درر وفوائـد من كــلام السلف
الحياة النافعة والحياة البهيمية
- قال ابن القيم رحمه الله: قاعدة جليلة قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(الأنفال: 24).
فتضمنت هذه الآية أمورا: أحدها أن الحياة النافعة، إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله؛ فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات؛ فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا.
فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان؛ ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول؛ فإن كان ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول صلى الله عليه وسلم .
(ص 85 من الفوائد).
العوائق
- قال ابن القيم رحمه الله: وأما العوائق فهي أنواع المخالفات ظاهرها وباطنها، فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله، وتقطع عليه طريقه وهي ثلاثة أمور: شرك، وبدعة، ومعصية. فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد، وعائق البدعة بتحقيق السنة، وعائق المعصية بتصحيح التوبة؛ وهذه العوائق لا تتبين للعبد يأخذ في أهبة السفر ويتحقق بالسير إلى الله والدار الآخرة؛ فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويحسن بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر، وإلا فما دام قاعدا لا يظهر له كوامنها وقواطعها.
(ص151 من الفوائد)
رقية لكل مسلم
رقية الرسول صلى الله عليه وسلم «تربة أرضنا بريقة بعضنا» هل المقصود تخصيص بعضنا دون الآخر؟
-ورد في (صحيح البخاري) عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربنا. والسؤال: هل قوله: «بريقة بعضنا» تدل على تخصيص بعضنا دون الآخر؟ كما آمل من سماحتكم شرح الطريقة الصحيحة لتطبيق هذا الحديث عمليًّا.
- هذا الحديث على ظاهره، وهو أن يعمد الراقي إلى بلِّ أصبعه بريق نفسه، ثم يمس بها التراب، ثم يمسح بأصبعه على محل الوجع قائلاً هذا الدعاء.
وأكثر العلماء على أن هذه الصفة عامة لكل راقٍ ولكل أرض. وذهب بعضهم إلى أن ذلك مخصوص برسول الله وبأرض المدينة. والصحيح هو الأول لعدم المخصص. والله أعلم.
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الفوائد الجليلة للإستغفار
-قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله:
الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب من العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل ; فإن العابد لله والعارف بالله في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة يزداد علما بالله، وبصيرة في دينه وعبوديته؛ بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله، ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقها، فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار ; بل هو مضطر إليه دائما في الأقوال والأحوال في الغوائب والمشاهد لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرات وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية والبدنية اليقينية الإيمانية.
وقد ثبتت: دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله من أولهم إلى آخرهم ومن آخرهم إلى أولهم ومن الأعلى إلى الأدنى. وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم وهم فيها درجات عند الله ولكل عامل مقام معلوم.
فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله دقه وجله خطأه وعمده أوله وآخره; سره وعلانيته وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه، والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته، ويمحو الذنب الذي هو من شعب الشرك؛ فإن الذنوب كلها من شعب الشرك.
فالتوحيد يُذهب أصل الشرك والاستغفار يمحو فروعه، فأبلغ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله. فأمره بالتوحيد والاستغفار لنفسه ولإخوانه من المؤمنين.
ذلة صاحب البدعة
قال سفيان بن عيينة -وحمه الله-: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه، قال: وهي في كتاب الله، قالوا: وأين هي من كتاب الله، قال: أما سمعتم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الأعراف: 152)، قالوا: يا أبا محمد، هذه لأصحاب العجل خاصة.
قال: كلا اتلوا ما بعدها: {وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}(الأعراف: 152)، فهي لكل مفتر. ،مبتدع إلى يوم القيامة.
شعب الإيمان (27/7)، حلية الأولياء: (280/7).
أساس كل خير
- قال ابن القيم رحمه الله: قاعدة أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فتشكره عليها، وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك، وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شر فأصله خذلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألا يكلك الله نفسك، وأن الخذلان أن يخلي بينك وبين نفسك، فإذا كان كل خير فأصله التوفيق وهو بيد الله إلى نفسك لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه.
(ص 94 من الفوائد).
العارف والجاهل
- قال ابن القيم رحمه الله: فالعارف همته تصحيح الأساس وإحكامه، الجاهل يرفع في البناء عن غير أساس؛ فلا يلبث بنيانه أن يسقط، قال تعالى {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}(التوبة: 109).
فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان؛ فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من الآفات، وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء، فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان، فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه، كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس؛ وهذا الأساس أمران: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته، والثاني تجريد الانقياد له ولرسوله صلى الله عليه وسلم دونما سواه؛ فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه.
(ص 153 من الفوائد).
اعداد: حمد عبدالرحمن يوسف الكوس