شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [205]
الحلقة (236)
شرح سنن أبي داود [205]
إن الله لا يضيع عمل عامل، فيثيب المنفق ماله المتصدق به على المساكين، ويكتب مثل ثوابه لمن أوصل تلك الصدقة من خازن أو زوج أو غيرهما. ومن أعظم البر صلة الرحم والإحسان إليها، كما أن من أعظم العقوق قطعها واتباع النفس في شحها.
أجر الخازن
شرح حديث (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أُمر به كاملاً موفراً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أجر الخازن: حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء والمعنى واحد، قالا: حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملاً موفراً، طيبة به نفسه، حتى يدفعه إلى الذي أمر له به؛ أحد المتصدقين) ] أورد أبو داود رحمه الله باب أجر الخازن، والخازن: هو الذي يكون قيماً على الشيء، ويكون مؤتمناً على حفظه، سواء كان الخازن مملوكاً، أو كان مستأجراً لحفظ أي شيء، والقيام عليه، والإدخال فيه، والإخراج منه، فيكون مسئولاً عن المال الذي يخزن. وقوله: (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملاً موفراً، طيبة به نفسه)، الخازن الأمين هو ضد الخائن، وهو الذي يكون عنده أمانة ومحافظة على ما اؤتمن عليه، ولا يخرج من ذلك شيئاً إلا بإذن صاحبه، ويسعى في حفظ الأمانة، وعدم تعرضها للفناء والتلف، فإذا أمر بإعطاء شيء لغيره فإنه يعطيه إياه كاملاً موفراً، وبنفس المقدار الذي قيل له أن يعطيه إياه ثم يضاف إلى ذلك أن تكون نفسه طيبة، فإذا كان كذلك فإنه يكون أحد المتصدقين؛ لأن صاحب المال هو المتصدق الأول ويكون الخازن هو الثاني؛ لكونه شاركه في الإعطاء والمناولة لمن أُمر بإعطائه وفضل الله واسع، فيعطي هذا على كسبه وتحصيله، ويعطي هذا على مناولته وإعطائه ومباشرته لذلك.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أُمر به كاملاً موفراً...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة ]. بريد بن عبد الله بن أبي بردة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو: أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
المرأة تتصدق من بيت زوجها
شرح حديث (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة تتصدق من بيت زوجها. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر ما أنفقت، ولزوجها أجر ما اكتسب، ولخازنه مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض) ]. أورد أبو داود رحمه الله: باب المرأة تتصدق من بيت زوجها، أي ما حكم ذلك؟ فهل لها أن تتصدق أو ليس لها ذلك؟ والجواب: أنه إذا كان هناك إذن من الزوج، أو شيء يدل عليه، أو عرفت أنه راض بذلك، فإن لها أن تتصدق في حدود ما ليس فيه إضرار على زوجها، ومن الضرر أن تكثر الإنفاق من ماله، أو أن تخرج الشيء الكثير الذي يؤثر عليه، وإنما يكون الإنفاق بالشيء الذي يُحتاج إليه، وفيما يعلم منه أنه يرضى به، ورضاه إما أن يكون نصاً أو يكون معروفاً من عادته، فإذا كان المنفَق شيئاً كثيراً ولم يأذن به الزوج، أو يلحقه به ضرر فإن ذلك لا يجوز. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر ما أنفقت، ولزوجها أجر ما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض)، أي: أن كل واحد منهم له أجره من غير أن ينقص بعضهم من أجر بعض. وقوله: (غير مفسدة) يعني: من غير إسراف، ومن غير ضرر يلحق بالزوج في إنفاقها، وذلك بأن يكون قد أذن لها في ذلك إما نصاً وإما دلالة، فإذا كان في إنفاقها إفساد، أو فيه شيء غير مأذون به، أو فيه إضرار بالزوج لكثرة ما تنفق، فإنها لا تكون مأجورة، بل تكون آثمة. والزوج الذي اكتسب ذلك يكون له أجر، وهي لها أجر لمباشرتها الإنفاق، والخازن الذي كان يحفظ المال ويرعاه حتى يخرج في طريقه المأذون فيه له أجر على ذلك، وفضل الله واسع، ولا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شقيق ]. شقيق هو ابن سلمة ، كنيته أبو وائل وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحد من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (إنّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبد السلام بن حرب عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير بن حية عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر، فقالت: يا نبي الله! إنا كَلّ على آبائنا وأبنائنا -قال أبو داود : وأرى فيه: وأزواجنا-، فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: الرطب تأكلنه وتهدينه)، قال: أبو داود الرطب: الخبز والبقل والرطب ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قوله: (قامت امرأةً جليلة) أي إما جلالة القدر والمنزلة، وإما أنها كبيرة السن. قوله: (فقالت: يا رسول الله! إنا كَلٌّ) أي: إننا عيال على ما يكون عند آبائنا وأزواجنا. قولها: (فما يحل لنا من أموالهم) أي: أن نتصرف فيه، وأن نأخذه، أو أن نعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرطب تأكلنه وتهدينه) الرطب هو الشيء الطري الذي يسرع إليه الفساد، ولذلك لا يدخر، وإذا ادخر فإنه يعفن ويتلف، فيرمى به ولا يستفاد منه، فمثل ذلك يحل للمرأة أن تأكل منه، وأن تهدي، فوقته محدود لا يتجاوزه إلى غيره، فلهن الاستفادة والإفادة، وأما الشيء الذي يدخر، والشيء الذي يحتاج إليه ولا يسرع إليه الفساد فإنه يبقى، ولا يتصرف فيه، فإذا كان هناك إذن من الأزواج أو الآباء في أن يخرج من ذلك فإنه يتبع الإذن الذي وجد، وأما مثل هذه الأشياء التي يسرع إليها الفساد، والتي يتهاداها الناس ويتعاطونها فيما بينهم؛ لعدم بقائها، ولو بقيت فإنها تنتن وتعفن، فهذا هو الذي يبذل ويهدى.
تراجم رجال إسناد حديث (إنا كَلٌّ على آبائنا وأولادنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟)
قوله: [ حدثنا محمد بن سوار المصري ]. محمد بن سوار المصري صدوق يغرب أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن جبير بن حية ]. زياد بن جبير بن زياد بن حية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعفه الألباني ولعله للإرسال، فقد نصَّ أبو زرعة و أبو حاتم على رواية زياد بن جبير بن حية عن سعد بن أبي وقاص مرسلة. [ قال أبو داود : وكذا رواه الثوري عن يونس ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمراد أنه رواه كما رواه عبد السلام .
شرح حديث (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن همام بن منبه ، أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها بغير أمره، فلها نصف أجره). ويحمل هذا على ما إذا كانت هناك موافقة صريحة منه، أو علمت منه أنه لا يمانع من ذلك، أو كان ذلك من الأمور السهلة التي يتهاداها الناس فيما بينهم كالرطب الذي يسرع إليه الفساد، فيكون لها مثل نصف أجره، وأما إذا كان لا يوافق، وأقدمت على الإعطاء، فليس لها أجر، بل تكون آثمة، لكن إذا كان عندها معرفة بموافقته، وإن لم يصرِّح بذلك، كأن تعلم من عادته وخلقه وسماحته وإنفاقه أنها إذا أعطت الشيء اليسير الذي لا يؤثر فإنه لا يمانع منه، فإنها تحصل نفس الأجر، وأما إذا كانت تنفق وتسرف، أو كانت تكثر من الإنفاق من غير إذن، أو أنه كان يمنعها من الإنفاق فإنها ليس لها أن تنفق، ويحمل هذا الحديث على الشيء اليسير الذي لا يمنع مثله، أو الشيء الذي يسرع إليه الفساد، أو الذي يتعاطاه الناس عادة.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره)
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام بن منبه ]. همام بن منبه هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحديث هذا من صحيفة همام ، وقد أخرج البخاري و مسلم أحاديث كثيرة من صحيفة همام ، وهي أحاديث إسنادها واحد، وتبلغ مائة وخمسين حديثاً تقريباً، وقد أوردها كلها الإمام أحمد في مسنده متصلة، وبين كل حديث وحديث (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) والإسناد واحد، وهو إسناد صحيح، وقد اتفق البخاري و مسلم على بعضها، وهذا مما اتفقا عليه، وانفرد البخاري بأحاديث منها، وانفرد مسلم بأحاديث أخرى منها، وتركا بعضها فلم يخرجاه، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على أن البخاري و مسلماً لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة، ولم يلتزما ذلك، لأنهما لو التزما ذلك لأخرجا كل هذه الصحيفة، ولما تركا منها شيئاً، لذلك فقد أخطأ من استدرك عليهما إخراج بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجاها، وكذلك أخطأ من ألزمهما إخراج بعض الأحاديث الصحيحة، فإنهما لم يلتزما إخراج كل الأحاديث الصحيحة. وما أخرجه الإمام مسلم رحمة الله عليه من أحاديث هذه الصحيفة فإنه يكون بهذا الإسناد: محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة ، وكان من طريقته وحسن سياقه أنه عندما ينتهي الإسناد يقول: فذكر أحاديث منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. وأما البخاري فإنه لا يذكر هذا الشيء، وإنما يأتي بالقطعة التي يريد بإسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مسلم فإنه عندما ينتهي الإسناد إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: فذكر أحاديث منها، حتى يفيد أن هناك شيئاً قبل هذا، فيشير إلى أن هناك أحاديث أخرى وذلك بقوله: فذكر أحاديث منها. وهذا الحديث من جملة الصحيفة، وقد مشى أبو داود على طريقة البخاري ، أي: أنه يأخذ القطعة من الحديث، ويذكرها بإسنادها إلى آخره، ولا يحصل منه مثل ما كان يحصل للإمام مسلم من التنبيه على ذلك.
شرح أثر (... لا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبدة عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في المرأة تتصدق من بيت زوجها، قال: لا، إلا من قوتها، والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه، قال أبو داود : هذا يضعف حديث همام ]. كما أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو موقوف عليه، وذلك (في المرأة تنفق من مال زوجها، قال: لا، إلا من قوتها)، يعني: من الشيء الذي يخصص لها، والشيء الذي أعطيت إياه وصار ملكاً لها، فإنها تنفق منه. قوله: (ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)، قد يكون ذلك الإذن صريحاً، وقد يعرف من عادته أنه يوافق على الصدقة في حدود معينة، وهذا لا يخالف ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم، فهنا: لا يحل لها إلا بإذنه، وذاك: من غير إذنه، وهذا يكون في أمور عرف التسامح فيها، أو في أشياء يسرع إليها الفساد، أما أن تبالغ في ذلك وتسرف فهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء في أثر أبي هريرة هذا. أما قول أبو داود بعد ذلك: وهذا يضعف حديث أبي هريرة ، فهذا مما لا وجه له؛ لأن حديث أبي هريرة متفق عليه، وهذه الجملة جاءت في بعض النسخ، ثم أيضاً هذا الحديث موقوف على أبي هريرة ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام أبي هريرة ، وذاك متفق عليه مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تنافي بينهما، فما جاء في أثر أبي هريرة يحمل على شيء، وما جاء في حديث أبي هريرة المرفوع يحمل على شيء آخر.
تراجم رجال إسناد أثر (...لا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه)
قوله: [ حدثنا محمد بن سوار المصري حدثنا عبدة ]. عبدة بن سليمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك ]. عبد الملك بن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
صلة الرحم
شرح حديث تصدق أبي طلحة بأريحاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلة الرحم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -هو ابن سلمة -عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال لما نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قال أبو طلحة رضي الله عنه: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلها في قرابتك، فقسمها بين حسان بن ثابت و أبي بن كعب رضي الله عنهما). قال: أبو داود :بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله قال: أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، و حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ، يجتمعان إلى حرام ، وهو الأب الثالث، و أبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، فـ عمرو يجمع حسان و أبا طلحة و أبياً ، قال الأنصاري : بين أبي و أبي طلحة ستة آباء ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلة الرحم، والرحم: هي القرابة، ورحم الإنسان هم قرابته، وفي اصطلاح الشرع: الرحم هم القرابة، قال الله عز وجل: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، والمراد به القرابات. وعند الفرضيين: ذوو الأرحام هم الذين لا يرثون بفرض ولا بتعصيب، فهو في الشرع أعم من معناه عند الفرضيين؛ لأنه يشمل كل القرابات، فالرحم هم قرابة الإنسان سواء كانوا من جهة أبيه أو من جهة أمه. وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (لما نزل قول الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] جاء أبو طلحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا) يعني: يسألنا أن ننفق من أموالنا على من كان محتاجاً، وقوله: (يسألنا) أي: يأمرنا بأن ننفق منها، والله تعالى يثيب على ذلك الأجر العظيم، كما قال الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11]. قوله: (وإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له) أي: لله عز وجل، فضعها حيث شئت، يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلها في الأقربين)، وهذا هو المقصود من هذه الترجمة: صلة الرحم، فالإحسان إلى القريب صدقة وصلة، فيكون قد جمع بين خصلتين حسنتين: صلة رحم، وإحسان وصدقة. فقسمها بين حسان و أبي بن كعب ، وهما من قرابته رضي الله تعالى عنه. ثم إن أبا داود ذكر نوع هذه القرابة، وأن حسان يلتقي معه في جده الثالث، وأما أبي فإنما يلتقي معه في السادس، وذكر نسب أبي طلحة ، ونسب حسان ، ونسب أبي ، وذكر أماكن الالتقاء بينهم، فالتقاء حسان مع أبي طلحة أقرب من التقائه مع أبي ، وهذا فيه إشارة إلى أن الأقارب وإن كان بعضهم أقرب من بعض فإن البر والإحسان يكون للجميع، بخلاف الميراث، فإن من كان أقرب إلى الميت فإنه يحجب من يكون أبعد منه. وهذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا تصدق بشيء وجعله مجملاً غير معين المصارف فإن ذلك جائز، ثم تعيّن مصارفه في وجوه الخير والبر، وأفضلها وأولاها أن تكون في الأقربين. وأريحاء هي بيرحاء، فقيل: إنها البئر، وقيل: إن الأرض كلها يقال لها: بيرحاء، وقيل: إنها مضاف ومضاف إليه، أي: بئر مضافة إلى حاء.
تراجم رجال إسناد حديث تصدق أبي طلحة بأريحاء
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد هو: ابن سلمة ]. حماد بن سلمة هو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. لو جعل الإنسان الصدقة في الأقربين فلا شك أن الفقير منهم هو الأولى، ولكنه إذا وقف على الأقارب فإنه يشمل الموسر وغير الموسر إذا لم يقيد بالمحتاج، فلو وقف على أبنائه وقفاً مثلاً ولم يحدد أنه للفقير، أو لمن وصفه كذا وكذا، فإنه يكون للجميع. [ قال: أبو داود : بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله ]. محمد بن عبد الله الأنصاري هو: محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: [ بلغني ] فيه انقطاع، أي: أن بينه وبين المبلّغ عنه واسطة، وهذا المتن مقطوع، لأنه مضاف إلى محمد بن عبد الله الأنصاري ، وهو أيضاً منقطع؛ لأن الواسطة بين أبي داود وبين الأنصاري غير موجودة، وهما متقاربان، فالأنصاري متقدم من الطبقة التاسعة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات، و أبو داود قريب منه، وبينهما واسطة. [ قال: أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار و حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ، يجتمعان إلى حرام ، وهو الأب الثالث، و أبي بن كعب بن قيس بن عتيك ]. هو عندنا في هذه النسخة هكذا (عتيك)، إلا أنه في ترجمة أبي بن كعب من طبقات ابن سعد ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم وأسد الغابة، وتهذيب الكمال، وعون المعبود ، وكثير من نسخ السنن هكذا: عبيد،ولا ندري أيها أصوب. [ ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، فـ عمرو يجمع حسان و أبا طلحة و أبي ]. يجتمع الثلاثة في عمرو ، بينما يجتمع أبو طلحة مع حسان في الجد الثالث وهو حرام . [ قال الأنصاري : بين أبي و أبي طلحة ستة آباء ].
شرح حديث (... أما إنك لو كنتِ أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنها قالت: كانت لي جارية فأعتقتها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: (آجرك الله، أما إنك لو كنت أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك) ] أورد أبو داود حديث ميمونة بنت الحارث الهلالي رضي الله عنها: أنها كانت لها جارية فأعتقتها، فقال: لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آجرك الله، ولو كنت أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك). قوله: (لو أعطيتها أخوالك) هذا هو الذي يتعلق بصلة الرحم، وهو المراد من الحديث، ولعل أخوالها كانوا بحاجة شديدة، فالإحسان إليهم فيه جمع بين التصدق وصلة الرحم.
تراجم رجال إسناد حديث (... أما لو كنتِ أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبدة ]. عبدة بن سليمان مر ذكره. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ميمونة ]. وهي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (عندي دينار قال تصدق به على نفسك...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصدقة، فقال رجل: (يا رسول الله! عندي دينار، فقال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، أو قال زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر). ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة، فجاء رجل وقال: يا رسول الله! عندي دينار فقال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر به) أي: تصرف فيه كيف شئت، والصدقة هنا بمعنى النفقة، فالصدقة على النفس هو إنفاق عليها، ثم ابنه؛ لأنه جزء منه، ثم زوجته، والإنفاق عليها في مقابل الاستمتاع بها، ثم خادمه الذي هو قائم بخدمته، وهؤلاء هم الذين يعولهم وتجب نفقتهم عليه، فيبدأ بمن يعول، ثم بعد ذلك ينفق ويعطي المحتاجين ممن لا يعولهم ولا تلزمه نفقتهم، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الإنفاق على الأقارب الأول فالأول، ثم بعد ذلك يتصدق الإنسان كيف شاء، والصدقة هنا بمعنى الإنفاق. والإنسان عندما ينفق على نفسه وعلى أقاربه الذين يجب عليه نفقتهم فإنه مأجور إذا احتسب ذلك، ولهذا جاء في الحديث، (كل سلامي من الناس عليه صدقة فيه، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) .