عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 30-12-2024, 06:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ لُقْمَانَ
المجلد الثالث عشر
صـ 4782 الى صـ 4792
الحلقة (493)





وما آتيتم من ربا أي: مال ترابون فيه: ليربو في أموال الناس أي: ليزيد في أموالهم; إذ تأخذون فيه أكثر منه: فلا يربو عند الله أي: لا يزكو ولا ينمو [ ص: 4782 ] ولا يبارك فيه، بل يمحقه محق ما لا عاقبة له عنده إلا الوبال والنكال، وذكر في تفسيرها معنى آخر، وهو أن يهب الرجل للرجل، أو يهدي له ليعوضه أكثر مما وهب أو أهدى. فليست تلك الزيادة بحرام، وتسميتها ربا مجاز; لأنها سبب الزيادة.

قال ابن كثير : وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك ، واستدل بقوله تعالى: ولا تمنن تستكثر أي: لا تعط العطاء، تريد أكثر منه. وقال ابن عباس : الربا رباءان، فربا لا يصح، يعني ربا البيع، وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل، يريد فضلها وإضعافها. انتهى.

وأقول: في ذلك كله نظر من وجوه:

الأول- أن هذه الآية شبيهة بآية: يمحق الله الربا ويربي الصدقات وهي في ربا البيع الذي كان فاشيا في أهل مكة حتى صار ملكة راسخة فيهم، امتصوا بها ثروة كثير من البؤساء، مما خرج عن طور الرحمة والشفقة والكمال البشري. فنعى عليهم حالهم، طلبا لتزكيتهم بتوبتهم منه، ثم أكد ذلك في مثل هذه الآية; مبالغة في الزجر.

الثاني- أن الربا، على ما ذكر، مجاز، والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا لصارف يرشد إليه دليل الشرع، أو العقل، ولا واحد منهما هنا; إذ لا موجب له.

الثالث- دعوى أن الهبة المذكورة مباحة، لا بأس بها بعد كونها هي المرادة من الآية بعيدة غاية البعد; لأن في أسلوبها من الترهيب والتحذير ما يجعلها في مصاف المحرمات، ودلالة الأسلوب من أدلة التنزيل القوية، كما تقرر في موضعه.

الرابع- زعم أن المنهي عنه هو الحضرة النبوية خاصة، لا دليل عليه إلا ظاهر الخطاب، وليس قاطعا; لأن اختصاص الخطاب لا يوجب اختصاص الحكم على التحقيق، لا يقال الأصل وجوب [ ص: 4783 ] حمل اللفظ على حقيقته، وحمله على المجاز لا يكون إلا بدليل، وكذا ما يقال إن ثبوت الحكم في غير محل الخطاب يفتقر إلى دليل- لأنا نقول: الأصل في التشريعات العموم، إلا ما قام الدليل القاطع على التخصيص بالتنصيص، وليس منه شيء هنا. وقد عهد في التنزيل تخصيص مراد به التعميم إجماعا، كآية: يا أيها النبي اتق الله وأمثالها.

الخامس- أن في هذا المنهي عنه من إصعاد المرء إلى ذروة المحسنين الأعفاء، الذين لا يتبعون قلوبهم نفقتهم، ما يبين أنه شامل لسائرهم، لما فيه من تربية إرادتهم وتهذيب أخلاقهم. بل لو قيل إن الخطاب له صلوات الله عليه، والمراد غيره، كما قالوه في كثير من الآي- لم يبعد; لما تقرر من عصمته ونزاهته عن هذا الخلق، في سيرته الزكية، وحينئذ فالوجه في الآية هو الأول، وعليه المعول. والله أعلم: وما آتيتم من زكاة أي: مال تتزكون به من رجس الشح، ودنس البخل: تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون أي: ذوو الأضعاف من الثواب، جمع (مضعف)، اسم فاعل (من أضعف)، إذا صار ذا ضعف -(بكسر فسكون)- بأن يضاف له ثواب ما أعطاه، (كأقوى وأيسر)، إذا صار ذا قوة ويسار. فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة ما أنفقوا، على أنه (من أضعف) والهمزة للتعدية، ومفعوله محذوف، وهو ما ذكر.
القول في تأويل قوله تعالى:

[40] الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون

الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون قال القاضي: أثبت له [ ص: 4784 ] تعالى لوازم الألوهية، ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها، مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان، ووقع عليه الوفاق، ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى:

[41 - 43] ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون

ظهر الفساد في البر والبحر أي: كثرة المضار والمعاصي على وجه الأرض، وعلى ظهر السفن في لجج البحر: بما كسبت أيدي الناس أي: من الآثام والموبقات، ففشا الفساد، وانتشرت عدواه وتوارثه جيل عن جيل أينما حلوا وحيثما ساروا: ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون اللام للعاقبة، أي: ظهور الشرور بسببهم، مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم، إرادة الرجوع. وقيل اللام للعلة، على معنى أن ظهور الجدب والقحط والغرق بسبب شؤم معاصيهم، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا، وقبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه، كقوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم

قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان [ ص: 4785 ] أكثرهم مشركين أي: فأذاقهم سبحانه سوء العاقبة، لشركهم المستتبع لكل إثم وعصيان: فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له أي: لا يقدر أحد على رده، وقوله: من الله متعلق بـ: "يأتي" أو بـ: "مرد"; لأنه مصدر على معنى لا يرده تعالى، لتعلق إرادته بمجيئه، وفيه انتقاء رد غيره بطريق برهاني. وقيل عليه، لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف. وأجيب بأن الشبيه بالمضاف قد يحمل في ترك تنوينه، كما في الحديث « لا مانع لما أعطيت » : يومئذ يصدعون أي: يتفرقون كالفراش المبثوث، أو فريق في الجنة، وفريق في السعير، كقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون
القول في تأويل قوله تعالى:

[44 - 45] من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين .

من كفر فعليه كفره أي: وبال كفره. قال الزمخشري : كلمة جامعة، لما لا غاية وراءه من المضار; لأن من كان ضاره كفره، فقد أحاطت به كل مضرة: ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون أي: يسوون منزلا في الجنة، أي: يوطئونه توطئة الفراش لمن يريد الراحة عليه: ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين
القول في تأويل قوله تعالى:

[46 - 47] ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين

[ ص: 4786 ] ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات أي: بالمطر: وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره أي: في البحر عند هبوبها: ولتبتغوا من فضله أي: بتجارة البحر: ولعلكم تشكرون أي: ولتشكروا نعمة الله فيما ذكر.

ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين هذه تسلية له صلى الله عليه وسلم بمن قبله على وجه يتضمن الوعد له، والوعيد لمن عصاه.

قال الزمخشري : في قوله تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين تعظيم للمؤمنين، ورفع من شأنهم، وتأهيل لكرامة سنية، وإظهار لفضل سابقة ومزية، حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم، مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[48 - 50] الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينـزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير .

الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء إما سائرا وواقفا، مطبقا وغير مطبق، من جانب دون جانب، إلى غير ذلك: ويجعله كسفا أي: قطعا تارة أخرى: فترى الودق أي: المطر: يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينـزل عليهم أي: المطر: [ ص: 4787 ] من قبله لمبلسين أي: لآيسين. قال الزمخشري : من قبله، من باب التكرير والتوكيد، كقوله تعالى: فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ومعنى التوكيد فيه، الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك. انتهى.

وعكسه ابن عطية رحمه الله فقال: إنه يدل على سرعة تقلب القلوب البشرية، من الإبلاس إلى الاستبشار.

قال الشهاب: وما ذكره ابن عطية أقرب; لأن المتبادر من القبلية الاتصال، وتأكيده دال على شدة اتصاله: فانظر إلى آثار رحمت الله أي: أثر الغيث من النبات والأشجار والحبوب والثمار: كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك أي: العظيم الشأن الذي ذكر بعض شؤونه: لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير
القول في تأويل قوله تعالى:

[51 - 53] ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون

ولئن أرسلنا ريحا على الزرع: فرأوه مصفرا أي: من تأثيرها فيه: لظلوا من بعده يكفرون أي: من بعد اصفراره يجحدون ما تقدم إليهم من النعم، أو يقنطون ولا يصبرون على بلائه، وفيه من ذمهم، وعدم تدبرهم، وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم، وسوء رأيهم- ما لا يخفى.

[ ص: 4788 ] ثم أشار تعالى إلى أن من أنكر قدرته على إحياء الزرع بعد اصفراره، وقد رأى قدرته على إحياء الأرض بعد موتها، فهو ميت لا يمكن إسماعه خبر إحياء الموتى، بقوله سبحانه: فإنك لا تسمع الموتى أي: لما أن هؤلاء مثلهم، لانسداد مشاعرهم عن الحق: ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين قال أبو السعود: تقييد الحكم بما ذكر، لبيان كمال سوء حال الكفرة، والتنبيه على أنهم جامعون لخصلتي السوء، نبو أسماعهم عن الحق، وإعراضهم عن الإصغاء إليه، ولو كان فيهم إحداهما، لكفاهم ذلك، فكيف وقد جمعوهما؟ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع أي: ما تسمع: إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون أي: منقادون لما تأمرهم به من الحق.

تنبيه:

قال ابن كثير : وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية: فإنك لا تسمع الموتى على توهيم عبد الله بن عمر في رواية مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر، بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم، حتى قال له عمر : يا رسول الله! ما تخاطب من قوم قد جيفوا؟ فقال: « والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول، منهم، ولكن لا يجيبون» . وتأولته عائشة على أنه قال: إنهم الآن يعلمون أن ما كنت أقول لهم حق.

وقال قتادة : أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته، تقريعا وتوبيخا ونقمة.

ثم قال ابن كثير : والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر ، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا: « ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام » . انتهى.

وقال ابن الهمام: أكثر مشايخنا على أن الميت لا يسمع استدلالا بهذه الآية ونحوها، [ ص: 4789 ] ولذا لم يقولوا: بتلقين القبر، وقالوا: لو حلف لا يكلم فلانا، فكلمه ميتا لا يحنث. وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب « ما أنتم بأسمع منهم » وأجيب تارة بأنه روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرته، وأخرى بأنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم معجزة له، أو أنه تمثيل، كما روي عن علي كرم الله وجهه ، وأورد عليه ما في مسلم من أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا. إلا أن يخص بأول الوضع في القبر، مقدمة للسؤال، جمعا بينه وبين ما في القرآن. نقله الشهاب.
القول في تأويل قوله تعالى:

[54 - 55] الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون .

الله الذي خلقكم من ضعف قرئ بفتح الضاد وضمها; أي: من أصل ضعيف هو النطفة: ثم جعل من بعد ضعف يعني حال الطفولة والنشء: قوة يعني حال البلوغ والشبيبة إلى الاكتهال وبلوغ الأشد: ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة أي: بالشيخوخة والهرم: يخلق ما يشاء أي: من الأشياء، ومنها هذه الأطوار التي يتقلب بها الإنسان: وهو العليم القدير أي: الواسع العلم والقدرة، كيف؟ وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير من صفة إلى صفة، أظهر دليل على علم الصانع سبحانه وقدرته، المستتبع انفراده بالألوهية: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة أي: في الدنيا أو القبور، وإنما يقدرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له، أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون: كذلك كانوا يؤفكون أي: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا، وهكذا كانوا يبتون أمرهم على خلاف الحق. كذا في (الكشاف).

[ ص: 4790 ] وقال ابن كثير : يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا، ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. انتهى.

وقال الشهاب: المراد من قوله: كذلك كانوا يؤفكون تشابه حاليهم في الكذب، وعدم الرجوع إلى مقتضى العلم; لأن مدار أمرهم على الجهل والباطل، والغرض من سوق الآية، وصف المجرمين بالتمادي في الباطل، والكذب الذي ألفوه. انتهى.

وقيل: كان قسمهم استقلالا لأجل الدنيا، لما عاينوا الآخرة، تأسفا على ما أضاعوا في الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى:

[56 - 57] وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون .

وقال الذين أوتوا العلم والإيمان ردا لما حلفوا عليه، وإطلاعا لهم على الحقيقة: لقد لبثتم في كتاب الله أي: فيما كتبه الله وأوجبه بحكمته: إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون أي أنه حق، لتفريطكم في طلب الحق واتباعه: فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا أي: بالشرك، أو إنكار الربوبية، أو الرسالة، أو شيء لا يجب الإيمان به: معذرتهم أي: بأنهم كفروا عن جهل; لأنه إنما كان عن تقصيرهم في إزالته، أو عن عناد: ولا هم يستعتبون أي: ولا يطلب منهم الإعتاب; أي: إزالة [ ص: 4791 ] العتب بالتوبة والطاعة; لأنهما -وإن كانتا ماحيتين للكفر والمعاصي- فإنما كان لهما ذلك في مدة الحياة الدنيا، لا غير.
القول في تأويل قوله تعالى:

[58 - 60] ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي: من كل وصف يوضح الحق ويزيل اللبس، أو من كل دليل على الأمور الأخروية، والحق يجري مجرى المثل في الظهور: ولئن جئتهم بآية أي: مما اقترحوه أو غيرها: ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون أي: لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل: كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون أي: لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق، بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها; فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق، ويوجب تكذيب المحق. قاله أبو السعود.

فاصبر أي: على ما تشاهد منهم، من الأقوال الباطلة، والأفعال السيئة: إن وعد الله حق أي: في قوله: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ولا يستخفنك أي: لا يحملنك على الخفة والقلق: الذين لا يوقنون أي: بما تتلو عليهم من الآيات البينة، بتكذيبهم إياها ومكرهم فيها; فإنه تعالى منجز لك ما وعدك من نصرك عليهم، وجعله العاقبة لك، ولمن اعتصم بما جئت به من المؤمنين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

31- سُورَةُ لُقْمَانَ


سميت به لاشتمالها على قصته التي تضمنت فضيلة الحكمة وسر معرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك والأمر بالأخلاق والأفعال الحميدة. والنهي عن الذميمة.

وهي معظمات مقاصد القرآن. قاله المهايمي. وهي مكية. ويقال: إلا قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة الآيتين. وآياتها أربع وثلاثون آية. وسيأتي الكلام على لقمان والخلاف فيه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]