
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (541)
صــ 116 إلى صــ 130
فهذه أسماء الذين بعثهم موسى يتحسسون له الأرض ويومئذ سمى" هوشع بن نون " : " يوشع بن نون " فأرسلهم وقال لهم : ارتفعوا قبل الشمس ، فارقوا الجبل ، وانظروا ما في الأرض ، وما الشعب الذي يسكنون ، أقوياء هم أم ضعفاء ، أقليل هم أم كثير؟ وانظروا أرضهم التي يسكنون : أسمينة هي [ أم هزيلة ] ؟ أذات شجر أم لا؟ اجتازوا ، واحملوا إلينا من ثمرة تلك الأرض . وكان ذلك في أول ما أشجن بكر ثمرة العنب . [ ص: 117 ]
11576 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" فهم من بني إسرائيل ، بعثهم موسى لينظروا له إلى المدينة . فانطلقوا فنظروا إلى المدينة ، فجاءوا بحبة من فاكهتهم وقر رجل ، فقالوا : [ ص: 118 ] اقدروا قوة قوم وبأسهم ، هذه فاكهتهم! فعند ذلك فتنوا فقالوا : لا نستطيع القتال ، ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ سورة المائدة : 24 ] .
11577 - حدثت عن الحسين بن الفرج المروزي قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول في قوله : "وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" أمر الله بني إسرائيل أن يسيروا إلى الأرض المقدسة مع نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم ، فلما كانوا قريبا من المدينة قال لهم موسى : ادخلوها ! فأبوا وجبنوا ، وبعثوا اثني عشر نقيبا لينظروا إليهم ، فانطلقوا فنظروا ، فجاءوا بحبة من فاكهتهم بوقر الرجل ، فقالوا : اقدروا قوة قوم وبأسهم ، هذه فاكهتهم!! فعند ذلك قالوا لموسى : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وقال الله لبني إسرائيل : "إني معكم" ، يقول : إني ناصركم على عدوكم وعدوي الذين أمرتكم بقتالهم ، إن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم .
وفي الكلام محذوف ، استغني بما ظهر من الكلام عما حذف منه . وذلك أن معنى الكلام : وقال الله لهم إني معكم فترك ذكر "لهم" ، استغناء بقوله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل" ، إذ كان متقدم الخبر عن قوم مسمين بأعيانهم ، فكان معلوما أن ما في سياق الكلام من الخبر عنهم ، إذ لم يكن الكلام مصروفا عنهم إلى غيرهم .
ثم ابتدأ ربنا جل ثناؤه القسم فقال : قسما لئن أقمتم ، معشر بني إسرائيل ، الصلاة "وآتيتم الزكاة" ، أي : أعطيتموها من أمرتكم بإعطائها "وآمنتم برسلي" يقول : وصدقتم بما أتاكم به رسلي من شرائع ديني . [ ص: 119 ]
وكان الربيع بن أنس يقول : هذا خطاب من الله للنقباء الاثني عشر .
11578 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : أن موسى صلى الله عليه وسلم قال للنقباء الاثني عشر : سيروا إليهم يعني : إلى الجبارين فحدثوني حديثهم ، وما أمرهم ، ولا تخافوا إن الله معكم ما أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا .
قال أبو جعفر : وليس الذي قاله الربيع في ذلك ببعيد من الصواب ، غير أن من قضاء الله في جميع خلقه أنه ناصر من أطاعه ، وولي من اتبع أمره وتجنب معصيته وتحامى ذنوبه . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان من طاعته إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والإيمان بالرسل ، وسائر ما ندب القوم إليه كان معلوما أن تكفير السيئات بذلك وإدخال الجنات به . لم يخصص به النقباء دون سائر بني إسرائيل غيرهم . فكان ذلك بأن يكون ندبا للقوم جميعا ، وحضا لهم على ما حضهم عليه أحق وأولى من أن يكون ندبا لبعض وحضا لخاص دون عام .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "وعزرتموهم" .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : ونصرتموهم .
ذكر من قال ذلك :
11579 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "وعزرتموهم" قال : نصرتموهم . [ ص: 120 ]
11580 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
11581 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "وعزرتموهم" قال : نصرتموهم بالسيف .
وقال آخرون : هو الطاعة والنصرة .
ذكر من قال ذلك :
11582 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول في قوله : "وعزرتموهم" قال : "التعزيز" و"التوقير" ، الطاعة والنصرة .
واختلف أهل العربية في تأويله .
فذكر عن يونس [ الحرمري ] أنه كان يقول : تأويل ذلك : أثنيتم عليهم .
11583 - حدثت بذلك عن أبي عبيدة معمر بن المثنى عنه .
وكان أبو عبيدة يقول : معنى ذلك نصرتموهم ، وأعنتموهم ، ووقرتموهم وعظمتموهم ، وأيدتموهم ، وأنشد في ذلك :
وكم من ماجد لهم كريم ومن ليث يعزر في الندي
[ ص: 121 ] وكان الفراء يقول : "العزر" الرد "عزرته" ، رددته : إذا رأيته يظلم فقلت : "اتق الله" أو نهيته ، فذلك "العزر" .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : "معنى ذلك : نصرتموهم" . وذلك أن الله جل ثناؤه قال في"سورة الفتح" : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ) [ سورة الفتح : 8 ، 9 ] ف"التوقير" هو التعظيم . وإذ كان ذلك كذلك كان القول في ذلك إنما هو بعض ما ذكرنا من الأقوال التي حكيناها عمن حكينا عنه . وإذا فسد أن يكون معناه : التعظيم وكان النصر قد يكون باليد واللسان ، فأما باليد فالذب بها عنه بالسيف وغيره ، وأما باللسان فحسن الثناء ، والذب عن العرض صح أنه النصر ، إذ كان النصر يحوي معنى كل قائل قال فيه قولا مما حكينا عنه .
وأما قوله : "وأقرضتم الله قرضا حسنا" فإنه يقول : وأنفقتم في سبيل الله ، وذلك في جهاد عدوه وعدوكم "قرضا حسنا" يقول : وأنفقتم ما أنفقتم في سبيله ، فأصبتم الحق في إنفاقكم ما أنفقتم في ذلك ، ولم تتعدوا فيه حدود الله وما ندبكم إليه وحثكم عليه إلى غيره .
فإن قال لنا قائل : وكيف قال : "وأقرضتم الله قرضا حسنا" ولم يقل : "إقراضا حسنا " ، وقد علمت أن مصدر "أقرضت" "الإقراض"؟
قيل : لو قيل ذلك كان صوابا ، ولكن قوله : "قرضا حسنا" أخرج [ ص: 122 ] مصدرا من معناه لا من لفظه . وذلك أن في قوله : "أقرض" معنى"قرض" ، كما في معنى"أعطى" "أخذ" . فكان معنى الكلام : وقرضتم الله قرضا حسنا ، ونظير ذلك : ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ) [ سورة نوح : 17 ] إذ كان في "أنبتكم" معنى : "فنبتم" ، وكما قال امرؤ القيس :
ورضت فذلت صعبة أي إذلال
إذ كان في"رضت" معنى"أذللت" ، فخرج"الإذلال" مصدرا من معناه لا من لفظه .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك بني إسرائيل ، يقول لهم جل ثناؤه : لئن أقمتم الصلاة ، أيها القوم الذين أعطوني ميثاقهم بالوفاء بطاعتي واتباع أمري ، وآتيتم الزكاة ، وفعلتم سائر ما وعدتكم عليه جنتي "لأكفرن عنكم سيئاتكم" ، [ ص: 123 ] يقول : لأغطين بعفوي عنكم - وصفحي عن عقوبتكم ، على سالف أجرامكم التي أجرمتموها فيما بيني وبينكم - على ذنوبكم التي سلفت منكم من عبادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم
"ولأدخلنكم" مع تغطيتي على ذلك منكم بفضلي يوم القيامة "جنات تجري من تحتها الأنهار" .
ف"الجنات" البساتين .
وإنما قلت معنى قوله : "لأكفرن" لأغطين ، لأن "الكفر" معناه الجحود ، والتغطية ، والستر ، كما قال لبيد :
في ليلة كفر النجوم غمامها
يعني : "غطاها" ، ف"التكفير" "التفعيل" من "الكفر" .
واختلف أهل العربية في معنى"اللام" التي في قوله : "لأكفرن" .
فقال بعض نحويي البصرة : "اللام" الأولى على معنى القسم يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" قال : والثانية معنى قسم آخر .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل "اللام" الأولى وقعت موقع اليمين ، فاكتفي بها عن اليمين يعني ب"اللام الأولى" : "لئن أقمتم الصلاة" . قال : و"اللام" الثانية يعني قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" جواب لها ، يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" واعتل لقيله ذلك بأن قوله : "لئن أقمتم الصلاة" [ ص: 124 ] غير تام ولا مستغن عن قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" . وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز أن يكون قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" قسما مبتدأ ، بل الواجب أن يكون جوابا لليمين إذ كانت غير مستغنية عنه .
وقوله : ( تجري من تحتها الأنهار ) يقول : تجري من تحت أشجار هذه البساتين التي أدخلكموها الأنهار .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ( 12 ) )
قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : فمن جحد منكم ، يا معشر بني إسرائيل شيئا مما أمرته به فتركه ، أو ركب ما نهيته عنه فعمله بعد أخذي الميثاق عليه بالوفاء لي بطاعتي واجتناب معصيتي "فقد ضل سواء السبيل" يقول : فقد أخطأ قصد الطريق الواضح ، وزل عن منهج السبيل القاصد .
"والضلال" ، الركوب على غير هدى ، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .
وقوله : "سواء" يعني به وسط ، و"السبيل" ، الطريق .
وقد بينا تأويل ذلك كله في غير هذا الموضع ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 125 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم )
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، لا تعجبن من هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك ، ونكثوا العهد الذي بينك وبينهم ، غدرا منهم بك وبأصحابك ، فإن ذلك من عاداتهم وعادات سلفهم ، ومن ذلك أني أخذت ميثاق سلفهم على عهد موسى صلى الله عليه وسلم على طاعتي ، وبعثت منهم اثني عشر نقيبا وقد تخيروا من جميعهم ليتحسسوا أخبار الجبابرة ، ووعدتهم النصر عليهم ، وأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، بعد ما أريتهم من العبر ، والآيات - بإهلاك فرعون وقومه في البحر ، وفلق البحر لهم ، وسائر العبر - ما أريتهم ، فنقضوا ميثاقهم الذي واثقوني ونكثوا عهدي ، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم . فإذ كان ذلك من فعل خيارهم مع أيادي عندهم ، فلا تستنكروا مثله من فعل أراذلهم .
وفى الكلام محذوف اكتفي بدلالة الظاهر عليه ، وذلك أن معنى الكلام : "فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل" - فنقضوا الميثاق ، فلعنتهم "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم" فاكتفي بقوله : "فبما نقضهم ميثاقهم" من ذكر "فنقضوا" .
ويعني بقوله جل ثناؤه : "فبما نقضهم ميثاقهم" ، فبنقضهم ميثاقهم ، كما قال قتادة .
11584 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : [ ص: 126 ] "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم" يقول : فبنقضهم ميثاقهم لعناهم .
11585 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : "فبما نقضهم ميثاقهم" قال : هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه .
وقد ذكرنا معنى "اللعن" في غير هذا الموضع .
و"الهاء والميم" من قوله : "فبما نقضهم" عائدتان على ذكر بني إسرائيل قبل .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وجعلنا قلوبهم قاسية )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل مكة ، والبصرة والكوفة : ( قاسية ) بالألف
على تقدير"فاعلة" من"قسوة القلب" ، من قول القائل : "قسا قلبه ، فهو يقسو وهو قاس" ، وذلك إذا غلظ واشتد وصار يابسا صلبا كما قال الراجز :
وقد قسوت وقست لداتي
فتأويل الكلام على هذه القراءة : فلعنا الذين نقضوا عهدي ولم يفوا بميثاقي من بني إسرائيل ، بنقضهم ميثاقهم الذي واثقوني"وجعلنا قلوبهم قاسية" ، [ ص: 127 ] غليظة يابسة عن الإيمان بي ، والتوفيق لطاعتي ، منزوعة منها الرأفة والرحمة .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( وجعلنا قلوبهم قسية ) .
ثم اختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في تأويله .
فقال بعضهم : معنى ذلك معنى"القسوة " ، لأن "فعيلة" في الذم أبلغ من "فاعلة" ، فاخترنا قراءتها "قسية" على "قاسية" لذلك .
وقال آخرون منهم : بل معنى "قسية" غير معنى "القسوة" ، وإنما "القسية" في هذا الموضع : القلوب التي لم يخلص إيمانها بالله ، ولكن يخالط إيمانها كفر ، كالدراهم "القسية" ، وهي التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص وغير ذلك ، كما قال أبو زبيد الطائي :
لها صواهل في صم السلام كما صاح القسيات في أيدي الصياريف
[ ص: 128 ]
يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور ، وهي "السلام" .
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك ، قراءة من قرأ : ( وجعلنا قلوبهم قسية ) على"فعيلة" ، لأنها أبلغ في ذم القوم من "قاسية" . وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله : "فعيلة" من "القسوة" ، كما قيل : "نفس زكية" و"زاكية" ، و"امرأة شاهدة" و"شهيدة" ، لأن الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم ميثاقهم وكفرهم به ، ولم يصفهم بشيء من الإيمان ، فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها يخالطه كفر ، كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( يحرفون الكلم عن مواضعه )
قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : وجعلنا قلوب هؤلاء الذين نقضوا عهودنا من بني إسرائيل قسية ، منزوعا منها الخير ، مرفوعا منها التوفيق ، فلا يؤمنون ولا يهتدون ، فهم لنزع الله عز وجل التوفيق من قلوبهم والإيمان ، يحرفون كلام [ ص: 129 ] ربهم الذي أنزله على نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو التوراة ، فيبدلونه ، ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله الله جل وعز على نبيهم ، ثم يقولون لجهال الناس : "هذا هو كلام الله الذي أنزله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أوحاها إليه" . وهذا من صفة القرون التي كانت بعد موسى من اليهود ، ممن أدرك بعضهم عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله عز ذكره أدخلهم في عداد الذين ابتدأ الخبر عنهم ممن أدرك موسى منهم ، إذ كانوا من أبنائهم وعلى منهاجهم في الكذب على الله ، والفرية عليه ، ونقض المواثيق التي أخذها عليهم في التوراة ، كما : -
11586 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "يحرفون الكلم عن مواضعه" يعني حدود الله في التوراة ، ويقولون : إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه ، وإن خالفكم فاحذروا .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ونسوا حظا مما ذكروا به )
يعني تعالى ذكره بقوله : "ونسوا حظا" وتركوا نصيبا ، وهو كقوله : ( نسوا الله فنسيهم ) [ سورة التوبة : 67 ] أي : تركوا أمر الله فتركهم الله .
وقد مضى بيان ذلك بشواهده في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 130 ]
ذكر من قال ذلك :
11587 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "ونسوا حظا مما ذكروا به" يقول : تركوا نصيبا .
11588 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن في قوله : "ونسوا حظا مما ذكروا به" قال : تركوا عرى دينهم ، ووظائف الله جل ثناؤه التي لا تقبل الأعمال إلا بها .
