عرض مشاركة واحدة
  #546  
قديم 17-02-2025, 08:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (546)
صــ 191 إلى صــ 205







وقال آخرون : بل الناصب ل"الأربعين" ، "يتيهون في الأرض" . قالوا : ومعنى الكلام : قال : فإنها محرمة عليهم أبدا ، يتيهون في الأرض أربعين سنة . قالوا : ولم يدخل مدينة الجبارين أحد ممن قال : " إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ، وذلك أن الله عز ذكره حرمها عليهم . قالوا : وإنما دخلها من أولئك القوم يوشع وكلاب ، اللذان قالا لهم : " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون " ، وأولاد الذين حرم الله عليهم دخولها ، فتيههم الله فلم يدخلها منهم أحد .

ذكر من قال ذلك :

11691 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله جل وعز : " إنها محرمة عليهم " ، قال : أبدا .

11692 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : " يتيهون في الأرض " ، قال : أربعين سنة .

11693 - حدثنا المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هارون [ ص: 192 ] النحوي قال : حدثني الزبير بن الخريت ، عن عكرمة في قوله : " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " ، قال : التحريم ، التيهاء .

11694 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : غضب موسى على قومه فدعا عليهم فقال : " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " الآية ، فقال الله جل وعز : " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " . فلما ضرب عليهم التيه ، ندم موسى . وأتاه قومه الذين كانوا [ معه ] يطيعونه ، فقالوا له : ما صنعت بنا يا موسى ! فمكثوا في التيه . فلما خرجوا من التيه ، رفع المن والسلوى وأكلوا من البقول . والتقى موسى وعاج ، فنزا موسى في السماء عشرة أذرع ، وكانت عصاه عشرة أذرع ، وكان طوله عشرة أذرع فأصاب كعب عاج فقتله . ولم يبق [ أحد ] ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى ، إلا مات ولم يشهد الفتح . ثم إن الله جل وعز لما انقضت الأربعون سنة ، بعث يوشع بن النون نبيا ، فأخبرهم أنه نبي ، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين ، فبايعوه وصدقوه ، فهزم الجبارين واقتحموا عليهم يقتلونهم ، [ ص: 193 ] فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها .

11695 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال : حدثنا إبراهيم بن بشار قال : حدثنا سفيان قال : قال أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال الله جل وعز لما دعا موسى : " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " . قال : فدخلوا التيه ، فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه .

قال : فمات موسى في التيه ، ومات هارون قبله . قال : فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، فناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين ، فافتتح يوشع المدينة .

11696 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله جل وعز : " إنها محرمة عليهم أربعين سنة " ، حرمت عليهم [ القرى ] ، فكانوا لا يهبطون قرية ولا يقدرون على ذلك ، إنما يتبعون الأطواء أربعين سنة ، وذكر لنا أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في الأربعين سنة ، وأنه لم يدخل بيت المقدس منهم إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا .

11697 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم بالكتاب الأول قال : لما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من [ ص: 194 ] معصيتهم نبيهم ، وهمهم بكالب ويوشع ، إذ أمراهم بدخول مدينة الجبارين ، وقالا لهم ما قالا ظهرت عظمة الله بالغمام على باب قبة الزمر على كل بني إسرائيل ، فقال جل ثناؤه لموسى : إلى متى يعصيني هذا الشعب؟ وإلى متى لا يصدقون بالآيات كلها التي وضعت بينهم؟ أضربهم بالموت فأهلكهم ، وأجعل لك شعبا أشد وأكبر منهم؟ فقال موسى : يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم ، ويقول ساكن هذه البلاد الذين قد سمعوا أنك أنت الله في هذا الشعب ، فلو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد ، لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك : "إنما قتل هذا الشعب من أجل الذين لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم ، فقتلهم في البرية" ، ولكن لترتفع أياديك ويعظم جزاؤك ، يا رب ، كما كنت تكلمت وقلت لهم ، فإنه طويل صبرك ، كثيرة نعمك ، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق ، وإنك تحفظ [ ذنب ] الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة . فاغفر ، أي رب ، آثام هذا الشعب بكثرة [ ص: 195 ] نعمك ، وكما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلى الآن . فقال الله جل ثناؤه لموسى صلى الله عليه : قد غفرت لهم بكلمتك ، ولكن حي أنا ، وقد ملأت الأرض محمدتي كلها ، لا يرى القوم الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القفار ، وابتلوني عشر مرات ولم يطيعوني ، لا يرون الأرض التي حلفت لآبائهم ، ولا يراها من أغضبني ، فأما عبدي كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي ، فإني مدخله الأرض التي دخلها ، ويراها خلفه .

وكان العماليق والكنعانيون جلوسا في الجبال ، ثم غدوا فارتحلوا إلى القفار في طريق بحر سوف ، وكلم الله عز وجل موسى وهارون ، وقال لهما : إلى متى توسوس علي هذه الجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بني إسرائيل . وقال : [ ص: 196 ] لأفعلن بكم كما قلت لكم ، ولتلقين جيفكم في هذه القفار ، وكحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك ، من أجل أنكم وسوستم علي ، فلا تدخلوا الأرض التي رفعت [ يدي ] إليها ، ولا ينزل فيها أحد منكم غير كالب بن يوفنا ، ويوشع بن نون ، وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة ، وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر ، فإنهم يدخلون الأرض ، وإني بهم عارف ، لهم الأرض التي أردت لهم ، وتسقط جيفكم في هذه القفار ، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي حسستم الأرض أربعين يوما ، مكان كل يوم سنة وتقتلون بخطاياكم أربعين سنة ، وتعلمون أنكم وسوستم قدامي . إنى أنا الله فاعل بهذه الجماعة جماعة بني إسرائيل الذين وعدوا قدامي بأن يتيهوا في القفار ، فيها يموتون .

فأما الرهط الذين كان موسى بعثهم ليتحسسوا الأرض ، ثم حرشوا الجماعة ، فأفشوا فيهم خبر الشر ، فماتوا كلهم بغتة ، وعاش يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض .

فلما قال موسى عليه السلام هذا الكلام كله لبني إسرائيل ، حزن الشعب [ ص: 197 ] حزنا شديدا ، وغدوا فارتفعوا ، إلى رأس الجبل ، وقالوا : نرتقي الأرض التي قال جل ثناؤه ، من أجل أنا قد أخطأنا . فقال لهم موسى : "لم تعتدون في كلام الله؟ من أجل ذلك لا يصلح لكم عمل ، ولا تصعدوا من أجل أن الله ليس معكم ، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم ، من أجل العمالقة والكنعانيين أمامكم ، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله ، فلم يكن الله معكم" . فأخذوا يرقون في الجبل ، ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله جل ذكره وموسى من المحلة - يعني : من الخيمة - حتى هبط العماليق والكنعانيون في ذلك الحائط ، فحرقوهم وطردوهم وقتلوهم . فتيههم الله عز ذكره في التيه أربعين سنة بالمعصية ، حتى هلك من كان استوجب المعصية من الله في ذلك . قال : فلما شب النواشئ من ذراريهم وهلك آباؤهم ، وانقضت الأربعون سنة التي تيهوا فيها ، وسار بهم موسى ومعه يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، وكان - فيما يزعمون - على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون ، وكان لهما صهرا ، قدم يوشع بن نون إلى أريحا ، في بني إسرائيل ، فدخلها بهم ، وقتل بها الجبابرة الذين [ ص: 198 ] كانوا فيها ، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل ، فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم ، ثم قبضه الله إليه ، لا يعلم قبره أحد من الخلائق .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : إن"الأربعين" منصوبة ب"التحريم" ، وإن قوله : " محرمة عليهم أربعين سنة " معني به جميع قوم موسى ، لا بعض دون بعض منهم . لأن الله عز ذكره عم بذلك القوم ، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض . وقد وفى الله جل ثناؤه بما وعدهم به من العقوبة ، فتيههم أربعين سنة ، وحرم على جميعهم ، في الأربعين سنة التي مكثوا فيها تائهين دخول الأرض المقدسة ، فلم يدخلها منهم أحد ، لا صغير ولا كبير ، ولا صالح ولا طالح ، حتى انقضت السنون التي حرم الله عز وجل عليهم فيها دخولها . ثم أذن لمن بقي منهم وذراريهم بدخولها مع نبي الله موسى والرجلين اللذين أنعم الله عليهما ، وافتتح قرية الجبارين ، إن شاء الله ، نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم ، وعلى مقدمته يوشع ، وذلك لإجماع أهل العلم بأخبار الأولين أن عوج بن عناق قتله موسى صلى الله عليه وسلم . فلو كان قتله إياه قبل مصيره في التيه ، وهو من أعظم الجبارين خلقا ، لم تكن بنو إسرائيل تجزع من الجبارين الجزع الذي ظهر منها . ولكن ذلك كان - إن شاء الله - بعد فناء الأمة التي جزعت وعصت ربها ، وأبت الدخول على الجبارين مدينتهم .

وبعد : فإن أهل العلم بأخبار الأولين مجمعون على أن بلعم بن باعور ، كان ممن أعان الجبارين بالدعاء على موسى . ومحال أن يكون ذلك كان وقوم موسى ممتنعون من حربهم وجهادهم ، لأن المعونة إنما يحتاج إليها من كان مطلوبا ، فأما ولا طالب ، فلا وجه للحاجة إليها . [ ص: 199 ]

11698 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف قال : كان سرير عوج ثمانمائة ذراع ، وكان طول موسى عشرة أذرع ، وعصاه عشرة أذرع ، ووثب في السماء عشرة أذرع ، فضرب عوجا فأصاب كعبه ، فسقط ميتا ، فكان جسرا للناس يمرون عليه .

11699 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت عصا موسى عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب عوج فقتله ، فكان جسرا لأهل النيل سنة .

ومعنى : "يتيهون في الأرض " ، يحارون فيها ويضلون ومن ذلك قيل للرجل الضال عن سبيل الحق : "تائه" . وكان تيههم ذلك : أنهم كانوا يصبحون أربعين سنة كل يوم جادين في قدر ستة فراسخ للخروج منه ، فيمسون في الموضع الذي ابتدءوا السير منه .

11700 - حدثني بذلك المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع .

11701 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 200 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة ، يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( فلا تأس على القوم الفاسقين ( 26 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فلا تأس" ، فلا تحزن .

يقال منه : "أسي فلان على كذا يأسى أسى" ، و"قد أسيت من كذا" ، أي حزنت ، ومنه قول امرئ القيس :


وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون : لا تهلك أسى وتجمل


يعني : لا تهلك حزنا .

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11702 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "فلا تأس" يقول : فلا تحزن .

11703 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط ، عن السدي : " فلا تأس على القوم الفاسقين " ، قال : لما ضرب عليهم التيه ، ندم موسى صلى الله عليه وسلم ، فلما ندم أوحى الله إليه : " فلا تأس على القوم الفاسقين " ، لا تحزن على القوم الذين سميتهم "فاسقين" ، فلم يحزن .

[ ص: 201 ]

القول في تأويل قوله عز وجل ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( 27 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتل على هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليكم ، وعلى أصحابك معك وعرفهم مكروه عاقبة الظلم والمكر ، وسوء مغبة الختر ونقض العهد ، وما جزاء الناكث وثواب الوافي خبر ابني آدم ، هابيل وقابيل ، وما آل إليه أمر المطيع منهما ربه الوافي بعهده ، وما إليه صار أمر العاصي منهما ربه الخاتر الناقض عهده . فلتعرف بذلك اليهود وخامة غب غدرهم ونقضهم ميثاقهم بينك وبينهم ، وهمهم [ ص: 202 ] بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك ، فإن لك ولهم في حسن ثوابي وعظم جزائي على الوفاء بالعهد الذي جازيت المقتول الوافي بعهده من ابني آدم ، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلا .

واختلف أهل العلم في سبب تقريب ابني آدم القربان ، وسبب قبول الله عز وجل ما تقبل منه ، ومن اللذان قربا؟

فقال بعضهم : كان ذلك عن أمر الله جل وعز إياهما بتقريبه ، وكان سبب القبول أن المتقبل منه قرب خير ماله ، وقرب الآخر شر ماله ، وكان المقربان ابني آدم لصلبه ، أحدهما : هابيل ، والآخر : قابيل .

ذكر من قال ذلك :

11704 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن هشام بن سعد ، عن إسماعيل بن رافع قال : بلغني أن ابني آدم لما أمرا بالقربان ، كان أحدهما صاحب غنم ، وكان أنتج له حمل في غنمه ، فأحبه حتى كان يؤثره بالليل ، وكان يحمله على ظهره من حبه ، حتى لم يكن له مال أحب إليه منه . فلما أمر بالقربان قربه لله فقبله الله منه ، فما زال يرتع في الجنة حتى فدي به ابن إبراهيم صلى الله عليهما .

11705 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن ابني آدم اللذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، كان أحدهما صاحب حرث ، [ ص: 203 ] والآخر صاحب غنم . وأنهما أمرا أن يقربا قربانا وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه ، [ الكوزن ] والزوان ، غير طيبة بها نفسه وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم ، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث . وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه . وقال : أيم الله ، إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه .

وقال آخرون : لم يكن ذلك من أمرهما عن أمر الله إياهما به .

ذكر من قال ذلك :

11706 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل . فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : "لو قربنا قربانا"! وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه الله جل وعز ، أرسل إليه نارا فأكلته . وإن لم يكن رضيه الله ، خبت النار . فقربا قربانا ، وكان أحدهما راعيا ، وكان الآخر حراثا ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها ، وقرب الآخر بعض زرعه . فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة وتركت [ ص: 204 ] الزرع ، وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ، ورد علي؟ فلا والله لا تنظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني!! فقال : لأقتلنك! فقال له أخوه : ما ذنبي؟ إنما يتقبل الله من المتقين .

11707 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "إذ قربا قربانا" ، قال : ابنا آدم ، هابيل وقابيل ، لصلب آدم . فقرب أحدهما شاة ، وقرب الآخر بقلا فقبل من صاحب الشاة ، فقتله صاحبه .

11708 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11709 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا " قال : هابيل وقابيل ، فقرب هابيل عناقا من أحسن غنمه ، وقرب قابيل زرعا من زرعه . قال : فأكلت النار العناق ، ولم تأكل الزرع ، فقال : لأقتلنك! قال : إنما يتقبل الله من المتقين .

11710 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا في قوله واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا " قال : هو هابيل ، وقابيل لصلب آدم ، قربا قربانا ، قرب أحدهما شاة من غنمه ، وقرب الآخر بقلا فتقبل من صاحب الشاة ، فقال لصاحبه : لأقتلنك! فقتله . فعقل الله إحدى رجليه بساقها إلى فخذها إلى يوم القيامة ، وجعل وجهه إلى الشمس حيثما دارت ، عليه حظيرة من ثلج في الشتاء ، وعليه في الصيف حظيرة من نار ، ومعه [ ص: 205 ] سبعة أملاك ، كلما ذهب ملك جاء الآخر .

11711 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ح ، وحدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر" ، قال : قرب هذا كبشا ، وقرب هذا صبرا من طعام ، فتقبل من أحدهما ، قال : تقبل من صاحب الشاة ، ولم يتقبل من الآخر .

11712 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر " ، كان رجلان من بني آدم ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر .

11713 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، قال : كان أحدهما اسمه قابيل ، والآخر هابيل ، أحدهما صاحب غنم ، والآخر صاحب زرع ، فقرب هذا من أمثل غنمه حملا وقرب هذا من أرذل زرعه ، قال : فنزلت النار فأكلت الحمل ، فقال لأخيه : لأقتلنك!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]