شرح حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)، يعني: أسرع من تجاب دعوته دعاء الغائب للغائب، والحديث ضعيف، في إسناده رجل ضعيف وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .
تراجم رجال إسناد حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)
قوله:[ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن زياد ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عبد الرحمن ]. هو أبو عبد الرحمن الحبلي قال الحافظ ابن حجر : بضم الحاء والباء، وهو ثقة مات بإفريقية، وهو غير عبد الرحمن الإفريقي الضعيف، وفي هذا العصر يوجد شخص مشهور بعبد الرحمن الإفريقي وهو من المحدثين الكبار، وقد توفي رحمة الله عليه سنة ألف أو ثلاثمائة وسبعة وسبعين أو ستة وسبعين، وكان محدثاً عالماً، وقد درست عليه في معهد الرياض العلمي في الحديث وفي المصطلح، وكان رجلاً فاضلاً، وهو شيخ الشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله، وقد كنت طلبت منه أن يكتب محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي ، وقد كتبها وهي محاضرة مطولة، وقد نشرت في كتاب في محاضرات الجامعة الإسلامية، وكانت سنة (1395 أو 1396هـ)، وفي الكتاب خمس عشرة محاضرة، ومنها محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي للشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله. وأبو عبد الرحمن الحلبي مشهور بكنيته، وهو عبد الله بن يزيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو أكبر أولاد عمرو بن العاص رضي الله عنه، ويقال: كان بينهما اثنتا عشرة سنة، يعني عمرو ولد له عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة.
شرح حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) ]. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) يعني: دعوة الوالد على ولده، وكذلك دعوته له، ومثل ذلك الأم؛ لأن الأم أعظم حقاً من الوالد، وقد جاء في الحديث الصحيح التنصيص على النهي عن عقوق الأمهات، وهو حديث: (وينهاكم عن ثلاث: عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، فنص على الأمهات مع أن العقوق سواءً للأب أو للأم كله خطير وعظيم، ولكن عقوق الأم أعظم وأشد؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أباك) وذلك لعظم حقها، فهي مقدمة على الأب في الحق لكثرة ما حصل لها بسبب الابن من التعب والنصب والمشقة. وقوله:[ (ودعوة المسافر) ]. لكونه في سفر وتعب ونصب، فإذا أوذي مع ما يحصل له من النصب والمشقة في سفره، ومع ما في قلبه من الضيق فإذا دعا على أحد فإن ذلك يكون من أسباب استجابة دعوته، والثالثة دعوة المظلوم على من ظلمه، وكذلك دعوته لمن أحسن إليه لكونه خلصه من الظلم، أو مكنه من الوصول إلى حقه.
تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام الدستوائي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جعفر ]. قيل: هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين المشهور بالباقر أحد أئمة أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
غلو الرافضة في الأئمة
يعتبر الباقر من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهم يدعون فيهم العصمة، ويقولون فيهم من المبالغة ما لا يجوز أن يطلق عليهم ولا على أحد من البشر، بل يطلقون عليهم أموراً عظيمة وخطيرة كما جاء في كتاب الكافي -وهو من أعظم كتب الرافضة- : (باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون وأنهم يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) وكذلك: (باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عند الأئمة فهو باطل)، وهكذا الأبواب في كتاب الكافي، وتحتها أحاديث مكذوبة من نوع هذه الترجمة، وأما أهل السنة والجماعة فيعرفون لأهل البيت قدرهم وفضلهم، لا سيما من كان منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل علي وأولاده، والعباس وأولاده، وقد جاءت نصوص عن أهل السنة تدل على تعظيم آل البيت وبيان قدرهم، فقد أورد البخاري أثرين في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحدهما قوله: الله! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي). يعني: أن صلة قرابة آل محمد أحب إليه من أن يصل آل أبي بكر ، وفي الأثر الآخر يقول: (ارقبوا محمداً في أهل بيته). يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم. وكذلك عمر جاء عنه ما يدل على معرفة قدر أهل البيت، فلما أصابهم القحط والجدب خرج بالناس للاستسقاء، وطلب من العباس أن يدعو للناس؛ لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال -كما في صحيح البخاري -: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا -يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فتسقينا- وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- قم يا عم نبينا فادع الله، وما قال: يا عباس ؛ لأن المقصود هو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا منهج أهل السنة والجماعة وطريقتهم، وأما الرافضة فهم يغلون في الأئمة الاثني عشر، ومنهم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة). وقيل: إنه أبو جعفر المؤذن ، قال المزي في تحفة الأشراف: ويقال: إنه أبو جعفر المؤذن ، وهو مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة ، وقال في التقريب في الكنى: أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة، ومن زعم أنه محمد بن علي بن حسين فقد وهم، ولعله يقصد المزي فإنه قال: يقال: هو محمد بن علي بن حسين . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً على الإطلاق. هذا الحديث سبق أن مر في باب ما يقوله الرجل إذا سلم، وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) رواه مسلم وغيره، وأبو داود رحمه الله ذكره في (باب ما يقوله إذا سلم) يعني: بعد السلام، وقد جاء بالروايات الكثيرة التي فيها الذكر بعد السلام، مثل: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لكن الإمام مسلم رحمه الله، وكذلك بعض الذين خرجوا الحديث غير مسلم ذكروا أنه كان يقول ذلك بين التشهد والتسليم، أي: في آخر الصلاة قبل السلام، والحديث مخرجه واحد، فيمكن أن يحمل قوله: (إذا سلم من صلاته): إذا أراد أن يسلم، يعني: قبل السلام، وبذلك يتفق هذا اللفظ مع رواية مسلم وغيره التي فيها: (كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم)، لكن الدعاء بعد السلام ثابت، ومنه: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله.
ما يقول الرجل إذا خاف قوماً
شرح حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا خاف قوماً. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بردة بن عبد الله أن أباه رضي الله عنه حدثه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) ]. معنى: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) يعني: أنت الذي تلقاهم وتقابلهم بالشيء الذي يستحقونه، فنطلب منك أن تنصرنا عليهم، وأن توقع فيهم الهزيمة، وتوقع فيهم ما يستحقونه من العذاب، وذكر النحور في مقابل من يريد أن يفتك، فهو يلقي بنحره ويقابل بخلاف الذي يكون مجبراً أو مولياً ظهره، ولكن الذي يكون مصمماً وحريصاً على الإيقاع بمن يريد الإيقاع به فإنه يلقي بنحره ويقبل في وجهه، وفي البيت المنقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما أي: أن الجروح تقع فيهم لأنهم مقبلون، وليست جروحهم من الخلف لأنهم غير مدبرين؛ لأن الذي يكون هارباً إذا لحقه أحد جرحه من ورائه، فهو يصف إقبالهم وعدم انهزامهم وانصرافهم، بأنهم على أقدامهم تقطر الدماء، وإذا حصلت لهم جروح فهي من جهة الأمام لأنهم مقبلون.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة عن أبيه ]. هو أبو بردة بن عبد الله بن قيس الأشعري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الاستخارة
شرح حديث جابر في الاستخارة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستخارة . حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي و عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي و محمد بن عيسى المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال حدثني محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول لنا: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة وليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسميه بعينه الذي يريد- خيراً لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري؛ فاقدره لي، ويسره لي، وبارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي -مثل الأول- فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، أو قال: في عاجل أمري وآجله). قال ابن مسلمة و ابن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الاستخارة، والاستخارة هي: طلب خير الأمرين اللذين يستخير الإنسان فيهما ربه، فيطلب منه الخير فيما يختاره له من الأمرين الذي هو الإقدام على الشيء أو الإحجام عنه، كأن يستخيره في زواجه من امرأة معينة، أو في سفر لتجارة، أو لأمر من الأمور، فيستخير ربه بأن يجعله يقدم على ذلك الشيء الذي أراده إن كان فيه الخير له أو يجعله يحجم عنه، ويصرف نفسه عنه إذا كان فيه الشر أو لعدم وجود الخير له فيه. هذا هو المقصود بالاستخارة. وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في الاستخارة حديث عظيم، ومشتمل على دعاء عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم اهتم بهذا الدعاء حيث بين جابر رضي الله عنه أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك لشدة العناية والاهتمام به، وهذا مثلما جاء في التشهد أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، فهذا التعبير يدل على الاعتناء، حيث أنه يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم القرآن. قوله : [ (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) ]، يعني: إذا هم أحدكم بأمر من الأمور مثل الزواج من امرأة معينة أو سفر أو دخول في تجارة معينة أو غير ذلك من الأعمال، فيستخير الله عز وجل ويطلب منه الخير في أن يقدم أو يحجم، وذلك بأن يصلي ركعتين نافلة يقصد بهما الاستخارة بعدهما، والاستخارة تكون بعد السلام.
تفسير دعاء الاستخارة
قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) يعني: أطلب منك الخير، فأنت تعلم كل شيء، ولا يخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء، تعلم أن هذا خير أو ليس بخير. وقوله: (وأستقدرك بقدرتك) يعني: أسألك أن تقدرني على الشيء الذي يكون خيراً لي بقدرتك. وقوله: (وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) فبعد أن أثنى على الله عز وجل بين ضعفه، وأن الله يقدر وهو لا يقدر، والله يعلم وهو لا يعلم، وأنه سبحانه وتعالى علام الغيوب. وقوله:[ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) ]. ويسميه فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن زواجي بفلانة خيراً لي في ديني ودنياي، وإن كنت تعلم أن زواجي بفلانة شر لي في ديني ودنياي، أو يقول: اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة خيراً لي في ديني ودنياي، اللهم إن كنت تعلم أن في سفري لهذا الأمر أو لهذا الغرض خيراً لي في ديني ودنياي؛ فيسميه بعينه، يعني: يسمي ذلك الشيء الذي يستخير الله فيه. قوله: [ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي) ] بدأ بالدين لأنه كل شيء، وهو أهم شيء، وهو أعظم شيء للإنسان، فالخير كل الخير في سلامة الدين، والشر كل الشر في خلاف ذلك، والعياذ بالله! وقوله: (ومعاشي) يعني: في هذه الحياة الدنيا. قوله:[ (ومعادي) ] يعني الحياة الآخرة. قوله:[ (وعاقبة أمري) ] وهذا يشمل العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك سعادة الدنيا والآخرة. قوله: [ (فاقدره لي ويسره لي) ] يعني: اقدر لي هذا الذي طلبته ويسره لي وهيئه لي، ومكني منه، واجعلني أحصل عليه، واجعل هذا العمل الذي أردته ميسراً. قوله: [ (وبارك لي فيه) ] يعني: بعد أن حققته لي ويسرته لي بارك لي فيه بعد حصولي عليه. قوله: [ (اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي .. مثل الأول) ] يعني: ويسميه مثل الكلام الذي مضى، والراوي بدلاً من تكرار هذه الكلمات قال: مثل الأول، يعني: مثلما قال عند كونه خيراً له، وكذلك إذا كان شراً له في دينه ومعاشه في حياته، ومعاده في آخرته، وعاقبة أمره في دنياه وفي آخرته. قوله: [ (فاصرفني عنه واصرفه عني) ] يعني: حيل بيني وبينه، واجعل نفسي تنصرف عنه وتعزف عنه، واصرفه عني بأن تحول بيني وبينه. قوله:[ (واقدر لي الخير حيث كان) ] يعني: وفق لي الخير الذي تعلمه حيث كان، فإنه لما سأل الله عز وجل أنه إذا كان يعلم أنه شراً له يصرفه عنه، سأل الله عز وجل أن يحقق له الخير حيث كان في الأمور الأخرى التي هي غير هذا الشيء. قوله:[ (ثم رضني به) ] يعني: ذلك الذي تقدره لي من الخير رضني به، واجعلني به راضياً. قوله: [ (أو قال: في عاجل أمري وآجله) ] لعله بدلاً من قوله: (وعاقبة أمري) حصل الشك بين هذه أو هذه هل قال: عاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله. ويشرع أن تكرر الاستخارة إذا استخار ولم يتبين له شيء، وإن استخار وتبين له وترجح له أحد الأمرين فيقدم أو يحجم، ولا أعرف عدداً ينتهى إليه.
حديث موضوع في الاستخارة
هناك حديث موضوع وهو مشهور عند الناس (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)، وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في الضعيفة وقال: إنه موضوع، ورقمه (611) في الضعيفة، ومعناه صحيح؛ لأن الاستخارة فيها خير، سواء كان في الإقدام أو الإحجام، وكذلك الاستشارة فيها خير، وكذلك الاقتصاد فيه خير، ولكن ليس كل كلام جميل يكون حديثاً؛ لأن الوضاعين يأتون بحكم ويركبون لها أسانيد، فليس كل كلام جميل أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال: هذا كلام الرسول، فكم من حكم جميلة يركب لها الوضاعون أسانيد، ويضيفونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب الوضع: أن بعض الوضاعين لجهله يقول: وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب لا بأس به، كما قال بعضهم: نحن نكذب للرسول ولا نكذب عليه! الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى أن تكمل شريعته بالكذب، فهي كاملة بدون كذب الكذابين، لا في ترغيب ولا ترهيب ولا غير ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث جابر في الاستخارة
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و عبد الرحمن بن مقاتل ]. عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ و محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى بن الطباع مر ذكره. قوله: [ المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال ]. عبد الرحمن بن أبي الموال صدوق ربما أخطأ أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. قوله: [ قال ابن مسلمة و ابن عيسى : عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. هذا من الدقة والمحافظة على الألفاظ، ومعلوم أن كلمة عن وسمعت من الراوي غير المدلس معناها واحد، فمحمد بن المنكدر غير مدلس، لكن المقصود من ذلك هو المحافظة على الألفاظ في الأسانيد، ولهذا ميز بينهما أبو داود رحمه الله بأن ذكر الإسناد على سياق عبد الرحمن بن مقاتل ، ثم نبه على أن السياق عند الشيخين الآخرين -وهما القعنبي و محمد بن عيسى الطباع - عن محمد بن المنكدر عن جابر ."