عرض مشاركة واحدة
  #489  
قديم 30-12-2024, 05:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
المجلد الثالث عشر
صـ 4738 الى صـ 4748
الحلقة (489)







[4 - 7] أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون

أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي: يفوتونا، فلا نقدر على مجازاتهم بمساوئ أعمالهم: ساء ما يحكمون أي: بئس الذي يحكمونه حكمهم: من كان يرجو لقاء الله أي: في الجنة من رؤيته، والفوز بكرامته: فإن أجل الله وهو الموت: لآت أي: فليبادر ما يصدق رجاءه ويحقق أمله من الثواب والتواصي بالحق والصبر والرغبة فيما عنده تعالى. أو المعنى: من كان يرجو لقاء الله، من كل من صدق في إيمانه، وأخلص في يقينه، فاعلم أن أجل الله لآت. وهو الوقت الذي جعله الله أجلا وغاية لظهور النصر والفتح وعلو الحق وزهوق الباطل. أي: فلا يستبطئنه. فإنه آت بوعد الله الحق وقول الصدق. ولم أر من ذكره ولعله أنسب بقرينة السياق والسباق. والله أعلم:وهو السميع العليم أي: السميع لأقوالهم العليم بضمائرهم وأحوالهم: ومن جاهد أي: في الصبر على البلاء والثبات على الحق مع ضروب الإيذاء: فإنما يجاهد لنفسه أي: لأنه يمهد لنفسه، ما يجني به ثمر غرسه: إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون أي: أحسن جزاء أعمالهم.


[8 - 9] ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين

ووصينا الإنسان بوالديه حسنا أي: أمرناه أمرا مؤكدا بإيلاء والديه فعلا ذا حسن عظيم: وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما أي: في الشرك، إذا حملاك عليه. ومعنى: ما ليس لك به علم أي: لا علم لك بإلهيته. قال القاضي: عبر عن نفيها بنفي العلم بها، للإيذان بأن ما لم يعلم صحته، لا يجوز اتباعه، وإن لم يعلم بطلانه. فكيف بما علم بطلانه؟ إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون أي: إلي مرجع من آمن منكم ومن أشرك. فأجازيكم حق جزائكم. فيه التحذير من متابعتهما على الشرك [ ص: 4739 ] والحث على الثبات والاستقامة في الدين، بذكر المرجع والوعيد. وقد روي أن سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه حين أسلم، قالت أمه: يا سعد ! بلغني أنك قد صبأت. فوالله! لا يظلني سقف بيت من الضح والريح. وإن الطعام والشراب علي حرام، حتى تكفر بمحمد وكان أحب ولدها إليها. فأبى سعد . وبقيت ثلاثة أيام كذلك. فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه. فنزلت هذه الآية، والتي في لقمان، والتي في الأحقاف. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان. وروى الترمذي عن سعد قال: قال: نزلت في أربع آيات. فذكر قصته وقال: قالت أم سعد : أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت، أو تكفر. فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها. فنزلت هذه الآية. قال ابن كثير : وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا.

وقال الترمذي : حسن صحيح: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين أي: في زمرة الراسخين في الصلاح والكمال.

قال الزمخشري : والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين، وهو متمنى أنبياء الله.

قال الله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وقال في إبراهيم عليه السلام: وإنه في الآخرة لمن الصالحين أو المعنى: في مدخل الصالحين وهي الجنة. وهذا نحو قوله تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية.
[ ص: 4740 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[10] ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين

ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله أي: جعل ما يصيبه في الصرف عن الإيمان من ضروب الإيذاء، بسببه، مثل عذاب الله في الشدة والهول، فيرتد عن الدين. مع أن مقتضى إيمانه أن يصبر ويتشجع ويتلقى ما يناله في الله بالرضا، يرى العذاب فيه عذوبة والمحنة منحة. فإن العاقبة للتقوى وسعادة الدارين لأهلها: ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين أي: من التلبيس والإخلاص. وهذه الآية كقوله تعالى: ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه إلى قوله: ذلك هو الضلال البعيد وكقوله سبحانه: الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين وقال تعالى: فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين
القول في تأويل قوله تعالى:

[11 - 13] وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين [ ص: 4741 ] وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون

وليعلمن الله الذين آمنوا أي: بإخلاصهم: وليعلمن المنافقين ثم بين تعالى حمل كفار قريش لمن آمن على الكفر بالاستمالة، بعد بيان حملهم لهم عليهم بالأذية، بقوله: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أي: إن كان ذلك خطيئة يؤاخذ عليها بالبعث، فتبعتها علينا وفي رقابنا.

قال ابن كثير : كما يقول القائل: افعل كذا وخطيئتك في رقبتي. قال الله تعالى تكذيبا لهم: وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وهي أوزار أنفسهم: وأثقالا مع أثقالهم أي: وأوزارا أخر مع أوزار أنفسهم. يعني أوزار الإضلال والحمل على الكفر والصد عن سبيل الله. كما قال تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم وفي الصحيح: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من آثامهم شيئا » : وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون أي: من الأكاذيب والأباطيل. ثم بين تعالى افتتان الأنبياء بأذية أممهم، إثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار، تأكيد الإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء، وحثا لهم على الصبر تأسيا بالأنبياء، فقال سبحانه:
[ ص: 4742 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[14 - 19] ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير

ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية أي: هذه الحادثة الهائلة موعظة: للعالمين وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا أي: كذبا، في تسميتها آلهة وشركاء لله، وشفعاء إليه: إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن [ ص: 4743 ] تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أي: التبليغ الذي يزيل كل لبس وما عليه أن يصدقه قومه: أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إرشاد إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه مع وضوح دليله، وذلك بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين. فالذي بدأ هذا، قادر على إعادته. فإنه سهل عليه، يسير لديه. فقوله تعالى: "ثم يعيده" عطف على "أولم يروا" لا على "يبدئ" لعدم وقوع الرؤية عليه. فهو إخبار بأنه تعالى يعيد الخلق قياسا على الابتداء. وقد جوز العطف على "يبدئ" بتأويل (الإبداء) بإبداء ما يشاهده، كالنبات وأوراق الأشجار وغيرهما. والإعادة بإنشائه تعالى كل سنة، مثل ما أنشأه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما. فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث وقوعه من غير ريب. فيصح حينئذ العطف.

قال الشهاب: لكنه غير ملاق لما وقع في غير هذه الآية.

قال: وبهذا التقرير سقط ما قيل: إن أريد بالرؤية العلم فكلاهما معلوم. وإن أريد الإبصار فهما غير مرئيين. مع أنه يجوز أن يجعل ما أخبر به الله تعالى لتحققه، كأنه مشاهد: إن ذلك أي: ما ذكره، وهو الإعادة: على الله يسير
القول في تأويل قوله تعالى:

[20 - 24] قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير [ ص: 4744 ] والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون

قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق أي: كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتى. فإن ترتيب النظر على السير في الأرض، مؤذي يتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة أي: الخلق الآخر: إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء أي: بعد النشأة الثانية، وهم المنكرون لها: ويرحم من يشاء وهم المؤمنون بها: وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء أي: بالتواري في الأرض، ولا بالتحصن في السماء التي هي أفسح منها، لو استطعتم الرقي فيها. أو القلاع الذاهبة فيها. فيكون المراد بالسماء ما ارتفع. وقيل: المعنى: ولا من في السماء، فحذف اسم الموصول وهو مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير: ولا من في السماء بمعجزه، والجملة معطوفة على جملة "أنتم بمعجزين" وفيه تكلف وضعف صناعي: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير أي: يدافع عنكم ما يراد بكم: والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ثم أشار تعالى إلى ما أجاب به قوم إبراهيم، بعد دعوته إياهم وعظاته البالغة، بقوله: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون
[ ص: 4745 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[25 - 29] وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين

وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا أي: لتتوادوا بينكم وتتواصلوا، لاجتماعكم على عبادتها: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا أي تتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع. كما قال تعالى: كلما دخلت أمة لعنت أختها وقال تعالى: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ومأواكم النار وما لكم من ناصرين

[ ص: 4746 ] تنبيه:

قال السمين: في (ما) من قوله تعالى: (إنما اتخذتم) ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها موصولة بمعنى (الذي) والعائد محذوف، وهو المفعول الأول و: "أوثانا" مفعول ثان. والخبر (مودة) في قراءة من رفع. والتقدير: إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة، أي: ذو مودة، أو جعل نفس المودة مبالغة. ومحذوف على قراءة من نصب مودة أي: الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم، أو يكون عليكم، لدلالة قوله: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض

والثاني: أن تجعل (ما) كافة، و(أوثانا) مفعول به. و(الاتخاذ) هاهنا متعد لواحد. أو لاثنين، والثاني هو "من دون الله" فمن رفع (مودة) كانت خبر مبتدأ مضمر، أي: هي مودة أي: ذات مودة. أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة لـ(أوثانا) أو مستأنفة. ومن نصب كان مفعولا له، أو بإضمار (أعني).

الثالث: أن تجعل (ما) مصدرية، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول. أي: أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة، فيمن رفع (مودة) ويجوز أن لا يقدر، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. ومن القراء من رفع (مودة) غير منونة وجر (بينكم) ومنهم من نصب مودة منونة ونصب بينكم ومنهم من نصب مودة منونة وجر بينكم. فالرفع تقدم. والنصب تقدم أيضا فيه وجهان. وجوز ثالث، وهو أن يجعل مفعولا ثانيا عن المبالغة والإضافة للاتساع في الظرف.

ونقل عن عاصم أنه رفع (مودة) غير منونة ونصب (بينكم) وخرجت على إضافة مودة للظرف. وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن.

وأشار العلامة القاشاني إلى جواز أن يكون قوله تعالى: "في الحياة الدنيا" خبرا لـ(ما) إن كانت اسمية. وهو وجه لم يتعرض له المعربون هنا، ولا مانع منه. وعبارته:

[ ص: 4747 ] إنما اتخذتم من دون الله شيئا عبدتموه مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا أو: إن كل ما اتخذتم من دون الله شيئا مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا، أو: إن كل ما اتخذتم أوثانا مودود في هذه الحياة الدنيا. أو لمودة بينكم في هذه، على القراءتين.

ثم قال: والمعنى أن المودة قسمان: مودة دنيوية، ومودة أخروية. والدنيوية منشؤها النفس، والأخروية منشؤها الروح. فكل ما يحب ويود من دون الله، لا لله ولا بمحبة الله، فهو محبوب بالمودة النفسية. وهو هوى زائل، كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات، فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج. فإذا انحل التركيب وانحرف المزاج، تلاشت وبقي التضاد والتعاند، بمقتضى الطبائع، لقوله تعالى: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض الآية. ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن.

وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية. وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء، لتناسب الصفات، وتجانس الذوات، لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب. فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة، بخلاف تلك. انتهى.

فآمن له أي: صدق إبراهيم فيما دعاه إليه: لوط وقال إني مهاجر أي: من أرض قومي: إلى ربي أي: لا إلى غيره بل إلى عبادته وإقامة شعائر دينه والقيام بدعوة الخلق إلى الحق من شرعه وتوحيده: إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له أي: لإبراهيم: إسحاق ويعقوب أي: ولدا ونافلة، بمباركة الذرية: وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا أي: بإيتاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملك إليه والثناء إلى آخر الدهر والصلاة عليه: وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة أي: الفعلة المتناهية في القبح: ما سبقكم بها من أحد من العالمين أي: لتحاشي الطباع عنها. ثم فصلها بعد الإجمال، لزيادة تنفير النفوس منها: أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل أي: سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث. [ ص: 4748 ] أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال: وتأتون في ناديكم المنكر أي: ما لا يليق من الأقوال والأفعال: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين
القول في تأويل قوله تعالى:

[30 - 33] قال رب انصرني على القوم المفسدين ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين

قال رب انصرني على القوم المفسدين أي: الذين يفسدون كل برهان عقلي ونقلي، وكل حكمة إلهية: ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى أي: بالبشارة بالولد والنافلة، وهم الملائكة. بعثوا لنصر لوط وتبشيره بهلاك قومه: قالوا أي: لإبراهيم عليه السلام: إنا مهلكو أهل هذه القرية أي: قرية سدوم: إن أهلها كانوا ظالمين أي: بتنزيلهم الرجال منزلة النساء، وقطع السبل، وفعل المنكر وترك المعروف: قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين أي: الباقين في العذاب أو القرية: ولما أن جاءت رسلنا أي: المذكورون بعد مفارقتهم لإبراهيم عليه السلام: لوطا سيء بهم أي: اعترته المساءة بسببهم مخافة أن يقصدوهم: وضاق بهم [ ص: 4749 ] ذرعا أي: ضاق بشأن ذرعه، أي: طاقته: وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك أي: مما يصيبهم من العذاب: إلا امرأتك كانت من الغابرين
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.17%)]