سلسلة الأعمال الخيرية
- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
10- الإنفاق لا يحتمل التأخير
نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .
الإنفاق لا يحتمل التأخير(1)، أي أن بَذْل المال ونحوِه لمن تجب النفقة عليهم من الأولاد والزوجة والوالدين، أو مما اؤتمن عليه من المال لصرفه إلى أهل الحاجة والعوز، لا يحتمل ولا ينبغي فيه التأخير .
فالحاجة لا تحتمل التأخير في سدها، ولا يسوَغ التقاعس في أدائها بأعذار واهية، وما لا يحتمل التأخير يقدم، والنفقة الواجبة لا يحل تأخيرها عن وقت استحقاقها، والصرف على المحتاجين وقت النوازل والنكبات أولى من الأمور الثانوية التي يحتمل فيها التأخير، كإقامة المشاريع الخيرية؛ لأن الإنفاق في مثل ذلك الزمن لا يحتمل التأخير، فقد تهلك الأنفس وتسفك الدماء من الجوع، وتنتهك الأعراض .
وكذلك النفقات الواجبة على الشخص نحو زوجته وأولاده الصغار؛ فإنه يجب عليه أن يعطيهم نفقتهم في موعد محدد وبمقدار يفي بالغرض، وليس له أن يؤخرها لتجدُّد الحاجات .
وكذلك الوقف، فعلى ناظره أن لا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف، وعدم تأخيرها مطلقاً، إلا لضرورة تقتضي تأخير إعطائهم لحقوقهم: كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين على الوقف؛ لأن هذا مقدم على الإعطاء للمستحقين(2).
ولا يجوز كذلك للواقف أو للناظر أو المتولي للوقف أن يؤخر حق الانتفاع من عين الوقف للموقوف عليهم بلا ضرورة تقتضي ذلك، وعلى الناظر أن يتأكد من أداء حقوق المستحقين في الوقف، ويتأكد كذلك من أداء المتولين أمر صرف المستحقات.
وعلى العاملين في المؤسسات الخيرية أن يتقوا الله فيما اؤتمنوا عليه من أعمال، فلا يؤخروها ويهملوها ويضيعوا بتقاعسهم أعداد الكشوفات ومتابعة صرف مستلزماتها .
ومن التطبيقات الخيرية لهذه القاعدة:
في حال النكبات والنوازل، فإن تقديم المساعدات الفورية من ماء وطعام ومكان لإيواء مقدم على ما دونه من الأعمال الخيرية؛ لأن في ذلك حفظ النفس .
وكذلك الصرف على ما يحفظ دين الخلق لا يحتمل التأخير، وكذلك الإنفاق لحفظ الأعراض لا يحتمل التأخير، ومقدم على ما يحتمل التأخير.
وفي حالة تفشي مرض ما، فإن الإنفاق لا يحتمل التأخير في العلاج وتوفير الدواء والتعقيم وأخذ الاحتياطات لحصر العدوى.
ولا يؤخَّر صرف مستحقات أهل العوز والحاجة ، الذين يُصرف لهم مخصصات شهرية من المؤسسات الخيرية؛ لأن في ذلك ضرر عليهم .
وكذلك صرف مستحقات العاملين في المؤسسات الخيرية، أمر لا يحتمل التأخير؛ لأنه يضر بنفسية الموظف، مما يؤثر على أداؤه وانجازه والذي يؤدي أحياناً إلى إهماله في إيصال المستحقات لأهل الحاجة والعوز.
وإذا كفل الكافل اليتيم، فإن الإنفاق عليه كما هو متبع عرفاً - شهرياً - لا يحتمل التأخير .
وجمع المال في المؤسسات الخيرية وتأخير أنفاقه لسنوات، ضرر لأصحاب الحاجة، بل وإثم إن كان من الزكاة أو ما حدده المتبرع وأوصى في سرعة إيصاله لمستحقيه.
الهوامش:
1 - 1- المبسوط للسرخسي: (5/223).
2 - أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، ( 2/198).
اعداد: عيسى القدومي