عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-01-2025, 08:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت




سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ

الحديث 19: ((احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ...))




عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كنتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلامُ، إني أعلمك كلماتٍ، احفَظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَتِ الأقلام، وجفَّت الصحف))[1]، وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إليه في الرخاء، يعْرِفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَجَ مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[2].

عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن رجب رحمه الله: "هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمةً، وقواعدَ كليةً من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبَّرت هذا الحديث، فأدهشني وكِدتُ أطِيشُ، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهُّم لمعناه"[3].

فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يأتي:
1- من حفِظ الله يحفظه الله: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((احفَظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))، وقوله: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إليه في الرخاء، يَعْرِفْك في الشدة))؛ أي: مَن حفِظ أوامره بفعلها، ونواهيَه باجتنابها، وحدودَه بعدم التعدي عليها، وحقوقه بالقيام بها؛ حفِظَه الله؛ كقوله تعالى: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 32، 33]، وقوله في المحافظة على الصلاة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34]، وقوله في حفظ الفُرُوج: ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35]، والشواهد كثيرة معلومة، فهذا شرط وجوابه؛ حفِظه الله في دينه ودنياه، وحفِظه في نفسه وأولاده وماله، وغيرها من أنواع الحفظ؛ فالجزاء من جنس العمل.

كقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40]، والوفاء بعهد الله هو الإيمان به، والعمل بشرائعه، ووفاء الله بعهده هو تحقيق الوعد بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

وقوله في الذكر: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ بشبرٍ، تقرَّبت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا، تقرَّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيتُه هرولةً))[4].

وقوله في سنن النصر على الأعداء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ونصر الله يكون بنصر نبيِّه ودينه، وقتال الكفار، ونصره للمؤمنين بالغلبة على الكفار، وتثبيت أقدامهم في الحرب؛ ولذلك قال في رواية الترمذي: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).

2- الدعاء والاستعانة لا تكون إلا بالله: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله))؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، وقال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فمن سأل قضاء الحوائج من المقبورين، أو سأل الناس ما لا يقدر عليه إلا اللهُ؛ كالشفاء والرزق، فهو في ضلال مبين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5].

فاللهم احفظنا بحفظك، واسترنا بسترك، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فمن المستفادات كذلك:
3- الإيمان بالقضاء والقدر: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف))، وقوله: ((واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك))، فأقدار الخير والشر كُتبت قبل خلق السماوات والأرض؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قال: وعرشه على الماء))[5].

فلماذا النياحة عند موت قريب، أو لطم الخدود، أو شق الثوب، أو التمرغ في التراب؟ فهذا كله وأمثاله عند وقوع قدر الموت يدل على عدم الرضا بالأقدار المؤلمة؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني؛ فإنك لم تُصَب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوَّابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى))[6] ، وعلى هذا القياس في كل ما يصيب الإنسان من شرٍّ، عليه الصبر، وما يصيبه من خير، عليه الشكر؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

فاللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين الراضين بقضائك، آمين.
(تتمة الدعاء).

[1] رواه الترمذي، رقم: 2516، وقال: حديث حسن صحيح.

[2] انظر: مسند أحمد، رقم: 2803.

[3] جامع العلوم والحكم: 1/ 462.

[4] رواه البخاري، برقم: 7405.

[5] رواه مسلم، برقم: 2653.

[6] رواه البخاري، برقم: 1283.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]