
15-12-2024, 08:07 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سلسلة شرح الأربعين النووية
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
الحديث 16: لا تغضب
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث.
• المعنى الإجمالي للحديث.
• المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني، قال: لا تغضب، فردَّد مرارًا، قال: لا تغضب))[1].
عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم، الذي أوجز وصيته لهذا الصحابي في كلمة جامعة؛ وهي: ((لا تغضب))؛ قال الخطابي: "معنى قوله: ((لا تغضب))، اجتَنِبْ أسبابَ الغضب، ولا تتعرض لِما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتَّى النهي عنه؛ لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجِبْلَةِ"[2]، والغضب جِماع الشرِّ، والتحرُّز منه جماع الخير، وهو ينشأ بدافع النفس للانتقام، أو دفع الأذى؛ ما يتولد عنه الكثير من الشرور؛ كالقتل والضرب، والسب والنطق بالكلام الفاحش، وغيرها، وهو نقيض الرضا والسَّكِينة والطمأنينة.
فما الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يأتي:
1- الغضب المذموم وعلاجه: وهو الذي نهى عنه وحذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي وردت، ومنها هذا الحديث، وهو خُلُقٌ سيئ؛ لأنه يُخرِج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظرٌ ولا فِكْرٌ ولا اختيار.
ومن أمثلته: الغضب لأجل الدنيا والمصالح، والغضب للنفس، أو الغضب عصبيةً أو للقبيلة، أو الحزب أو الجماعة، أو للأسرة والأقارب، فتجد الغضبان يغضب لأتفه الأسباب، فتنتفخ أوداجه وتحمرُّ عيناه، ويُطلِق للسانه العِنان في السَّبِّ والشتم والقذف، وربما يؤذي المغضوبَ عليه بالضرب أو القتل، وكم من غاضب حوَّل العيش داخل الأُسرة إلى جحيم، وربما طلَّق زوجته فيندم، لكن حيث لا ينفع الندم! ويزداد الأمر سوءًا إذا ظنَّ الغاضبُ أنه قوِيٌّ بتصرفاته، ويستطيع فرض احترامه، ونفسه التي بين جنبيه ضعيفٌ أمامها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))[3]؛ أي: ليس الشديد الذي يصرع الناس بقوته البدنية، أو يمارس فنون القتال والمصارعة، ولكن الشديد الذي يضبط نفسه، فلا ينطق إلا بما يوافق الحق والصواب.
ويُعالَج الغضب:
• بدعاء الله عز وجل على إذهاب غضبك في غير محله؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
• بملازمة ذكر الله عز وجل، أكْثِرْ من قراءة القرآن، ومن التسبيح والتهليل وغيرها من الأذكار؛ لأنها تُطَمْئِنُ القلب؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
• بلزوم الصالحين والرفقة الطيبة؛ لأن مجالستهم سَكِينة، بخلاف مجالسة الرفقة السيئة التي تتوفر عندها دواعي الغضب المذموم وكثرته.
• بالتعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه مصدر الغضب من خلال وسوسته؛ عن سليمان بن صرد، قال: ((استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضِب أحدهما، فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغيَّر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لَأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهب عنه الذي يجد، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقال: تعوَّذ بالله من الشيطان، فقال: أترى بي بأسٌ؟ أمجنونٌ أنا؟ اذهب))[4].
• بتغيير الوضع الذي أنت عليه حال غضبك؛ فإن كنت تمشي فتوقَّف، وإن كنت واقفًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضِب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع))[5]، وغيرها من الأسباب المشروعة.
فاللهم إنا نعوذ بك من الغضب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فنستفيد كذلك أن هناك:
2- الغضب المحمود؛ وهو أن يكون لله عز وجل عندما تُنتهك حرماته، والغضب على أعدائه من الكفار والمنافقين، والطغاة والمتجبرين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]، ومنه غضب الله عز وجل كغضبه على المنافقين والمشركين؛ كقوله تعالى: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6].
كيف لمن يسمع الدين والملة تُسَبُّ ولا يحرك ساكنًا، وإذا سُبَّ هو أو أحد أقربائه، انتفض انتفاضة الثور؟! وكيف لمن يرى أو يسمع نبيه صلى الله عليه وسلم يُستهزَأ به، وتُنشر له رسوم مسيئة، أو نفي سنته بدعوى الاقتصار على القرآن، ثم لا يغضب؟ وكيف لمن عنده أبناء لا يُصلُّون ثم لا يغضب ولا يحرك ساكنًا؟! أو يرى زوجته أو ابنته تخرج سافرةً، ولا يأمر أو ينهى؟ وكيف لمن يرى إخوانه يُقتلون ويُذبحون ويجوعون، وأعراض المؤمنات تُنتهك، ولا يغضب ولا ينفر بما يستطيع؟ والله عز وجل يقول: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41].
فالغضب إذا كان في محله، فهو مطلوب لحماية الدين والأنْفُسِ والأعراض، وانظروا كيف غضب أناس من المشركين حينما حُوصِرَ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ومَن معهم مِن أقربائهم مِنَ المشركين في الشِّعب بدافع العصبية، وقالوا: "يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبَس الثياب، وبنو هاشم هَلْكَى، لا يُباع ولا يُبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تُشَقُّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة"[6]، فسَعَوا لنقضها، فقيمة الغضب المحمود تنفع لإزالة الظلم، ووضع الأمور في نصابها.
فاللهم اجعلنا ممن يغضب لك، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه البخاري، رقم: 6116.
[2] فتح الباري: 10 /520.
[3] رواه البخاري، رقم: 6114، ومسلم، رقم: 2609.
[4] رواه البخاري، رقم: 6048.
[5] رواه أبو داود، رقم: 4782.
[6] سيرة ابن هشام: 1 /376، والقائل هو زهير بن أبي أميَّة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|