عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-02-2025, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,593
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 11 الى صـــ 20



فعله ليجتمع عزيمة قلبه فهو حسن.

وأما التكبير، فلا بد منه للشروع في الصلاة إلا على قول أبي بكر الأصم وإسماعيل ابن علية، فإنهما يقولان يصير شارعا بمجرد النية، والأذكار عندهما كالتكبير والقراءة، ونية الصلاة ليست من الواجبات قالا: لأن مبنى الصلاة على الأفعال لا على الأذكار ألا ترى أن العاجز عن الأذكار القادر على الأفعال يلزمه الصلاة بخلاف العاجز عن الأفعال القادر على الأذكار؟ ولنا قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] أي ذكر اسم الله - تعالى - عند افتتاح الصلاة، وظاهر قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] يبين أن المقصود ذكر الله - تعالى - على وجه التعظيم فيبعد أن يقال ما هو المقصود لا يكون واجبا وهذا المعنى، فإن الصلاة تعظيم بجميع الأعضاء، وأشرف الأعضاء اللسان، فلا بد من أن يتعلق به شيء من أركان الصلاة.

وقال - عليه الصلاة والسلام: «وتحريمها التكبير»، فدل أن بدونه لا يصير شارعا وتحريمة الصلاة تتناول اللسان ألا ترى أن الكلام مفسد للصلاة؟ ولو لم يتناوله التحريم لم يكن مفسدا كالنظر بالعين ومبنى الصلاة على الأفعال دون الكف فكل ما يتناوله التحريم يتعلق به شيء من أركان الصلاة.

فأما رفع اليدين عند التكبير فهو سنة؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام: «علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر له رفع اليد»؛ لأنه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليد عند التكبير فدل أنه سنة والمروي عن أبي يوسف - رحمه الله - أنه ينبغي أن يقرن التكبير برفع اليدين والذي عليه أكثر مشايخنا أنه يرفع يديه أولا فإذا استقرتا في موضع المحاذاة كبر؛ لأن في فعله وقوله معنى النفي والإثبات، فإنه برفع اليد ينفي الكبرياء عن غير الله - تعالى - وبالتكبير يثبته لله - تعالى - فيكون النفي مقدما على الإثبات كما في كلمة الشهادة.

ولا يتكلف للتفريق بين الأصابع عند رفع اليد والذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «أنه كبر ناشرا أصابعه»، معناه ناشرا عن طيها بأن لم يجعله مثنيا بضم الأصابع إلى الكف.
والمسنون عندنا أن يرفع يديه حتى يحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه ورءوس أصابعه فروع أذنيه وهو قول أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - وعند الشافعي - رحمه الله - المسنون أن يرفع يديه إلى منكبيه وهو قول ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - واحتج بحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنه كان في عشرة من أصحابه فقال ألا أخبركم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: نعم فقال: «كان رسول الله

صلى الله عليه وسلم - إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه»، ولنا حديث وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه»، والمصير إلى هذا أولى؛ لأن فيه إثبات الزيادة، وتأويل حديثهم أنه كان عند العذر في زمن البرد حين كانت أيديهم تحت ثيابهم، والمعنى أن خلف الإمام أعمى وأصم فأمر بالجهر بالتكبير ليسمع الأعمى وبرفع اليدين ليرى الأصم فيعلم دخوله في الصلاة وهذا المقصود إنما يحصل إذا رفع يديه إلى أذنيه وكان طاوس - رحمه الله - يرفع يديه فوق رأسه ولا نأخذ بهذا لما روي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قد شخص ببصره إلى السماء ورفع يديه فوق رأسه فقال له - عليه الصلاة والسلام - غض بصرك، فإنك لن تراه وكف يدك، فإنك لن تناله».
ولا يطأطئ رأسه عند التكبير ذكره في كتاب الصلاة للحسن بن زياد - رحمه الله - وقال فيه: التزاوج بين القدمين في القيام أفضل من أن ينصبهما نصبا.
ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، جاء عن الضحاك - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: {وسبح بحمد ربك حين تقوم} [الطور: 48] أنه قول المصلي عند الافتتاح سبحانك اللهم وبحمدك وروى هذا الذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر وعلي وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم: «أنه كان يقوله عند افتتاح الصلاة»، ولم يذكر وجل ثناؤك؛ لأنه لم ينقل في المشاهير، وذكر محمد - رحمه الله - في كتاب الحجة عن أهل المدينة ويقول المصلي أيضا وجل ثناؤك وعن أبي يوسف في الأمالي قال أحب إلي أن يزيد في الافتتاح: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين» لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند افتتاح الصلاة: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا»، إلى آخره والشافعي - رضي الله تعالى عنه - يقول بهذا ويزيد عليه أيضا ما رواه علي - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وتب علي إنك أنت التواب الرحيم»، وفي بعض الروايات: «اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها، فإنه لا

يصرف عني سيئها إلا أنت، أنا بك ولك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك»، فتأويل هذا كله عندنا أنه كان في التهجد بالليل والأمر فيه واسع، فأما في الفرائض، فإنه لا يزيد على ما اشتهر فيه - الأثر.
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه لما روي أن أبا الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قام ليصلي فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن»، والذين نقلوا صلاة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ذكروا تعوذه بعد الافتتاح قبل القراءة ولأن من أراد قراءة القرآن ينبغي له أن يتعوذ لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] وأصحاب الظواهر أخذوا بظاهر الآية وقالوا نتعوذ بعد القراءة؛ لأن الفاء للتعقيب ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن هذه الفاء عندنا للحال كما يقال إذا دخلت على السلطان فتأهب أي إذا أردت الدخول عليه فتأهب فكذا معنى الآية إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، بيانه في حديث الإفك: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كشف الرداء عن وجهه فقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 11] الآيات، وبظاهر الآية قال عطاء الاستعاذة تجب عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وهو مخالف لإجماع السلف فقد كانوا مجمعين على أنه سنة وبين القراء اختلاف في صفة التعوذ فاختيار أبي عمرو وعاصم وابن كثير - رحمهم الله - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم زاد حفص من طريق هبيرة أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان، واختيار نافع وابن عامر والكسائي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، واختيار حمزة الزيات أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. وهو قول محمد بن سيرين وبكل ذلك ورد الأثر.
وإنما يتعوذ المصلي في نفسه إماما كان أو منفردا؛ لأن الجهر بالتعوذ لم ينقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان يجهر به لنقل نقلا مستفيضا والذي روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه جهر بالتعوذ تأويله أنه كان وقع اتفاقا لا قصدا أو قصد تعليم السامعين أن المصلي ينبغي أن يتعوذ كما نقل عنه الجهر بثناء الافتتاح، فأما المقتدي، فلا يتعوذ عند محمد - رحمه الله -؛ لأنه لا يقرأ خلف الإمام، فلا يتعوذ حتى أن المسبوق إذا قام لقضاء ما سبق به حينئذ يتعوذ في إحدى الروايتين عن محمد، وعن أبي يوسف يتعوذ المقتدي، فإن التعوذ عنده بمنزلة الثناء لما يأتي بيانه في باب العيدين، والتعوذ عند افتتاح الصلاة خاصة إلا على قول ابن سيرين - رحمه الله -، فإنه يقول يتعوذ في كل ركعة كما يقرأ وهذا فاسد
فإن الصلاة واحدة فكما لا يؤتي لها إلا بتحريمة واحدة فكذا التعوذ والله أعلم.
قال (ولا يرفع يديه في شيء من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الافتتاح) وقال الشافعي يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع ومن الناس من يقول وعند السجود وعند رفع الرأس منه يرفع اليدين أيضا قالوا قد صح: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند كل تكبيرة»، فمن ادعى النسخ فعليه إثباته، وفي المسألة حكاية، فإن الأوزاعي لقي أبا حنيفة - رحمهم الله - في المسجد الحرام فقال ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، وقد حدثني الزهري عن سالم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع»، فقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - حدثني حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، ثم لا يعود».
فقال الأوزاعي عجبا من أبي حنيفة أحدثه بحديث الزهري عن سالم وهو يحدثني بحديث حماد عن إبراهيم عن علقمة فرجح حديثه بعلو إسناده فقال أبو حنيفة أما حماد فكان أفقه من الزهري وأما إبراهيم فكان أفقه من سالم ولولا سبق ابن عمر - رضي الله عنه - لقلت بأن علقمة أفقه منه وأما عبد الله فرجح حديثه بفقه رواته وهو المذهب؛ لأن الترجيح بفقه الرواة لا بعلو الإسناد فالشافعي اعتمد حديث ابن عمر - رضي الله عنه - وقال تكبير الركوع يؤتى به حالة القيام فليسن رفع اليد عنده كتكبيرة الافتتاح ألا ترى أنه محسوب من تكبيرات العيد ورفع اليد مسنون في تكبيرات العيد فكذا هذا ولنا أن الآثار لما اختلفت في فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحاكم إلى قوله وهو الحديث المشهور: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن عند افتتاح الصلاة، وفي العيدين والقنوت في الوتر»، وذكر أربعة في كتاب المناسك وحين رأى بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - يرفعون أيديهم في بعض أحوال الصلاة كره ذلك فقال «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكتوا»، وفي رواية: «قاروا في الصلاة»، والمعنى فيه أن هذه التكبيرة يؤتى بها في حال الانتقال، فلا يسن رفع اليد عنده كتكبيرة السجود وفقهه ما بينا أن المقصود من رفع اليد إعلام الأصم الذي خلفه وهذا إنما يحتاج إليه في التكبيرات التي يؤتى بها في حالة الاستواء كالتكبيرات الزوائد في العيدين وتكبير القنوت ولا حاجة إليه فيما يؤتى به في حالة الانتقال، فإن الأصم
يراه ينحط للركوع، فلا حاجة إلى الاستدلال برفع اليد.
(ثم يفتتح القراءة ويخفي ببسم الله الرحمن الرحيم) فقد أدخل التسمية في القراءة بهذا اللفظ وهذا إشارة إلى أنها من القرآن وكان مالك - رحمه الله تعالى - يقول لا يأتي المصلي بالتسمية لا سرا ولا جهرا لحديث عائشة - رضي الله عنها: «أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين»، ولنا حديث أنس قال «صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم» وتأويل حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه كان يخفي التسمية وهو مذهبنا وهو قول علي وابن مسعود وقال الشافعي - رحمه الله - يجهر بها الإمام في صلاة الجهر وهو قول ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهما - وعن عمر فيه روايتان واحتج بحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالتسمية»، ولما صلى معاوية بالمدينة ولم يجهر بالتسمية أنكروا عليه وقالوا أسرقت من الصلاة؟ أين التسمية؟ فدل أن الجهر بها كان معروفا عندهم ولنا حديث عبد الله بن المغفل - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع ابنه يجهر بالتسمية في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال يا بني إياك والحدث في الإسلام «، فإني صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فكانوا لا يجهرون بالتسمية» وهكذا روي عن أنس - رضي الله تعالى عنه -.
والمسألة في الحقيقة تنبني على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا وهو قول الحسن - رحمه الله -، فإنه كان يعد {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] آية، وقال الشافعي - رحمه الله - التسمية آية من أول الفاتحة قولا واحدا وله في أوائل السور قولان وكان ابن المبارك يقول: التسمية آية من أول كل سورة حتى قال: من ختم القرآن وترك التسمية فكأنما ترك مائة وثلاث عشرة آية أو مائة وأربع عشرة آية. والشافعي - رحمه الله - ربما احتج بحديث أبي الجوزاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم: «قرأ الفاتحة فقال بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية، ثم قال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] وعدها آية»، ولأنها مكتوبة في المصاحف بقلم الوحي لمبدأ الفاتحة وكل سورة، وقد أمرنا بتجريد القرآن في المصاحف من النقط والتعاشير ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات ولا تكون سبع آيات إلا بالتسمية وقول من يقول: {إياك نعبد} [الفاتحة: 5] آية {وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] آية ضعيف تشهد المقاطع بخلافه.
ولنا حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «قال: يقول الله - تعالى: قسمت الصلاة بيني
وبين عبدي نصفين فإذا قال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] يقول الله - تعالى - حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] قال الله - تعالى - مجدني عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] قال الله - تعالى - أثنى علي عبدي، وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] قال الله - تعالى - هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل»، فالبداءة بقوله الحمد لله رب العالمين دليل على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة إذ لو كانت آية من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة، فإنه يكون في النصف الأول أربع آيات إلا نصفا، وقد نص على المناصفة والسلف اتفقوا على أن سورة الكوثر ثلاث آيات وهي ثلاث آيات بدون التسمية ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة والقرآن لا يثبت مع الشبهة، فإن طريقه طريق اليقين والإحاطة.
(وعن) معلى قال قلت لمحمد التسمية آية من القرآن أم لا؟ قال: ما بين الدفتين كله قرآن. قلت: فلم لم تجهر؟ فلم يجبني. فهذا عن محمد بيان أنها آية أنزلت للفصل بين السور لا من أوائل السور ولهذا كتبت بخط على حدة وهو اختيار أبي بكر الرازي - رحمه الله - حتى قال محمد - رحمه الله - يكره للحائض والجنب قراءة التسمية على وجه قراءة القرآن؛ لأن من ضرورة كونها قرآنا حرمة قراءتها على الحائض والجنب وليس من ضرورة كونها قرآنا الجهر بها كالفاتحة في الآخرتين. ودليل هذا ما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال لعثمان لم لم تكتب التسمية بين التوبة والأنفال؟ قال: لأن التوبة من آخر ما نزل فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ولم يبين لنا شأنها فرأيت أوائلها يشبه أواخر الأنفال فألحقتها بها فهذا بيان منهما أنها كتبت للفصل بين السور. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمة الله عليهما - أن المصلي يسمي في أول صلاته، ثم لا يعيد؛ لأنها لافتتاح القراءة كالتعوذ. (وروى) المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه يؤتى بها في أول كل ركعة، وهو قول أبي يوسف - رحمه الله -، وهو أقرب إلى الاحتياط لاختلاف العلماء - والآثار في كونها آية من الفاتحة. (وروى) ابن أبي رجاء عن محمد - رحمه الله تعالى - أنه قال إذا كان يخفي القراءة يأتي بالتسمية بين السورة والفاتحة؛ لأنه أقرب إلى متابعة المصحف، وإذا كان يجهر لا يأتي بها بين السورة والفاتحة؛ لأنه لو فعل لأخفى بها فيكون ذلك سكتة له في وسط القراءة ولم ينقل ذلك مأثورا.
ثم قال (ويجهر الإمام في صلاة الجهر ويخافت في صلاة المخافتة) وهي الظهر والعصر وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يقول لا قراءة في هاتين الصلاتين لظاهر قوله - عليه الصلاة والسلام: «صلاة النهار عجماء»، أي ليس فيها قراءة، والدليل على فساد
هذا القول قوله - عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بقراءة»، وقيل لخباب بن الأرت - رضي الله تعالى عنه: «بم عرفتم قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر والعصر؟ قال: باضطراب لحيته»، وقال قتادة - رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعنا الآية والآيتين في صلاة الظهر أحيانا».
(وقال) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه: «سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ: {الم} [السجدة: 1] {تنزيل} [السجدة: 2] السجدة»: «، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الابتداء يجهر بالقرآن في الصلاة كلها»، وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل ومن أنزل عليه فأنزل الله - تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر؛ لأنهم كانوا مستعدين للأذى في هذين الوقتين، ويجهر في صلاة المغرب؛ لأنهم كانوا مشغولين بالأكل، وفي صلاة العشاء والفجر؛ لأنهم كانوا نياما، ولهذا جهر في الجمعة والعيدين؛ لأنه أقامها بالمدينة وما كان للكفار بها قوة الأذى، وقد صح رجوع ابن عباس - رضي الله عنه - عن هذا القول، فإن رجلا سأله أأقرأ خلف إمامي؟ فقال أما في الظهر والعصر فنعم، وتأويل قوله عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة ونحن نقول به.
وحد القراءة في هاتين الصلاتين أن يصحح الحروف بلسانه على وجه يسمع من نفسه أو يسمع منه من قرب أذنه من فيه، فأما ما دون ذلك فيكون تفكرا ومجمجة لا قراءة، فإن كان وحده يخافت في هاتين الصلاتين كالإمام، فأما في صلاة الجهر فيتخير، فإن شاء خافت؛ لأن الجهر لإسماع من خلفه وليس خلفه أحد، وإن شاء جهر، وهو أفضل؛ لأنه يكون مؤديا صلاته على هيئة الصلاة بالجماعة والمنفرد مندوب إلى هذا.
وكذلك في التهجد بالليل إن شاء خافت، وإن شاء جهر، وهو أفضل لما روي عن عائشة - رضي الله عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تهجده كان يؤنس اليقظان ولا يوقظ الوسنان»، «ومر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر، وهو يتهجد ويخفي بالقراءة وبعمر، وهو يجهر بالقراءة وببلال، وهو ينتقل من سورة إلى سورة فلما أصبحوا سأل كل واحد منهم عن حاله فقال أبو بكر - رضي الله عنه - كنت أسمع من أناجيه وقال عمر - رضي الله عنه - كنت أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان وقال بلال - رضي الله عنه - كنت أنتقل من بستان إلى بستان فقال لأبي بكر ارفع من صوتك قليلا ولعمر أخفض من صوتك قليلا ولبلال إذا ابتدأت سورة فأتمها»، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله - يقول يتخير الإمام في التسمية بين الجهر والمخافتة وهذا مذهبه في كل ما اختلف فيه الأثر كرفع اليد عند الركوع وتكبيرات العيد ونحوها
يستدل بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من استجمر فليوتر من فعل هذا فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج»، وهذا ضعيف، فإن آخر الفعلين يكون ناسخا لأولهما والقول بالتخيير بين الناسخ والمنسوخ عملا لا يجوز.
قال (والقراءة في الركعتين الأوليين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب) ، وإن تركها جاز. والمذهب عندنا أن فرض القراءة في الركعتين من كل صلاة، وكان الحسن البصري يقول في ركعة واحدة وكان مالك يقول في ثلاث ركعات والشافعي - رضي الله تعالى عنه - يقول في كل ركعة. واستدل الحسن البصري بقوله - عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بقراءة»، وهذا يقتضي فرضية القراءة لا تكرارها، فإن الكل صلاة واحدة وهذا ضعيف، فإنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاكتفاء بالقراءة في ركعة واحدة في شيء من الصلوات ولو جاز ذلك لفعله مرة تعليما للجواز، وقد سمى الله - تعالى - الفاتحة مثاني؛ لأنها تثنى في كل صلاة أي تقرأ مرتين.
والشافعي - رضي الله عنه - احتج فقال أجمعنا على فرضية القراءة في كل ركعة من التطوع، والفرض أقوى من التطوع فثبتت الفرضية في كل ركعة من الفرض بطريق الأولى، ولأن كل ركعة تشتمل على أركان الصلاة، وسائر الأركان كالقيام والركوع والسجود فرض في كل ركعة فكذلك ركن القراءة وهكذا قال مالك - رحمه الله - إلا أنه قال: أقيم القراءة في أكثر الركعات مقامها في الجميع تيسيرا.
ولنا إجماع الصحابة، فإن أبا بكر كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة الثناء، وروي أنه قرأ في الأخيرتين: {آمن الرسول} [البقرة: 285] على جهة الثناء، وعمر - رضي الله تعالى عنه - ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر، وعثمان - رضي الله تعالى عنه - ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخيرتين وجهر، وعن علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما كانا في الأخيرتين يسبحان، وسأل رجل عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن قراءة الفاتحة في الأخيرتين فقالت اقرأ ليكون على جهة الثناء وكفى بإجماعهم حجة.
قال (ثم القراءة في الأخيرتين ذكر يخافت بها في كل حال) ، فلا تكون ركنا كثناء الافتتاح وتأثيره أن مبنى الأركان على الشهرة والظهور ولو كانت القراءة في الأخيرتين ركنا لما خالف الأوليين في الصفة كسائر الأركان، وكل شفع من التطوع صلاة على حدة بخلاف الفرض حتى أن فساد الشفع الثاني في التطوع لا يوجب فساد الشفع الأول. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الأفضل له أن يقرأ الفاتحة في
الأخيرتين، وإن ترك ذلك عامدا كان مسيئا، وإن كان ساهيا فعليه سجود السهو. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه يتخير بين قراءة الفاتحة والتسبيح والسكوت ولا يلزمه سجود السهو بترك القراءة فيهما ساهيا، وهو الأصح. فسجود السهو يجب بترك الواجبات أو السنن المضافة إلى جميع الصلاة، ووجه رواية الحسن أنه إذا سكت قائما كان سامدا متحيرا، وتفسير السامد المعرض عن القراءة فقد كره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه فقال: «مالي أراكم سامدين».
قال (ثم قراءة الفاتحة لا تتعين ركنا في الصلاة عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - تتعين حتى لو ترك حرفا منها في ركعة لا تجوز صلاته، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وبمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على قراءتها في كل ركعة.
ولنا قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] فتعيين الفاتحة يكون زيادة على هذا النص، وهو يعدل النسخ عندنا، فلا يثبت بخبر الواحد، ثم المقصود التعظيم باللسان وذلك لا يختلف بقراءة الفاتحة وغيرها والحاصل أن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به، وخبر الواحد موجب للعمل دون العلم فتعين الفاتحة بخبر الواحد واجب حتى يكره له ترك قراءتها وتثبت الركنية بالنص، وهو الآية، ولا يفترض عليه قراءة السورة مع الفاتحة في الأوليين إلا على قول مالك - رحمه الله تعالى - يستدل بقوله - عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها أو قال وشيء معها»، ونحن نوجب العمل بهذا الخبر حتى لا نأذن له بالاكتفاء بالفاتحة في الأوليين ولكن لا نثبت الركنية به للأصل الذي قلنا.
قال: (وإذا أراد أن يركع كبر) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان يكبر حين يهوي إلى الركوع»، ومن الناس من يقول لا يكبر عند الركوع ولا عند السجود، وهو قول ابن عمر وأصحابه، ويروون عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - أنه كان لا يتم التكبير، فأما عمر وعلي وابن مسعود - رضوان الله عليهم - فكانوا يكبرون عند الركوع والسجود حتى روي أن عليا - رضي الله عنه - صلى بأصحابه يوما فقام أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - وقال ذكرني هذا الفتى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كان يكبر في كل خفض ورفع، أو قال: عند كل خفض ورفع»، وتأويل حديث عثمان - رضي الله عنه - كان لا يتم التكبير أي جهرا أي يخافت بآخر التكبير كما هو عادة بعض الأئمة.
قال: (ووضع يديه على ركبتيه) ، وهو قول عامة الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - وكان ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -
وأصحابه يقولون بالتطبيق وصورته أن يضم إحدى الكفين إلى الآخر ويرسلهما بين فخذيه، ورأى سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - ابنا له يطبق فنهاه فقال رأيت عبد الله بن مسعود يفعل هكذا فقال رحم الله ابن أم عبد كنا أمرنا بهذا، ثم نهينا عنه، وفي حديث الأعرابي حين علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: «ثم اركع وضع يديك على ركبتيك»، وهكذا في حديث أنس - رضي الله عنه -.
قال: (وفرج بين أصابعه) ولا يندب إلى التفريق بين الأصابع في شيء من أحوال الصلاة إلا هذا ليكون من الأخذ بالركبة، فإن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال يا معشر الناس أمرنا بالركب فخذوا بالركب.
قال: (وبسط ظهره) لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وعائشة - رضي الله تعالى عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع بسط ظهره حتى لو وضع على ظهره قدح من ماء لاستقر».
قال: (ولا ينكس رأسه ولا يرفعه) ومعناه يسوي رأسه بعجزه، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى أن يذبح المصلي تذبخ الحمار»، يعني إذا شم البول أو أراد أن يتمرغ.
قال: (وإذا اطمأن راكعا رفع رأسه) والطمأنينة مذكورة في حديث الأعرابي قال: «ثم اركع حتى يطمئن كل عضو منك»، وكذلك قال في السجود وعند رفع الرأس وهكذا في حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - حين علمه الصلاة قال: «ثم اركع حتى يستقر كل عضو منك»، ثم قال في آخر الحديث: «فإنها من سنتي، ومن تبع سنتي فقد تبعني، ومن تبعني كان معي في الجنة».
ثم (يقول سمع الله لمن حمده ويقول من خلفه: ربنا لك الحمد) ولم يقلها الإمام في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ويقولها في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد»، وعن علي - رضي الله عنه - قال ثلاث يخفيهن الإمام، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - أربع يخفيهن الإمام، وفي جملته ربنا لك الحمد ولأنا لا نجد شيئا من أذكار الصلاة يأتي به المقتدي دون الإمام فقد يختص الإمام ببعض الأذكار كالقراءة ولأبي حنيفة - رحمه الله - قول النبي - صلى الله عليه وسلم: «وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد»، فقسم هذين الذكرين بين الإمام والمقتدي ومطلق القسمة يقتضي أن لا يشارك كل واحد منهما صاحبه في قسمه ولأن المقتدي يقول ربنا لك الحمد عند قول الإمام سمع الله لمن حمده فلو قال الإمام ذلك لكانت مقالته بعد مقالة المقتدي وهذا خلاف موضوع الإمامة. وتأويل الحديث المرفوع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]