عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 30-12-2024, 08:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ السَّجْدَةِ
المجلد الثالث عشر
صـ 4804 الى صـ 4814
الحلقة (495)



القول في تأويل قوله تعالى:

[20_21] ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير [ ص: 4804 ] وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنـزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير

ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض أي: من النجوم والشمس والقمر، التي ينتفعون من ضيائها، وما تؤثره في الحيوان، والنبات، والجماد بقدرته تعالى، وكذا من الأمطار والسحب والكوائن العلوية التي خلقها تعالى لنفع من سخرت له، وكذا ما أوجد في الأرض من قرار وأشجار وأنهار وزروع وثمار، ليستعملها من سخرت له فيما فيه حياته، وراحته، وسعادته: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة أي: محسوسة ومعقولة، كإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وإزاحة الشبه والعلل: ومن الناس يعني الجاحدين نعمته تعالى: من يجادل في الله أي: في توحيده وإرساله الرسل: بغير علم أي: برهان قاطع مستفاد من عقل: ولا هدى أي: دليل مأثور عن نبي: ولا كتاب منير أي: منزل من لدنه تعالى، بل لمجرد التقليد. والمنير: بمعنى المنقذ من ظلمة الجهل والضلال.

وإذا قيل لهم أي: لمن يجادل، والجمع باعتبار المعنى: اتبعوا ما أنـزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير أي: يدعو آباءهم إلى اعتقادات وأعمال، هي أسباب العذاب، كأنه يدعوهم إلى عين العذاب. فهم متوجهون إليه حسب دعوته، ومن كان كذلك فأنى يتبع.
القول في تأويل قوله تعالى:

[22 - 29] ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور [ ص: 4805 ] نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير

ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن أي: في أعماله: فقد استمسك بالعروة الوثقى أي: تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب، وهو تمثيل لحال المؤمن المخلص المحسن، بحال من أراد رقي شاهق، فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه: وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا أي: من الأعمال الظاهرة والباطنة: إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله أي: على أن جعل دلائل التوحيد بحيث لا يكاد ينكرها المكابرون أيضا: بل أكثرهم لا يعلمون أي: شيئا ما; فلذلك لا يعملون بمقتضى اعترافهم.

لله ما في السماوات والأرض أي: فلا يستحق العبادة فيهما غيره: إن الله هو الغني أي: عن العالمين، وهم فقراء إليه جميعا: الحميد أي: المحمود فيما خلق وشرع، بلسان الحال والمقال: ولو أنما [ ص: 4806 ] في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده أي: من بعد نفاده: سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله أي: التي أوجد بها الكائنات، وسيوجد بها ما لا غاية لحصره ومنتهاه، والسبعة إنما ذكرت على سبيل المبالغة لا الحصر: إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أي: إلا كخلقها وبعثها في سهولته: إن الله سميع بصير ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى أي: أمد قدره الله تعالى لجريهما، وهو يوم القيامة: وأن الله بما تعملون خبير أي: لأن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق، والتدبير الفائق، لا يكاد يغفل عن كون صانعه عز وجل محيطا بما يأتي ويذر.
القول في تأويل قوله تعالى:

[30 - 32] ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور

ذلك إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم، وشمول القدرة، وعجائب الصنع، واختصاص البارئ بها: بأن الله هو الحق أي: بسبب أنه الحق، وجوده وإلهيته: وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله أي: بإحسانه في تهيئة أسبابه: ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل [ ص: 4807 ] صبار أي: عظيم الصبر على البأساء والضراء: شكور أي: كثير الشكر للنعم، بالقيام بحقها: وإذا غشيهم أي: علاهم وأحاط بهم: موج كالظلل أي: كالسحب والحجب: دعوا الله مخلصين له الدين أي: التجأوا إليه تعالى وحده، لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد، بما دهاهم من الضر: فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد قال ابن كثير : قال مجاهد : أي: كافر، كأنه فسر (المقتصد) ههنا بالجاحد كما قال تعالى: فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون وقال ابن زيد : هو المتوسط في العمل، وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله تعالى: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد الآية، فالمقتصد ههنا هو المتوسط في العمل. ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر، ثم من بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك، كان مقصرا والحالة هذه، والله أعلم. انتهى.

وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار أي: غدار، ناقض للعهد الفطري، ولعقد العزيمة وقت الهول البحري: كفور أي: مبالغ في كفران نعمه تعالى، لا يقضي حقوقها، ولا يستعملها في محابه.
القول في تأويل قوله تعالى:

[33] يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور

يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا أي: ليس بمغن أحدهما عن الآخر شيئا، لانقطاع الوصل في [ ص: 4808 ] ذلك اليوم الرهيب. قال أبو السعود: وتغيير النظم -في الثانية- للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزى، وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة: إن وعد الله حق أي بالثواب والعقاب، لا يمكن إخلافه: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور أي: الشيطان.
القول في تأويل قوله تعالى:

[34] إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير

إن الله عنده علم الساعة أي: علم وقت قيامها: وينـزل الغيث أي: في وقته الذي قدره، وإلى محله الذي عينه في علمه: ويعلم ما في الأرحام أي: من ذكر أو أنثى، سعيد أو شقي: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا أي: من خير أو شر: وما تدري نفس بأي أرض تموت أي: في بلدها أو غيره; لاستئثار الله تعالى بعلم ذلك، وقد جاء الخبر بتسمية هذه الخمس: مفاتح الغيب: إن الله عليم خبير أي: بما كان ويكون، وبظواهر الأشياء وبواطنها، لا إله إلا هو.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

32- سُورَةُ السَّجْدَةِ


سميت بها، لأن آية السجدة منها، تدل على أن آيات القرآن من العظمة بحيث تخر وجوه الكل، لسماع مواعظها، وتنزه منزلها عن أن يعارض في كلامه. وبشكره على كمال هدايته. وهذا أعظم مقاصد القرآن. أفاده المهايمي. وهي مكية، وآيها ثلاثون.

روى البخاري في (كتاب الجمعة) عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر، يوم الجمعة الم تنـزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان.

ورواه مسلم أيضا.

وروى الإمام أحمد عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الم تنـزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك.

قال ابن كثير : تفرد به أحمد رحمه الله تعالى.

[ ص: 4810 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى:

[1 - 3] الم تنـزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون

الم تقدم أن هذه الفواتح أسماء للسور: تنـزيل الكتاب لا ريب فيه أي: في كونه منزلا: من رب العالمين أم يقولون افتراه أي: اختلقه من تلقاء نفسه: بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون أي: يتبعون الحق.

وذلك أن قريشا لم يبعث إليهم رسول قبله صلى الله عليه وسلم، فلطف تعالى بهم وبعث فيهم رسولا منهم صلى الله عليه وسلم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[4 - 5] الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون

الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على [ ص: 4811 ] العرش تقدم الكلام في ذلك: ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أي: ما لكم عنده ناصر ولا شفيع من الخلق: أفلا تتذكرون أي: تتعظون بالقرآن فتؤمنوا: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض أي: يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية، من الملائكة وغيرها، نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض: ثم يعرج إليه أي: يصعد إليه، أي: مع الملك للعرض عليه: في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون أي: مقدار صعوده على غير الملك، ألف سنة من سني الدنيا.

قال ابن كثير : أي: يتنزل من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرضين، كما قال تعالى: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنـزل الأمر بينهن الآية. وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق السماء. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى:

[6 - 9] ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون

ذلك أي: المدبر: عالم الغيب أي: ما غاب عن العباد، وما يكون: والشهادة أي: ما علمه العباد، وما كان: العزيز أي: الغالب على أمره: الرحيم أي: بالعباد في تدبره: الذي أحسن كل شيء خلقه أي: أحكم خلق كل شيء; لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة: وبدأ خلق الإنسان يعني آدم: من طين ثم جعل [ ص: 4812 ] نسله أي: ذريته: من سلالة أي: من نطفة: من ماء مهين أي: ضعيف ممتهن، والسلالة الخلاصة، وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية: ثم سواه أي: قومه في بطن أمه: ونفخ فيه من روحه أي: جعل الروح فيه، وأضافه إلى نفسه تشريفا له: وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة أي: خلق لكم هذه المشاعر، لتدركوا بها الحق والهدى: قليلا ما تشكرون أي: بأن تصرفوها إلى ما خلقت له.
القول في تأويل قوله تعالى:

[10 - 12] وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون

وقالوا أي: كفار مكة: أإذا ضللنا في الأرض أي: صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها: أإنا لفي خلق جديد أي: نجدد بعد الموت: بل هم بلقاء ربهم أي: بالبعث بعد الموت للجزاء والحساب: كافرون أي: جاحدون.

قال أبو السعود: إضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث، إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه، وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة، وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعا: قل أي: بيانا للحق، وردا على زعمهم الباطل: يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم أي: يقبض أرواحكم: ثم إلى ربكم ترجعون أي: بالبعث للحساب والجزاء.

فائدة:

قال ابن أبي الحديد في (شــــرح نهج البـــلاغة) في هذه الآية: مذهب جمهور أصحابنا [ ص: 4813 ] أن الروح جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية، ينفذ في العروق، حالة فيها، وكذلك للقلب، وكذلك للكبد.

وعندهم أن لملك الموت أعوانا تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه، لولا ذلك لتعذر عليه، وهو جسم أن يقبض روحين في وقت واحد في المشرق والمغرب; لأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين، في وقت واحد.

قال أصحابنا: ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم القابضون للأرواح عند انقضاء الأجل.

قالوا: وكيفية القبض، ولوج الملك من الفم إلى القلب; لأنه جسم لطيف هوائي، لا يتعذر عليه النفوذ في المخارق الضيقة، فيخالط الروح، التي هي كالشبيهة بها; لأنها بخاري، ثم يخرج من حيث دخل، وهي معه.

وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى له فيه، وهو حضور الأجل.

فألزموا على ذلك أن يغوص الملك في الماء مع الغريق ليقبض روحه تحت الماء، فالتزموا ذلك، وقالوا: ليس بمستحيل أن يتخلل الملك الماء في مسام الماء، فإن فيه مسام ومنافذ، وفي كل جسم، على قاعدتهم في إثبات المسام في الأجسام.

قالوا: ولو فرضنا أنه لا مسام فيه، لم يبعد أن يلجه الملك فيوسع لنفسه مكانا، كما يلجه الحجر والسمك، وغيرهما. وكالريح الشديدة التي تقرع ظاهر البحر فتقعره وتحفره، وقوة الملك أشد من قوة الريح. انتهى.

والأولى الوقوف، فيما لم تعلم كيفيته، عند متلوه وعدم مجاوزته، أدبا عن التهجم على الغيب وتورعا عن محاولة ما لا يبلغ كنهه، وأسوة بما مضى عليه من لم يخض فيه، وهم الخيرة والأسوة، والله أعلم.

ولو ترى إذ المجرمون وهم القائلون تلك المقالة الشنعاء: ناكسو رءوسهم عند ربهم أي: مطأطئوها من الحياء والخزي، لما قدمت أيديهم: ربنا أي: يقولون ربنا: أبصرنا [ ص: 4814 ] وسمعنا أي: علمنا ما لم نعلم، وأيقنا بما لم نكن به موقنين: فارجعنا أي: إلى الدنيا: نعمل صالحا إنا موقنون أي: مقرون بك، وبكتابك، ورسولك، والجزاء.
القول في تأويل قوله تعالى:

[13 - 14] ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون

ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها أي: تقواها: ولكن حق القول مني أي: في القضاء السابق: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي: سبق القول حيث قلت لإبليس، عند قوله: لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين أي: فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم، بل منعناه من أتباع إبليس، الذين هؤلاء من جملتهم حيث صرفوا اختيارهم إلى الغي والفساد، ومشيئته تعالى لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها، فلما لم يختاروا الهدى، واختاروا الضلالة، لم يشأ إعطاءه لهم، وإنما آتاه الذين اختاروه من النفوس البرة، وهم المعنيون بما سيأتي من قوله تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الآية. فيكون مناط عدم مشيئة إعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم، لا تحقق القول. أفاده أبو السعود.

فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا أي: تركتم الإقرار به، والإيمان بصدق موعوده، وعاملتموه معاملة المنسي المهجور: إنا نسيناكم أي: جازيناكم جزاء [ ص: 4815 ] نسيانكم، أو تركناكم في العذاب ترك المنسي: وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون أي: من الموبقات، والتكرير للتأكيد والتشديد، وتعيين الفعل المطوي للذوق.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]