عرض مشاركة واحدة
  #526  
قديم 13-12-2024, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (526)
صــ 476 إلى صــ 490



10966 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 476 ] الثوري ، عن بيان ، عن الشعبي قال : لم ينسخ من سورة المائدة غير هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " .

10967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" الآية ، قال : منسوخ . قال : كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ، ولا عند البيت ، فنسخها قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .

10968 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك : "لا تحلوا شعائر الله" إلى قوله : "ولا آمين البيت الحرام" ، قال : نسختها"براءة" : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .

10969 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن الضحاك ، مثله .

10970 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت : " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد " ، قال : هذا شيء نهي عنه ، فترك كما هو .

10971 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " ، قال : هذا كله منسوخ ، نسخ هذا أمره بجهادهم كافة .

[ ص: 477 ]

وقال آخرون : الذي نسخ من هذه الآية قوله : " ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " .

ذكر من قال ذلك :

10972 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة فقال : هكذا سمعته من قتادة : نسخ من"المائدة" : " آمين البيت الحرام " ، نسختها"براءة" قال الله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ سورة التوبة : 17 ] ، وقال : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ سورة التوبة : 27 ] ، وهو العام الذي حج فيه أبو بكر ، فنادى فيه بالأذان .

10973 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " الآية ، قال : فنسخ منها : " آمين البيت الحرام " ، نسختها"براءة" ، فقال : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، فذكر نحو حديث عبدة .

10974 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : نزل في شأن الحطم : "ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام" ، ثم نسخه الله فقال : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) [ سورة البقرة : 191 ] .

10975 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن [ ص: 478 ] علي ، عن ابن عباس قوله : " لا تحلوا شعائر الله " إلى قوله : "ولا آمين البيت" ، [ فكان المؤمنون والمشركون يحجون إلى البيت ] جميعا ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له ، من مؤمن أو كافر ، ثم أنزل الله بعد هذا : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) ، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) ، وقال : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) [ سورة التوبة : 18 ] ، فنفى المشركين من المسجد الحرام .

10976 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، الآية ، قال : منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السمر فلم يعرض له أحد . وإذا رجع ، تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد . وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت . وأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ، ولا عند البيت ، فنسخها قوله : "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " .

وقال آخرون : لم ينسخ من ذلك شيء ، إلا القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء الشجر .

ذكر من قال ذلك :

10977 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، الآية ، قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : هذا كله من عمل الجاهلية فعله وإقامته ، فحرم الله ذلك كله بالإسلام ، إلا لحاء القلائد ، فترك [ ص: 479 ] ذلك "ولا آمين البيت الحرام" ، فحرم الله على كل أحد إخافتهم .

10978 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : نسخ الله من هذه الآية قوله : " ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " ، لإجماع الجميع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها . وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم ، لم يكن ذلك له أمانا من القتل ، إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان وقد بينا فيما مضى معنى"القلائد" في غير هذا الموضع .

وأما قوله : " ولا آمين البيت الحرام " ، فإنه محتمل ظاهره : ولا تحلوا حرمة آمين البيت الحرام من أهل الشرك والإسلام ، لعموم جميع من أم البيت . وإذا احتمل ذلك ، فكان أهل الشرك داخلين في جملتهم ، فلا شك أن قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، ناسخ له . لأنه غير جائز اجتماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم في حال واحدة ووقت واحد . وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلهم ، أموا البيت الحرام أو البيت المقدس ، في أشهر الحرم وغيرها ما يعلم أن المنع من قتلهم إذا أموا البيت الحرام منسوخ . ومحتمل أيضا : ولا آمين البيت الحرام من أهل الشرك .

وأكثر أهل التأويل على ذلك .

وإن كان عني بذلك المشركون من أهل الحرب ، فهو أيضا لا شك منسوخ .

[ ص: 480 ]

وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف في ذلك بينهم ظاهر ، وكان ما كان مستفيضا فيهم ظاهرا حجة فالواجب ، وإن احتمل ذلك معنى غير الذي قالوا ، التسليم لما استفاض بصحته نقلهم .
القول في تأويل قوله ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : "يبتغون" ، يطلبون ويلتمسون و"الفضل" الأرباح في التجارة و"الرضوان" ، رضى الله عنهم ، فلا يحل بهم من العقوبة في الدنيا ما أحل بغيرهم من الأمم في عاجل دنياهم ، بحجهم بيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10979 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة في قوله : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " ، قال : هم المشركون ، يلتمسون فضل الله ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم .

10980 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة فقال : هكذا سمعته من قتادة في قوله : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " ، والفضل والرضوان اللذان يبتغون : أن يصلح معايشهم في الدنيا ، وأن لا يعجل لهم العقوبة فيها .

[ ص: 481 ]

10981 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن ابن عباس : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، يعني : أنهم يترضون الله بحجهم .

10982 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير ، وعنده رجل فحدثهم في قوله : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، قال : التجارة في الحج ، والرضوان في الحج .

10983 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي أميمة قال : قال ابن عمر في الرجل يحج ويحمل معه متاعا ، قال : لا بأس به وتلا هذه الآية : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " .

10984 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، قال : يبتغون الأجر والتجارة .
القول في تأويل قوله ( وإذا حللتم فاصطادوا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإذا حللتم فاصطادوا الصيد الذي نهيتكم أن تحلوه وأنتم حرم . يقول : فلا حرج عليكم في اصطياده ، واصطادوا إن شئتم حينئذ ، لأن المعنى الذي من أجله كنت حرمته عليكم في حال إحرامكم قد زال .

[ ص: 482 ]

وبما قلنا في ذلك قال جميع أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10985 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حصين ، عن مجاهد أنه قال : هي رخصة يعني قوله : " وإذا حللتم فاصطادوا " .

10986 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد قال : خمس في كتاب الله رخصة ، وليست بعزمة ، فذكر : "وإذا حللتم فاصطادوا" ، قال : من شاء فعل ، ومن شاء لم يفعل .

10987 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد ، عن حجاج ، عن عطاء ، مثله .

10988 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن مجاهد : " وإذا حللتم فاصطادوا " ، قال : إذا حل ، فإن شاء صاد ، وإن شاء لم يصطد .

10989 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن مجاهد : أنه كان لا يرى الأكل من هدي المتعة واجبا ، وكان يتأول هذه الآية : "وإذا حللتم فاصطادوا" ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ سورة الجمعة : 10 ] .
[ ص: 483 ] القول في تأويل قوله ( ولا يجرمنكم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ولا يجرمنكم" ، ولا يحملنكم ، كما : -

10990 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، يقول : لا يحملنكم شنآن قوم .

10991 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، أي : لا يحملنكم .

وأما أهل المعرفة باللغة فإنهم اختلفوا في تأويلها .

فقال بعض البصريين : معنى قوله : "ولا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم ، لأن قوله : ( لا جرم أن لهم النار ) [ سورة النحل : 62 ] ، هو : حق أن لهم النار .

وقال بعض الكوفيين : معناه : لا يحملنكم . وقال : يقال : "جرمني فلان على أن صنعت كذا وكذا" ، أي : حملني عليه .

واحتج جميعهم ببيت الشاعر :


ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
[ ص: 484 ]

فتأول ذلك كل فريق منهم على المعنى الذي تأوله من القرآن . فقال الذين قالوا : "لا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم معنى قول الشاعر : "جرمت فزارة" ، أحقت الطعنة لفزارة الغضب .

وقال الذين قالوا : معناه : لا يحملنكم معناه في البيت : "جرمت فزارة أن يغضبوا" ، حملت فزارة على أن يغضبوا .

وقال آخر من الكوفيين : معنى قوله : "لا يجرمنكم " ، لا يكسبنكم شنآن قوم .

وتأويل قائل هذا القول قول الشاعر في البيت : "جرمت فزارة " ، كسبت فزارة أن يغضبوا . قال : وسمعت العرب تقول : "فلان جريمة أهله" ، بمعنى : كاسبهم "وخرج يجرمهم" ، يكسبهم .

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه ، متقاربة المعنى . وذلك أن من حمل رجلا على بغض رجل ، فقد أكسبه بغضه . ومن أكسبه بغضه ، فقد أحقه له .

فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف ، ما قاله ابن عباس وقتادة ، وذلك توجيههما معنى قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، ولا يحملنكم شنآن قوم على العدوان .

[ ص: 485 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الأمصار : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" من : "جرمته أجرمه" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين وهو يحيى بن وثاب ، والأعمش : ما : -

10992 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن الأعمش أنه قرأ : ( ولا يجرمنكم ) مرتفعة"الياء" ، من : "أجرمته أجرمه ، وهو يجرمني" .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القراءتين ، قراءة من قرأ ذلك : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" ، لاستفاضة القراءة بذلك في قرأة الأمصار ، وشذوذ ما خالفها ، وأنها اللغة المعروفة السائرة في العرب ، وإن كان مسموعا من بعضها : "أجرم يجرم" على شذوذه . وقراءة القرآن بأفصح اللغات ، أولى وأحق منها بغير ذلك . ومن لغة من قال"جرمت" ، قول الشاعر :


يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت إلى القبائل من قتل وإبآس
[ ص: 486 ] القول في تأويل قوله ( شنآن قوم )

اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه بعضهم : ( شنآن ) بتحريك"الشين والنون" إلى الفتح ، بمعنى : بغض قوم ، توجيها منهم ذلك إلى المصدر الذي يأتي على"فعلان" ، نظير"الطيران" و"النسلان" و"العسلان" و"الرملان" .

وقرأ ذلك آخرون : شنآن قوم بتسكين"النون" وفتح"الشين" بمعنى : الاسم ، توجيها منهم معناه إلى : لا يجرمنكم بغيض قوم فيخرج"شنآن" على تقدير"فعلان" ، لأن"فعل" منه على"فعل" كما يقال : "سكران" من"سكر" ، و"عطشان" من"عطش" ، وما أشبه ذلك من الأسماء .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( شنآن قوم ) بفتح"النون" محركة ، لشائع تأويل أهل التأويل على أن معناه : بغض قوم وتوجيههم ذلك إلى معنى المصدر دون معنى الاسم .

وإذ كان ذلك موجها إلى معنى المصدر ، فالفصيح من كلام العرب فيما جاء من المصادر على"الفعلان" بفتح"الفاء" ، تحريك ثانيه دون تسكينه ، كما وصفت من قولهم : "الدرجان" و"الرملان" ، من"درج" و"رمل" ، فكذلك"الشنآن" من"شنئته أشنؤه شنآنا" ، ومن العرب من يقول : "شنان" على تقدير"فعال" ، ولا أعلم قارئا قرأ ذلك كذلك ، ومن ذلك قول الشاعر : [ ص: 487 ]



وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشنان وفندا


وهذا في لغة من ترك الهمز من"الشنآن" ، فصار على تقدير"فعال" وهو في الأصل"فعلان" .

ذكر من قال من أهل التأويل : "شنآن قوم" ، بغض قوم .

10993 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، لا يحملنكم بغض قوم .

10994 - وحدثني به المثنى مرة أخرى بإسناده ، عن ابن عباس فقال : لا يحملنكم عداوة قوم أن تعتدوا .

10995 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، لا يجرمنكم بغض قوم .

10996 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، قال : بغضاؤهم ، أن تعتدوا .
القول في تأويل قوله ( أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه بعض أهل المدينة وعامة قرأة الكوفيين : ( أن صدوكم ) بفتح"الألف " [ ص: 488 ] من"أن" ، بمعنى : لا يجرمنكم بغض قوم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا .

وكان بعض قرأة الحجاز والبصرة يقرأ ذلك : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم ) ، بكسر"الألف" من"إن" ، بمعنى : ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدا عن المسجد الحرام أن تعتدوا فزعموا أنها في قراءة ابن مسعود : ( إن يصدوكم ) ، فقرأوا ذلك كذلك اعتبارا بقراءته .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قرأة الأمصار ، صحيح معنى كل واحدة منهما .

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صد عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية ، وأنزلت عليه"سورة المائدة" بعد ذلك ، فمن قرأ ( أن صدوكم ) بفتح"الألف" من"أن" ، فمعناه : لا يحملنكم بغض قوم ، أيها الناس ، من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام ، أن تعتدوا عليهم .

ومن قرأ : ( إن صدوكم ) بكسر"الألف" ، فمعناه : لا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله . لأن الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتح مكة ، قد حاولوا صدهم عن المسجد الحرام . فتقدم الله إلى المؤمنين في قول من قرأ ذلك بكسر"إن" بالنهي عن الاعتداء عليهم ، إن هم صدوهم عن المسجد الحرام ، قبل أن يكون ذلك من الصادين .

غير أن الأمر ، وإن كان كما وصفت ، فإن قراءة ذلك بفتح"الألف" ، أبين معنى . لأن هذه السورة لا تدافع بين أهل العلم في أنها نزلت بعد يوم الحديبية .

[ ص: 489 ] وإذ كان ذلك كذلك ، فالصد قد كان تقدم من المشركين ، فنهى الله المؤمنين عن الاعتداء على الصادين من أجل صدهم إياهم عن المسجد الحرام .

وأما قوله : "أن تعتدوا" ، فإنه يعني : أن تجاوزوا الحد الذي حده الله لكم في أمرهم .

فتأويل الآية إذا : ولا يحملنكم بغض قوم ، لأن صدوكم عن المسجد الحرام ، أيها المؤمنون ، أن تعتدوا حكم الله فيهم ، فتجاوزوه إلى ما نهاكم عنه ، ولكن الزموا طاعة الله فيما أحببتم وكرهتم .

وذكر أنها نزلت في النهي عن الطلب بذحول الجاهلية .

ذكر من قال ذلك :

10997 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "أن تعتدوا" ، رجل مؤمن من حلفاء محمد ، قتل حليفا لأبي سفيان من هذيل يوم الفتح بعرفة ، لأنه كان يقتل حلفاء محمد ، فقال محمد صلى الله عليه وسلم : لعن الله من قتل بذحل الجاهلية .

10998 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : هذا منسوخ

ذكر من قال ذلك : [ ص: 490 ]

10999 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا" ، قال : بغضاؤهم ، حتى تأتوا ما لا يحل لكم . وقرأ : "أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا" ، وقال : هذا كله قد نسخ ، نسخه الجهاد .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول مجاهد أنه غير منسوخ ، لاحتماله : أن تعتدوا الحق فيما أمرتكم به . وإذا احتمل ذلك ، لم يجز أن يقال : "هو منسوخ" ، إلا بحجة يجب التسليم لها .
القول في تأويل قوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وتعاونوا على البر والتقوى " ، وليعن بعضكم ، أيها المؤمنون ، بعضا "على البر" ، وهو العمل بما أمر الله بالعمل به "والتقوى" ، هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه .

وقوله : " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ، يعني : ولا يعن بعضكم بعضا "على الإثم" ، يعني : على ترك ما أمركم الله بفعله "والعدوان" ، يقول : ولا على أن تتجاوزوا ما حد الله لكم في دينكم ، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]