عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-01-2025, 10:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,875
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية

دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (5)

الشيخ نشأت كمال




أهم وأشهر الأحداث قبل البعثة


سبق أن ذكرنا أن أهم وأشهر الأحداث قبل النبوة: حادثة شَقِّ الصدر؛ وقعت له وهو طفل، وعند البعثة، وكذلك عند الإسراء والمعراج، ورعيُ الغنم، والتجارة مع الصدق والأمانة، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها؛ وهذه أربعة أمور.

[5] صيانة الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم مما كان عليه أهل الجاهلية من اللهو وسماع الغناء والمزامير:
شبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظه الله عز وجل، ويعصمه من أقذار الجاهلية ومعايبها، ويتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مظاهر عصمة الله عز وجل له في صغره، وقبل النبوة قائلًا في حديث علي بن أبي طالب: ((ما هممتُ بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهُمُّون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتًى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهله يرعاها: أبْصِر إلى غنمي حتى أسمُرَ هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دُور مكة، سمعت غناء، وضربَ دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوتُ بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس، فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما هممتُ بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية، حتى أكرمني الله بنبوته))[1].

واستدلَّ به ابن حبان على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين قومه؛ يعني في أمور العقيدة والأخلاق الرذيلة[2].

وفي «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» (4/ 25): "فبيقينٍ ندري أن الله تعالى صان أنبياءه عن أن يكونوا لبغيَّة، أو من أولاد بغيٍّ، أو من بغايا، بل بعثهم الله تعالى في حسب قومهم، فإذا لا شك في هذا، فبيقينٍ ندري أن الله تعالى عصمهم قبل النبوة من كل ما يؤذَون به بعد النبوة، فدخل في ذلك السرقة والعدوان، والقسوة والزنا، واللياطة والبغي، وأذى الناس في حريمهم وأموالهم وأنفسهم، وكل ما يُعاب به المرء، ويتشكى منه ويؤذَى بذكره".

وفي «مختصر تاريخ دمشق» (2/ 86): "‌‌باب عصمة الله بالرسالة عما كان يرتكبه أهل الجهالة".

الاستماع للغناء وضرب الدفوف والمزامير، كان أمرًا طبعيًّا لعُرف أهل البلد، وكان شرب الخمر أمرًا مألوفًا غير مستنكر ولا مستهجن، وأكل الربا والميسر، والكِبر والفخر، ولم يكن من المألوف عندهم فِعْلُ الفواحش، ولا اختلاط النساء بالرجال، ولا تبرج النساء والكشف عن العورات، ولا الاعتداء على النساء والأطفال.

وقد ذكر القرآن بعضًا من أمور الجاهلية؛ كما في قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 32، 33].

فقوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب: 32]؛ أي: لا تَلِنْ بالكلام، ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32]؛ أي: فجور، والمعنى: لا تقُلن قولًا يجد به منافق أو فاجر سبيلًا إلى موافقتكن له، والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة؛ لأن ذلك أبعدُ من الطمع في الرِّيبة.

﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: 32]؛ أي: صحيحًا عفيفًا لا يطمع فاجرًا.

وقوله: ﴿وَقَرْنَ [الأحزاب: 33] قُرئ بكسر القاف من الوقار، وبفتح القاف من القرار، ومعنى الآية: الأمر لهن بالتوقُّر والسكون في بيوتهن، وألَّا يخرجن إلا لحاجة.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ [الأحزاب: 33] التبرج: إظهار الزينة وما يُستدعى به شهوة الرجل.

وفي صفة تبرج الجاهلية الأولى أقوال: قيل: إن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، وقيل: إنها مشية فيها تكسُّر وتغنُّج، وقيل: إنها كانت تُلقي الخمار عن رأسها ولا تشدُّه، فيُرى قرطها وقلائدها، وقيل: إنها كانت تلبس الثياب لا تواري جسدها.

وما زال الأمر كذلك عند بعض المسلمين مع مجيء الشريعة بالنهي عن ذلك، فهناك الكثير من المحرمات والكبائر يقع فيها بعض المسلمين، وأصبحت من باب العادة والإلف، ومن ذلك تبرج النساء، واختلاط النساء بالرجال، وغناء النساء للرجال والعكس، ومشاهدة ما يسمى بالأعمال الفنية بما فيها من الأمور السابقة، إضافة لإثارة الشهوات والمقاطع القبيحة التي تخدش الحياء، ولم يرِدِ الترخيص في شيء من ذلك ألبتة.

وإنما رخص في شيء من الغناء وضرب الدف للنساء والجواري الصغار في يوم عرس أو يوم عيد، دون أن يصحبه شيء من المحرمات؛ كالاختلاط والعُري والتبرج، ونظر الرجال للنساء والنساء للرجال؛ لِما يترتب على ذلك من فساد القلب.

ومع ورود الرخصة للنساء والجواري في ضرب الدف في العرس، فإنه لم يرخص للرجال في ذلك؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدُّفِّ))، فهذا للنساء، وكذلك أُبيح للجواري الصغيرات الغناء بكلام مؤدب، ليس فيه فُحش ولا تهييج للمشاعر، ولا يؤدي لفساد القلب.

وإذا نظرت لواقع المسلمين فيما يتعلق بهذا الصدد - وهو الغناء والمزامير والموسيقى والطرب - لَرأيتَ العجب العجاب.

وما زال أهل العلم يستنكرون توسع المسلمين في هذا الباب، ويستنكرون على من يقول بجواز ذلك وإباحته، وليس هذا معناه أن الشريعة الإسلامية تحرِّم على المسلمين كل أنواع اللهو والمرح، ولكن الأمر فيه تفصيل، والغريب والعجيب حقًّا هو انشغال المسلمين وانخراطهم في اللهو واللعب والمرح، حتى في أوقات الشدائد والأزمات والفتن، بل وفي وقت الحرب مع الكافرين، وهذا من التغريب والتجهيل الذي يمارسه الغرب بحق أبناء الأمة الإسلامية.

ففي وقت الحرب والقتال، والجوع والفقر، والعطش والمرض الذي أصاب بعض إخواننا المسلمين، ومع ذلك هناك من هو مشتغل بكل المحرمات، وكل أشكال اللعب واللهو.

الانشغال باللهو والمباحات وتأثير ذلك في العقل والقلب، وما يؤول إليه الأمر من شغل القلب وتعلقه، وتأثير ذلك على انتفاعه بالقرآن والصلاة والذكر.
أولًا: الغناء يصُدُّ عن القرآن، هذا لا شك؛ فالقرآن كلام الرحمن، والغناء كلام الشيطان، ولا يجتمعان في قلب إلا أخرج أحدهما صاحبه؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعِفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويُهيج النفوس إلى شهوات الغي فيُثير كامنها، ويُزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، فهو والخمر قريبان.

ثانيًا: الغناء رُقية الزنا وبريده؛ قال الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا"؛ أي: إنه سبيله والداعي إليه والمرغِّب فيه.

ثالثا: الغناء يُنبت النفاق في القلب؛ عن ابن مسعود والضحاك وعمر بن عبدالعزيز: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".

رابعًا: سماع الغناء يُورِث قسوة في القلب، ويؤثر على التزام المرء بالطاعات، والواجب على من ابتُلي بشيء من ذلك التوبةُ والرجوع إلى الله.

[1] أخرجه أبو نعيم والبيهقي، والبزار وابن حبان، وهو حديث حسن.

[2] بناء شخصية المسلم يرجع إلى العقيدة الصحيحة السليمة، والتحلي بمكارم الأخلاق، والبعد عن مرذولها، وهذان الأمران من أهم ما جاءت به الرسالات السماوية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]