شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الحج
شرح سنن أبي داود [228]
الحلقة (259)
شرح سنن أبي داود [228]
يجب على جميع الحجاج أن يبيتوا بمنى أيام التشريق، يومين للمتعجل وثلاثة أيام للمتأخر، ومن كان به عذر ولا يستطيع المبيت بمنى فله أن يبيت خارجها، ويلحق بأهل السقاية والرعاة، ويستحب للإمام أن يخطب بمنى خطبة يبين فيها أحكام الحج ويبين للحجاج ما يلزم بيانه لهم.
النزول بمنى
شرح حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النزول بمنى. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، فقال: لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم) ]. قوله: [ باب النزول بمنى ]. يعني: بعدما يأتي الحجاج من عرفة ومن مزدلفة ينزلون بمنى ويستقرون فيها، ويكون ذلك في يوم العيد وأيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر. وأبو داود رحمه الله أورد حديث رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، وأمر بأن يكون المهاجرون عن ميمنة القبلة، والأنصار عن ميسرتها، وسائر الناس تبعاً لهم، وذلك في مسجد الخيف، وجاء في رواية: أن المهاجرين كانوا أمام القبلة وعلى ميمنتها، والأنصار على ميسرة القبلة وراء المسجد. ومعنى ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس هذه المنازل، وأمر عليه الصلاة والسلام الناس أن ينزلوا بمنى وأن يبيتوا ليالي التشريق بمنى. والنزول بمعنى في النهار مطلوب، ولكن في النهار يمكن للإنسان أن يذهب ويأتي ولا يترتب على عدم بقائه في النهار شيء، وأما في الليل فإنه يجب المبيت؛ لأنه يترتب على عدم مبيته لزوم الفدية. أما عن الحكمة من هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكون المهاجرون على حدة، ويكون الأنصار على حدة، بحيث تعرف مساكن المهاجرين وتعرف مساكن الأنصار.
تراجم رجال إسناد حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج ]. حميد الأعرج ليس به بأس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم التيمي ]. محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن معاذ ]. عبد الرحمن بن معاذ صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي . [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. المجهول في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثقة؛ لأن جهالة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لا تؤثر.
اليوم الذي يخطب فيه بمنى
شرح حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي يوم يخطب بمنى. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وخطبهم في أوسط أيام التشريق كما جاء هنا، وأوسط أيام التشريق هو اليوم الثاني عشر. قوله: [ عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. هذان الرجلان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، رأيا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهم عند راحلته قريبون منه، وكان ذلك في أوسط أيام التشريق.
تراجم رجال إسناد حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...)
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يسار المكي ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن رجلين من بني بكر ]. يعني: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان رضي الله عنها، وكانت ربة بيت في الجاهلية قالت: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس أوسط أيام التشريق؟). قال أبو داود : وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي : (إنه خطب أوسط أيام التشريق) ]. ذكر المصنف رحمه الله حديث سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا ؟) ] سمي يوم الرءوس لأنهم كانوا يأكلون رءوس الأضاحي فيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم خطبهم في أوسط أيام التشريق الذي هو يوم الرءوس.
تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...)
قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب ببندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن ]. ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود . [ حدثتني جدتي سراء بنت نبهان ]. سراء بنت نبهان أخرج حديثها البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود . [ قال عم أبي حرة الرقاشي ]. أبو حرة مشهور بكنيته، واسمه حنيفة ، وقيل: اسمه حكيم ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . وعمه اسمه حذيم بن حنيفة السعدي ، صحابي أخرج له النسائي وحده. وأبو حرة هذا هو ابن أخيه، ذكر في التقريب لكن في المبهمات.
خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر
شرح حديث: (رأيت النبي يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: خطب يوم النحر. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا عكرمة حدثني الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. قوله: [ باب من قال: خطب يوم النحر ]. وأورد فيه حديث الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. فيه إثبات الخطبة في يوم النحر. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هشام بن عبد الملك ]. هو أبو الوليد الطيالسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وهنا روى عنه بواسطة، لكن كثيراً ما يروي عنه أبو داود بدون واسطة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني الهرماس بن زياد الباهلي ]. الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
شرح حديث: (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل -يعني ابن الفضل الحراني - حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا سليم بن عامر الكلاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: (سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ]. أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه قال: [ (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ] وهذا يدل على أنه خطب يوم النحر صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا مؤمل يعني ابن الفضل الحراني حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليم بن عامر الكلاعي ]. سليم بن عامر الكلاعي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ سمعت أبا أمامة ]. هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
خطب الحج
الخطب في الحج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني عشر أوسط أيام التشريق، لكن المعروف الآن والمشهور خطبة عرفة فقط؛ فهي التي فيها الصلاة بالناس والخطبة، لكن في هذا الزمان يوجد في مسجد الخيف كلمات كثيرة وخطب فيها توجيهات وبيان للمناسك وما إلى ذلك.
وقت الخطبة في يوم النحر
شرح حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر؟ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي حدثنا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي رضي الله عنه يعبر عنه، والناس بين قاعد وقائم) ]. قوله: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر ]. ذكر فيما مضى يوم النحر، كما في حديث أبي أمامة وغيره، وهنا أراد أن يبين وقت الخطبة من النهار، فأورد حديث رافع بن عمرو المزني قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء) ]. أي: في الساعة التي يصلي فيها الضحى، وكان على بغلة شهباء. قوله: [ (وعلي رضي الله عنه يعبر عنه) ]. أي: كان رضي الله عنه يبلغ كلام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى الناس البعيدين؛ وذلك لكثرتهم. قوله: [ (والناس بين قاعد وقائم) ]. يعني: كان بعضهم قائمين وبعضهم قاعدين يستمعون الخطبة.
تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...)
قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي ]. عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن عامر المزني ]. هلال بن عامر المزني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثني رافع بن عمرو المزني ]. رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
ما يذكر الإمام في خطبته بمنى
شرح حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، فَفُتِحَتْ أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع أصبعيه السبابتين، ثم قال: بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. قوله: [ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى ]. لما ذكر فيما مضى الأيام التي يخطب فيها أتى بهذه الترجمة لبيان المواضيع التي جاءت في الخطب. وقد أورد حديث عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا) ] يعني: أن الله تعالى فتح أسماعهم حتى بلغهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أماكن بعيدة، بل كان منهم من يكون في رحله، وهذه من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يبلغ صوته للناس عن بعد، وهذا -كما هو معلوم- يحصل في بعض الخطب، وفي بعضها لا يحصل؛ لأن الحديث الذي مر سابقاً أن علياً رضي الله عنه كان يبلغ الناس، وهنا الصوت يصل إلى الناس جميعاً، حتى الذين في رحالهم ولم يأتوا ليصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويحضروا خطبته وصل إليهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فطفق يعلمهم مناسكهم) ] يعني: جعل يعلمهم المناسك وما هو مطلوب منهم. قوله: [ (حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال: بحصى الخذف) ] يعني: حتى بلغ في الخطبة إلى ذكر ما يتعلق بحصى الجمار، فأشار أنها مثل حصى الخذف، وأنها تكون حين يرمي بها بين الأصابع. وحصى الخذف: هو حجر صغير فوق الحمص ودون البندق، أي: مثل نواة التمر تقريباً. وليس معنى ذلك أن حصى الخذف ترمى بين السبابتين وإنما ترمى بيد واحدة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين حصى الخذف الذي يكون بالأصابع؛ لأن الحجر الكبير لا يرمى بالأصابع وإنما يرمى بها الحجارة الصغيرة، وهذا ليس بياناً لكيفية الرمي وإنما هو بيان لحصى الخذف. قوله: [ (ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. وهذا لا ينافي ما تقدم من كون هؤلاء كانوا عن ميمنة القبلة وهؤلاء عن مسيرتها، فإن معناه: أن المهاجرين في مقدمة القبلة مع الميمنة وأولئك في ميسرتها مع المؤخرة.
تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي ]. هؤلاء مر ذكرهم.
حكم المبيت بمكة ليالي منى
شرح حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل)
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب يبيت بمكة ليالي منى. حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني حريز -أو أبو حريز الشك من يحيى - أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل) ]. قوله: [ باب يبيت بمكة ليالي منى ]. يعني: ما حكم المبيت بمكة ليالي منى؟ والجواب عن هذا: أن من كان معذوراً كالذين يسقون الحجاج ومن كان في حكمهم كالرعاة فلهم أن يتركوا المبيت بمنى، وأما غيرهم فعليهم أن يبيتوا بمنى، والنبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى، وأذن للرعاة والسقاة وغيرهم أن يبيتوا خارج منى، أما من ليس في حكمهم فليس له أن يبيت خارج منى. وعلى هذا فإن المبيت بمكة ليالي منى لا يسوغ إلا لمن كان معذوراً، ولمن رخص له مثل الترخيص للسقاة؛ لأن هؤلاء وأمثالهم هم الذين يمكن أن يبيتوا بمكة، وأما غيرهم من الحجاج فإن الأصل في المبيت أن يكون بمنى، ويجب أن يكون الحاج أغلب الليل في منى، كأن يكون في مكة في أول الليل ثم يأتي إلى منى ويكون فيها أكثر الليل، المهم أن يكون في منى أكثر الليل وأغلب الليل؛ لأن المبيت واجب، ولو كان غير واجب لما احتيج إلى أن يُستَأذن في تركه للسقاة والرعاة، فهذا الاستئذان يدل على أنه واجب. قوله: [ سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل). ] أخبر ابن عمر لما سئل أنهم كانوا يتبايعون ويجلسون في مكة من أجل المال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليلاً ومكث بها نهاراً، فكلمة (بات) تدل على الليل، وكلمة (ظل) تدل على النهار. فمعنى ذلك أن مكان مكثه في الليل والنهار عليه الصلاة والسلام إنما هو منى. لكن كما عرفنا أن النهار لو ذهب والإنسان ليس في منى فلا يترتب عليه شيء، وأما المبيت لو ذهب وليس هو في منى، فإنه يترتب عليه شيء، إلا من أذن له كالسقاة والرعاة، وكذلك من في حكمهم، مثل المسئولين عن الشئون الصحية وما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس فيها إليهم. والحديث في إسناده رجل مجهول، لكن كما عرفنا أن المبيت بمنى مطلوب، وأن الإنسان إذا تركه وهو غير معذور فإنه يكون عليه فدية، وأما من كان معذوراً بالأعذار التي جاء ذكرها في السنة فليس عليه شيء.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل)
قوله: [ حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ]. أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا يحيى عن ابن جريج ]. يحيى مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حريز أو أبو حريز ]. حريز أو أبو حريز رجل مجهول، أخرج له أبو داود . [ الشك من يحيى ]. يعني: الذي قال: حريز أو أبو حريز هو يحيى شيخ شيخ أبي داود . [ يسأل ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.
شرح حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (استأذن العباس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) ]. أورد المصنف رحمه الله حديث ابن عمر قال: [ (استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) ] وهذا يدل على أن بعض الحجاج يمكن أن يرخص لهم في ترك المبيت بمنى، كالذين هم بحاجة إلى خدمة الحجاج في أماكن أخرى؛ كرعاية الإبل، أو الشرط الذين يحتاج إليهم في الأعمال الأخرى، وكذلك أهل الطب الحجاج الذين يحتاج لهم في أماكن أخرى، فإنهم في حكم هؤلاء. والاستئذان في ترك المبيت بمنى يدل على وجوب المبيت لغير أصحاب الأعذار.
تراجم رجال إسناد حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. مر ذكره.