
26-12-2024, 08:42 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,444
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سلسلة شرح الأربعين النووية
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
الحديث 17: ((اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ...))
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث.
• المعنى الإجمالي للحديث.
• المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عن أبي ذرٍّ جندب بن جنادة، وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن))[1].
عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو إلى تقوى الله، وفِعْلِ الحسنة بعد السيئة مباشرةً، والتخلُّق بالخلق الحسن مع الناس، فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يأتي:
1- الوصية بتقوى الله تعالى: والتقوى هي أن تُطيع الله فتفعل ما أمرك به، وتجتنب ما نهاك عنه، وبذلك تجعل بينك وبين الله وقاية، وهي وصية الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، والنبي صلى الله عليه وسلم يفتتح خُطَبَه بالتذكير بالتقوى ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا قال: ((اتَّقِ الله حيثما كنت))؛ أي: اتَّقِ الله في سرِّك وعلانيتك، اتَّقِ الله في البرِّ والبحر، في البيع والشراء، في الدار، في الطريق، في المدرسة، في السيارة، في السفر، فهو أمرٌ بالإحساس بمراقبة الله في كل زمان ومكان.
فمن يتَّقِ الله أمام الناس، ثم إذا كان خاليًا انتهك المحرمات، ومن يتَّقِ الله في رمضان، فإذا خرج عصى ربه، ومن يتَّقِ الله أمام الصالحين، وإذا كان مع رفقة سيئة سايرهم في باطلهم؛ هؤلاء جميعًا ومن على شاكلتهم لم يُطبِّقوا الوصية النبوية.
2- الوصية بفعل الحسنة بعد السيئة مباشرةً: قال صلى الله عليه وسلم: ((وأتْبِعِ السيئة الحسنة تَمْحُها))، وهي من التقوى أيضًا فممحاة السيئات فِعْلُ العمل الصالح بعدها، لمن وفَّقه الله لذلك، فالإنسان ليس بمعصوم، وقد تصْدُرُ منا أخطاء ومعاصٍ، ومن رحمة الله بنا أن أرشدنا إلى طريقة للتخلص من الذنوب والآثام؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، ووَرَدَ في سبب نزولها عن ابن مسعود رضي الله عنه، ((أن رجلًا أصاب من امرأة قُبْلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، فقال الرجل: يا رسول الله، أَلِي هذا؟ قال: لجميع أُمَّتي كلهم))[2].
أنواع الشرك؛ كالحلف بغير الله، والذهاب عند الكُهَّان والمشعوذين سيئة، والحلف بالله بعدها، والندم، والعزم على عدم العودة إلى الكُهَّان حسنة وتوبة.
تَرْكُ الصلاة بالكُلية أو التهاون في أوقاتها سيئة، والقيام بها، والمحافظة على أوقاتها حسنة وتوبة؛ قال تعالى: ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
الاشتغالُ بالعمل أو البيع وقت النداء للجمعة سيئة، والسعي للصلاة وترك البيع وما يُلهي عن الصلاة حسنة وتوبة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
خروج المرأة بدون حجاب سيئة وجاهلية، والتستُّر بعد التبرُّج حسنة وتوبة.
السرقة سيئة، وإرجاع المسروق لصاحبه حسنة وتوبة.
شرب الخمر وجميع أنواع المخدِّرات والتدخين سيئة، وتركها والابتعاد عن الرفقة السيئة حسنة وتوبة، وعلى هذا القياس.
فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين الذين يُتبِعون السيئةَ الحسنةَ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فمن المستفادات كذلك:
3- الوصية بالتخلُّق بالخُلُق الحسن مع الناس: قال صلى الله عليه وسلم: ((وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسن))، والخلق الحسن من تقوى الله، وخَصلة من أعمال الحسنات، ومن الخُلُقِ الحسن مع الناس:
• مخالطتهم والصبر على أذاهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظمُ أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم))[3] ؛ لأن الذي يخالط الناس لا بد له من أذِيَّةٍ، يسمع كلامًا يؤذيه، لا بد أن يرى فعلًا يؤذيه، لا بد أن يُهان، لكن يصبر على أذاهم ويصابر، ويقول: الذي لا يأتي اليوم يأتي غدًا؛ ويستحضر دائمًا قول الله عز وجل: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وأمَرَ الله نبيَّه بالصبر على أذى المشركين؛ فقال له: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ [ق: 39]؛ ولذلك وصفه ربه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
• أن تنفعهم بما تستطيع، وتكُفَّ أذاك عنهم؛ فتُعاملهم بالإحسان القولي والإحسان الفعلي، كبشاشة الوجه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة))[4] ، ولُطفُ الكلام، والقول الجميل المؤنِس للجليس، وقد يحسُن المزح أحيانًا إذا كان فيه مصلحة، لكن لا ينبغي الإكثار منه، وإنما بقدر الْمِلْحِ في الطعام، وتتجنب السخريةَ منهم، أو غشَّهم في المعاملة، أو أكل أموالهم بالباطل، وغيرها، والخلاصة تفقَّه في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من كل جوانبها، فتعرف كيف تأدَّب مع ربه؟ وكيف تأدب مع الناس؟ وكيف تأدب مع أزواجه؟ وكيف تأدب مع الحيوان؟ وكيف تأدب مع البيئة؟ وكيف تأدب مع غير المسلمين؟ وصاحَبَ الأخيار، وتجنَّب رفقاء السوء؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينُظر أحدكم من يخالل))[5].
فاللهم حسِّن أخلاقنا، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، رقم: 1955.
[2] رواه البخاري برقم: 4687.
[3] رواه ابن ماجه برقم: 4032.
[4] رواه البخاري في الأدب المفرد برقم: 891.
[5] رواه أحمد في المسند برقم: 8417.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|