الموضوع: زاد الداعية
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-02-2025, 12:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,486
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد الداعية

زاد الداعية (6)

صلاح صبري الشرقاوي


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد مرَّت حلقات خمسة عن زاد الداعية فراجِعها تكرمًا؛ فإن بعضها آخذ برقاب بعض.

سادسًا: كن كثيرًا بإخوانك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، فتحقيق البر والتقوى يحتاج إلى تعاون، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يحيا في هذا الكون بمفرده، وقد خلق الله الناس مختلفين؛ ليتعاونوا، والمرء صغير بنفسه، كبير بإخوانه، فمن ظن أنه يستطيع القيام بكل عمل وحده، فهو في الحقيقة يتجاهل ما جُبل عليه من ضعف وعجز؛ وقد كان سيد ولد آدم يقول: ((من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي))، وقال: ((يد الله مع الجماعة))، وقال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُد بعضه بعضًا)).

وقد طلب كليم الله ذلك؛ فقال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 29 - 36].

قال القرطبي: "طلب الإعانة لتبليغ الرسالة... ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ [طه: 31]؛ أي ظهري، والأَزْرُ الظَّهر من موضع الحَقوَين، ومعناه: تَقْوى به نفسي، والأزر: القوة، وآزره: قوَّاه؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ ﴾ [الفتح: 29]، وقال أبو طالب:
أليس أبونا هاشم شد أزره وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وقيل: الأزر: العون؛ أي: يكون عونًا يستقيم به أمري؛ قال الشاعر:
شددت به أزري وأيقنت أنه أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبه
وكان هارون أكثر لحمًا من موسى، وأتم طولًا، وأبيض جسمًا، وأفصح لسانًا، ومات قبل موسى بثلاث سنين؛ وقال الألوسي: "والمراد: أحكم به قوتي، وأجعله شريكي في أمر الرسالة؛ حتى نتعاون على أدائها كما ينبغي"؛ [روح المعاني].

وقد أجاب الله دعوته؛ فقال: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [القصص: 34، 35].

قال ابن الجوزي: "قال الزجاج: المعنى: سنُعينك بأخيك، ولفظ العَضُد على جهة المثل؛ لأن اليد قِوامها عضدها، وكل مُعين فهو عضد"؛ [زاد المسير].

وقال عيسى عليه السلام: ﴿ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 52].

وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62]؛ قال ابن كثير: "أي: جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك، ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: 63]؛ أي: لما كان بينهم من العداوة والبغضاء؛ فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، بين الأوس والخزرج، وأمور يلزم منها التسلسل في الشر، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان؛ بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله))؛ [رواه البخاري].

إذا علمت ذلك - أيها الداعية المبارك - ويسر الله لك ردءًا من إخوانك والمحيطين بك، فكن دائمًا ساعيًا في تحقيق مسمى أهل السنة والجماعة؛ فهي سُنة في جماعة، وجماعة على سُنة، وكن كالراهب الذي قدم الغلام لما وجده أنفع منه للناس، فإذا رأيت من إخوانك من تميز في علم أو عمل، فدُلَّ الناس عليه، وشُدَّ من أزره؛ فقد بث الله المواهب في الخلق ليتكاملوا، وتأمل سيرة النبي، وكيف وظف مهارات أصحابه في نصرة الدين، وقدم بعض المفضولين على بعض الفضلاء في أبواب خير يُحسنونها؛ فقد صح عنه أنه قال: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبدالله بن مسعود - فبدأ به - وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبَيٍّ بن كعب))؛ [البخاري (3808)، ومسلم]، فخصَّ النبي هؤلاء وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم أفضل، فمن توفيق الله للداعية أن يوظف كل فرد فيما يُحسنه، لا فيما يحبه، فيعم النفع على المسلمين؛ وما أجمل قول الشافعي: "ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له"؛ [سير أعلام النبلاء]!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.53%)]