عرض مشاركة واحدة
  #379  
قديم 26-12-2024, 03:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الحج
شرح سنن أبي داود [215]

الحلقة (246)





شرح سنن أبي داود [215]

التلبية من شعائر الحج الظاهرة، وقد اشتملت على معان عظيمة، وقد بين العلماء كيفية التلبية عن النفس وكذلك عن الغير لمن حج عن غيره، وبينوا ما يستحب في التلبية من رفع الصوت ونحوه، وبينوا متى تقطع التلبية.

إهلال الرجل بالحج، ثم جعلها عمرة



شرح أثر أبي ذر في فسخ الحج إلى عمرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة. حدثنا هناد -يعني: ابن السري - عن ابن أبي زائدة أخبرنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن سليم بن الأسود أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من أحرم بالحج ثم يجعلها عمرة، وقد مر بنا جملة من الأحاديث الدالة على أن الإنسان الذي ليس معه هدي سواءً كان قارناً أو مفرداً أنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، وأنه يكون متمتعاً، ومر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك: (هل هي لنا أو للأبد؟ قال: بل لأبد الأبد)، وهي أحاديث صحيحة دالة على أن ذلك لم يكن خاصاً بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه حكم مستمر ودائم. وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة أثراً وحديثاً فيهما أن هذا الذي حصل كان خاصاً بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأول عن أبي ذر ، وهو موقوف عليه، أنه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يخبر أن الركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسخوا إحرامهم إلى عمرة، وصاروا متمتعين، وذكر أن ذلك لم يكن إلا لهم، وهذا قول ورأي له، ويقابل هذا الرأي الأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة على أن ذلك ليس خاصاً بهم، وإنما هو للأبد، وقال بعض أهل العلم: إن قول أبي ذر هذا يحمل على أن الفسخ الواجب الذي يتعين هو الذي كان لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فإنه يبقى على الاستحباب، وقد ذكر هذين القولين ابن القيم رحمه الله.

تراجم رجال إسناد أثر أبي ذر في فسخ الحج إلى عمرة


قوله: [ حدثنا هناد يعني: ابن السري ]. هناد مر ذكره. [ عن ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. عبد الرحمن بن الأسود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليم بن الأسود ]. سليم بن الأسود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ذر ]. أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر بلال بن الحارث في خصوصية فسخ الحج بالصحابة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن بلال بن الحارث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: بل لكم خاصة) ]. أورد أبو داود حديث بلال بن الحارث رضي الله عنه (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لكم خاصة)، وهذا دال على ما دل عليه كلام أبي ذر المتقدم، وهذا مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه غير صحيح ولا ثابت، بل الثابت خلافه، فقد تُكلِّم في بعض رواته، والذين رووا خلاف ذلك كثيرون، وليس فيهم كلام، بل هي أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر جملة منها.

تراجم رجال إسناد أثر بلال بن الحارث في خصوصية فسخ الحج بالصحابة


قوله: [ حدثنا النفيلي عن عبد العزيز يعني: ابن محمد ]. عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بلال بن الحارث ]. بلال بن الحارث مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو بلال بن الحارث وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب السنن.
حج الرجل عن غيره


شرح حديث: ( إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يحج عن غيره. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رضي الله عنهما رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع) ]. أورد أبو داود باب: الرجل يحج عن غيره، وكلمة الرجل هنا لا مفهوم لها، بل إن المرأة كذلك أيضاً، فللرجل أن يحج عن غيره، وللمرأة أن تحج عن غيرها. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن الفضل بن العباس -أي: أخاه الأكبر- كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في حجة الوداع، وذلك في انصرافهم من مزدلفة إلى منى، فقد أردف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في حجه من عرفة إلى مزدلفة أسامة بن زيد ، وأردف خلفه من مزدلفة إلى منى الفضل بن العباس ، وهو الذي لقط له الجمرات السبع التي أخذهن وجعل يقلبهن، وقال: (بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) . فالفضل بن العباس رضي الله عنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة إلى منى، فجاءت امرأة من خثعم تستفيه عن حجها عن أبيها، وكان شيخاً كبيراً لا يستطيع الثبوت على الراحلة، فقالت: (إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الثبوت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم)، وذلك في حجة الوداع، فدل هذا على أن المرأة تحج عن الرجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتاها بأن تحج عن أبيها، وفيه دليل على الحج عن الغير، وأن الرجل يحج عن الرجل، والمرأة تحج عن الرجل، والحديث واضح وصريح الدلالة في حج المرأة عن الرجل، ويحج عن الميت، وأما الحي فإنه لا يحج عنه إلا في حالتين: إحداهما: ما جاء في هذا الحديث، وهي أن يكون هرماً كبيراً، لا يستطيع السفر والركوب. والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، وأما غير هذين الصنفين من الناس فإنه لا يحج عنه وهو حي. وفي هذا الحديث: أن الفضل كان ينظر إلى هذه المرأة وهي تنظر إليه، فصرف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الشق الآخر، وهذا من الأحاديث التي يستدل بها من يقول بجواز كشف النساء وجوههن، وعدم وجوب تغطيتها، وقد جاءت عدة نصوص دالة على الحجاب وستر الوجوه، وقد عُلِّل ذلك كما جاء في أمهات المؤمنين: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. وإذا كان هذا في أمهات المؤمنين فهو مطلوب من غيرهن من باب أولى؛ لأنهن إذا كان ذلك مع طهارتهن ونزاهتهن رضي الله عنهن وأرضاهن فغيرهن من باب أولى والعلة واحدة، ثم أيضاً إذا كانت الشريعة قد جاءت بأن المرأة ترخي ثوبها من وراءها حتى تستر قدميها، فكيف تأمر الشريعة بستر القدمين وتبيح كشف الوجه، والزينة إنما تكون في الوجه لا في الرجلين؟! وهذا الحديث الذي معنا وهو قصة الخثعمية ، ونظر ابن العباس إليها ونظرها إلى الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، يمكن أن يقال: إنه لا يلزم أن يكون الجمال فقط في الوجه، والنظر يكون إلى الوجه، فكما يكون الجمال في الوجه فإنه يكون أيضاً في التفاصيل، وفي هيئة الجسم وشكله، فإن المرأة ولو كانت متحجبة قد يظهر جمالها في الشكل والهيئة، وليس الأمر مقصوراً على الوجه والنظر إليه، بل الهيئة أيضاً لها دخل في معرفة جمال النساء، وذلك في طلعتهن وهيئتهن وتفاصيل أجسامهن وإن لم يكن الوجه ظاهراً. وبعض أهل العلم يقول: إن هذا كان في الحج، والمرأة إحرامها في وجهها، ولكن قد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: كنا نكشف وجوهنا فإذا حاذانا الركبان سدلت إحدانا خمارها على وجهها. والحاصل أن كشف الوجوه لا يأتي إلى الناس بخير، فكثير من الفتن والشرور التي جاءت إنما هي ناتجة عن كشف الوجوه، فبعد كشف الوجوه جاء كشف الرءوس، ثم كشف النحور، ثم كشف الصدور، ثم كشف الأرجل والأفخاذ! وصار شأن كثير من المسلمات في كثير من بلاد العالم الإسلامي على هيئة الرجال، وهذه الهيئة مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرجال يسبلون ويغطون أعقابهم، والنساء تتعرى، فتظهر المرأة صدرها وعضديها وساقيها وجزءاً من فخذيها، وكل هذا نتيجة للتهاون بالسفور.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً)

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. [ عن عبد الله بن عباس ]. عبد الله بن عباس مر ذكره.
الأسئلة



حكم من حج متمتعاً ثم رجع إلى بلده من غير صيام ولا هدي


السؤال: كيف يصنع من تمتع بالعمرة إلى الحج ورجع إلى بلده من غير أن يصوم ثلاثة أيام؛ لأنه كان مريضاً، ولم يهد؛ لأنه كان عاجزاً، فهل يهدي الآن في بلده أو يصوم العشرة في بلده؟


الجواب: يصوم العشرة أيام في بلده.

وقت صيام الثلاثة أيام في الحج لمن لم يجد الهدي


السؤال: متى يكون صيام الثلاثة أيام في الحج لمن لم يجد الهدي؟


الجواب: الأفضل أن يصومها قبل يوم عرفة، وإن أخر ولم يفعل ذلك فإنه يجوز صيامها في أيام التشريق، ولا يصوم في يوم العيد، وقد قال بعض الصحابة: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فمن لم يجد الهدي جاز له أن يصوم أيام التشريق، والأولى أن يصومها قبل يوم عرفة. وإذا كان مقيماً في المدينة للدراسة أو للعمل فإنه يصوم في المدينة، فهذا هو محل إقامته، وليس المراد أن يأخرها ولو إلى بعد سنة حتى يرجع إلى بلده.

حكم لبس جلود النمور أو جعلها أحذية

السؤال: هل يصح لبس جلود النمور أو جعلها أحذية؟


الجواب: الحديث الذي مر بنا قريباً يدل على أنه لا يجوز ذلك.

حكم التلفظ بالإحرام

السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة آت من ربي فقال لي: قل: حجة في عمرة) هل يؤخذ منه أنه لابد من التلفظ بالإحرام؟

الجواب: لا يؤخذ منه ذلك، وإنما الذي لابد منه هو النية التي محلها القلب، وإذا تلفظ الإنسان بما نوى بما يتعلق بالحج فهذا هو الذي ينبغي، وليس بواجب، وذلك أن الأنساك متعددة، فإذا تلفظ الإنسان بالشيء حتى يعرف غيره ما هو النسك الذي أهل به فلا بأس به، لكن لو لم يتلفظ بذلك فإنه يكفيه أن ينوي بقلبه، والتلفظ بالنية بدعة في العبادات إلا في الحج، فإن الإنسان يتلفظ بما نوى؛ لأن هناك عمرة مستقلة، وحج مستقل، وحج مقرون مع عمرة، فإذا أتى بهذا أو بهذا فقد جاءت السنة بذلك كله، لكن التلفظ بذلك ليس بلازم. وليس معنى ذلك أنه يقول: نويت، وإنما ينوي بقلبه ويقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجة، أو لبيك عمرة وحجة.

هل رأي الصحابي حجة

السؤال: هل يعتبر رأي الصحابي حجة؟


الجواب: المسائل التي للصحابة فيها أقوال مختلفة يرجع فيها إلى الأقوى من حيث الدليل، وأما إذا كانت المسألة ليس فيها أقوال، وإنما فيها قول لأحد الصحابة فلاشك أن لقوله قوة؛ لأنه رأي وقول لرجل من خير هذه الأمة، وهم خيرة سلف هذه الأمة، وهم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه على رسله ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وإذا كان قول الصحابي له شيء يعضده، أو عموم يندرج تحته الحكم، فالمعول عليه هو الدليل، ولكن حيث لا دليل فلاشك أن آراء الصحابة لها وزنها ولها قيمتها.

أخوّة أهل البدع في الإسلام

السؤال: عرفنا بالأمس أنه يصح أن يقال لأهل البدع غير المكفرة: إنهم إخوان لنا في الإسلام، لكن هل كان من منهج السلف إطلاق الأخوة على رءوس أهل البدع منهم، وذلك في مقام التحذير أو التعريف بهم؟


الجواب: لا يفعل ذلك في مقام التحذير، وإنما يحذر بدون أن يقول ذلك، لكن ذلك القول جائز؛ لأن كل مسلم هو أخ في الإسلام، والذين حصلت المباينة بينهم وبين المسلمين هم الكفار، والله تعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] أي: الذين يقتل بعضهم بعضاً إخوان، فيصلح بينهم، وإن كان قد حصل اعتداء من بعضهم على بعض، وأما في مقام التحذير فلا يقال: أخونا فلان، أو إخواننا، وإنما يحذر منهم دون أن تذكر الأخوة، لكن هل هم إخوة لنا في الإسلام أو ليسوا بإخوة؟ فكل من لم يكن كافراً فهو أخ لنا في الإسلام.

تابع حج الرجل عن غيره


شرح حديث: (احجج عن أبيك واعتمر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يحج عن غيره. حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم بمعناه قالا: حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين رضي الله عنه أنه قال حفص في حديثه رجل من بني عامر أنه قال: (يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: احجج عن أبيك واعتمر) ]. سبق البدء في هذه الترجمة وهي: باب الرجل يحج عن غيره، وقلنا: إن ذكر الرجل لا مفهوم له، والمقصود من ذلك هو الحج عن الغير، سواءً كان الحاج رجلا ً أو امرأة، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: حج امرأة عن رجل، وهو حديث الخثعمية. والحديث الثاني: حج رجل عن رجل. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن) . أي: لا يستطيع أن يركب ولا يستطيع أن يمشي، أي: أنه قد بلغ به الكبر بحيث إنه يتمكن من أن يمشي أو يركب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حج عن أبيك واعتمر)، فدل هذا على أن الرجل يحج ويعتمر عن غيره. وهذا من الأدلة التي يستدل بها على وجوب العمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (حج عن أبيك واعتمر) وذلك عندما ذكر له أنه لا يستطيع الحج والعمرة. فأمره أن يحج عن أبيه ويعتمر، فدل ذلك على وجوب العمرة، وقد مر بنا حديث الصبي بن معبد، وفيه أنه كان نصرانياً فأسلم، وأنه كان يحب الجهاد، ولكنه وجد أن الحج والعمرة مكتوبين عليه، فجاء إلى رجل من قومه فأرشده أن يجمع بينهما -أي بين الحج والعمرة- فجاء إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه وذكر له القصة، فقال له: (هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث هو أقوى ما يستدل به على وجوب العمرة، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: هذا أصح شيء جاء في وجوب العمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث مطابق للترجمة من جهة أن يحج الرجل عن غيره، فهذا يدل على أن للإنسان أن يحج عن غيره، وهذا إذا كان ميتاً، وأما إذا كان حياً، فيجوز ذلك في حالتين اثنتين: إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر، كما جاء في هذا الحديث وحديث الخثعمية السابق، والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، وهو في معناه.
تراجم رجال إسناد حديث: ( احجج عن أبيك واعتمر )

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن النعمان بن سالم ]. النعمان بن سالم ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن أوس ]. عمرو بن أوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رزين ]. أبو رزين العقيلي رضي الله عنه صحابي أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

شرح حديث: ( حُجّ عن نفسك ثم حُجَّ عن شبرمة )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني و هناد بن السري المعنى واحد، قال إسحاق : حدثنا عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة ، قال: من شبرمة ؟ قال: أخ لي أو قريب لي ، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ومن شبرمة ؟ قال: أخ لي أو قريب) . أي: شك الراوي هل قال: أخ أو قريب، (قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة)، وهذا مطابق للترجمة من جهة أن الرجل يحج عن الرجل، وأن الرجل يحج عن غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة). وفيه دليل على أن الإنسان لا يحج عن غيره إلا إذا كان قد حج عن نفسه. فيبدأ بنفسه أولاً، ثم يحج عن غيره، فلا يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه، وفيه دليل أيضاً على أنه يمكن للإنسان أن يظهر في التلبية لمن يكون النسك، فيقول: لبيك لفلان، أو لبيك عن فلان، إذا كان يحج عن غيره. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن شبرمة ؟ قال: أخ لي أو قريب) يدل على أن الحج قد يكون من الأخ عن أخيه، وليس خاصاً بالولد عن والده كما جاء في حديث الخثعمية وحديث أبي رزين العقيلي المتقدمين، فذاك فيه حج الولد عن والده، والآخر فيه حج البنت عن والدها، وحديثنا هذا فيه حج الأخ عن أخيه أو قريبه. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا كان قد أحرم بالنسك عن غيره ولم يحج عن نفسه فإنه يقلب ذلك إلى نفسه، فيلبي عن نفسه، ويكون النسك له، ولا يستطيع الإنسان أن يحج حجاً واحداً عن شخصين، بل يكون الحج من واحد عن واحد، إما عن نفسه، أو عن واحد من الناس، لكن يمكن إذا كان الإنسان متمتعاً أن يجعل العمرة لشخص والحج لشخص، لأن كل واحد منهما مستقل عن الثاني بإحرامه وتحلله وما بين ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث ( حجّ عن نفسك ثم حجّ عن شبرمة )

قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ و هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبدة بن سليمان ]. عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي عروبة ]. ابن أبي عروبة هو: سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عزرة ]. عزرة بن يحيى وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير رضي الله عنه، تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث صحيح.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]