عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-02-2025, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 21 الى صـــ 30
(3)







في التهجد حالة الانفراد وبه نقول، فأما المنفرد على قولهما فيجمع بين الذكرين وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن هكذا، وفي رواية أبي يوسف قال يقول ربنا لك الحمد ولا يقول سمع الله لمن حمده، وهو الأصح؛ لأنه حث لمن خلفه على التحميد وليس خلفه أحد، وعلى قول الشافعي - رضي الله تعالى عنه - كل مصل يجمع بين الذكرين وهذا بعيد، فإن الإمام يحث من خلفه على التحميد، فلا معنى لمقابلة القوم إياه بالحث بل ينبغي أن يشتغلوا بالتحميد. والشافعي - رضي الله تعالى عنه - يزيد على هذا ما نقل في حديث علي - رضي الله تعالى عنه: «ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد» إلخ، وتأويله عندنا في التهجد.
قال: (ثم يكبر ويسجد فإذا اطمأن ساجدا رفع رأسه وكبر فإذا اطمأن قاعدا سجد أخرى وكبر) ، وقد بينا أو تكلموا أن السجود لماذا كان في كل ركعة مثنى والركوع واحد؟ فمذهب الفقهاء أن هذا تعبدي لا يطلب فيه المعنى كأعداد الركعات، وقيل إنما كان السجود مثنى ترغيما للشيطان، فإنه أمر بسجدة فلم يفعل فنحن نسجد مرتين ترغيما له وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - في سجود السهو فقال: «هما ترغيمتان للشيطان»، وقيل إنه في السجدة الأولى يشير إلى أنه خلق من الأرض، وفي الثانية يشير إلى أنه يعاد إليها، قال الله - تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} [طه: 55] الآية.
(ويقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه) لحديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال لما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اجعلوها في ركوعكم»، ولما نزل قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اجعلوها في سجودكم» قال عقبة: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا».
وروى ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه، ومن قال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه»، ولم يرد بهذا اللفظ أدنى الجواز، وإنما أراد به أدنى الكمال، فإن الركوع والسجود يجوزان بدون هذا الذكر إلا على قول ابن أبي مطيع البلخي، فإنه كان يقول كل فعل هو ركن يستدعي ذكرا فيه يكون ركنا كالقيام، ولكنا نقول لو شرع في الركوع ذكر هو ركن لكان من القرآن، فإن الركوع مشبه بالقيام وحين علم رسول الله
صلى الله عليه وسلم - الأعرابي الصلاة لم يذكر له في الركوع والسجود شيئا من الأذكار، وقد بين له الأركان، ولو زاد على الثلاث كان أفضل إلا أنه إذا كان إماما لا ينبغي له أن يطول على وجه يمل القوم؛ لأنه يصير سببا للتنفير وذلك مكروه، فإن معاذا لما طول القراءة «قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ».
وكان الثوري - رحمه الله - يقول ينبغي أن يقولها الإمام خمسا ليتمكن المقتدي من أن يقولها ثلاثا، والشافعي - رحمه الله تعالى - يقول بهذا ويزيد في الركوع ما روي عن علي - رضي الله تعالى عنه: «اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وفي السجود: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين»، وهذا محمول وهذا عندنا على التهجد بالليل ويضع يديه في السجود حذاء أذنيه لحديث وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع يديه حذاء أذنيه»، ولأن آخر الركعة معتبر بأولها فكما يجعل رأسه بين يديه في أول الركعة عند التكبير فكذلك في آخرها والذي روي عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان إذا سجد وضع يديه حذو منكبيه»، محمول على حالة العذر للكبر أو المرض ويوجه أصابعه نحو القبلة لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة».
وفي حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إذا سجد العبد سجد كل عضو معه فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع ويعتمد على راحتيه» لحديث وائل بن حجر، فإنه قال لأصحابه ألا أصف لكم سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا نعم فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته، ثم قال هكذا كان يسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (ويبدي ضبعيه) للحديث المشهور أنه - صلى الله عليه وسلم: «كان إذا سجد أبدى ضبعيه أو أبد ضبعيه» والإبداء والتبديد كل واحد منهما لغة وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى يرى بياض إبطيه»، وفي رواية: «حتى يرثى له أن يرحم من جهده»، وفي حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - حتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت.
(ولا يفترش ذراعيه) لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يفترش المصلي ذراعيه افتراش الكلب أو الثعلب»، فذكره هذا المثل دليل على شدة الكراهة وكان مالك يقول في النفل لا بأس
بأن يفترش ذراعيه ليكون أيسر عليه ولكن النهي عام يتناول النفل والفرض جميعا وهذا في حق الرجال.
فأما المرأة فتحتفز وتنضم وتلصق بطنها بفخذيها وعضديها بجنبيها هكذا عن علي - رضي الله تعالى عنه - في بيان السنة في سجود النساء ولأن مبنى حالها على الستر فما يكون أستر لها فهو أولى لقوله - صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة مستورة».
(وينهض على صدور قدميه حتى يستتم قائما في الركعة الثانية عندنا) وقال الشافعي - رضي الله عنه - الأولى أن يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض، لحديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من السجود في السجدة الثانية جلس جلسة خفيفة، ثم ينهض»، ولأن كل ركعة تشتمل على جميع أركان الصلاة ومن أركانها القعدة فينبغي أن يكون ختم كل ركعة بقعدة قصيرة أو طويلة.
ولنا حديث وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من السجود إلى الركعة الثانية نهض على صدور قدميه»، ولأنه لو كان هاهنا قعدة لكان الانتقال إليها ومنها بالتكبير ولكان لها ذكر مسنون كما في الثانية والرابعة وتأويل حديثهم أنه فعل لأجل العذر بسبب الكبر كما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «إني امرؤ قد بدنت، فلا تبادروني بركوع ولا سجود»، ومنهم من يروي بدنت، وهو تصحيف، فإن البدانة هي الضخامة ولم ينقل في صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي قوله نهض على صدور قدميه إشارة إلى أنه لا يعتمد بيديه على الأرض عند قيامه كما لا يعتمد على جالس بين يديه والمعنى أنه اعتماد من غير حاجة فكان مكروها والذي روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في صلاته شبه العاجز»، تأويله أنه كان عند العذر بسبب الكبر.
(ويحذف التكبير حذفا ولا يطوله) لحديث إبراهيم النخعي موقوفا ومرفوعا: «الأذان جزم والإقامة جزم والتكبير جزم»، ولأن المد في أوله لحن من حيث الدين؛ لأنه ينقلب استفهاما، وفي آخره لحن من حيث اللغة، فإن أفعل لا يحتمل المبالغة.
(ويوجه أصابع رجليه في سجوده نحو القبلة) لما روي: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا سجد فتح أصابعه»، أي أمالها إلى القبلة ولقوله - عليه الصلاة والسلام: «فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع».
قال: (ويعتمد بيمينه على يساره في قيامه في الصلاة) وأصل الاعتماد سنة إلا على قول الأوزاعي، فإنه كان يقول يتخير المصلي بين الاعتماد والإرسال وكان يقول إنما أمروا بالاعتماد إشفاقا عليهم؛ لأنهم كانوا يطولون القيام
فكان ينزل الدم إلى رءوس أصابعهم إذا أرسلوا فقيل لهم لو اعتمدتم لا حرج عليكم. والمذهب عند عامة العلماء أنه سنة واظب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال - عليه الصلاة والسلام: «إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نأخذ شمائلنا بأيماننا في الصلاة»، وقال علي - رضي الله تعالى عنه - إن من السنة أن يضع المصلي يمينه على شماله تحت السرة في الصلاة وأما صفة الوضع ففي الحديث المرفوع لفظ الأخذ، وفي حديث علي - رضي الله تعالى عنه - لفظ الوضع واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بينهما بأن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ ليكون عاملا بالحديثين، فأما موضع الوضع فالأفضل عندنا تحت السرة وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - الأفضل أن يضع يديه على الصدر لقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2] قيل المراد منه وضع اليمين على الشمال على النحر، وهو الصدر ولأنه موضع نور الإيمان فحفظه بيده في الصلاة أولى من الإشارة إلى العورة بالوضع تحت السرة، وهو أقرب إلى الخشوع والخشوع زينة الصلاة.
ولنا حديث علي - رضي الله تعالى عنه - كما روينا والسنة إذا أطلقت تنصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم الوضع تحت السرة أبعد عن التشبه بأهل الكتاب وأقرب إلى ستر العورة فكان أولى. والمراد من قوله وانحر نحر الأضحية بعد صلاة العيد ولئن كان المراد بالنحر الصدر فمعناه لتضع بالقرب من النحر وذلك تحت السرة، ثم قال في ظاهر المذهب الاعتماد سنة القيام، وروي عن محمد - رحمه الله - أنه سنة القراءة، وإنما يتبين هذا في المصلي، بعد التكبير عند محمد - رحمه الله - يرسل يديه في حالة الثناء فإذا أخذ في القراءة اعتمد، وفي ظاهر الرواية كما فرغ من التكبيرة يعتمد.
قال: (وإذا قعد في الثانية أو الرابعة افترش رجله اليسرى فيجعلها بين أليتيه ويقعد عليها وينصب اليمنى نصبا ويوجه أصابع رجله اليمنى نحو القبلة) وقال مالك في القعدتين جميعا المسنون أن يقعد متوركا وذلك بأن يخرج رجليه من جانب ويفضي بأليتيه إلى الأرض لحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قعد في صلاته قعد متوركا»، والشافعي يقول في القعدة الأولى مثل قولنا؛ لأنها لا تطول، وهو يحتاج إلى القيام والقعود بهذه الصفة أقرب إلى الاستعداد للقيام، وفي القعدة الثانية يقول قول مالك - رحمه الله -؛ لأنها تطول ولا يحتاج إلى القيام بعدها فينبغي أن يكون مستقرا على الأرض.
ولنا حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها وصفت قعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فذكرت أنه: «كان إذا قعد افترش رجله اليسرى
ويقعد عليها وينصب اليمنى نصبا» وما روي بخلافه فهو محمول على حالة العذر للكبر ولأن القعود على الوجه الذي بينا أشق على البدن: «وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال فقال أحمزها»، أي أشقها على البدن ويقول الشافعي - رضي الله عنه - ما كان متكررا من أفعال الصلاة فالثاني لا يخالف الأول في الصفة كسائر الأفعال، فأما المرأة فينبغي لها أن تقعد متوركة لما روي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأتين تصليان فلما فرغتا دعاهما وقال: اسمعان، إذا قعدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض»، ولأن هذا أقرب إلى الستر في حقهن.
قال (ويكون منتهى بصره في صلاته حال القيام موضع سجوده) لحديث أبي قتادة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى سما ببصره نحو السماء فلما نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] رمى ببصره إلى موضع سجوده»، ولما نزل قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] قال أبو طلحة - رضي الله عنه - ما الخشوع يا رسول الله قال: «أن يكون منتهى بصر المصلي حال القيام موضع سجوده»، ثم فسر الطحاوي في كتابه فقال في حالة القيام ينبغي أن يكون منتهى بصره موضع سجوده، وفي الركوع على ظهر قدميه، وفي السجود على أرنبة أنفه، وفي القعود على حجره زاد بعضهم وعند التسليمة الأولى على منكبه الأيمن وعند التسليمة الثانية على منكبه الأيسر، فالحاصل أن يترك التكلف في النظر فيكون منتهى بصره ما بينا.
قال: (ولا يلتفت في الصلاة) لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لو علم المصلي من يناجي ما التفت»، ولما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة قال: «تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاة أحدكم»، وحد الالتفات المكروه أن يلوي عنقه ووجهه على وجه يخرج وجهه من أن يكون إلى جهة الكعبة، فأما إذا نظر بمؤخر عينيه يمنة أو يسرة من غير أن يلوي عنقه، فلا يكون مكروها لما روي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلاحظ أصحابه في صلاته بمؤخر عينيه».
(ولا يعبث في الصلاة بشيء من جسده وثيابه) لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: «إن الله - تعالى - كره لكم ثلاثا الرفث في الصوم والعبث في الصلاة والضحك في المقابر»، ولما «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي، وهو يعبث بلحيته قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»، فجعل فعله دليل نفاقه قال الطحاوي تأويله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف بطريق الوحي أن الرجل منافق مستهزئ، فأما أن يكون هذا الفعل من علامات النفاق فلا؛ لأن المصلي قلما ينجو منه.
ألا ترى أنه «قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: ومن يطيق ذلك؟ قال ليكن في الفريضة»، إذا فالحاصل أن كل عمل هو مفيد للمصلي، فلا بأس أن يأتي به أصله ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «أنه عرق ليلة في صلاته فسلت العرق عن جبينه»؛ لأنه يؤذيه فكان مفيدا: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الصيف إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة»؛ لأنه كان مفيدا حتى لا يبقي صورة، فأما ما ليس بمفيد فيكره للمصلي أن يشتغل به، لقوله - صلى الله عليه وسلم: «إن في الصلاة لشغلا»، والعبث غير مفيد له شيئا، فلا يشتغل به.
(ولا يقلب الحصى)؛ لأنه نوع عبث غير مفيد والنهي عن تقليب الحصى يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جابر وأبو ذر ومعيقيب بن أبي فاطمة وأبو هريرة حتى قال في بعضها: «وإن تتركها فهو خير لك من مائة ناقة سود الحدقة تكون لك»، فإن كان الحصى لا يمكنه من السجود، فلا بأس بأن يسويه مرة واحدة وتركه أحب إلي: «لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر يا أبا ذر مرة أو ذر» ولأن هذا عمل مفيد له ليتمكن من وضع الجبهة والأنف على الأرض، فلا بأس به بعد أن يكون قليلا لا يزيد على مرة وتركه أقرب إلى الخشوع فهو أولى.
قال: (ولا يفرقع أصابعه) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى عن الفرقعة في الصلاة»، «ومر بمولى له، وهو يصلي ويفرقع أصابعه فقال أتفرقع أصابعك وأنت تصلي؟، لا أم لك»، وكان - عليه الصلاة والسلام: «ينهى المنتظر للصلاة أن يفرقع أصابعه في تلك الحالة»، ففي الصلاة أولى، وهو نوع عبث غير مفيد.
قال: (ولا يضع يديه على خاصرته) لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: «نهى عن التخصر في الصلاة»، وقيل: إنه استراحة أهل النار ولا راحة لهم، وإن الشيطان أهبط متخصرا ولأنه فعل المصاب وحال الصلاة حال يناجي فيه العبد ربه - تعالى - فهو حال الافتخار لا حال إظهار المصيبة ولأنه فعل أهل الكتاب، وقد نهينا عن التشبه بهم.
قال: (ولا يقعي إقعاء) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يقعي المصلي إقعاء الكلب»، وفي تفسير الإقعاء وجهان: أحدهما: أن ينصب قدميه كما يفعله في السجود ويضع أليتيه على عقبيه، وهو معنى: «نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عقب الشيطان». الثاني: أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا وهذا أصح؛ لأن إقعاء الكلب يكون بهذه الصفة إلا أن إقعاء الكلب يكون في نصب اليدين وإقعاء الآدمي يكون في نصب الركبتين إلى صدره.
قال: (ولا يتربع من غير عذر) ، لما روي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - رأى ابنه
يتربع في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال رأيتك تفعله يا أبت فقال إن رجلي لا تحملاني، ومن مشايخنا من غلل فيه فقال التربع جلوس الجبابرة فلهذا كره في الصلاة وهذا ليس بقوي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان يتربع في جلوسه في بعض أحواله»، حتى روي أنه: «كان يأكل يوما متربعا فنزل عليه الوحي كل كما تأكل العبيد»، وهو كان منزها عن أخلاق الجبابرة وكذلك عامة جلوس عمر - رضي الله عنه - في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان متربعا ولكن العبارة الصحيحة أن يقال الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع من التربع فهو أولى في حال الصلاة إلا عند العذر.
قال: (لو مسح جبهته من التراب قبل أن يفرغ من صلاته لا بأس به) ؛ لأنه عمل مفيد، فإن التصاق التراب بجبهته نوع مثلة فربما كان الحشيش الملتصق بجبهته يؤذيه، فلا بأس به ولو مسح بعد ما رفع رأسه من السجدة الأخيرة لا خلاف في أنه لا بأس به، فأما قبل ذلك، فلا بأس به في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف قال أحب إلي أن يدعه؛ لأنه يتترب ثانيا وثالثا، فلا يكون مفيدا ولو مسح لكل مرة كان عملا كثيرا، ومن مشايخنا من كره ذلك قبل الفراغ من الصلاة وجعلوا القول قول محمد - رحمه الله - في الكتاب لا مفصولا عن قوله أكرهه، فإنه قال في الكتاب قلت لو مسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته قال لا أكرهه يعني لا تفعل، فإني أكرهه لحديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه: «أربع من الجفاء أن تبول قائما وأن تسمع النداء فلم تجبه وأن تنفخ في صلاتك وأن تمسح جبهتك في صلاتك»، وتأويله، عند من لا يكرهه من أصحابنا المسح باليدين كما يفعله الداعي إذا فرغ من الدعاء في غير الصلاة.
قال: (والتشهد أن يقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ، وهو تشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - والمختار عند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - تشهد ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وصفته أن يقول التحيات المباركات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهو يقول بأن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - كان من فتيان الصحابة - رضوان الله عليهم -، فإنما يختارون ما استقر عليه الأمر آخرا، فأما ابن مسعود فهو من الشيوخ ينقل ما كان في الابتداء كما نقل التطبيق وغيره ولأن تشهد ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أقرب إلى موافقة القرآن قال الله - تعالى: تحية
من عند الله مباركة طيبة [النور: 61] والسلام بغير الألف واللام أكثر في القرآن قال الله - تعالى: {سلام عليكم طبتم} [الزمر: 73] : {سلام عليكم بما صبرتم} [الرعد: 24] ومالك - رحمه الله - يأخذ بتشهد عمر - رضي الله تعالى عنه - وصورته التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات لله وقال: إن عمر - رضي الله تعالى عنه - علم الناس التشهد بهذه الصفة على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن الناس من اختار تشهد أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - وهو أن يقول التحيات لله الطيبات والصلوات لله والباقي كتشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وفيه حكاية، فإن أعرابيا دخل على أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في المسجد فقال أبواو أم بواوين؟ فقال: بواوين. فقال: بارك الله فيك كما بارك في لا ولا، ثم ولى فتحير أصحابه وسألوه عن ذلك فقال إن هذا سألني عن التشهد أبواوين كتشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أم بواو كتشهد أبي موسى؟ قلت: بواوين. قال: بارك الله فيك كما بارك في شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية.
وإنما أخذنا بتشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لحسن ضبطه ونقله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أبا حنيفة قال أخذ حماد بيدي وقال حماد أخذ إبراهيم بيدي وقال إبراهيم أخذ علقمة بيدي وقال علقمة أخذ عبد الله بن مسعود بيدي وقال ابن مسعود: «أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني السورة من القرآن وكان يأخذ علينا بالواو والألف»، وقال علي بن المديني لم يصح من التشهد إلا ما نقله أهل الكوفة عن عبد الله بن مسعود وأهل البصرة عن أبي موسى، وعن خصيف قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت كثر الاختلاف في التشهد فبماذا تأمرني أن آخذ قال بتشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - ولأن تشهد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أبلغ في الثناء، فإن الواوات تجعل كل لفظ ثناء بنفسه.
(والسلام بالألف واللام ليكون أبلغ منه بغير الألف واللام) وترجيح الشافعي - رحمه الله تعالى - بعيد، فإنه يؤدي إلى تقديم الأحداث على المهاجرين الأولين وأحد لا يقول به وترجيح مالك ليس بقوي أيضا، فإن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - علم الناس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كما هو تشهد ابن مسعود فدل أن الأخذ به أولى.
(ويكره أن يزيد في التشهد شيئا أو يبتدئ قبله بشيء)
ومراده ما نقل شاذا في أول التشهد باسم الله وبالله أو باسم الله خير الأسماء، وفي آخره أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فإنه لم يشتهر نقل هذه الكلمات وابن مسعود يقول وكان يأخذ علينا بالواو
والألف فذلك تنصيص على أنه لا تجوز الزيادة عليه بخلاف التطوعات، فإنها غير محصورة بالنص فجوزنا الزيادة عليه ولا يزيد في الفرائض على التشهد في القعدة الأولى عندنا وقال الشافعي يزيد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستدل بحديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في كل ركعتين تشهد وسلام على المرسلين، ومن تبعهم من عباد الله الصالحين».
ولنا حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان لا يزيد على التشهد في القعدة الأولى»، وروي أنه كان يقعد في القعدة الأولى كأنه على الرضف يعني الحجارة المحماة يحكي الراوي بهذا سرعة قيامه فدل أنه كان لا يزيد على التشهد، وتأويل حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - في التطوعات، فإن كل شفع من التطوع صلاة على حدة أو مراده سلام التشهد، فأما في الرابعة فيدعو بعده ويسأل حاجته ولم يذكر الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأورد الطحاوي في مختصره أن بعد التشهد يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو حاجته ويستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، وهو الصحيح، فإن التشهد ثناء على الله - تعالى -.
ويعقبه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في التحميد المعهود، وهو مروي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وكان إبراهيم النخعي يقول يجزئ من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله السلام عليك أيها النبي، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ليست من جملة الأركان عندنا وقال الشافعي هي من جملة أركان الصلاة لا تجوز الصلاة إلا بها.
وفي الصلاة على آله وجهان، واستدل بقوله - عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يصل علي في صلاته»، ولأن الله - تعالى - أمرنا بالصلاة عليه ومطلق الأمر للإيجاب ولا تجب في غير الصلاة فدل أنها تجب في الصلاة.
ولنا حديث كعب بن عجرة - رضي الله تعالى عنه - قال يا رسول الله عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى ال محمد»، فهو لم يعلمهم حتى سألوه ولو كان من أركان الصلاة لبينه لهم قبل السؤال وحين علم الأعرابي أركان الصلاة لم يذكر الصلاة عليه ولأنه صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون من أركان الصلاة كالصلاة على إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -.
وتأويل الحديث نقول أراد به نفي الكمال كقوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، وبه نقول والآية تدل على أن الصلاة واجبة عليه في العمر مرة، فإن مطلق الأمر لا يقتضي التكرار وبه نقول وكان الطحاوي يقول كلما سمع ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -
من غيره أو ذكره بنفسه يجب عليه أن يصلي، وهو قول مخالف للإجماع فعامة العلماء على أن ذلك مستحب وليس بواجب.
(ثم يدعو بحاجته) لقوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} [الشرح: 7] {وإلى ربك فارغب} [الشرح: 8] قيل معناه إذا فرغت من الصلاة فانصب للدعاء وارغب إلى الله - تعالى - بالإجابة: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر صلاته يتعوذ بالله من المغرم والمأثم ومن فتنة المحيا والممات»، ولما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود - رضي الله عنه - التشهد قال له: «وإذا قلت هذا فاختر من الدعاء أعجبه»، وكان ابن مسعود يدعو بكلمات منهن: "اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم" .
قال: (ثم يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله والأخرى عن يساره مثل ذلك) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وتحليلها السلام»، وقد جاء أوان التحليل. ومن تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التحليل يصير كأنه رجع إليهم فيسلم. والتسليمتان قول جمهور العلماء وكبار الصحابة عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - وكان مالك - رحمه الله تعالى - يقول يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهكذا روت عائشة وسهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ برواية كبار الصحابة أولى، فإنهم كانوا يلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال: «ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى»، فأما عائشة - رضي الله تعالى عنها - فكانت تقف في صف النساء وسهل بن سعد كان من جملة الصبيان فيحتمل أنهما لم يسمعا التسليمة الثانية على ما روي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين الثانية أخفض من الأولى».
(ثم في التسليمة الأولى يحول وجهه على يمينه، وفي الثانية على يساره) لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحول وجهه في التسليمة الأولى حتى يرى بياض خده الأيمن أو قال الأيسر»، يحكي الراوي بهذا شدة التفاته.
قال: (وينوي بالتسليمة الأولى من عن يمينه من الحفظة والرجال وبالتسليمة الثانية من عن يساره منهم) ؛ لأنه يستقبلهم بوجهه ويخاطبهم بلسانه فينويهم بقلبه، فإن الكلام إنما يصير عزيمة بالنية قال - عليه الصلاة والسلام: «إن الله - تعالى - وراء لسان كل متكلم فلينظر امرؤ ما يقول»، وقد ذكر الحفظة هنا وأخر في الجامع الصغير حتى ظن بعض أصحابنا أن ما ذكر هنا بناء على قول أبي حنيفة الأول في تفضيل الملائكة على البشر وما ذكر في الجامع الصغير بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر على الملائكة وليس
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]