عرض مشاركة واحدة
  #508  
قديم 30-12-2024, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,313
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ سَبَأٍ
المجلد الرابع عشر
صـ 4949 الى صـ 4959
الحلقة (508)





ذكر ذلك الهمداني في كتاب (" الإكليل"). واختلفوا في قحطان . فقيل: إنه من سلالة إرم بن سام بن نوح . وقيل: من سلالة عابر وهو هود عليه السلام. وقيل: إنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام. وقد ذكر ذلك مستقصى الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتاب (" الإنباه على ذكر أصول القبائل الرواه") [ ص: 4949 ] . قال ابن كثير : ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في سبأ : كان رجلا من العرب يعني العرب العاربة الذين كانوا قبل الخليل عليه الصلاة والسلام من سلالة سام بن نوح . وعلى القول الثالث، كان من سلالة الخليل عليه السلام، وليس هذا بالمشهور عندهم. والله أعلم.

ولكن في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون فقال: « ارموا، بني إسماعيل ! فإن أباكم كان راميا » . وأسلم قبيلة من الأنصار . والأنصار أوسها وخزرجها من عرب اليمن . من سبأ ، نزلت يثرب ، لما تفرقت، كما مر. (ثم قال): ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: « ولد له عشرة » أي: كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم ولدوا من صلبه. بل منهم من بينه وبينه، الأبوان والثلاثة، والأقل والأكثر. كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب.

إن في ذلك أي: فيما ذكر من قصتهم، وما حل بهم من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية على ما ارتكبوه من الكفر والآثام: لآيات أي: لعبرا عظيمة: لكل صبار شكور أي: شأنه الصبر عن الشهوات والهوى والآثام، والشكر على النعم، قال الأعشى من قصيدة:


ففي ذاك للمؤتسي أسوة ومأرب عفى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير إذا جاء مواره لم يرم
فأروى الزروع وأعنابها على سعة ماؤهم إذ قسم
فصاروا أيادي ما يقدرو ن منه على شرب طفل فطم
القول في تأويل قوله تعالى:

[ ص: 4950 ] [ 20 - 21 ] ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ .

ولقد صدق عليهم إبليس ظنه قال الزمخشري : قرئ: صدق، بالتشديد والتخفيف، ورفع لفظ (إبليس)، ونصب (الظن). فمن شدد، فعلى: (حقق عليهم ظنه، ووجده ظنه صادقا); أي: صدق بمعنى حقق مجازا; لأنه ظن شيئا فوقع فحققه.

وقوله: أو وجده ظنه صادقا. فإن العرب تقول صدقك ظنك. والمعنى أن إبليس كان يسول له ظنه شيئا فيهم، فلما وقع جعل كأنه صدقه. ا هـ شهاب.

ومن خفف فعلى: (صدق في ظنه، أو صدق يظن ظنا). نحو فعلته جهدك; أي: فـ: (ظنه)، منصوب على الظرفية بنزع الخافض، وأصله: (في ظنه); أي: وجد ظنه مصيبا في الواقع، فـ: (صدق)، حينئذ بمعنى أصاب، مجازا. أو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر. كفعلته جهدك، أي: وأنت تجهد جهدك. فالمصدر وعامله في موقع الحال. ا هـ شهاب.

وبنصب إبليس ورفع (الظن)، فمن شدد فعلى: (وجد ظنه صادقا). ومن خفف، فعلى قال له ظنه الصدق حين خيله إغواؤهم ) برفع: ( إغواؤهم) على الفاعلية، أو نصبه على الحذف والإيصال، وفاعله وضمير الظن; أي: خيل له إغواءهم. ا هـ شهاب. يقولون: صدقك ظنك.

وبالتخفيف ورفعهما، أي: على إبدال الظن من إبليس، بدل اشتمال. ا هـ شهاب. على: صدق عليهم ظن إبليس. انتهى.

وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات، أو ببني آدم حينما رأى ما ركب فيهم من الشهوة والغضب.

فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك أي: ما كان له عليهم من تسليط واستيلاء [ ص: 4951 ] بالوسوسة والاستغواء، إلا لغرض صحيح وحكمة بينة، وذلك أن يتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها، وعلل التسليط بالعلم. والمراد ما تعلق به العلم. قاله الزمخشري . يعني أن العلم المستقبل المعلل به هنا، ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس. بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب.

فالمعنى ما سلطناه عليهم إلا ليبرز من كمون الغيب ما علمناه، فتظهر الحكمة فيه بتحقق ما أردناه من الجزاء أو لازمه، وهو ظهور المعلوم.

ويجوز أن يكون المعنى: لنجزي على الإيمان وضده. كذا في(" العناية"): وربك على كل شيء حفيظ أي: رقيب قائم على أحواله وأوامره.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 22 ] قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير : قل أي: للمشركين، إظهارا لبطلان ما هم عليه، وتبكيتا لهم: ادعوا الذين زعمتم أي: زعمتموهم آلهة: من دون الله لا يملكون مثقال ذرة أي: من خير، وشر، ونفع، وضر: في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك أي: شركة، لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا: وما له منهم من ظهير أي: معين يعينه على تدبير خلقه، قال الزمخشري : يريد أنهم على هذه القصة من العجز، والبعد عن أحوال الربوبية. فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى، ويرجوا كما يرجى؟
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 23 ] ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .

ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أي: من المستأهلين لمقام الشفاعة [ ص: 4952 ] . كالنبيين والملائكة. وهذا تكذيب لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة، في إطلاق الإذن، تباشروا بذلك: قالوا أي: سائلا بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم قالوا الحق أي: قال القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى : وهو العلي الكبير أي: ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبي أن يتكلم إلا بإذنه، وأن يشفع إلا لمن ارتضى.

قال ابن كثير : هذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي. فسمع أهل السماوات كلامه، أرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود رضي الله عنه، ومسروق ، وغيرهما.

قال الزمخشري : فإن قلت: بم اتصل قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غاية؟ قلت: بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن، وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل: رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا أي: وإذا كانت الشفاعة لمن أذن له بهذا الحال، عظمة وسموا من ذي الجلال، فأنى ينالها جماد لا يعقل، لا سيما وهو عدو للكبير المتعال، فتبين كذبهم فيهم أنهم شفعاء، وحرمانهم من مقامها، بأجلى بيان وأفصح مقال.

وفي الآية تأويل آخر، وهو أن معنى قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: عن قلوب المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا تنبهوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا. قال مجاهد : حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال الحسن : أي: كشف عما فيها من الشك والتكذيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ ص: 4953 ] : هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. واختار ابن جرير القول الأول، وهو أن الضمير عائد إلى الملائكة.

قال ابن كثير : وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه; لصحة الأحاديث فيه والآثار، أي: ولورود ما يؤيده في آية أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وذلك في قوله تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون نعم، النظم الكريم لا يأبى ما ذكروه، إلا أن مراعاة الأشباه والنظائر هو العمدة في باب فهم التأويل، ما وجد إليها سبيل.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 24 ] قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .

قل من يرزقكم من السماوات والأرض أمر بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما. وقوله: قل الله أي: الذي تعترفون بأنه هو الخالق، كما قال تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله أي: فحينئذ قامت الحجة عليهم منهم.

وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي: وإن أحد الفريقين من الموحدين الرازق من السماوات والأرض بالعبادة، ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة على ذرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى أو الضلال.

[ ص: 4954 ] قال الزمخشري : وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف، قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ، دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى، ومن هو في الضلال المبين، ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض ، وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق مني ومنك، وإن أحدنا لكاذب.

ومنه بيت حسان :



أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء


انتهى.

قال الناصر : وهذا تفسير مهذب وافتنان مستعذب، رددته على سمعي فزاد رونقا بالترديد، واستعاده الخاطر، كأني بطيء الفهم حين يفيد، ولا ينبغي أن ينكر بعد ذلك على الطريقة التي أكثر تعاطيها متأخرو الفقهاء في مجادلاتهم ومحاوراتهم، وذلك قولهم: أحد الأمرين لازم على الإبهام، فهذا المسلك من هذا الوادي غير بعيد، فتأمله، والله الموفق. انتهى.

قال الشهاب : وهذا فن من فنون البلاغة يسمى (الكلام المنصف). وقيل إن الآية على اللف والنشر المرتب. ونظر فيه بأنه لو قصد اللف بأن يكون على هدى راجعا لقوله: { وإنا } و: أو في ضلال راجعا لـ: { إياكم } كان العطف بالواو لا بأو، وكونها بمعنى الواو كما في قوله:


سيان كسر رغيفه أو كسر عظم من عظامه


[ ص: 4955 ] بعيد جدا. إلا أنه قيل: لو جعل فيه إيماء لذلك لم يبعد. وإيثار (على)، في الهدى، و (في) في مقابله، للدلالة على استعلاء صاحب الهدى وتمكنه واطلاعه على ما يريد، كالواقف على مكان عال، أو الراكب على جواد، وانغماس الضال في ضلاله حتى كأنه في مهواة مظلمة.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 25 ] قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون .

قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون أي: قل لهؤلاء المشركين: لا تسئلون عما أجرمنا من جرم، وركبنا من إثم، ولا نسئل نحن عما تعملون من عمل.

قال ابن كثير : معناه التبري منهم. أي: لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده، ولإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن براء منكم وأنتم براء منا. كما قال تعالى: وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون وقوله: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد السورة . انتهى .

وما ذكره معنى دقيق، قل من يتفطن له، أسميه التفسير بالأشباه والنظائر ، وهو حمل آية موجزة أو مجملة على آية تشبهها مطولة أو مبينة، ولا يدرك هذا إلا الراسخ في فن التأويل، الولع بتدبر التنزيل، ومن لطائف الآية ما ذكره الزمخشري والمنتصف، من أن هذا القول أدخل في الإنصاف من الأول، حيث أسند الإجرام إلى النفس، وأراد به الزلات والصغائر التي لا يخلو عنها مؤمن، وأسند العمل إلى المخاطبين، وأراد به الكفر والمعاصي والكبائر. فعبر عن الهفوات بما يعبر به عن العظائم، وعن العظائم بما يعبر به عن الهفوات، التزاما للإنصاف، وزيادة على ذلك، أنه ذكر الإجرام المنسوب إلى النفس بصيغة الماضي، الذي يعطي تحقيق المعنى، وعن العمل المنسوب إلى الخصم بما لا يعطي ذلك. والله أعلم.
[ ص: 4956 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 26 ] قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم .

قل يجمع بيننا ربنا أي: يوم القيامة في صعيد واحد ثم يفتح بيننا بالحق أي: يقضي بالعدل; لأن أحد فريقينا على هدى والآخر على ضلال، فيتبين يومئذ المهتدي منا من الضال، ويجزي كلا بعمله، كما قال تعالى: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ولهذا قال سبحانه: وهو الفتاح العليم أي: الحاكم العادل العليم بالقضاء بين خلقه ; لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تعرفه المحق من المبطل.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 27 ] قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم .

قل أروني الذين ألحقتم به شركاء أي: جعلتموها لله أندادا، وصيرتموها له عدلا، قال أبو السعود : أريد بأمرهم بإراءة الأصنام، مع كونها بمرأى منه عليه الصلاة والسلام. إظهار خطئهم العظيم وإطلاعهم على بطلان رأيهم; أي: أرونيها لأنظر بأي صفة ألحقتموها بالله الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة ، وفيه مزيد تبكيت لهم بعد إلزام الحجة عليهم.

وقد جوز المعرب في ( رأى) هنا أن تكون علمية متعدية بهمزة النقل، إلى ثلاثة مفاعيل: ياء المتكلم والموصول وشركاءه. وعائد الموصول محذوف; أي: ألحقتموهم. وأن تكون بصرية تعدت بالنقل لاثنين: ياء المتكلم والموصول، (وشركاء) حال. ولا ضعف [ ص: 4957 ] في هذا كما قاله ابن عطية . بل فيه توبيخ لهم، إذ لم يرد حقيقته; لأنه كان يراهم ويعلمهم، فهو مجاز وتمثيل. والمعنى: ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون، وهو خشب وحجر، تمت فضيحتكم. وقوله تعالى: كلا ردع لهم عن المشاركة، بعد إبطال المقايسة: بل هو الله العزيز الحكيم أي: الموصوف بالغلبة القاهرة والحكمة الباهرة. فأين شركاؤهم التي هي أخس الأشياء وأذلها، من هذه الرتبة العالية. والضمير إما لله عز وعلا، أو لشأن. قاله أبو السعود .القول في تأويل قوله تعالى:

[ 28 ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي: وما أرسلناك إلا إرسالة عامة لجميع الخلائق من المكلفين ، تبشر من أطاعك بالجنة، وتنذر من عصاك بالنار، كقوله تبارك وتعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا تبارك الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا

ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي: فيحملهم جهلهم على ما هم فيه من الغي والضلال كقوله عز وجل: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله

قال ابن عباس - فيما رواه ابن أبي حاتم - إن الله تعالى فضل محمدا صلى الله عليه وسلم على أهل السماء، وعلى الأنبياء. قالوا: يا ابن عباس ! فبم فضله الله على الأنبياء؟ قال رضي الله عنه: إن الله تعالى قال: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [ ص: 4958 ] ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك إلا كافة للناس فأرسله الله تعالى إلى الجن والإنس .

قال ابن كثير : وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما قد ثبت في" الصحيحين" رفعه عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسير شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة » ، وفي" الصحيح" أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بعثت إلى الأحمر والأسود » ، قال مجاهد : يعني الجن والإنس. وقال غيره: يعني العرب والعجم. والتحقيق في معنى عموم إرساله وشمول بعثته ، هو مجيئه بشرع ينطبق على مصالح الناس وحاجاتهم أينما كانوا، وأي زمان وجدوا، مما لم يتفق في شرع قبله قط، ولهذا ختمت النبوات بنبوته صلى الله عليه وسلم، كما تقرر في موضعه.القول في تأويل قوله تعالى:

[ 29 - 30 ] ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون .

[ ص: 4959 ] ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون يعنون بالوعد المنذر به استهزاء، كقوله تعالى: يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق وقوله: وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 31 ] وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين .

وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه وهو ما نزل قبل القرآن من كتبه تعالى: ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول أي: يتجاذبون أطراف المحادثة، ويتراجعونها بينهم، ثم أبدل من: { يرجع } قوله: يقول الذين استضعفوا وهم الأتباع: للذين استكبروا وهم قادتهم وسادتهم: لولا أنتم لكنا مؤمنين القول في تأويل قوله تعالى:

[ 32 ] قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين .

قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة، والبراهين، والحجج التي جاءت بها الرسل لشهوتكم واختياركم لذلك.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]