شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [196]
الحلقة (227)
شرح سنن أبي داود [196]
اختلفت الأحاديث في مقدار ما يخرج من الحنطة في الزكاة، وقد بين العلماء الواجب من ذلك، كما بينوا الروايات الشاذة من الصحيحة في ذلك، وأيضاً فقد وردت أحاديث تدل على جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين.
متى تؤدى زكاة الفطر
شرح حديث (أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى تؤدى. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال: فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين) ]. المراد من هذه الترجمة بيان وقت إخراج زكاة الفطر، ووقتها الأفضل والأولى أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأنه جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومنهم ابن عمر كما في هذه الرواية أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة) أي: الخروج لصلاة العيد، قال: وكان ابن عمر يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا يدلنا على أن إخراجها يوم العيد قبل الصلاة هو أفضل أوقات إخراجها، وأن إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين جائز، وذلك لقربه من العيد؛ ولأن إيصالها إلى أصحابها قبل العيد بيوم أو يومين قد تدعو الحاجة إليه؛ لأنه قد لا يتيسر التوزيع في يوم العيد قبل الصلاة، لكن إذا تيسر فهو الأولى والأفضل. وأما تقديمها قبل العيد بأكثر من يومين فلم يأت شيء يدل عليه، وهو بعيد عن الوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر وهو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وأيضاً يفوت فيه المقصود من كون الزكاة تحصل في وقت الفطر؛ لأنه قد يحصل أكلها ونفادها قبل مجيء العيد بوقت طويل، فكانت السنة أن يؤتى بها قبل الصلاة يوم العيد، وإن قدمت قبل العيد بيوم أو يومين -كما جاء عن الصحابة- فلا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث ( أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ... )
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ حدثنا موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ] ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كم يؤدي في زكاة الفطر
شرح حديث ( زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يؤدي في زكاة الفطر. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ، وقرأه علي مالك أيضاً، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر، قال فيه فيما قرأه علي مالك : زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ، أو صاع من شعير، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: كم يؤدي في زكاة الفطر؟ أي: مقدار زكاة الفطر، وهي صاع من قوت البلد، وكان قوت البلد في ذلك الزمان هو البر والشعير والتمر والأقط والزبيب، وهي متفاوتة في المنفعة، ومتفاوتة أيضاً في القيمة، وقد حدد ذلك بأنه صاع، وهذا يدلنا على أن زكاة الفطر قدرها صاع، أي: أربعة أمداد، وأن القيمة لم تذكر، فدل على أنه لا تخرج الزكاة قيمة، وإنما تخرج طعاماً. وزكاة الفطر مثل الكفارات تخرج من الطعام، ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الطعام إذا وقع في أيدي الناس يستفيدون منه مباشرة بخلاف النقود، فإنها قد تكون في أيديهم ويقل الطعام فلا يحصلون ما يريدون، أو أن الناس لا يجودون بالطعام إذا كانت القيمة مبذولة، وقد جاء النص في زكاة الفطر والكفارات أنها تخرج طعاماً ولا تخرج قيمة. والرسول صلى الله عليه وسلم جعل زكاة الفطر من الأصناف الخمسة التي كانت الأقوات المعتادة في زمنه صلى الله عليه وسلم، ويجوز إخراجها من الأقوات الأخرى التي لم يأت ذكرها في الحديث كالأرز والذرة وغير ذلك من الحبوب التي هي قوت وطعام، ومقدار زكاة الفطر صاع كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وفي هذه الرواية ذكر صنفين من الأقوات التي كانت موجودة في ذلك الزمان وهما: التمر، والشعير. قوله: (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين)، يدل على أنها واجبة على كل مسلم سواء كان ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، فكل مسلم تخرج عنه زكاة الفطر، وأما الكفار فلا يخرج عنهم أحد الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون على المسلمين، وهي التي فيها أجر، وفيها ثواب، وفيها طهرة لهم، وأما الكفار فهم وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة إلا أن مخاطبتهم بالأصول والفروع معاً، ولا بد يأتوا بالأصول وبالفروع جميعاً، وهم مؤاخذون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين؛ ولهذا قال: (من المسلمين).
تراجم رجال إسناد حديث (زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ..)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: وقرأه عليَّ مالك أيضاً ]. يعني: أنه أخذ الحديث منه على وجهين: قرأه القعنبي عليه وهو يسمع، وكذلك قرأه مالك عليه. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فهو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. قوله: [ قال فيه فيما قرأه عليَّ مالك ]. بيَّن اللفظ الذي قرأه عليه مالك .
شرح حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا محمد بن جهضم حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً، فذكر بمعنى مالك ، زاد: والصغير والكبير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ]. هذه طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة ذكر الصغير والكبير، وفيها بيان وقت أدائها، وأنه يكون قبل الصلاة، وقد مر أن هذا هو أولى وأفضل وقت لإخراجها. وذكر الصغير لا ينافي أن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالصائم يحصل له من إخراج الزكاة عنه أو منه شيئان: التطهير له من اللغو والرفث، وأيضاً طعمة للمساكين. وأما إذا كان صغيراً فإنه يحصل منه الطعمة للمساكين.
تراجم رجال إسناد حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )
قوله: [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ]. صدوق ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد بن جهضم ]. صدوق ، أخرج له البخاري ومسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن نافع ]. عمر بن نافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه عن عبد الله بن عمر ]. أبوه نافع العدوي مولى ابن عمر ، وقد مر ذكرهما.
زيادة لفظة (من المسلمين) في حديث زكاة الفطر
[ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري عن نافع بإسناده، قال: (على كل مسلم)، ورواه سعيد الجمحي عن عبيد الله عن نافع قال فيه: (من المسلمين)، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين) ]. أي: أن عبد الله بن عمر العمري المكبر رواه عن نافع بلفظ: (على كل مسلم)، بدل من قوله: (من المسلمين)، ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (من المسلمين)، قال: والحديث المشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين)، فأكثر الروايات التي جاءت من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ليس فيها: (من المسلمين)، ولكنها جاءت من بعض الطرق الصحيحة، فهذا الوصف وهذا القيد الذي هو: (من المسلمين)، ثابت ومعتبر.
تراجم رجال إسناد زيادة لفظة ( من المسلمين )
[ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري ]. عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف أخرج له مسلم وأصحاب السنن . [ ورواه سعيد الجمحي ]. سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وهو صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر أخو عبد الله المتقدم ، وهذا هو المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يحيى بن سعيد و بشر بن المفضل حدثاهم عن عبيد الله ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه فرض صدقة الفطر صاعاً من شعير أو تمر، على الصغير والكبير والحر والمملوك: زاد موسى : والذكر والأنثى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ذكر فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير، وقد سبق ذلك في بعض الروايات السابقة.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ أن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر مر ذكره. [ وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة . [ عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله ]. قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : قال فيه أيوب و عبد الله -يعني: العمري - في حديثهما عن نافع : (ذكر أو أنثى) أيضاً ]. هذه إشارة إلى طريق أخرى، وهي: أن عبد الله العمري ، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ذكرا الذكر والأنثى كما ذكرت في الطريق السابقة. وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حكم زكاة الفطر عن الجنين
لا تجب زكاة الفطر على الجنين، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها لا تجب عليه إجماعاً، ولكن استحبها بعض أهل العلم على الجنين، فهي غير واجبة وليست لازمة، وقد جاء عن الإمام أحمد أنه استحب أن تخرج زكاة الفطر عن الجنين.
حكم تأخير زكاة الفطر لعذر
زكاة الفطر تجب في وقت معين، والإنسان الذي يكون قادراً على إخراجها يجب عليه أن يخرجها أو يوكل أحداً في إخراجها إذا لم يستطع إخراجها، وأما إذا كان قادراً ومتمكناً ولم يخرجها بنفسه أو لم يوكل أحداً في إخراجها عنه فإنه يكون مفرطاً مقصراً؛ لأن لها وقتاً معيناً، والواجب إخراجها في وقتها، وإذا كان الفقراء غير موجودين فيمكن أن يطلب منهم أن يوكلوا من يستلمها لهم ثم يعطيهم إياها بعد ذلك. وذهب بعض العلماء إلى أنها تقضى.
شرح حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب قال عبد الله : فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء)]. أورد أبو داود حديث ابن عمر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، والزبيب جاء ذكره هنا، وكذلك السلت، وهو نوع من الطعام يشبه الشعير، وهذه الرواية فيها من هو متكلم فيه، ولكن كل ما كان قوتاً معتاداً يجوز إخراج الزكاة منه، سواء كان مذكوراً في الأحاديث أو غير مذكور، والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوات هي: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط؛ وذلك لكونها أقواتهم، والسلت لم يثبت في الرواية، ولكنه إذا كان طعاماً وقوتاً في بلد أو في مكان من الأمكنة فإنه يجوز إخراجه؛ لأن كل طعام يقتاته الناس يجوز إخراج الزكاة منه. قوله: [ فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء ]. هنا ذكر هذا عن عمر رضي الله عنه، والمعروف المشهور بهذا هو معاوية رضي الله عنه كما جاء في بعض الأحاديث الثابتة، فقد ثبت أن معاوية هو الذي جعل نصف صاع من الحنطة يعدل صاعاً من غيرها، وأما عمر فغير معروف عنه هذا، فلعل أحد الرواة وهم في ذكر عمر هنا.
تراجم رجال إسناد حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)
قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا حسين بن علي الجعفي ]. حسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زائدة ]. زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن عبد الله بن عمر ]. مر ذكرهما. والحديث فيه ابن أبي رواد هذا، وهو متكلم فيه، قال فيه الحافظ : صدوق ربما وهم، ومن قيلت فيه هذه العبارة يحسن حديثه، وأظن أن الألباني ضعف هذا الحديث.
شرح أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أنه قال: قال عبد الله رضي الله عنه: فعدل الناس بعد نصف صاع من بر، قال: وكان عبد الله يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر ، وأن الناس عدلوا نصف صاع من بر بالصاع من غيره، كما جاء ذكره عن عمر رضي الله عنه، والمشهور به معاوية ، وجاء عن عدد من الصحابة، ولكن ليس كلهم على ذلك بل هم مختلفون، منهم من رأى أنه لا يخرج إلا صاعاً من أي طعام؛ لأن الأقوات التي ذكرت متفاوتة وليست كلها على حد سواء، ومع ذلك جعلت الزكاة صاعاً مع حصول التفاوت بين الشعير وبين التمر وبين الزبيب وبين الأقط، وكذلك البر يكون متفاوتاً أيضاً، فبعض الصحابة تبعوا معاوية رضي الله عنه فجعلوا نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره، وإخراج نصف الصاع من البر بدل الصاع من غيره هو محل خلاف بين الصحابة، و أبو سعيد الخدري رضي الله عنه -كما سيأتي- كان يرى إخراجها صاعاً كاملاً، وكان يداوم ويستمر على إخراج الصاع وعدم النقصان عنه. قوله: [ وكان عبد الله يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. هذا فيه دليل على اختيار الأولى والأكمل والأفضل والأنفع. وقوله: (فأعوز التمر) أي: قل التمر، فأخرج الشعير، ومعنى هذا أن الشعير دونه، ومع ذلك جاءت الشريعة بأنه صاع سواءً من هذا أو من هذا مع أنها متفاضلة غير متساوية، ومعلوم أن التمر أولى وأفضل من الشعير، فكان ابن عمر رضي الله عنه يعطي هذا الأكمل والأفضل، ولكنه لما أعوز وقل التمر في وقت من الأوقات في المدينة أخرج الشعير.
تراجم رجال إسناد أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)
قوله: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن عبد الله ]. مر ذكرهم.
شرح حديث ( كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا داود -يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، فقال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر إذ كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، يعني: ذكر الخمسة الأصناف، قيل: الطعام المقصود به البر، ولكنه كان قليلاً، وكانوا يخرجون صاعاً من هذا أو من هذا أو من هذا مع تفاوتها في القيمة، وعلى هذا فالمعتبر هو الكيل والمقدار وإن تفاوتت القيمة، وكل صاع منها يجزي، إلا أن ما كان منها أنفع وأكثر فائدة فإنه الأولى أن يخرج وأن يقدم على غيره، وهذا بالنسبة للأقوات الموجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنفع والأكثر فائدة للناس في هذا الزمان مثل الأرز الذي هو قوت كثير من الناس في هذا الزمان، ولا يحتاج إلى طحن، والفائدة منه كبيرة، فينظر إلى ما هو الأنفع، وإلى ما هو الأكثر استعمالاً عند الناس، وما هو الذي يحرصون عليه، فيخرج منه. قال: (فلما كان معاوية ، وجاء حاجاً أو معتمراً)، يعني جاء من دمشق إلى الحجاز في زمن ولايته رضي الله عنه، وكان قد كلم الناس على المنبر، وكان مما كلمهم به أنه رأى أن مدين من سمراء الشام -وهي الحنطة التي تزرع في الشام- تعدل الصاع من التمر، والصاع أربعة أمداد، فأخذ الناس بما قاله معاوية رضي الله عنه، أما أبو سعيد رضي الله عنه فقال: أما أنا فلا أزال أخرجها صاعاً أبداً ما عشت، أي: لا ينقص عن الصاع.