
26-12-2024, 09:49 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,158
الدولة :
|
|
رد: تربية أولادنا
تربية أولادنا
حسان أحمد العماري
تربية أولادنا
(8) التربية بالعقوبة وضوابطها
الخطبة الأولى إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
أيها المؤمنون، إن تربية الأولاد والعناية بهم وحسن رعايتهم من واجبات الوالدين والمربِّين، ولا بد لنجاح هذه التربية من استخدام الأساليب التربوية المختلفة في وقت الحاجة والضرورة والحال، وإن من أساليب التربية، التربية بالعقوبة بمفهومها الصحيح وشروطها السليمة، فحين لا ينفع النصح ولا الوعظ ولم تؤتِ القدوة ثمارها، ولم يزدجر بالتنبيه والتذكير والتحذير، وتكرر الأمر، فعند ذلك يستخدم أسلوب التربية بالعقوبة، ويقصد به زجر الطفل وتأنيبه وحرمانه من بعض الامتيازات، وربما الضرب غير المبرح ودون تَعَدٍّ أو إحداث أضرار في جسد هذا الطفل أو التسبب له في أذى فادح، ولا بد أن يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه الطفل.
عن مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ ذكر منها: «وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ»؛ (صححه الألباني في الإرواء (2026)، وفي الحديث: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت؛ فإنه أدب لهم»؛ (صحَّحه الألباني في الصحيحة (1447)).
عباد الله، التربية بالثواب والعقاب من الوسائل التي اعتمدها القرآن الكريم في تربية المجتمع المسلم، وصيانة لأفراده وزجرهم من ارتكاب المنكرات والموبقات، والتعدي على بعضهم البعض، ثم إن البشر ليسوا سواء؛ فمنهم من تفلح معه القدوة الحسنة في التربية، ومنهم من تنفعه الموعظة الحسنة والقول اللين، ومنهم من تكفيه القصة، وقسم لا بد من وقع السوط على جلده لردعه وتنبيهه.
والقرآن الكريم لا يبادر إلى العقوبة في التربية؛ إنما يقدم قبلها الترغيب في الثواب أو يقرنه معها؛ للإشعار بأن العقوبة ليست مقصودة لذاتها؛ وإنما هناك طوائف من الناس لا بد من إبراز السوط لهم، والبعض الآخر لا بد من إيقاع السياط على جلودهم ليرتدعوا ويردعوا عن غَيِّهم وعنادهم.
ففي مجال الترغيب قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
وفي مجال العقاب والترهيب قال تعالى: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 21 - 26]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 18].
وبيَّن القرآن الكريم الكثير من الحدود؛ وهي نوع من العقاب لزجر المعتدي، ووقفه عن حدِّه كحد الزنا والقذف والسرقة والإفساد في الأرض وغير ذلك، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].
وأما مصير الأمم والدول والمجتمعات التي لم ترتدع بالموعظة ولا النصيحة ولا بالقدوة ولا بالاعتبار بمن مضى، فقد وضح القرآن أن عقابهم كان من جنس عملهم، ولله مع خلقهِ أيامٌ وسُنَن، فأين ثمود وعاد؟! وأين الفراعِنةُ الشِّدادُ؟! أين من قدُّوا الأرضَ ونحَتوا الجبال، وحازوا أسباب القوة واحتاطوا للنوائِب؟! لما نسُوا اللهَ أوقعَ بهم بأسَه، فصاروا بعد الوجودِ أثرًا، وأصبحوا للتاريخ قصصًا وعِبرًا: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
وأما التربية بالعقوبة بكل وسائلها في السنة النبوية كالحِرْمان منَ التشجيع، واللوم والتوبيخ، والهجر والمقاطعة والتشهير والعقاب البدني، فقد كانت حاضرة في تربية المجتمع، حيث يعمد المربِّي إلى حرمان مَن يعاقبه مما كان قد عوَّده من تشجيع، أو مدح، أو ثناء، وما شابه ذلك، وقد استخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسلوب التوبيخ حيث دعت الحاجة إلى ذلك؛ حيث يُروى عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -: أنه عَيَّر رجلًا بسواد أمِّه، فوبَّخه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلًا: "إنك امرُؤٌ فيك جاهلية"؛ (البخاري).
ولجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أسلوب الهجر والمقاطعة هذا في عقابه للثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك؛ حيث أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابته ألَّا يكلِّموهم، فجرت المقاطعة بين المسلمين وبين هؤلاء الثلاثة؛ حتى ضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 117 - 118]، أما العقاب البَدَني لمعالجة الأخطاء والتقصير في الواجبات والمهمات؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"؛ (أبو داود وأحمد).
أيها المسلمون، إن للتربية بأسلوب العقوبة ضوابط يجب الانتباه لها، من ذلك أن تتناسب العقوبة مع الخطأ الذي وقع دون تجاوز ذلك وتعدٍّ، ففي ذلك ظلم وجناية على هذا الطفل، ومنها ولا بدَّ أيضًا أن تكونَ أداة الضرب أداة مناسبة لسنِّ الصغير؛ فلا يضرب بأداة تؤلِمه إيلامًا شديدًا، أو تُحدِث له كسورًا، أو جروحًا، أو عاهاتٍ؛ لأن الغرضَ - أولًا وأخيرًا - من هذا الضرْب هو التأديب، وليس التشفِّي والانتقام، ويجتنب المربِّي عند الضرب الوجْه والرأس بما حوى، والمناطق الحسَّاسة من الجسم؛ لأن الضرب في هذه المواضع قد يؤدِّي إلى حدوث عاهات للصغير، وقد نَبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: "إذا ضرب أحدكم فليتَّقِ الوجه"؛ (البخاري).
كذلك الهجر والحرمان والتوبيخ يجب أن يتناسب كذلك عمر الطفل وسنه ومع الخطأ الذي ارتكبه، وإلا تحوَّل الأمر إلى إرهاب وتعسُّف وقهر وظلم وتجاوز للمعقول، يقول ابن خلدون في المقدمة: "من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به الظلم، وحمل على الكذب والخبث خوفًا من انبساط الأيدي عليه بالقهر، وعلمه المكر والخديعة، وفسدت فيه معاني الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل"؛ انتهى.
فإياكم والإفراط في عقوبة أبنائكم؛ فإن ذلك حتمًا سوف يؤثر في نفسياتهم وعلاقاتهم ودراستهم سلبًا، فلا تعتدوا، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
عباد الله، إن للتربية بالعقوبة بضوابطها أثرًا في تربية النفوس وتهذيبها، فتجنب الأخطاء وعدم تكرارها وإدراك خطرها، والاستجابة السريعة والانضباط ومراجعة النفس وتذكيرها قبل القيام بها أو ارتكابها نتيجة حتمية لأثر التربية بالعقوبة.
أيها الآباء أيها المربون، إن التربية بأسلوب العقوبة، ومنها الضرب هو آخر طرق التأديب، وإلا فإن هناك وسائل للعقوبة، فذم الولد وتوبيخه عقوبة، وإن حرمانه من الجوائز دون إخوانه وأقرانه عقوبة، وإن التهديد والوعيد عقوبة، وإن الهجر وعدم التكليم للطفل عقوبة، ومن العقوبات أيضًا الأمر بتصحيح الخطأ عمليًّا، وهو من صور العقاب الإيجابي؛ كأمر الطفل بإصلاح ما أفسد، جمع ما فرق، وتنظيف ما لطخ، وكذلك تكرير كتابة ما أهمل كتابته ونحو ذلك، وأمر الأولاد بتصحيح الخطأ يربي فيهم النهوض للأمثل، والارتقاء للأفضل.
أيها الأب، أيها المربي، لا تكن صارمًا على الأولاد كل الصرامة، واعلم أن التخويف بالضرب في أكثر الأوقات أحسن من ذوقه، إن الأطفال وهم في مرحلة الطفولة يحتاجون إلى اللعب وحسن الرعاية، فلا يعاملون معاملة الكبار، ولا يمكن أن تملي عليهم قوانين وقواعد لا بد أن يسيروا عليها، واسمعوا إلى هذا الشاعر الذي تذكر أبناءه وقد كان ضجيجهم يملأ البيت وهو يصور تلك الفطرة البريئة التي بسببها تعرضوا في كثير من البيوت لأبشع أنواع الضرب والعنف والاحتقار.
أين الضجيج العذب والشغب 
أين التدارس شابه اللعب
أين الطفولة في توقدها 
أين الدُّمى في الأرض والكتب
أين التشاكس دونما غرض 
أين التشاكي ما له سبب
أين التباكي والتضاحك في 
وقت معًا والحزن والطرب
أين التسابق في مجاورتي 
شغفًا إن أكلوا وإن شربوا
يتزاحمون على مجالستي 
والقرب مني حيثما انقلبوا
فنشيدهم بابا إذا فرحوا 
ووعيدهم بابا إذا غضبوا
وهتافاتهم بابا إذا ابتعدوا 
ونجيهم بابا إذا اقتربوا
في كل ركن منهم أثر 
وبكل زاوية لهم صخب
في النافذات زجاجها حطموا 
وفي الحائط المدهون قد ثقبوا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|