عرض مشاركة واحدة
  #94  
قديم 30-12-2024, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل




سيرة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ) رضي الله عنهما


18 سيرة أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ)



اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، القرشيّ المضري.
يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤيّ.
وهو شقيق أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر، أمّهما زينب بنت مظعون بن حبيب الجُمَحِية القرشية، وكانت من المهاجرات.

مولده ونشأته وإسلامه:
ولد بمكّة قبل الهجرة بعشر سنين، وأسلم بمكة وهو غلام صغير، وشهد إسلام أبيه عمر بن الخطاب، ثمّ هاجر معه إلى المدينة.
- قال سفيان بن عيينة: قال عمرو بن دينار: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبا عمر، وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبا عمر فما ذاك، فأنا له جار.
قال: (فرأيت الناس تصدعوا عنه؛ فقلت: من هذا؟ قالوا: العاص بن وائل). رواه البخاري.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمر بن محمد قال: أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينما هو في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلَّة حَبِرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية.
فقال له: ما بالك؟
قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت.
قال: لا سبيل إليك.
بعد أن قالها أمنتُ؛ فخرج العاص فلقيَ الناسَ قد سال بهم الوادي؛ فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبا، قال: لا سبيل إليه؛ فكرَّ الناس). رواه البخاري.

مناقبه وفضائله:
لابن عمر رضي الله عنهما مناقب كثيرة؛ منها هجرته مع أبيه، وشهوده الخندق وما بعدها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهوده بيعة الرضوان، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه رجل صالح.
- قال عبد الرزاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وكنت غلاما شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
قال: فلقيهما مَلَك؛ فقال لي: لم تُرَع.
فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».
قال سالم: (فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا). متفق عليه.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: «إنَّ عبد الله رجلٌ صالح».

- وقال عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة.
قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة»
قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: «لأن تكون قلتَها أحبّ إليّ من أن يكون لي كذا وكذا» رواه البخاري ومسلم.

بعض أخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر وهو شابّ أعزب ينام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون أقرب إليه، وكان المسجد مجمع عامّة المسلمين وكبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصاب علماً كثيراً على حداثة سنّه؛ نشأ في عبادة الله مع أكرم صحبة، وفي أحسن منبت بعد بيت النبوة، وكان حريصاً على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم واتّباع هديه؛ فكان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ويصحبه في بعض شؤونه، ويخدمه.
- قال عبيد الله بن عمر العمري: حدثني نافع، قال: أخبرني عبد الله بن عمر «أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري.

جهاده ومشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم:
عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فردّه لصغر سنّه؛ ثمّ عرض عليه في أحد فردّه؛ ثم عرض عليه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه؛ ثمّ لم يُعلم أنّه تخلّف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشهد بعد الخندق غزوةَ بني المصطلق، وبيعة الرضوان، وغزوة خيبر، وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وغزوة تبوك، وغيرها.
وغزا في سرايا بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم منها غزوة مؤتة، وغزوة إلى نجد، وغيرهما.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في يوم الفتح ومعه بلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وأغلق الباب ثم صلى في جوف الكعبة، ثم خرج؛ وابتدر الناس إلى الكعبة كان أوّل من دخل بعدهم عبد الله بن عمر؛ فوجد بلالاً وراء الباب قائماً؛ فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، والخبر في صحيح البخاري.
وحجّ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، واعتمر مع النبي صلى الله عليه وسلم عُمَرَه كلَّها.
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده) رواه البخاري ومسلم.
فكان من أعلم الصحابة بمناسك الحجّ والعمرة؛ لشدّة حرصه على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم واتّباعه.
ثم جاهد في زمان الخلفاء الراشدين وبعده، فقاتل المرتدّين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشهد يوم اليمامة.
ثم شهد القادسية، واليرموك، وفتح بيت المقدس، وفتح مصر، وبارز في عهد عمر دهقاناً من دهاقنة الفرس فقتله.
ثم غزا في بلاد فارس مراراً، حتى بلغ أذربيجان.

وقد روي في كلّ ما تقدّم أحاديث وآثار يطول المقام بتقصّيها.
- قال عبيد الله العمري: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجِزْني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أول يوم شهدته يوم الخندق»رواه البخاري.
- وقال مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة: «إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بعمرة من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن عون: كتبت إلى نافع؛ فكتب إلي: «إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية» حدثني به عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن سعيد [بن أبي هند]، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيدَ بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة».
قال عبد الله: (كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين، من طعنة ورمية). رواه البخاري.
- وقال جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (أصبنا يوم اليرموك طعاماً وعلفاً فلم يُقسم). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو سعيد بن يونس: (شهد الفتح بمصر واختط بمصر، وروى عنه أكثر من أربعين رجلاً من أهل مصر).
- وقال الخطيب البغدادي: (خرج إلى العراق فشهد يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس وورد المدائن).
- وقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر (أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر حبسه بها الثلج؛ فكان يقصر الصلاة). رواه عبد الرزاق وابن سعد.
- وقال أبو إسحاق الفزاري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: (أريح علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة).
قال ابن عمر: (وكنا نصلي ركعتين). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وغزوة أذربيجان اجتمع عليها جند العراق وجند الشام، وكانت في آخر خلافة عمر وأوّل خلافة عثمان.

أخباره في خلافة عثمان بن عفان:
كان ابن عمر مع صلاحه وورعه عاقلاً رشيداً حسن الرأي، أوصى عمر أن يشهد مشورة الستة الذين أوصى أن يختاروا من بينهم رجلاً للخلافة من بعده؛ فاجتمع رأيهم على عثمان.
واجتهد عثمان في توليته القضاء فأبى أشدّ الإباء، حتى قال لعثمان: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟))
فقال عثمان: (بلى).
فقال: (فإني أعوذ بالله أن تستعملني فأعفاه). والقصة في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني.
وبقي مشتغلاً في زمن عثمان بالجهاد في سبيل الله والعبادة.
- ولمّا حوصر عثمان تقلّد سيفه ليقاتل دونه؛ ولكن عثمان عزم على الصحابة أن لا يراق بسببه دم.

علمه وفقهه:
كان ابن عمر من علماء الصحابة ومن أهل الفتوى فيهم، وقد حدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه فأكثر وأطاب، حتى عُدَّ من القلّة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأفتى ونصح وجاهد، واجتهد في فعل الخيرات، والتعبد بأنواع العبادات، وعمّر حتى انتفع خلق كثير بعلمه وهديه.
- قال زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يُؤتَى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
- وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران (أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك بن أنس قال: (أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك).
وقال: (وكان ابن عمر من أئمة الدين). رواه الخطيب البغدادي.

توقّيه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر على سعة علمه وكثرة حديثه واجتهاده في اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على التثبت في الفتيا وأداء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه بلفظه، ولا يجد غضاضة إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم.
- قال مصعب بن سلام: حدثنا محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر [محمد بن علي] يقول: كان عبد الله بن عمر إذا سمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أو شهد معه مشهداً، لم يقصر دونه أو يعدوه، قال: فبينما هو جالس وعبيد بن عمير يقص على أهل مكة، إذ قال عبيد بن عمير: مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين، إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها، فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا، فغضب عبيد بن عمير، وفي المجلس عبد الله بن صفوان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف قال رحمك الله؟
فقال: قال: ((مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين، إن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها، وإن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها)).
فقال له: رحمك الله هما واحد.
قال: كذا سمعت، كذا سمعت). رواه أحمد.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا محمد بن سوقة، عن محمد بن علي أنه سمعه، يقول: (كان ابن عمر إذا سمع شيئاً لم يزد فيه، ولم ينقص منه، ولم يجاوزه إلى غيره، ولم يقصر عنه). رواه الحميدي.
- وقال زهير بن معاوية: سمعت محمد بن سوقة يذكر عن أبي جعفر محمد بن علي قال: (لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحذر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ألا يزيد فيه، ولا ينقص منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، قال: (جالست ابن عمر سنة؛ فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة: قال لي ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمّار، فقال: «إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم» فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتّ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: (أيها الناس إليكم عني؛ فإنّي قد كنتُ مع من هو أعلم مني، ولو علمتُ أني أبقى فيكم حتى تفضوا إليَّ لتعلَّمتُ لكم). رواه ابن سعد.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: (بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك؛ فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: (لا علم لي به) فلما أدبر الرجل قال لنفسه: (سُئل ابن عمر عما لا علم له به؛ فقال لا علم لي به). رواه ابن سعد، وروى نحوه ابن عساكر من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.
- وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى عن جده قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: لا أدري؛ فلما ولى الرجل أفتى نفسه؛ فقال: (أحسن ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال لا أعلم). رواه ابن سعد.

مذهبه في كتابة العلم:
كان ابن عمر رحمه الله لا يُحبّ أن يُكتب عنه شيء، ولا أن ينقل قوله، ويغضب من ذلك، وروي أنه كانت له صحفاً ينظر فيها لخاصة نفسه.
- قال عفّان: حدّثنا شعبة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء؛ فقال: (أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟!).
قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع.
قال: (يقول في ذلك الأمراء). رواه ابن سعد.
- وقال أبو حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع (أن ابن عمر كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في كتبه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وهذا إسناد جيد.

حرصه على اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
مما اشتهر عن ابن عمر وعرف به حبّه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، وحرصه على اتباع هديه، في كبير أموره وصغيرها، حتى كان في سفره للحجّ والعمرة يحرص على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في المواضع التي صلى فيها، ويتوخّى ذلك أشدّ التوخّي.
- قال سفيان بن عيينة، عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى). رواه الفسوي في المعرفة، والدارمي في سننه.
- وقال إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدثني أبي، عن عاصم بن محمد، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر ذاكرا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتدرت عيناه تبكيان). رواه ابن سعد.
- وقال وكيع بن الجراح، عن أبي مودود، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: « لعلَّ خفاً يقع على خف» يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي شيبة.
أبو مودود المدني اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
وقال عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت، ماشيا وراكبا».
قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «يفعله» رواه البخاري.
- وقال أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء».
قال نافع: (فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). رواه أبو داوود وابن سعد والطبراني في الأوسط.

عبادته وهديه:
نشأ ابن عمر في عبادة الله تعالى، وحفظ وصايا النبي صلى الله عليه وسلم له، وما بلغه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزل يتعبّد ويتهجّد، ويجاهد ويتصدّق، ويفتي من يستفتيه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويفعل الخيرات، ويجتهد في ذلك اجتهاداً بالغاً، حتى كان من أكثر الصحابة صلاة وصياماً وتلاوة للقرآن، وأشدّهم لزوماً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه، حتى كان يغدو كلَّ سبتٍ إلى قباء ماشياً فيصلي فيه اتّساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لا يداهن في دينه، ولا يهاب أحداً في كلمة الحق، إلا أن يدفع فساداً أعظم.

- قال سليمان الأعمش: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل» وكان ابن عمر، يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك). رواه البخاري
- وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر، قال: «ما وضعت لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال نافع مولى ابن عمر: سمعت ابن عمر يقول: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله حدِّثني بحديث واجعله موجزًا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلِّ صلاةَ مودِّع؛ فإنَّك إن كنت لا تراه فإنه يراك، وأيّس مما في أيدي الناس تكن غنيًّا، وإياك وما يُعتذر منه)). رواه الطبراني والبيهقي في الزهد والخطيب البغدادي والضياء المقدسي وحسَّنه الألباني.
- إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: (لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- قال عمر بن حمزة: أخبرني الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب ، قال : قالت عائشة : (ما أعلم رجلا سلَّمه الله من أمور الناس، واستقام على طريقة مَن كان قبله استقامةَ عبد الله بن عمر). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الله بن عمر العمري، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما رأيت ألزمَ للأمر الأول من عبد الله بن عمر» رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال شعبة: حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (ما منّا من أحدٍ أدرك الدنيا إلا قد مالت به إلا عبد الله بن عمر). رواه ابن عساكر.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أدركتِ الفتنةُ أحداً منا إلا لو شئتُ أن أقولَ فيه لقلت فيه إلا عبد الله بن عمر» رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، ورواه سعيد منصور، ولم يذكر "من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: نُبئت أن ابن عمر كان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمرٍ؛ فإن خالفتهم خشيت أن لا ألحق بهم). رواه سعيد بن منصور، وابن سعد.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: قال رجل: (اللهم أبقِ عبد الله بن عمر ما أبقيتني، أقتدي به، فإني لا أعلم أحدا على الأمر الأول غيره). رواه سعيد بن منصور وابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن طاووس قال: (ما رأيت رجلاً أورعَ من ابن عمر، ولا رأيت رجلاً أعلمَ من ابنِ عباس رضي الله عنهما). رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرتفع الضحى ولا يصلي، ثم ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه، ثم يجيء إلى أهله فيبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين، ثم يدخل بيته. رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: «أنه كان يحيي الليل صلاة» ، ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فيقول: لا، «فيعاود الصلاة» ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فأقول: نعم «فيقعد فيستغفر ويدعو حتى يصبح» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم.
- وقال أبو أسامة، عن ابن عون، عن نافع: أن ابن عمر، كان إذا قرأ القرآن كره أن يتكلم أو لم يتكلم حتى يفرغ مما يريد، أو لم يتكلم حتى يفرغ إلا يوماً كنت قد أخذت عليه المصحف وهو يقرأ فأتى على الآية فقال: «أتدري فيما أنزلت» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا هشام بن سعد، عن نافع، قال: كان ابن عمر «يعمل في خاصة نفسه بالشيء لا يعمل به في الناس» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه! الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: «كان ابن عمر كلما استيقظ من الليل صلى» رواه ابن أبي شيبة.

- وقال زائدة عن منصور بن المعتمر قال: قال عبد الله بن عمر: « لو بات رجلٌ ينفق ديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، ويحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله حتى يصبح متقبلا منه، وبتّ أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلاً مني، لم أحبّ أنَّ لي عمله بعملي » رواه ابن أبي شيبة.

- وقال محارب بن دثارٍ رحمه الله قال: دخلت على ابن عمر رضي الله عنه بيته وهو يصلي، فإذا هو يبكي في صلاته، فلما انصرف أقبل عليَّ وعلم أني قد رأيته وهو يبكي، فقال: (إن هذه الشمس لتبكي من خشية الله، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا).
- وقال عبد الله بن عمر أيضا: ((لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار)) ذكرهما محمد بن نصر المروزي في قيام الليل.
- وقال البراء بن سليم، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تلا هذه الآية قط إلا بكى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الحافظ أبو أسامة الكوفي، عن عثمان بن واقد، عن نافع قال: (وكان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}بكى حتى يغلبه البكاء). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]