شرح حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية عن الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ]. قوله: [ سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول:... ] هذا فيه بيان عناية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنن وتبليغها للناس، وأنهم كانوا على المنابر في الخطب يبينون السنن ويوضحونها ويبلغونها للناس، حتى يسمعها الجم الغفير ممن يسمعون الخطب، وهو دال على كمال نصحهم وحرصهم واجتهادهم وتبليغهم السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة -يعني: إذا فرغ من الصلاة المفروضة- يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وهذا الحديث نفسه جاء عند مسلم والنسائي وليس فيه ذكر التكرار لقوله: [ (لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وإنما جاء مرة واحدة، فهذا من الذكر الذي شرع بعد الصلوات المكتوبة في حديث ابن الزبير ، وكذلك الذي جاء في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم، كل ذلك من الذكر الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، وهو من الثناء على الله عز وجل؛ لأنه ذكر وثناء. وهذه الأذكار يرفع بها الصوت كما سبق في الحديث الذي فيه: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث هو في الصحيحين أيضاً. وهذه الأذكار يؤتى بها جميعاً؛ لأنها كلها من الذكر المشروع بعد الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن علية ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن أبي عثمان ]. الحجاج بن أبي عثمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن الزبير ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
طريق أخرى لما كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من الصلاة المفروضة مع تراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يهلل في دبر كل صلاة فذكر نحو هذا الدعاء زاد فيه: (ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة...) وساق بقية الحديث ]. ذكر المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم وهي: [ (لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة....) ] يعني: بالإضافة إلى قوله في الحديث السابق: (والفضل والثناء الحسن). قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير ]. أبو الزبير و عبد الله بن الزبير قد مر ذكرهما.
شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء....)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي -وهذا حديث مسدد- قالا: حدثنا المعتمر قال: سمعت داود الطفاوي قال: حدثني أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وقال سليمان : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء، اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة، يا ذا الجلال والإكرام! اسمع واستجب، الله أكبر الأكبر، الله نور السماوات والأرض -قال سليمان بن داود -: رب السماوات والأرض، الله أكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الأكبر) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء) ] يعني: بعدها؛ لأن الدبر يطلق على ما قبل آخر الشيء وعلى ما بعده، فهو يطلق على ما قبل السلام وعلى ما بعد السلام، كله يقال له: دبر، وهنا هذا الذكر يقال بعد السلام، وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها ذكر الدبر ويراد به ما بعد ومنها الحديث الذي فيه التسبيح والتهليل والتكبير دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهذا يكون بعد الصلاة، فالمراد بالدبر هنا ما بعد الصلاة. وهذا الحديث الطويل المشتمل على هذه الألفاظ من الدعاء هو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه من هو لين الحديث، وفيه من هو مقبول، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإنه لا يشرع الإتيان به، وإنما يؤتى بالأشياء الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء ...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ و سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ وهذا حديث مسدد قالا: حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت داود الطفاوي ]. داود الطفاوي لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني أبو مسلم البجلي ]. أبو مسلم البجلي مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. أقول: المتن فيه ما فيه، والإسناد فيه من هو لين الحديث، ومن هو مقبول، والمقبول أعلى من لين الحديث، يعني: المقبول هو الذي يقبل حديث إذا توبع، والذي أقل منه هو لين الحديث.
شرح حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. قوله: [ (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. هذا يدلنا على أن الصلاة يكون بعدها دعاء وليس مجرد ذكر، بل إن أول شيء يكون بعد الصلاة هو الدعاء وهو: أستغفر الله أستغفر الله، أستغفر الله ثلاث مرات؛ لأن الاستغفار هو دعاء، أستغفر الله يعني: أسأل الله المغفرة. إذاً: فبعد الصلاة يوجد ثناء ويوجد فيه دعاء، وهذا الحديث يدل على مشروعية الدعاء بعد الصلاة، وهناك دعاء قبل السلام، فما ورد قبل السلام يؤتى به قبل السلام، وما ورد بعد السلام يؤتى به بعد السلام.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ...)
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمه الماجشون بن أبي سلمة ]. هو يعقوب بن أبي سلمة الماجشون والماجشون لقب وليس اسماً، وهناك جماعة يقال لهم: الماجشون، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، و الأعرج لقب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر هداي إلي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي) ]. حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس فيه أن هذا يقال بعد السلام وإنما فيه أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو. قوله: [ (رب أعني ولا تعن علي) ] يعني: بأن يعينه ويوفقه، وألا يعين عليه أحداً يلحق به الضرر. قوله: [ (وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي) ] يعني أن يكون المكر من الله له ولا يكون من الله عليه. قوله: [ (اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً) ]. هذه الألفاظ فيها حذف واو العطف، والأصل أن يقول: لك كذا، ولك كذا، ولك كذا، وحذف واو العطف وارد في اللغة العربية وهذا منه، ومنه قول الله عز وجل في أول سورة الغاشية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:2-8] يعني: ووجوه، فحذفت واو العطف. إذاً: حذف واو العطف سائغ وقد جاء في القرآن والسنة. قوله: [ (لك راهباً) ]. يعني: الرهبة تكون من الله؛ لأنها مقابل الرغبة، كما في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90] يعني: خوفاً ورجاءً. قوله: [ (لك مطواعاً) ] يعني: مطيعاً، ومطواع صيغة مبالغة من الطاعة. قوله: [ (إليك مخبتاً أو منيباً) ]. الإخبات هو الخشية والذل، والإنابة هي الرجوع. قوله: [ (رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي) ]. الحوبة قيل: هي الذنب، وكونها تغسل مثل ما جاء في الحديث: (ونقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني بالماء والثلج والبرد). قوله: [ (وأجب دعوتي وثبت حجتي) ]. يعني: يكون كلامه مستقيماً، وفي الآخرة كونه يسدد ويوفق عند السؤال للجواب بالصواب. قوله: [ (واسلل سخيمة قلبي) ]. يعني: أخرج ما فيه من الحقد والضغن، والأشياء التي تكون في القلوب مما تعتريه وهي مذمومة وغير محمودة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو عبد الله بن الحارث النجراني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن طليق بن قيس ]. طليق بن قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره.
طريق أخرى لحديث: (رب أعني ولا تعن علي) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة بإسناده ومعناه، قال: (ويسر الهدى إلي، ولم يقل: هداي) ]. هذه طريق أخرى للحديث السابق. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري . [ قال: سمعت: عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة مر ذكره. [ قال أبو داود : سمع سفيان من عمرو بن مرة قالوا: ثمانية عشر حديثاً ]. هذا فيه بيان مقدار سماع سفيان الثوري من عمرو بن مرة وأنهم قالوا: سمع منه ثمانية عشر حديثاً.
شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عاصم الأحول و خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ]. قوله: [ (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ] هذا ذكر يأتي به الإمام وهو مستقبل القبلة بعد السلام وقبل الانصراف إلى المأمومين، كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك الاستغفار ثلاثاً: (أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) والإمام بعد أن يأتي بهذا الذكر ينصرف إلى المأمومين، ويأتي بالباقي مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقابل للمأمومين.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم قول: وإليك السلام تباركت وتعاليت
ويقول بعض الناس: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، تباركت وتعاليت، ولم يأت ما يدل على قولهم: تعاليت، ولا قولهم: وإليك السلام؛ لأن الله هو السلام ومنه السلام، ولهذا لا يسلم على الله وإنما السلام من الله، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: (السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا كذلك؛ فإن الله هو السلام ومنه السلام) يعني: أن السلام منه لهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .
شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن الأوزاعي عن أبي عمار عن أبي أسماء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم...)، فذكر معنى حديث عائشة رضي الله عنها ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته، استغفر ثلاث مرات..) ] يعني: كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته إلى المأمومين فقبل أن ينصرف كان يستغفر ثلاث مرات بعدما يسلم، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله اللهم.. ثم يأتي بالذكر الذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا، فقد كان يجمع بين الاستغفار وبين هذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام).
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات)
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمار ]. هو شداد بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أسماء ]. هو عمرو بن مرثد الرحبي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة
حكم الدعاء الجماعي دبر الصلوات ورفع اليدين فيه
السؤال: يكثر في العالم الإسلامي الدعاء الجماعي، بأن يدعو الإمام والمأمومون يؤمنون، مع رفع اليدين فيه، فهل لكم من توجيه؟
الجواب: المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل واحد يسبح لنفسه، ويهلل لنفسه، ويأتي بالذكر لنفسه، دون أن يكون هناك صوت جماعي، بأن يأتي الإمام بالذكر وهم يؤمنون وراءه، فهذا من الأمور المحدثة، وإنما كل إنسان يأتي بالدعاء لنفسه، وليس الإمام هو الذي يأتي بالدعاء والباقون يؤمنون وراءه، أو يأتون بالذكر وراءه، فهذا ليس من السنة، بل هذا من الأمور المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يأتي بالذكر والصحابة يرددون وراءه الذكر مثل المعلم الذي يعلم الصبيان، وإنما كل إنسان كان يأتي بالذكر لنفسه. ورفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو إمام الناس، وهو الذي كان يصلي بهم، ولم ينقل رفع اليدين بعد الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل هذا على أن ذلك لا يصلح؛ لأنه لم يفعل. ورفع اليدين للدعاء له أحوال: حال ورد فيها رفع اليدين، فترفع اليدان فيما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحال لم يأت فيها رفع اليدين ومنها: أثناء خطبة الجمعة، فإنه لا ترفع الأيدي فيها، إلا إذا استستقى الإمام في الخطبة فإنه يرفع يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه وهو يخطب إلا في الاستسقاء، وكذلك بعد الصلاة المفروضة؛ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي يصلي بالناس دائماً- يرفع يديه وكذلك الصحابة معه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم لم يكونوا يرفعون أيديهم.
حكم الجهر بالتكبير بعد التسليم قبل الاستغفار
السؤال: بعض طلبة العلم إذا سلم يكبر تكبيرة واحدة ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويستدل بما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس : (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) فما رأيكم في هذا؟
الجواب: غير واضح أن يؤتى بالتكبير بعد السلام مباشرة، ولا شك أن الصلاة بعدها تكبير وغير تكبير، فقد جاء في بعض الروايات عدم ذكر التكبير، والمراد بالحديث أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذكر بعد الصلاة فيه تكبير وفيه غير تكبير، وأما كونه يؤتى بالتكبير مباشرة فلم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: الله أكبر، وإنما كان يقول: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)، والاستغفار ورد بعد أداء العبادات، كما جاء في الصلاة، وجاء في الحج، يعني: بعد أداء العبادة يؤتى بالاستغفار من أجل التقصير والنقص الذي يحصل من الإنسان.
معنى السلام
السؤال: قوله: (اللهم أنت السلام) ما معنى السلام؟
الجواب: السلام هو اسم من أسماء الله، يعني المنزه المسلَّم من كل نقص ومن كل عيب، والسلامة تحصل للناس من الله عز وجل، ولهذا الإنسان عندما يسلم على غيره يقول: السلام عليكم ورحمة الله، يدعو له بالسلامة، والسلامة إنما تكون من الله عز وجل وتطلب من الله عز وجل.
حكم تأدية السنة بعد السلام مباشرة قبل الأذكار
السؤال: نلاحظ في المسجد النبوي في الموسم خاصة قيام بعض الناس بعد السلام مباشرة لأداء السنة قبل الأذكار، فما الحكم؟
الجواب: هذا خطأ، فالذي ينبغي للإنسان بعد السلام أن يأتي بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يأتي بالنوافل، أما كونه يترك هذه الأذكار الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ترك للسنة، ومخالفة للسنة."