عرض مشاركة واحدة
  #543  
قديم 17-02-2025, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (543)
صــ 146 إلى صــ 160







القول في تأويل قوله عز ذكره ( ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه )

قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام وشرائع دينه "ويخرجهم" ، يقول : ويخرج من اتبع رضوانه و"الهاء والميم" في : "ويخرجهم" إلى من ذكر "من الظلمات إلى النور" ، يعني : من ظلمات الكفر والشرك ، إلى نور الإسلام وضيائه "بإذنه" ، يعني : بإذن الله جل وعز . و"إذنه" في هذا الموضع : تحبيبه إياه الإيمان برفع طابع الكفر عن قلبه ، وخاتم الشرك عنه ، وتوفيقه لإبصار سبل السلام .

[ ص: 146 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( ويهديهم إلى صراط مستقيم ( 16 ) )

قال أبو جعفر : يعني عز ذكره بقوله : "ويهديهم" ، ويرشدهم ويسددهم "إلى صراط مستقيم" ، يقول : إلى طريق مستقيم ، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم )

قال أبو جعفر : هذا ذم من الله عز ذكره للنصارى والنصرانية ، الذين ضلوا عن سبل السلام واحتجاج منه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في فريتهم عليه بادعائهم له ولدا .

يقول جل ثناؤه : أقسم ، لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم و"كفرهم" في ذلك تغطيتهم الحق في تركهم نفي الولد عن الله جل وعز ، وادعائهم أن المسيح هو الله فرية وكذبا عليه .

وقد بينا معنى : " المسيح " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . .

[ ص: 147 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه ، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، للنصارى الذين افتروا علي ، وضلوا عن سواء السبيل بقيلهم : إن الله هو المسيح ابن مريم : "من يملك من الله شيئا" ، يقول : من الذي يطيق أن يدفع من أمر الله جل وعز شيئا ، فيرده إذا قضاه .

من قول القائل : "ملكت على فلان أمره" ، إذا صار لا يقدر أن ينفذ أمرا إلا به .

وقوله : " إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا " ، يقول : من ذا الذي يقدر أن يرد من أمر الله شيئا ، إن شاء أن يهلك المسيح ابن مريم ، بإعدامه من الأرض وإعدام أمه مريم ، وإعدام جميع من في الأرض من الخلق جميعا .

يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الجهلة من النصارى : لو كان المسيح كما تزعمون أنه هو الله ، وليس كذلك لقدر أن يرد أمر الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أمه . وقد أهلك أمه فلم يقدر على دفع أمره فيها إذ نزل ذلك . ففي ذلك لكم معتبر إن اعتبرتم ، وحجة عليكم إن عقلتم : في أن المسيح ، بشر كسائر بني آدم ، وأن الله عز وجل هو الذي لا يغلب ولا يقهر ولا يرد له [ ص: 148 ] أمر ، بل هو الحي الدائم القيوم الذي يحيي ويميت ، وينشئ ويفني ، وهو حي لا يموت .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء )

قال أبو جعفر : يعني تبارك وتعالى بذلك : والله له تصريف ما في السماوات والأرض وما بينهما يعني : وما بين السماء والأرض يهلك من يشاء من ذلك ويبقي ما يشاء منه ، ويوجد ما أراد ويعدم ما أحب ، لا يمنعه من شيء أراد من ذلك مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ، ينفذ فيهم حكمه ، ويمضي فيهم قضاءه لا المسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه لم يملك دفع ما أراد به ربه من ذلك .

يقول جل وعز : كيف يكون إلها يعبد من كان عاجزا عن دفع ما أراد به غيره من السوء ، وغير قادر على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود الذي له ملك كل شيء ، وبيده تصريف كل من في السماء والأرض وما بينهما .

فقال جل ثناؤه : "وما بينهما" ، وقد ذكر"السماوات" بلفظ الجمع ، ولم يقل : "وما بينهن" ، لأن المعنى : وما بين هذين النوعين من الأشياء ، كما قال الراعي :

[ ص: 149 ]
طرقا ، فتلك هماهمي ، أقريهما قلصا لواقح كالقسي وحولا


فقال : "طرقا" مخبرا عن شيئين ، ثم قال : "فتلك هماهمي" ، فرجع إلى معنى الكلام .

وقوله : "يخلق ما يشاء" ، يقول جل ثناؤه : وينشئ ما يشاء ويوجده ، ويخرجه من حال العدم إلى حال الوجود ، ولن يقدر على ذلك غير الله الواحد القهار . وإنما يعني بذلك أن له تدبير السماوات والأرض وما بينهما وتصريفه ، وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مما هو غير موجود ولا منشإ . يقول : فليس ذلك لأحد سواي ، فكيف زعمتم ، أيها الكذبة ، أن المسيح إله ، وهو لا يطيق شيئا من ذلك ، بل لا يقدر على دفع الضرر عن نفسه ولا عن أمه ، ولا اجتلاب نفع إليها إلا بإذني؟

[ ص: 150 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( والله على كل شيء قدير ( 17 ) )

قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : الله المعبود ، هو القادر على كل شيء ، والمالك كل شيء ، الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يغلبه شيء طلبه ، المقتدر على هلاك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا لا العاجز الذي لا يقدر على منع نفسه من ضر نزل به من الله ، ولا منع أمه من الهلاك .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل وعز عن قوم من اليهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول .

وقد ذكر عن ابن عباس تسمية الذين قالوا ذلك من اليهود .

11613 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، فكلموه ، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا ، [ ص: 151 ] يا محمد !! نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى ، فأنزل الله جل وعز فيهم : "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" ، إلى آخر الآية .

وكان السدي يقول في ذلك بما :

11614 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " ، أما "أبناء الله" ، فإنهم قالوا : إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدا من ولدك أدخلهم النار ، فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد : أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل ، فأخرجهم . فذلك قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) [ سورة آل عمران : 24 ] . وأما النصارى ، فإن فريقا منهم قال للمسيح : ابن الله .

والعرب قد تخرج الخبر إذا افتخرت مخرج الخبر عن الجماعة ، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم ، فتقول : "نحن الأجواد الكرام" ، وإنما الجواد فيهم واحد منهم ، وغير المتكلم الفاعل ذلك ، كما قال جرير :


ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا ومار دم من جار بيبة ناقع


[ ص: 152 ] فقال : "ندسنا" ، وإنما النادس رجل من قوم جرير غيره ، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعة هو أحدهم . فكذا أخبر الله عز ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك ، على هذا الوجه إن شاء الله .

وقوله : "وأحباؤه" ، وهو جمع "حبيب" .

يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "قل" لهؤلاء الكذبة المفترين على ربهم "فلم يعذبكم" ربكم ، يقول : فلأي شيء يعذبكم ربكم بذنوبكم ، إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه ، فإن الحبيب لا يعذب حبيبه ، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ وذلك أن اليهود قالت : إن الله معذبنا أربعين يوما عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل ، ثم يخرجنا جميعا منها ، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن كنتم كما تقولون أبناء الله وأحباؤه ، فلم يعذبكم بذنوبكم؟ يعلمهم عز ذكره أنهم أهل فرية وكذب على الله جل وعز .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، قل لهم : ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه "بل أنتم بشر ممن خلق" ، يقول : خلق من بني آدم ، خلقكم الله مثل سائر بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم ، [ ص: 153 ] كما سائر بني آدم مجزيون بإحسانهم ، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم ، كما غيركم مجزي بها ، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه ، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه ، فيصفح عنه بفضله ، ويسترها عليه برحمته ، فلا يعاقبه بها .

وقد بينا معنى"المغفرة" ، في موضع غير هذا بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . .

"ويعذب من يشاء" يقول : ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه ، ويفضحه بها على رءوس الأشهاد فلا يسترها عليه .

وإنما هذا من الله عز وجل وعيد لهؤلاء اليهود ، والنصارى المتكلين على منازل سلفهم الخيار عند الله ، الذين فضلهم الله جل وعز بطاعتهم إياه ، واجتباهم لمسارعتهم إلى رضاه ، واصطبارهم على ما نابهم فيه . يقول لهم : لا تغتروا بمكان أولئك مني ومنازلهم عندي ، فإنهم إنما نالوا ما نالوا مني بالطاعة لي ، وإيثار رضاي على محابهم لا بالأماني ، فجدوا في طاعتي ، وانتهوا إلى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي ، وأعذب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي لا لمن قربت زلفة آبائه مني ، وهو لي عدو ، ولأمري ونهيي مخالف . [ ص: 154 ]

وكان السدي يقول في ذلك بما : -

11615 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " ، يقول : يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ( 18 ) )

قال أبو جعفر يقول : لله تدبير ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما ، وتصريفه ، وبيده أمره ، وله ملكه ، يصرفه كيف يشاء ، ويدبره كيف أحب ، لا شريك له في شيء منه ، ولا لأحد معه فيه ملك . فاعلموا أيها القائلون : "نحن أبناء الله وأحباؤه" ، أنه إن عذبكم بذنوبكم ، لم يكن لكم منه مانع ، ولا لكم عنه دافع ، لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك ، ولا لأحد في شيء دونه ملك ، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنوبه ، وإليه مصير كل شيء ومرجعه . فاتقوا أيها المفترون عقابه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه ، ولا تغتروا بالأماني وفضائل الآباء والأسلاف .

[ ص: 155 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "يا أهل الكتاب" اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نزلت هذه الآية . وذلك أنهم أو : بعضهم فيما ذكر لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وبما جاءهم به من عند الله ، قالوا : ما بعث الله من نبي بعد موسى ، ولا أنزل بعد التوراة كتابا!

11616 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب لليهود : يا معشر اليهود ، اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته! فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا ما قلنا هذا لكم ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده! فأنزل الله عز وجل في [ ذلك من ] قولهما "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير" . [ ص: 156 ]

ويعني بقوله جل ثناؤه : "فقد جاءكم رسولنا" ، قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم رسولنا "يبين لكم" ، يقول : يعرفكم الحق ، ويوضح لكم أعلام الهدى ، ويرشدكم إلى دين الله المرتضى ، كما : -

11617 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء بالفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل ، فيه بيان الله ونوره وهداه ، وعصمة لمن أخذ به .

"على فترة من الرسل" ، يقول : على انقطاع من الرسل و"الفترة" في هذا الموضع الانقطاع يقول : قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى ، على انقطاع من الرسل .

و"الفترة" "الفعلة" من قول القائل : "فتر هذا الأمر يفتر فتورا" ، وذلك إذا هدأ وسكن . وكذلك "الفترة" في هذا الموضع معناها : السكون ، يراد به سكون مجيء الرسل ، وذلك انقطاعها .

ثم اختلف أهل التأويل في قدر مدة تلك الفترة ، فاختلف في الرواية في ذلك عن قتادة . فروى معمر عنه ما : -

11618 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "على فترة من الرسل" قال : كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة . [ ص: 157 ]

وروى سعيد بن أبي عروبة عنه ما : -

11619 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما ، ذكر لنا أنها كانت ستمائة سنة ، أو ما شاء من ذلك ، والله أعلم .

11620 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن أصحابه قوله : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ، قال : كان بين عيسى ومحمد صلى لله عليهما خمسمائة سنة وأربعون سنة قال معمر ، قال قتادة : خمسمائة سنة وستون سنة .

وقال آخرون بما : -

11621 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "على فترة من الرسل" ، قال : كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة .

ويعني بقوله : "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا ، وكي لا تقولوا ، كما قال جل ثناؤه : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) [ سورة النساء : 176 ] ، بمعنى : أن لا تضلوا ، وكي لا تضلوا .

فمعنى الكلام : قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ، كي لا تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير . يعلمهم عز ذكره أنه قد قطع عذرهم برسوله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ إليهم في الحجة . [ ص: 158 ]

ويعني ب"البشير" المبشر من أطاع الله وآمن به وبرسوله ، وعمل بما أتاه من عند الله بعظيم ثوابه في آخرته وب"النذير" ، المنذر من عصاه وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند الله من أمره ونهيه بما لا قبل له به من أليم عقابه في معاده ، وشديد عذابه في قيامته .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ( 19 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود الذين وصفنا صفتهم : قد أعذرنا إليكم ، واحتججنا عليكم برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إليكم ، وأرسلناه إليكم ليبين لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم ، كيلا تقولوا : " لم يأتنا من عندك رسول يبين لنا ما نحن عليه من الضلالة" ، فقد جاءكم من عندي رسول يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته وانتهى عما نهيته عنه ، وينذر من عصاني وخالف أمري ، وأنا القادر على كل شيء ، أقدر على عقاب من عصاني ، وثواب من أطاعني ، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي ، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي وتصديقكم بشيري ونذيري ، فإني أنا الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يفوته شيء طلبه . [ ص: 159 ]

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم )

قال أبو جعفر : وهذا أيضا من الله تعريف لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قديم تمادي هؤلاء اليهود في الغي ، وبعدهم عن الحق ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، وشدة خلافهم لأنبيائهم ، وبطء إنابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم ، وتتابع أياديه وآلائه عليهم مسليا بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يحل به من علاجهم ، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله . يقول الله له صلى الله عليه وسلم : لا تأس على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله ، والبعد من الحق ، وما فيه لهم الحظ في الدنيا والآخرة ، من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم وتعز بما لاقى منهم أخوك موسى صلى الله عليه وسلم واذكر إذ قال موسى لهم : " يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم " ، يقول : اذكروا أيادي الله عندكم ، وآلاءه قبلكم ، كما : -

11622 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : " اذكروا نعمة الله عليكم " ، قال : أيادي الله عندكم وأيامه .

11623 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " اذكروا نعمة الله عليكم " يقول : عافية الله عز وجل .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا ما قلنا ، لأن الله لم يخصص من النعم شيئا ، بل عم ذلك بذكر النعم ، فذلك على العافية وغيرها ، إذ كانت"العافية" أحد معاني"النعم" . [ ص: 160 ]

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أن موسى ذكر قومه من بني إسرائيل بأيام الله عندهم ، وبآلائه قبلهم ، محرضهم بذلك على اتباع أمر الله في قتال الجبارين ، فقال لهم : اذكروا نعمة الله عليكم أن فضلكم ، بأن جعل فيكم أنبياء يأتونكم بوحيه ، ويخبرونكم بأنباء الغيب ، ولم يعط ذلك غيركم في زمانكم هذا .

فقيل : إن الأنبياء الذين ذكرهم موسى أنهم جعلوا فيهم : هم الذين اختارهم موسى إذ صار إلى الجبل ، وهم السبعون الذين ذكرهم الله فقال : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ) [ سورة الأعراف : 155 ] .

" وجعلكم ملوكا " سخر لكم من غيركم خدما يخدمونكم .

وقيل : إنما قال ذلك لهم موسى ، لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بني آدم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]