عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-12-2024, 06:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,369
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الرُّومِ
المجلد الثالث عشر
صـ 4760 الى صـ 4770
الحلقة (491)





[ ص: 4760 ] وقد روى الإمام أحمد عن الزبير : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « البلاد بلاد الله والعباد عباد الله. فحيثما أصبت خيرا فأقم » . ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك فوجدوا خير نزل بها، عند ملكها النجاشي رحمه الله. ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة المنورة، عملا بالآية الكريمة. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

[57 - 61] كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون

كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون تحريض على العبادة وإخلاص الدين بتذكير الموت والرجعى. أو تسلية للمهاجر إلى الله، وتشجيع له، بأن لا يثبطه عن هجرته خوف الموت بسببها. فلا المقام بأرضه يدفعه، ولا هجرته عنه تمنعه. وفيه استعارة بديعة لتشبيه [ ص: 4761 ] الموت بأمر كريه الطعم، مره: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا أي: على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب: وعلى ربهم يتوكلون ثم أشار تعالى إلى كفالته لمن هاجر إليه، من الفقر والضيعة، بقوله سبحانه: وكأين أي: وكم: من دابة لا تحمل رزقها أي: لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله: الله يرزقها وإياكم أي: يقيض لها رزقها على ضعفها، ويرزقكم مع قوتكم واجتهادكم. فهو الميسر والمسهل لكل مخلوق من رزقه ما يصلحه. فلا يختص رزقه ببقعة دون أخرى، بل خيره عام وفضله شامل لخلقه، حيث كانوا وأنى وجدوا. وقد ظهر مصداق كفالته تعالى لأولئك المهاجرين، بما وسع عليهم وبسط لهم من طيب الرزق ورغد العيش وسيادة البلاد في سائر الأمصار. وهذا معنى ما ورد مرفوعا: « سافروا تصحوا وتغنموا» رواه البيهقي : وهو السميع العليم ولئن سألتهم يعني هؤلاء المشركين الذين يعبدون معه غيره: من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله أي: اعترافا بأنه المنفرد بخلقها: فأنى يؤفكون أي: فكيف مع هذا الاعتراف يصرفون عن عبادته وحده، ويشركون به ما لا يضر ولا ينفع. وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعرفون بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى:

[62 - 64] الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نـزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون

[ ص: 4762 ] الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم أي: فيفعل بعلمه، ما تقتضيه حكمته ولئن سألتهم من نـزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله أي: على أن جعل الحق بحيث لا يجترئ المبطلون على جحوده. وأنه أظهر حجتك عليهم. والمعنى: احمد الله عن جوابهم المذكور على إلزامهم وظهور نعم لا تحصى: بل أكثرهم لا يعقلون أي: فلذلك يتناقضون حيث ينسبون النعمة إليهم، ويعبدون غيره. وقوله: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب إشارة إلى ازدراء الدنيا وتحقير شأنها، وكونها في سرعة زوالها، وتقضي أمرها، كما يلهى ويلعب به الصبيان، ثم يتفرقون عنه. ولا ثمرة إلا التعب. ففي الحصر تشبيه بليغ: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان أي: دار الحياة الخالدة. ففيه مضاف مقدر. و(الحيوان) مصدر سمي به ذو الحياة، في غير هذا المحل. وإيثاره على (الحياة) لما فيه من المبالغة. لأن (فعلان) بالفتح في المصادر الدالة على الحركة: لو كانوا يعلمون أي: لم يؤثروا عليها الدنيا التي حياتها عارضة. وهذا جواب الشرط المقدر. لعلمه من السياق. وكونها للتمني بعيد.
القول في تأويل قوله تعالى:

[65 - 67] فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون .

فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين أي: الدعاء. لعلمهم أنه لا ينجيهم من الغرق سواه: فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم أي: من [ ص: 4763 ] نعمة النجاة وربح التجارة: فسوف يعلمون أي: عاقبة ذلك حين يعاقبون: أولم يروا أي أهل مكة: أنا جعلنا حرما آمنا أي: لا يغزى أهله، ولا يغار عليهم، مع قلتهم وكثرة العرب: ويتخطف الناس من حولهم أي: يختلسون قتلا ونهبا وسبيا: أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون أي: أفبعد هذه النعمة الظاهرة وغيرها من النعم، التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، يكفرون خيره، ويشركون معه غيره.
القول في تأويل قوله تعالى:

[68 - 69] ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين

ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا بأن زعم أن له شريكا: أو كذب بالحق لما جاءه يعني الرسول أو الكتاب: أليس في جهنم مثوى للكافرين أي: موضع إقامة، جزاء افترائهم وكفرهم. بلى: والذين جاهدوا فينا أي: جاهدوا النفس والشيطان والهوى وأعداء الدين، من أجلنا ولوجهنا: لنهدينهم سبلنا أي: سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا. وذلك بالطاعات والمجاهدات: وإن الله لمع المحسنين أي: أعمالهم بالنصر والمعونة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

30- سُورَةُ الرُّومِ

قال المهايمي: سميت بها لاشتمال قصتها على معجزة تفيد للمؤمنين فرحا عظيما، بعد ترح يسير. فتبطل شماتة أعدائهم. وتدل على أن عاقبة الأمر لهم. وهذا من أعظم مقاصد القرآن.

وهي مكية. وآيها ستون آية.

[ ص: 4765 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى:

[1 - 6] الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون

غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على أن ملك فارس كان غزا بلاد الشام، وفتح دمشق، وبيت المقدس، الأولى سنة 613، والثانية سنة 614; أي: قبل الهجرة النبوية بسبع سنين -فحدث أن بلغ الخبر مكة، ففرح المشركون، وشمتوا بالمسلمين، وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس وثنيون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرن عليكم، فنزلت الآية، فتليت على المشركين، فأحال وقوع ذلك بعضهم، وتراهن مع الصديق رضي الله عنه على مائة قلوص، إن وقع مصداقها، فلم يمض من البضع -وهو ما بين الثلاث إلى التسع- سبع سنين إلا وقد نظم هرقل جنود الروم وغزا بهم بلاد فارس سنة 621; أي: قبل الهجرة بسنة، فدوخها، واضطر ملكها للهرب، وعاد هرقل بالغنائم الوافرة.

ولا ريب أن ذلك أعظم معجزات القرآن; أعني إخباره عن غيب وقع مصداقه، [ ص: 4766 ] واستبان للجاحدين من نوره إشراقه، وفي ضمنه أن سائر غيوبه كذلك من ظهور الإسلام على الدين كله، وزهوق الباطل، وعلو الحق، وجعل المستضعفين أئمة، وإيراثهم أرض عدوهم، إلى غير ذلك.

وما ألطف ما قال الزبير الكلائي: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة -من أواخر غلبة فارس إلى أوائل غلبة المسلمين- والأرض، (كما قال الزمخشري ): أرض العرب; لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم. والمعنى: غلبوا في أدنى أرض العرب أي: أقربها منهم، وهي أطراف الشام: لله الأمر من قبل أي: من قبل غلبة فارس على الروم: ومن بعد أي: من بعد غلبة الروم على فارس. ويقال: لله العلم والقدرة والمشيئة من قبل إبداء الخلق، ومن بعد إفناء الخلق، والمعنى: أن كلا من كونهم مغلوبين أولا، وغالبين آخرا، ليس إلا بأمره وقضائه، وعلمه ومشيئته، كما قال تعالى: وتلك الأيام نداولها بين الناس

ويومئذ أي: يوم إذ يغلب الروم على فارس، ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم يفرح المؤمنون بنصر الله أي: تغليبه من له كتاب على من لا كتاب له، وغيظ من شمت بهم من كفار مكة. ويقال: نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين: ينصر من يشاء أي: من عباده على عدوه: وهو العزيز أي: القاهر الغالب على أمره، لا يعجزه من شاء نصره: الرحيم أي: من نصره وتغليبه من يشاء: وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي: بحكمته تعالى، في كونه وأفعاله المحكمة، الجارية على وفق العدل، لجهلهم وعدم تفكرهم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[7 - 8] يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [ ص: 4767 ] أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون

يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهو ما يوافق شهواتهم وأهواءهم: وهم عن الآخرة أي: التي هي المطلب الأعلى: هم غافلون أي: لا يخطرونها ببالهم، فهم جاهلون بها تاركون لعملها.

لطائف:

قال الزمخشري : قوله تعالى: يعلمون بدل من قوله: لا يعلمون وفي هذا الإبدال من النكتة، أنه أبدل منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله: ظاهرا يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة، والأعمال الصالحة. انتهى.

وناقش الكرخي في إبدال: "يعلمون" قال: إن الصناعة لا تساعد عليه; لأن بدل فعل مثبت من فعل منفي يصح. واستظهر قول الحرفي; أن: "يعلمون" استئناف في المعنى. وأشار الناصر إلى جوابه بأن في تنكير: "ظاهرا" تقليلا لمعلومهم. وتقليله يقربه من النفي، فيطابق المبدل منه.

أقول: التقليل هو الوحدة المشار لها بقول الزمخشري : وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا، من جملة الظواهر.

أما قول أبي السعود: وتنكير: "ظاهرا" للتحقير والتخسيس دون الوحدة كما توهم. فغفلة عن مشاركتها للتعليل الذي به يطابق البدل المبدل منه. فافهم.

ثم أنكر عليهم قصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا، مع الغفلة عن الآخرة بقوله: أولم يتفكروا في أنفسهم أي: يحدثوا التفكر في أنفسهم، الفارغة من الفكر [ ص: 4768 ] والتفكر. فالمجرور ظرف للتفكر، ذكره لزيادة التصوير; إذ الفكر لا يكون إلا في النفس، والتفكر لا متعلق له; لتنزيله منزلة اللازم. وجوز كون المجرور مفعول: "يتفكروا" لأنه يتعدى بـ في أي: أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم. فالمعنى حثهم على النظر في ذواتهم وما اشتملت عليه من بديع الصنع، وقوله تعالى: ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق متعلق بقول أو علم، يدل عليه السياق; أي: ألم يتفكروا فيقولوا أو فيعلموا.

وقال السمين: (ما) نافية، وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما -أنها مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها. والثاني- أنها معلقة للتفكر. فيكون في محل نصب على إسقاط الخافض. انتهى. والباء في قوله: "بالحق" للملابسة; أي: ما خلقها باطلا ولا عبثا بغير حكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة، وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحق: وأجل مسمى أي: وبتقدير أجل مسمى، لا بد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة، ووقت الحساب، والثواب، والعقاب. ولذا عطف عليه قوله: وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون
القول في تأويل قوله تعالى:

[9 - 12] أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون [ ص: 4769 ] ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون

أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض أي قلبوها للزراعة، واستخراج المعادن، وغيرهما، مما كانوا أرقى فيه من أهل مكة: وعمروها أكثر مما عمروها أي: بالأبنية المشيدة، والصناعات الفريدة، ووفرة العدد والعدد، وتنظيم الجيوش، والتزين بزخارف أعجبوا بها، واستطالوا بأبهتها، ففسدت ملكاتهم، وطغت شهواتهم، حتى اقتضت حكمته تعالى إنذارهم بأنبيائهم، كما قال: وجاءتهم رسلهم بالبينات أي: الآيات الواضحات على حقيقة ما يدعونهم إليه: فما كان الله ليظلمهم أي: فكذبوهم فأهلكهم، فما كان الله ليهلكهم من غير جرم منهم: ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساءوا أي: عملوا السيئات: السوأى أي: العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة، وهي جهنم، و: "السوأى" تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح، كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ثم علل سوء عاقبتهم بقوله تعالى: أن أي: لأن: كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق أي: ينشئهم: ثم يعيده أي: بعد الموت بالبعث: ثم إليه ترجعون أي: إلى موقف الحساب والجزاء: ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون أي: يسكتون متحيرين يائسين. يقال أبلس، إذا سكت وانقطعت حجته.
القول في تأويل قوله تعالى:

[13 - 18] ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ ص: 4770 ] فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون

ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء أي: يجيرونهم من عذاب الله، كما كانوا يزعمون: وكانوا بشركائهم كافرين أي: بإلهيتهم وشركتهم لله تعالى، حيث وقفوا على كنه أمرهم: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون أي: يتميز المؤمنون والكافرون في المحال والأحوال: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون أي: يسرون: وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون أي: لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون لما ذكر الوعد والوعيد، تأثره بما هو وسيلة للفوز والنجاة، من تنزيهه تعالى عما لا يليق به، والثناء عليه بصفاته الجميلة، وأداء حق العبودية، و(الفاء) للتقريع فكأنه قيل: إذا صح واتضح عاقبة المطيعين والعاصين، فقولوا: نسبح سبحان إلخ. والمعنى فسبحوه تسبيحا دائما. و(سبحان): خبر في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى وحمده; أي: الثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتتجدد فيها نعمته.

وقوله تعالى: وعشيا معطوف على: حين وتقديمه على: "حين تظهرون" لمراعاة الفواصل، وقوله: وله الحمد معترض بينهما. والمراد بثبوت حمده فيهما، استحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهلها. قال أبو السعود: والإخبار بثبوت الحمد له، ووجوبه على المميزين من أهل السماوات والأرض، في معنى الأمر به على أبلغ وجه وآكده، وتوسيطه بين أوقات التسبيح، للاعتناء بشأنه، والإشعار بأن حقهما أن يجمع بينهما، كما ينبئ عنه قوله تعالى: ونحن نسبح بحمدك وقوله تعالى: فسبح بحمد ربك وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس:

تمسون صلاة المغرب والعشاء. و: تصبحون [ ص: 4771 ] صلاة الفجر. و: "عشيا" صلاة العصر. و: تظهرون صلاة الظهر. فإن قيل: لم غير الأسلوب في: "عشيا"؟ أجيب، (كما قال أبو السعود): بأن تغير الأسلوب لما أنه لا يجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي، كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السر في ذلك أنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس، وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا; لوصفهم بالخروج عما قبلها، والدخول فيها، كالأوقات المذكورة. فإن كلا منها وقت تتغير فيه الأحوال تغيرا ظاهرا، أما في المساء والصباح فظاهر، وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعتاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة، كما مر في سورة النور. انتهى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]