عرض مشاركة واحدة
  #487  
قديم 14-02-2025, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


الأسئلة



وقت الدعاء المستجاب للصائم
السؤال للصائم دعوة مستجابة عند فطره، فمتى تكون هذه؟ هل قبل الفطر أو بعده؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب عند الشيء قربه، ولو كان مراد الشرع ما بعد وجود الفطر، لقال: بعد أن يفطر؛ ولكنه خص ذلك بما قبل الفطر بالوقت اليسير، وهذا له نظائر في الشريعة، ولذلك تجد في الصلاة أن الدعاء قبل السلام مظنة الإجابة فيعطى العبد مسألته، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبات) ، أدبار: ودبر الشيء منه.
وكذلك الزكاة، فإنه إذا جاء ليزكي ويعطي الزكاة يستغفر له الإمام ويدعو، {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} [التوبة:103] وهذا عند قبضها.
ومعلوم أن القبض يسبق إنفاق الزكوات وصرفها للمستحقين، فلذلك تكون قبل تمام العبادة، كأنه وفى لله والله يوفي له، فإذا وفى لله وقام بحق الله على أتم الوجوه؛ رزق هذه الدعوة الصالحة.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه عند فطره، يعني: عند مقاربة الفطر، فينادي الله -عز وجل- ويدعوه، وقد ضمرت أحشاؤه وخوت أمعاؤه، يسأل ربه سبحانه بتلك الكلمات الطيبات المباركات، فيلهج بهن بخلوف أطيب عند الله من ريح المسك.
فيسأل ربه قبل الإفطار مباشرة، فهذا من أفضل ما يكون، وهو الذي يدل عليه ظاهر الحديث، وتدل عليه النظائر.
والله تعالى أعلم.
دعوة المظلوم
السؤال دعوة المظلوم مستجابة، فهل هذا إذا كانت على من ظلمه، أم أنها مستجابة حتى لو دعا لنفسه في وقت كونه مظلوما؟
الجواب دعوة المظلوم مستجابة، النص فيها صحيح صريح.
ولذلك روى النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) ، فدعوة المظلوم مستجابة إذا كانت على من ظلمه.
وينبغي أن يكون دعاؤه في حدود مظلمته.
ويشمل دعاء المظلوم على عدة أوجه: الوجه الأول: أن يسأل الله عز وجل أن يكفيه شر الظالم وأذيته، وهذه دعوة السلامة.
فيقول: اللهم إني أدرأ بك في نحر فلان، وأعوذ بك من شره، أو يقول: اللهم اكفني شر فلان بما شئت، اللهم إن عبدك فلان قد ظلمني وأساء إلي أو انتهك عرضي أو أخذ مالي، اللهم اكفني ظلمه بما شئت، اللهم اقطع عني أذيته، واكفني شر بليته، ونحو ذلك من دعاء السلامة.
فهذا الدعاء إذا دعاه الإنسان لا يذهب أجره، وليس فيه اعتداء على الظالم، وليس فيه نقصان لأجره؛ لأنه يكتب له أجر الأذية التي حصلت فيما مضى؛ لأنه لم يدع على من ظلمه، وإنما سأل الله أن ينجيه من هذا البلاء.
أما النوع الثاني من دعاء المظلوم: فهو دعاء السلامة مع الدعاء على الظالم في نفسه أو ماله أو ولده أو غير ذلك، فإذا دعا على الظالم فأيضا يفصل فيه: فتارة يدعو على الظالم دعوة يسأل ربه فيها ألا يسلطه على غيره، فيقول: اللهم إن عبدك قد ظلمني، أسألك اللهم أن تحول بينه وبين عبادك المسلمين فلا يظلمهم، أو أسألك اللهم أن تقطع دابر أذيته عن المسلمين، أو نحو ذلك من الدعاء الذي يقصد به كف شر الظالم عنه وعن المسلمين.
فهذا عند بعض العلماء لاحق بالأول، ويقرنون حكمه بدعاء السلامة من هذا الوجه.
لكن إذا دعا على الظالم في نفسه أو ماله أو ولده فلا يخلو من حالتين: فيقول مثلا: اللهم إن فلانا ظلمني فافعل به كذا وكذا، أو خذ منه كذا وكذا، أو أنزل به كذا وكذا، ففيه تفصيل: إما أن يدعو في حدود مظلمته، فهذا قد أخذ حقه بسؤال ربه على قدر مظلمته.
وإما أن يدعو أكثر من حقه، فمثلا: لو جاء إنسان وظلمه وأخذ منه القلم، فقال: اللهم إني أسألك أن تعمي بصره، فأخذ البصر ليس كأخذ القلم، فليست هناك موافقة.
وأما حينما يدعو عليه أو على ولده أو أهله، فهذا النوع من الدعاء يعتبره العلماء اعتداء.
قالوا: وفي حكم هذا الدعاء على ولاة الأمر والعلماء؛ لأن الضرر إذا نزل بهم يتعدى إلى المسلمين، ويكون ضررهم عاما، فلو دعا على عالم، فإنه ربما ضر بإخوانه المسلمين وانقطع نفعه عن المسلمين، فهذا من الاعتداء.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال: (يأتي في آخر الزمان أقوام يعتدون في الدعاء وفي الطهور) .
فدل هذا على أنه ممنوع منه، حتى قال بعض العلماء: إن هذا يؤمن عليه من القصاص، وأخذ حقه منه.
وفي حكم هذا: أن يدعو على ولده، ويقول: اللهم نكد عليه عيشه في أهله وولده وكذا وكذا، فهذا يرونه من الاعتداء.
لكن بعض العلماء يقول: من حقه أن يدعو دعوة قاصمة لظهر الظالم إذا كانت هناك مظلمة يتعدى ضررها من الشخص بالتشهير به أو انتهاك عرضه.
ومن أمثلة ذلك: فعل السلف الصالح رحمهم الله، فإن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كذب عليه أهل الكوفة وآذوه، وهذه هي سنة الله في الأخيار والصالحين، أنهم يتهمون ويقذفون وينتقصون حتى يبرئهم الله -جل جلاله- من فوق سبع سماوات.
فـ سعد رضي الله عنه صحابي جليل كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدته ورخائه، وكان سدس الإسلام يوم أسلم رضي الله عنه وأرضاه، وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارم، فداك أبي وأمي) من عظيم ما كان من شأنه في الإسلام، فهو أول من رمى في سبيل الله، وأول من جمع له النبي صلى الله عليه وسلم بين والديه.
هذا الصحابي الجليل كذبوا عليه، حتى جاءوا إلى عمر وقالوا له: (إنه لا يحسن كيف يصلي) .
انظروا -يا إخوان- وفي هذا العبرة لكل داعية وصالح وتقي! أنه إذا جاء الكلام فيه من ورائه فإنه يطعن في كل شيء، حتى في دينه في عقيدته، في منهجه، في فكره؛ لأن هناك أناس ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالناس، كما قال تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون} [الفرقان:20] ! رجل من أهل الكوفة يأتي إلى عمر ويقول له: هذا الرجل الذي وضعته لنا لا يعرف كيف يصلي.
فقام عمر رضي الله عنه وأمر باستدعاء سعد إليه، وقطع هذه المسافة الشاسعة من الكوفة إلى المدينة من أجل ذلك، تصوروا كيف يطوي تلك المسافات الشاسعات وتمضي عليه ساعات الليل والنهار وهو في هم الظلم، حتى جاء إلى المدينة.
فقام وفد الكوفة الظالم الجائر فقال قائلهم: (أما وقد سألتنا عن سعد، فإنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية، ولا يحسن كيف يصلي بنا) .
الله أكبر! هذا الصحابي الجليل يصل إلى هذا القدر! فقال سعد رضي الله عنه: (والله ما كنت آلو أن أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطول في الأوليين، وأخفف في الأخريين، اللهم إن كنت تعلم أن عبدك هذا قد كذب وفجر فيما قال، اللهم أطل عمره، وخذ بصره، وعرضه للفتن) ، ثلاث دعوات.
فاستجيبت دعوته رضي الله عنه.
فعمر الرجل فوق مائة سنة، وكف بصره والعياذ بالله، وأصبح يتغزل النساء في آخر عمره والعياذ بالله، فتقول له المرأة: (اتق الله وأنت كبير سن) .
فيقول: (أصابتني دعوة الرجل الصالح) .
واشتكت امرأة إلى عمر وتكذب على سعيد بن زيد رضي الله عنه حيث ادعت أنه ظلمها في بئرها.
فقال سعيد: (اللهم إن كنت تعلم أنها كاذبة اللهم اجعل قبرها في بئرها) .
فعمي بصرها -والعياذ بالله- فسقطت يوما من الأيام في البئر فماتت، فكان البئر قبرا لها.
فهذه كلها نقم من الله سبحانه وتعالى.
وفي بعض الأحيان يسلط على من يؤذي عباد الله سبحانه وتعالى من حيث لا يحتسب، خاصة إذا لم يدع المظلوم، فإنه إذا لم يدع تولى الله سبحانه وتعالى أمره.
حتى ذكروا عن بني إسرائيل من قصصهم المعتبرة: أن رجلا ظلم امرأة، فابتلي -نسأل الله السلامة والعافية- ببلية لم يدر لها علاج.
فاشتكوا إلى حبر من أحبار اليهود، فقال لهم: ما شأنه؟ قالوا: ظلم فلانة.
قال: اذهبوا إلى فلانة، واسألوها أن تسامحه.
فامتنعت أن تسامحه.
وكان قد ظلمها مظلمة عظيمة.
فقال لهم: اذهبوا إليها، وأكثروا من ذكر سيئاته التي كان يفعلها بها حتى يثور غضبها وتتكلم.
فصاروا يذكرون أذيته لها حتى دعت عليه، فذهبت البلية التي كانت على الرجل ونزلت به الدعوة التي دعت عليه بها، فخف البلاء أكثر من الأول.
فقالوا له: كيف علمت ذلك؟ قال: لأنها سكتت، فتولى الله جل جلاله نصرتها، فلما أصابها الغيظ وانتصرت لنفسها، زال البلاء، وأصبحت مستشفية لغيظها.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا وأن يسلم منا، وأن يتوب علينا ويتجاوز، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد.

المفاضلة بني اتباع الجنازة وبين الجلوس في المسجد حتى طلوع الشمس
السؤال أيهما أفضل بعد صلاة الفجر: أن أنتظر حتى طلوع الشمس كما جاء في الحديث، أم المشي في الجنازة إذا وافقت جنازة في صلاة الفجر؟
الجواب الجنازة تنقسم إلى قسمين: إذا كانت جنازة من يعظم حقه ويلزم بره كالوالدين ونحوهما، فلا إشكال؛ لأنها لازمة، ولا يفضل بين اللازم الواجب وبين المستحب المرغب.
أما إذا كانت جنازة من عامة الناس، فحينئذ يكون السؤال مبنيا على التفضيل بين الحج والعمرة التامة التامة بالجلوس بعد صلاة الفجر إلى الإشراق وصلاة الركعتين، وبين تشييع الجنازة، فإذا نظر إلى التشييع ونظر إلى الحج والعمرة وجد أن فضل الحج والعمرة أعظم من التشييع؛ لأن الحج والعمرة من جنس الأركان، وفضيلة الحج والعمرة لا يشك أنها من أعظم الفضائل وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله قال: (إيمان بالله، ثم حج مبرور) فذكر الحج المبرور بعد الإيمان بالله -عز وجل-.
هذا الوجه، دائما إذا تعارضت عندك الفضائل في الطاعات ردها إلى الأصول، فالطاعة التي هي من جنس الأركان ليست كالطاعة التي هي من جنس المستحبات، والطاعة التي من جنس الواجبات ليست كالطاعة التي من جنس السنن والرغائب، وهكذا.
هذه أصول عند العلماء تعرف عند ازدحام الفضائل، فجنس الحج والعمرة مقدم على جنس التشييع؛ لكن عند العلماء أصل آخر وهو أن الفضائل المتعدية ليست كالفضائل القاصرة، فتشييع الجنازة فيه فضيلة متعدية، وذلك من حصول الانتفاع للإنسان في نفسه والاتعاظ والاعتبار، وتعزيته للمصابين بمواساته لهم، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر إذا رأى بدعة ونهى وزجر عنها، فإن هذه الفضائل متعدية وأجورها عظيمة، قد تقتضي تفضيل الشهود على الحج والعمرة.
لكن يشكل على هذا أن التفضيل النسبي لا يقتضي التفضيل من كل وجه، فإن هذا الذي ذكر إنما يقع في بعض الجنائز دون بعضها، فليس في كل جنازة منكر، ثم إن المنكرات تختلف درجاتها، ثم ليس هناك في كل جنازة يتمكن الإنسان من بعض الفضائل المتعدية بحيث يمكن أن يحكم بها، فقد تكون الجنازة ليس لها أقرباء، ويكون كغريب توفي وليس له أقرباء يعزون، ونحو ذلك.
فهذا تفضيل نسبي، والتفضيل النسبي لا يقتضي التفضيل من كل وجه.
بناء على ذلك، والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن بقاءه إلى طلوع الشمس أعظم في أجره -إن شاء الله تعالى- من حيث الأصول.
لكن لا يمنع إذا وجدت جنائز فرادى فيها نسب تقتضي التفضيل من بعض الوجوه فإن هذا يقتضي تخصيص الحكم بها، وليس بعام من كل وجه.
ولذلك -وهذه الفائدة مهمة جدا- في بعض الفتاوى تجد المفتي يفضل شيئا على شيء بالتفضيل النسبي؛ لأنه يشكل عليه، فيرى ويقول: ربما لو أنك شهدت الجنازة لفعلت وفعلت، فيحكم بالتفضيل، وهذا ينبغي التنبه له؛ لأن التفضيل النسبي لا يقتضي التفضيل المطلق.
ومن هنا أبو بكر رضي الله عنه فضل على جميع الصحابة، مع أن بعض الصحابة خصوا ببعض المناقب والمزايا؛ لكن التفضيل النسبي لم يقتض تفضيلا مطلقا على أبي بكر رضي الله عنه، فقد قال لـ سعد: (ارم، فداك أبي وأمي) ، وخص حذيفة بن اليمان بأسرار المنافقين، حتى إن عمر احتاج أن يسأله، ويقول له: (أناشدك الله! أكنت فيمن سمى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ قال: لا.
ولا أزكي بعدك أحدا) ، فهل هذا يعني أن حذيفة أفضل من عمر؟! نقول: هذا التفضيل نسبي.
فالتفضيل النسبي وورود الشرع بفضيلة خاصة من وجه خاص لا يقتضي الحكم بالعموم.
وهكذا في الفضائل هنا، فإنه إذا نظر إلى وجود بعض الفضائل في بعض الجنائز لا يقتضي تفضيل شهود الجنائز على فضيلة الحج والعمرة من كل وجه.
والله تعالى أعلم.
حكم منع الرجل زوجته من قضاء الصيام مخافة على جنينها
السؤال امرأة حامل تريد قضاء ما فاتها من رمضان الماضي، وزوجها يمنعها خشية على جنينها، فهل له أن يمنعها أم لا؟

الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فإذا كانت المرأة حاملا، وغلب على ظنها أنها تضع حملها، وتطهر من نفاسها قبل دخول رمضان الثاني، فيجب عليها طاعة زوجها؛ لأن قضاء رمضان موسع وليس بمضيق، والدليل على ذلك حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الصحيح: (إن كان يكون علي الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان) ، فدل هذا على أن المرأة يجوز لها أن تؤخر القضاء إلى شعبان.
وعلى هذا فلو غلب على ظنها أنها تضع الولد في رجب كأقصى مدة للحمل، وتطهر في شعبان -مثلا- في منتصفه، ويبقى منتصفه الآخر، فحينئذ تؤخر الصوم، ومن حق الزوج أن يمنعها، أما لو كانت في بداية حملها وغلب على ظنها أنه لا يمكنها أن تحصل شعبان للقضاء، فحينئذ فيه تفصيل: إن قال الأطباء: إن صومها يؤثر على الجنين، كان الحق مع زوجها.
وإن قالوا: لا يؤثر الصوم على الجنين وجب عليها أن تقضي.
وهذه من الصور التي ينتقل فيها رمضان من القضاء الموسع إلى القضاء المضيق، ويلزمها أن تعجل؛ لأنه غلب على ظنها أنها لا تتمكن من قضائه قبل رمضان الثاني إلا على هذا الوجه، و (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ، فيفصل في هذه المسألة على هذا الوجه.
والله تعالى أعلم.
فضائل الذكر
السؤال نرجو منكم بيان الفضائل المترتبة على الذكر، وما أثر ذلك على طالب العلم؟
الجواب ذكر الله سبحانه من أحب الطاعات، وأشرف القربات الموجبة لرفعة الدرجات، وغفران الذنوب والسيئات، وانشراح صدور المؤمنين والمؤمنات.
ولو لم يكن في ذكر الله عز وجل إلا أن الله عظمه وأكبره من فوق سبع سماوات، فقال سبحانه وتعالى: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت:45] .
قال بعض العلماء: إنه أكبر من كل شيء؛ لأن توحيد الله سبحانه وتعالى قائم على ذكر الله، فهو مشتمل على أحب الأشياء وأعظمها زلفى عند الله سبحانه وتعالى وهو توحيد الله سبحانه، فالذاكر لله موحد لله عز وجل.
وللذكر فضائل عظيمة: - منها: ما بين الإنسان ونفسه في أمور دينه.
-
ومنها: ما يرجع إلى أمور الدنيا.

-
ومنها: ما يرجع إلى أمور الآخرة.

وقد تكلم العلماء رحمهم الله على كثير من الفضائل المترتبة على الذكر، وبينوها وهي مأخوذة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا يستطيع الإنسان أن يستوعب ذلك كله خاصة لضيق الوقت.
فمن أعظم وأفضل ما يكون في الذكر: أن الله تعالى أخبر أنه يذكر من ذكره، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة:152] ، فمن كان في بلاء وذكر الله -جل جلاله- وأثنى على الله بما هو أهله؛ جعل الله له من بلائه فرجا ومخرجا، ومن كان في ضيق وذكر الله جل جلاله مخلصا من قلبه وتوجه إلى الله بصدق وإخلاص؛ جعل الله ضيقه سعة عاجلا أو آجلا، فالله تعالى جعل مزية الذكر في ذكره لعبده، فقال: {فاذكروني أذكركم} [البقرة:152] سواء كان الإنسان في شدة أو رخاء، فإن كان في رخاء بارك الله رخاءه، فأصبحت نعمته واسعة عليه مباركا له فيها، سواء كانت نعمة مال أو ولد أو صحة أو علم أو غير ذلك من نعم الله جل جلاله.
ومن أعظم فضائل الذكر المتعلقة بالدين: أنه الله جعله حرزا حصينا من الشيطان الرجيم، من الوساوس والخطرات المهلكات المرديات، فإذا تسلط الشيطان على الإنسان أهلكه، فإن آدم عليه السلام وسوس له الشيطان أن يأكل من الشجرة فحصل ما حصل له من البلاء، وهو في المرتبة الكريمة والمنزلة الشريفة العظيمة، فانظر -رحمك الله- إلى هلاك الإنسان إذا لم يتداركه الله برحمته.
فالإنسان إذا لم يتداركه الله برحمته سيهلكه الشيطان، وهذا كله بقدرة الله جل جلاله، فيحتاج إلى أن يستعصم بالله سبحانه وتعالى، ولذلك ترى الصالحين إذا أدمنوا ذكر الله، فأكثروا من تلاوة القرآن ومن التسبيح والتحميد والتكبير وذكر الله جل جلاله، وجدتهم في ثبات على الطاعة وقوة على الخير، وتجد النفس نشيطة على الإحسان والبر، راضية مرضيا عنها.
لكن ما أن يغفل ولو كان من أصلح عباد الله إلا تسلط الشيطان عليه، فلربما هدم الشيطان بوساوسه ما سبق له من البنيان، ولربما استزله إلى شهوة أو شبهة، فأردته -والعياذ بالله- فختم له بخاتمة السوء، نسأل الله السلامة والعافية.
فما أحوج الإنسان إلى الذكر حتى يستعصم بالله عز وجل من الشيطان.
كذلك من فوائد الذكر: أن الإنسان ضعيف، ومن ضعفه أنه إذا توالت عليه هموم الدنيا وتكالبت عليه غمومها، فإن ذلك قد يفت من عزيمته ويكسر من قوة شوكته، فيحتاج إلى شيء يطمئن به قلبه، ولن يكون ذلك إلا بذكر الله سبحانه وتعالى، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد:28] .
يكون الإنسان في ضيق من أشد ما يكون الضيق وتجده من أضعف خلق الله؛ فقيرا وحيدا، وتجده في حالة قد يغلب على ظنك أنه لن ينجو؛ ولكن يستعصم بربه فيلهج لسانه بذكر الله ويلتجئ إلى الله ويحتمي بالله سبحانه وتعالى فيأتيه الفرج من حيث لا يحتسب.
ذو النون -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- وحيد فريد وهو في الظلمات، ومع ذلك أخرجه الله عز وجل بفضله ومنته من تلك الظلمة بالتوحيد والذكر.
فالذكر طمأنينة للقلب، والإنسان إذا نزلت عليه كروب الدنيا وتشتت ذهنه وتفرقت نفسه هلك.
وقد كان السلف يستدلون على النصر والتأييد بالثبات عند حصول الفواجع والقوارع، فإذا وجدت العبد إذا نزلت به المصائب والشدائد ثابت القلب قوي الجنان ذاكرا للرحمن مستعصما بالديان، فاعلم أنه منصور بإذن الله عز وجل؛ لأن السكينة تتنزل على قلبه، يثبت الله بها جنانه، ويسدد بها لسانه وبيانه، حتى ينجو من هلكته، ويعصمه ربه بعصمته.
كذلك من فؤائد الذكر: أن الله سبحانه وتعالى يرفع به درجة العبد، وأحوج ما يكون الإنسان احتياجه إلى رفعة الدرجة! فالإنسان لو أنه بلغ الجنة وهو في درجاتها التي ليست بالعلى، أصابه الغم وخسر هذه الدنيا، إذ لم يصل إلى الدرجة العالية الكاملة، وهذا الخسران النفسي، وليس الخسران بالمعنى الأعم المطلق، إنما المراد به أنه يحس أنه مغبون، ولذلك سمى الله يوم القيامة بيوم التغابن؛ لأنه ولو كان صالحا أصابه الغم، أنه لم يستكثر من الخير والبر؛ ولكن بذكر الله يدرك من فاته، ويسبق من بعده، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (سبق المفردون.
قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) .
المفردون: التالون لكتاب الله آناء الليل وآناء النهار.
المفردون: المسبحون الحامدون المستغفرون المثنون على الله عز وجل بما هو أهله.
كذلك أيضا: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .
قالوا: إن انتظار الصلاة بعد الصلاة لا يكون إلا للذاكرين؛ لأن القلب معلق بذكر الله؛ والصلاة من أعظم الذكر.
فإذا كان انتظارها وشغف القلب بها موجبا لرفع الدرجة، فكيف بمن كان دأبه على عمارة وقته وساعات ليله ونهاره بذكر الله عز وجل؟! وأيا ما كان فلا يزال ذاكر الله سبحانه وتعالى في عصمة من الله في أمور دينه ودنياه وآخرته، حتى يأتيه الموت وهو على طاعة من الطاعات، فيختم له بخاتمة السعداء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا (لا إله إلا الله) دخل الجنة).
ولذلك يقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا أكثر من تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، فالغالب أن يختم له على كتاب الله.
وهذا مجرب، فكثيرا ما تجد حفاظ القرآن الذين يتلون كتاب الله آناء الليل وآناء النهار ما يختم لهم إلا بأحسن الخواتم، فإما أن تجده مصليا فيختم له وهو راكع أو يموت وهو ساجد، ووالله رأينا بأعيننا من خواتم السعداء من أمثال هؤلاء الذين يكثرون من ذكر الله عز وجل، والله عز وجل يعصمهم بعصمته ويحسن لهم الخاتمة بفضله ومنه.
نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم من ذلك أوفر الحظ والنصيب.
ومن أفضل الذكر وأحبه إلى الله سبحانه وتعالى: - ذكر العلم بحفظ القرآن، ومدارسته ومذاكرته، والجلوس في مجالسه، والحث عليه دون سآمة أو ملل، وتقدير أهله من الأحياء والأموات، والترحم على الأموات، وذكرهم بالجميل، والدعاء لهم، والاستغفار لهم، كل هذا من ذكر الله عز وجل.
ومن ترحم على علماء المسلمين وذكرهم بالخير، وسأل ربه أن يغفر لهم ذنوبهم وأن يرفع لهم درجاتهم؛ قيض الله له بعد موته من يفعل به كفعله أو أفضل من فعله.
فيحرص الإنسان على هذا الخصلة العظيمة، خاصة طلاب العلم، فأحق من يكون من الذاكرين هم طلاب العلم، فإذا انتهى من مجالس الذكر قام يتلو القرآن، وإذا جلس بين الناس جلس مستغفرا مسبحا حامدا مهللا مكبرا لله سبحانه وتعالى، وبذلك يكون أمة وقدوة للناس.
وجماع الخير كله أن يحرص الإنسان على ذكر الله عز وجل بالوارد الذي دلت عليه نصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يدع ما سوى ذلك، فإذا ذكر الله بالوارد عظم أجره وثقل ميزانه.
والله تعالى أعلم.
الوقت المفضل لأذكار المساء
السؤال ما هو الوقت المفضل لأذكار المساء؟ أيكون بعد صلاة العصر أم بعد المغرب؟
الجواب هذا فيه تفصيل، ما ورد مقيدا من الأذكار يقيد، منه ما يكون بعد أذان المغرب بدخول الليل، كقوله عليه الصلاة والسلام: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) ، فقوله: (في ليلة) لا يتحقق قبل أذان المغرب، وإنما يتحقق بعد أذان المغرب مباشرة؛ لأن الليل يدخل بعد الأذان.
فهذا من أذكار المساء المقيدة بالغروب.
وهكذا ما ورد من الأحاديث الأخر التي تكون بعد غروب الشمس، كقوله: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك، أسألك أن تغفر لي) ، فهذا مقيد.
وما كان مقيدا بصلاة المغرب لا يصح قبل صلاة المغرب، ولا يصح قبل غروب الشمس، مثل: التهليل عشر مرات قبل أن يثني رجله وقبل أن يكلم غيره، وقول: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات، قبل أن يثني رجله وقبل أن يكلم غيره.
فهذا مقيد.
أما بعد صلاة العصر، فالتهليل عشر مرات عقب الصلاة مباشرة؛ لثبوت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فيهلل عشر مرات، مثل ما ذكرنا في صفة المغرب.
ويبقى هذا الوقت ما بين العصر وما بين غروب الشمس وقتا لأذكار المساء: (اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا) ، وكذلك التسبيح وقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة، ناويا بها المساء؛ لأن المساء يكون بعد صلاة العصر، وهكذا (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) ، وغيرها من الأذكار المطلقة في المساء تكون بعد صلاة العصر، ويمكن أن تكون قبل غروب الشمس.
وأما ما ورد من تلاوة المعوذتين و (قل هو الله أحد) فإنه يكون بعد دخول المغرب في اختيار بعض العلماء رحمهم الله كما في حديث عبد الله بن عبيد رضي الله عنه وأرضاه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (قل.
قلت: ما أقول؟ قال: (( قل هو الله أحد )) والمعوذتين إذا أمسيت وأصبحت، تكفيك من كل شر).
فهذا فضل عظيم؛ ولكن بعض أهل العلم استحبوا أن يكون بعد غروب الشمس وقبل الصلاة.
والله تعالى أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]