وإنما معنى الكلام : لم يكن الله ليوفقهم للإسلام ، ولكنه يخذلهم عنه إلى"طريق جهنم" ، وهو الكفر ، يعني : حتى يكفروا بالله ورسله ، فيدخلوا جهنم"خالدين فيها أبدا" ، يقول : مقيمين فيها أبدا"وكان ذلك على الله يسيرا" ، يقول : وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم ، [ ص: 412 ] على الله يسيرا ، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه ، ولا له أحد يمنعه منه ، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به من ذلك ، وكان ذلك على الله يسيرا ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ( 170 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "يا أيها الناس" ، مشركي العرب ، وسائر أصناف الكفر" قد جاءكم الرسول " ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، قد جاءكم" بالحق من ربكم" ، يقول : بالإسلام الذي ارتضاه الله لعباده دينا ، يقول : "من ربكم" ، يعني : من عند ربكم " فآمنوا خيرا لكم " ، يقول : فصدقوه وصدقوا بما جاءكم به من عند ربكم من الدين ، فإن الإيمان بذلك خير لكم من الكفر به"وإن تكفروا" ، يقول : وإن تجحدوا رسالته وتكذبوا به وبما جاءكم به من عند ربكم ، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به ، لن يضر غيركم ، وإنما مكروه ذلك عائد عليكم ، دون الذي أمركم بالذي بعث به إليكم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن لله ما في السماوات والأرض ، ملكا وخلقا ، لا ينقص كفركم بما كفرتم به من أمره ، وعصيانكم إياه فيما عصيتموه فيه ، من ملكه وسلطانه شيئا "وكان الله عليما حكيما" ، يقول : "وكان الله عليما" ، بما [ ص: 413 ] أنتم صائرون إليه من طاعته فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، ومعصيته في ذلك ، على علم منه بذلك منكم ، أمركم ونهاكم "حكيما" يعني : حكيما في أمره إياكم بما أمركم به ، وفي نهيه إياكم عما نهاكم عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره فيكم وفي غيركم من خلقه .

واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله نصب قوله : "خيرا لكم" .

فقال بعض نحويي الكوفة : نصب"خيرا" على الخروج مما قبله من الكلام ، لأن ما قبله من الكلام قد تم ، وذلك قوله : "فآمنوا" . وقال : قد سمعت العرب تفعل ذلك في كل خبر كان تاما ، ثم اتصل به كلام بعد تمامه ، على نحو اتصال"خير" بما قبله . فتقول : "لتقومن خيرا لك" و"لو فعلت ذلك خيرا لك" ، و"اتق الله خيرا لك" . قال : وأما إذا كان الكلام ناقصا ، فلا يكون إلا بالرفع ، كقولك : "إن تتق الله خير لك" ، و ( وأن تصبروا خير لكم ) [ سورة النساء : 25 ] .

وقال آخر منهم : جاء النصب في"خير" ، لأن أصل الكلام : فآمنوا هو خير لكم ، فلما سقط"هو" ، الذي [ هو كناية ] ومصدر ، اتصل الكلام بما قبله ، والذي قبله معرفة ، و"خير" نكرة ، فانتصب لاتصاله بالمعرفة لأن الإضمار من الفعل"قم فالقيام خير لك" ، و"لا تقم فترك القيام خير لك" . فلما سقط اتصل [ ص: 414 ] بالأول . وقال : ألا ترى أنك ترى الكناية عن الأمر تصلح قبل الخبر ، فتقول للرجل : "اتق الله هو خير لك" ، أي : الاتقاء خير لك . وقال : ليس نصبه على إضمار"يكن" ، لأن ذلك يأتي بقياس يبطل هذا . ألا ترى أنك تقول : "اتق الله تكن محسنا" ، ولا يجوز أن تقول : "اتق الله محسنا" ، وأنت تضمر"كان" ، ولا يصلح أن تقول : "انصرنا أخانا" ، وأنت تريد : "تكن أخانا" ؟ وزعم قائل هذا القول أنه لا يجيز ذلك إلا في"أفعل" خاصة ، فتقول : "افعل هذا خيرا لك" ، و"لا تفعل هذا خيرا لك" ، و"أفضل لك" . ، ولا تقول : "صلاحا لك" . وزعم أنه إنما قيل مع"أفعل" ، لأن"أفعل" يدل على أن هذا أصلح من ذلك .

وقال بعض نحويي البصرة : نصب"خيرا" ، لأنه حين قال لهم : "آمنوا" ، أمرهم بما هو خير لهم ، فكأنه قال : اعملوا خيرا لكم ، وكذلك : ( انتهوا خيرا لكم ) [ سورة النساء : 171 ] . قال : وهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ، ولا يكون في الخبر لا تقول : "أن أنتهي خيرا لي" ؟ ولكن يرفع على كلامين ، لأن الأمر والنهي يضمر فيهما فكأنك أخرجته من شيء إلى شيء ، لأنك حين قلت له : "انته" ، كأنك قلت له : "اخرج من ذا ، وادخل في آخر" ، واستشهد بقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة : [ ص: 415 ]


فواعديه سرحتي مالك أو الربى بينهما أسهلا


كما تقول : "واعديه خيرا لك" . قال : وقد سمعت نصب هذا في الخبر ، تقول العرب : "آتي البيت خيرا لي ، وأتركه خيرا لي" ، وهو على ما فسرت لك في الأمر والنهي .

وقال آخر منهم : نصب"خيرا" ، بفعل مضمر ، واكتفى من ذلك المضمر بقوله : "لا تفعل هذا" أو"افعل الخير" ، وأجازه في غير"أفعل" ، فقال : "لا تفعل ذاك صلاحا لك" .

وقال آخر منهم : نصب"خيرا" على ضمير جواب"يكن خيرا لكم" . وقال : كذلك كل أمر ونهي .
القول في تأويل قوله ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "يا أهل الكتاب" ، يا أهل الإنجيل من النصارى "لا تغلوا في دينكم" ، يقول : لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه ، ولا تقولوا في عيسى غير الحق ، فإن قيلكم في عيسى إنه ابن الله ، قول منكم [ ص: 416 ] على الله غير الحق . لأن الله لم يتخذ ولدا فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنا"ولا تقولوا على الله إلا الحق" .

وأصل "الغلو" ، في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده . يقال منه في الدين : "قد غلا فهو يغلو غلوا" ، و"غلا بالجارية عظمها ولحمها" ، إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها"يغلو بها غلوا ، وغلاء" ، ومن ذلك قول الحارث بن خالد المخزومي :


خمصانة قلق موشحها رؤد الشباب غلا بها عظم


وقد : -

10853 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 417 ] عن أبيه ، عن الربيع قال : صاروا فريقين : فريق غلوا في الدين ، فكان غلوهم فيه الشك فيه والرغبة عنه ، وفريق منهم قصروا عنه ، ففسقوا عن أمر ربهم .
القول في تأويل قوله ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )

قال أبو جعفر : يعني ثناؤه بقوله : " إنما المسيح عيسى ابن مريم " ، ما المسيح ، - أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب - بابن الله ، كما تزعمون ، ولكنه عيسى ابن مريم ، دون غيرها من الخلق ، لا نسب له غير ذلك . ثم نعته الله جل ثناؤه بنعته ووصفه بصفته فقال : هو رسول الله أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه .

وأصل "المسيح " ، "الممسوح" ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب . وقيل : مسح من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين ، كما يمسح الشيء من الأذى الذي يكون فيه ، فيطهر منه . ولذلك قال مجاهد ومن قال مثل قوله : "المسيح" ، الصديق .

وقد زعم بعض الناس أن أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية "مشيحا" ، فعربت فقيل : "المسيح" ، كما عرب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل : [ ص: 418 ] "إسماعيل" و"إسحاق" و"موسى" و"عيسى" .

قال أبو جعفر : وليس ما مثل به من ذلك ل"المسيح" بنظير . وذلك أن"إسماعيل" و"إسحاق" وما أشبه ذلك ، أسماء لا صفات ، و"المسيح" صفة . وغير جائز أن تخاطب العرب ، وغيرها من أجناس الخلق ، في صفة شيء إلا بمثل ما تفهم عمن خاطبها . ولو كان"المسيح" من غير كلام العرب ، ولم تكن العرب تعقل معناه ، ما خوطبت به . وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته .

وأما "المسيح الدجال" ، فإنه أيضا بمعنى : الممسوح العين ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . فمعنى : "المسيح" في عيسى صلى الله عليه وسلم : الممسوح البدن من الأدناس والآثام ومعنى : "المسيح" في الدجال : الممسوح العين اليمنى أو اليسرى ، كالذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

وأما قوله : " وكلمته ألقاها إلى مريم " ، فإنه يعني : ب "الكلمة" ، الرسالة التي [ ص: 419 ] أمر الله ملائكته أن تأتي مريم بها ، بشارة من الله لها ، التي ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) [ سورة آل عمران : 45 ] ، يعني : برسالة منه ، وبشارة من عنده .

وقد قال قتادة في ذلك ما : -

10854 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وكلمته ألقاها إلى مريم " ، قال : هو قوله : "كن" ، فكان .

وقد بينا اختلاف المختلفين من أهل الإسلام في ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : " ألقاها إلى مريم " ، يعني : أعلمها بها وأخبرها ، كما يقال : "ألقيت إليك كلمة حسنة" ، بمعنى : أخبرتك بها وكلمتك بها .

وأما قوله : " وروح منه " ، فإن أهل العلم اختلفوا في تأويله .

فقال بعضهم : معنى قوله : "وروح منه" ، ونفخة منه ، لأنه حدث عن نفخة جبريل عليه السلام في درع مريم بأمر الله إياه بذلك ، فنسب إلى أنه"روح من الله" ، لأنه بأمره كان . قال : وإنما سمي النفخ"روحا" ، لأنها ريح تخرج من الروح ، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول ذي الرمة في صفة نار نعتها : [ ص: 420 ]


فلما بدت كفنتها ، وهي طفلة بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا [ ص: 421 ] وقلت له ارفعها إليك ، وأحيها
بروحك ، واقتته لها قيتة قدرا وظاهر لها من يابس الشخت ، واستعن
عليها الصبا ، واجعل يديك لها سترا [ ولما تنمت تأكل الرم لم تدع
ذوابل مما يجمعون ولا خضرا ] فلما جرت في الجزل جريا كأنه
سنا البرق ، أحدثنا لخالقها شكرا


وقالوا : يعني بقوله : "أحيها بروحك" ، أي : أحيها بنفخك .

وقال بعضهم يعني بقوله : "وروح منه" إنه كان إنسانا بإحياء الله له بقوله : "كن" . قالوا : وإنما معنى قوله : "وروح منه" ، وحياة منه ، بمعنى إحياء الله إياه بتكوينه .

وقال آخرون : معنى قوله : "وروح منه" ، ورحمة منه ، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر : ( وأيدهم بروح منه ) [ سورة المجادلة : 22 ] . قالوا : ومعناه في هذا الموضع : ورحمة منه . قالوا : فجعل الله عيسى رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه ، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد .

وقال آخرون : معنى ذلك : وروح من الله خلقها فصورها ، ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها ، فصيرها الله تعالى روح عيسى عليه السلام .

ذكر من قال ذلك :

10855 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد قال : أخبرني أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) ، [ سورة الأعراف : 172 ] ، قال : أخذهم فجعلهم أرواحا ، ثم صورهم ، ثم [ ص: 422 ] استنطقهم ، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق ، فأرسل ذلك الروح إلى مريم ، فدخل في فيها ، فحملت الذي خاطبها ، وهو روح عيسى عليه السلام .

وقال آخرون : معنى"الروح" هاهنا ، جبريل عليه السلام . قالوا : ومعنى الكلام : وكلمته ألقاها إلى مريم ، وألقاها أيضا إليها روح من الله . قالوا : ف"الروح" معطوف به على ما في قوله : "ألقاها" من ذكر الله ، بمعنى : أن إلقاء الكلمة إلى مريم كان من الله ، ثم من جبريل عليه السلام .

قال أبو جعفر : ولكل هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب .
القول في تأويل قوله ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "فآمنوا بالله ورسله" ، فصدقوا ، يا أهل الكتاب ، بوحدانية الله وربوبيته ، وأنه لا ولد له ، وصدقوا رسله فيما جاءوكم به من عند الله ، وفيما أخبرتكم به أن الله واحد لا شريك له ، ولا صاحبة له ، لا ولد له "ولا تقولوا ثلاثة" ، يعني : ولا تقولوا : الأرباب ثلاثة .

[ ص: 423 ]

ورفعت"الثلاثة" ، بمحذوف دل عليه الظاهر ، وهو"هم" . ومعنى الكلام : ولا تقولوا هم ثلاثة . وإنما جاز ذلك ، لأن"القول" حكاية ، والعرب تفعل ذلك في الحكاية ، ومنه قول الله : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) ، [ سورة الكهف : 22 ] . وكذلك كل ما ورد من مرفوع بعد"القول" لا رافع معه ، ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم .

ثم قال لهم جل ثناؤه : متوعدا لهم في قولهم العظيم الذي قالوه في الله : "انتهوا" ، أيها القائلون : الله ثالث ثلاثة ، عما تقولون من الزور والشرك بالله ، فإن الانتهاء عن ذلك خير لكم من قيله ، لما لكم عند الله من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك ، إن أقمتم عليه ، ولم تنيبوا إلى الحق الذي أمرتكم بالإنابة إليه والآجل في معادكم .
القول في تأويل قوله ( إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ( 171 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : "إنما الله إله واحد" ، ما الله ، أيها القائلون : الله ثالث ثلاثة ، كما تقولون ، لأن من كان له ولد ، فليس بإله . وكذلك من كان له صاحبة ، فغير جائز أن يكون إلها معبودا . ولكن الله الذي له الألوهة والعبادة ، إله واحد معبود ، لا ولد له ، ولا والد ، ولا صاحبة ، ولا شريك .

ثم نزه جل ثناؤه نفسه وعظمها ورفعها عما قال فيه أعداؤه الكفرة به فقال : "سبحانه أن يكون له ولد" ، يقول : علا الله وجل وعز وتعظم وتنزه عن أن يكون له ولد أو صاحبة .

[ ص: 424 ]

ثم أخبر جل ثناؤه عباده : أن عيسى وأمه ومن في السماوات ومن في الأرض ، عبيده وإماؤه وخلقه ، وأنه رازقهم وخالقهم ، وأنهم أهل حاجة وفاقة إليه احتجاجا منه بذلك على من ادعى أن المسيح ابنه ، وأنه لو كان ابنه كما قالوا ، لم يكن ذا حاجة إليه ، ولا كان له عبدا مملوكا ، فقال : " له ما في السماوات وما في الأرض " ، يعني : لله ما في السماوات وما في الأرض من الأشياء كلها ملكا وخلقا ، وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم ، فكيف يكون المسيح ابنا لله ، وهو في الأرض أو في السماوات ، غير خارج من أن يكون في بعض هذه الأماكن ؟

وقوله : " وكفى بالله وكيلا " ، يقول : وحسب ما في السماوات وما في الأرض بالله قيما ومدبرا ورازقا ، من الحاجة معه إلى غيره .
القول في تأويل قوله ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون )

يعني جل ثناؤه بقوله : " لن يستنكف المسيح " ، لن يأنف ولن يستكبر المسيح " أن يكون عبدا لله " ، يعني : من أن يكون عبدا لله ، كما : -

10856 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون " ، لن يحتشم المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة .

[ ص: 425 ]

وأما قوله : "ولا الملائكة المقربون" ، فإنه يعني : ولن يستنكف أيضا من الإقرار لله بالعبودة والإذعان له بذلك ، رسله"المقربون" ، الذين قربهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه .

وروي عن الضحاك أنه كان يقول في ذلك ، ما : -

10857 - حدثني به جعفر بن محمد البزوري قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن الأجلح قال : قلت للضحاك : ما"المقربون" ؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية .
القول في تأويل قوله ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ( 172 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : ومن يتعظم عن عبادة ربه ، ويأنف من التذلل والخضوع له بالطاعة من الخلق كلهم ، ويستكبر عن ذلك" فسيحشرهم إليه جميعا " ، يقول : فسيبعثهم يوم القيامة جميعا ، فيجمعهم لموعدهم عنده .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]