عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 17-02-2025, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,421
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (561)
صــ 436 إلى صــ 450









كما قال الشاعر :

[ ص: 436 ]
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري


وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12220 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " ، يقول : ثوابا عند الله .

12221 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " قال : "المثوبة " ، الثواب ، "مثوبة الخير " ، و"مثوبة الشر " ، وقرأ : ( خير ثوابا ) [ سورة الكهف : 44 ] . [ ص: 437 ]

وأما "من " في قوله : " من لعنه الله " ، فإنه في موضع خفض ، ردا على قوله : "بشر من ذلك" . فكأن تأويل الكلام ، إذ كان ذلك كذلك : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ، بمن لعنه الله .

ولو قيل : هو في موضع رفع ، لكان صوابا ، على الاستئناف ، بمعنى : ذلك من لعنه الله أو : وهو من لعنه الله .

ولو قيل : هو في موضع نصب ، لم يكن فاسدا ، بمعنى : قل هل أنبئكم من لعنه الله فيجعل " أنبئكم " عاملا في"من " ، واقعا عليه .

وأما معنى قوله : " من لعنه الله " ، فإنه يعني : من أبعده الله وأسحقه من رحمته " وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير " ، يقول : وغضب عليه ، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير ، غضبا منه عليهم وسخطا ، فعجل لهم الخزي والنكال في الدنيا .

[ ص: 438 ] وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم قردة ، فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر بقيته إن شاء الله في مكان غير هذا .

وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم خنازير ، فإنه كان فيما : -

12223 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ، قال : حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير ، كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل ، وكان فيها ملك بني إسرائيل ، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة ، إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به ، فجعلت تدعو إلى الله ، حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم : إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله ، وأن تنادوا قومكم بذلك ، فاخرجوا فإني خارجة . فخرجت ، وخرج إليها ذلك الملك في الناس ، فقتل أصحابها جميعا ، وانفلتت من بينهم . قال : ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها ، حتى إذا رضيت منهم ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت معهم ، وأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم . ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت ، فأصيبوا جميعا ، وانفلتت من بينهم ، فرجعت وقد أيست ، وهي تقول : سبحان الله ، لو كان لهذا الدين ولي وناصر ، لقد أظهره بعد! قال : فباتت محزونة ، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير ، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك ، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت : اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه! قال : فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة .

[ ص: 439 ] 12224 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وجعل منهم القردة والخنازير " ، قال : مسخت من يهود .

12225 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وللمسخ سبب فيما ذكر غير الذي ذكرناه ، سنذكره في موضعه إن شاء الله .

القول في تأويل قوله ( وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ( 60 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته قرأة الحجاز والشأم والبصرة وبعض الكوفيين : ( وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ، بمعنى : "عابد " ، فجعل"عبد " ، فعلا ماضيا من صلة المضمر ، ونصب"الطاغوت " ، بوقوع"عبد " عليه .

وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين : ( وعبد الطاغوت ) بفتح"العين " من"عبد " وضم بائها ، وخفض"الطاغوت " بإضافة"عبد " إليه . وعنوا بذلك : وخدم الطاغوت .

12226 - حدثني بذلك المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال ، حدثني حمزة ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب أنه قرأ : ( وعبد الطاغوت ) يقول : خدم ، قال عبد الرحمن : وكان حمزة كذلك يقرؤها .

[ ص: 440 ] 12227 - حدثني ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن الأعمش : أنه كان يقرؤها كذلك .

وكان الفراء يقول : إن تكن فيه لغة مثل "حذر " و"حذر " ، و"عجل " ، و"عجل " ، فهو وجه ، والله أعلم وإلا فإن أراد قول الشاعر :


أبني لبينى إن أمكم أمة وإن أباكم عبد


فإن هذا من ضرورة الشعر ، وهذا يجوز في الشعر لضرورة القوافي ، وأما في القراءة فلا .

وقرأ ذلك آخرون : ( وعبد الطاغوت ) ذكر ذلك عن الأعمش .

وكأن من قرأ ذلك كذلك ، أراد جمع الجمع من "العبد " ، كأنه جمع "العبد " "عبيدا " ، ثم جمع "العبيد " "عبدا " ، مثل : "ثمار وثمر" .

وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه : ( وعبد الطاغوت ) .

12228 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن قال : كان أبو جعفر النحوي يقرؤها : ( وعبد الطاغوت ) ، كما يقول : "ضرب عبد الله" .

[ ص: 441 ] قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا معنى لها ، لأن الله تعالى ذكره ، إنما ابتدأ الخبر بذم أقوام ، فكان فيما ذمهم به عبادتهم الطاغوت . وأما الخبر عن أن الطاغوت قد عبد ، فليس من نوع الخبر الذي ابتدأ به الآية ، ولا من جنس ما ختمها به ، فيكون له وجه يوجه إليه في الصحة .

وذكر أن بريدة الأسلمي كان يقرؤه : ( وعابد الطاغوت ) .

12229 - حدثني بذلك المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شيخ بصري : أن بريدة كان يقرؤه كذلك .

ولو قرئ ذلك : ( وعبد الطاغوت ) ، بالكسر ، كان له مخرج في العربية صحيح ، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها ، إذ كانت قراءة الحجة من القرأة بخلافها . ووجه جوازها في العربية ، أن يكون مرادا بها "وعبدة الطاغوت " ، ثم حذفت " الهاء " للإضافة ، كما قال الراجز :


قام ولاها فسقوه صرخدا


يريد : قام ولاتها ، فحذف"التاء " من"ولاتها " للإضافة .

قال أبو جعفر : وأما قراءة القرأة ، فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما ، [ ص: 442 ] وهو : ( وعبد الطاغوت ) ، بنصب"الطاغوت " وإعمال "عبد " فيه ، وتوجيه"عبد " إلى أنه فعل ماض من"العبادة" .

والآخر : ( وعبد الطاغوت ) ، على مثال"فعل " ، وخفض"الطاغوت " بإضافة"عبد " إليه .

فإذ كانت قراءة القرأة بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التي هي أصح مخرجا في العربية منهما ، فأولاهما بالصواب من القراءة ، قراءة من قرأ ذلك ( وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ، لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود : ( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : والذين عبدوا الطاغوت ففي ذلك دليل واضح على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به : ومن عبد الطاغوت ، وأن النصب ب"الطاغوت " أولى ، على ما وصفت في القراءة ، لإعمال "عبد " فيه ، إذ كان الوجه الآخر غير مستفيض في العرب ولا معروف في كلامها .

على أن أهل العربية يستنكرون إعمال شيء في"من " و"الذي " المضمرين مع"من " و"في " إذا كفت"من " أو"في " منهما ويستقبحونه ، حتى كان بعضهم يحيل ذلك ولا يجيزه . وكان الذي يحيل ذلك يقرؤه : ( وعبد الطاغوت ) ، فهو على قوله خطأ ولحن غير جائز .

وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبح . فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحة . وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام ، قد اختاروا القراءة بها ، وإعمال و"جعل " في"من " ، وهي محذوفة مع"من" .

ولو كنا نستجيز مخالفة الجماعة في شيء مما جاءت به مجمعة عليه ، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين ، غير أن ما جاء به المسلمون مستفيضا فيهم لا يتناكرونه ، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره . فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين [ ص: 443 ] اللتين ذكرنا أنهم لم يعدوهما .

وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا ، فتأويل الآية : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ، من لعنه الله وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، ومن عبد الطاغوت .

وقد بينا معنى"الطاغوت " فيما مضى بشواهده من الروايات وغيرها ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .

وأما قوله : " أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل " ، فإنه يعني بقوله : "أولئك " ، هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره ، وهم الذين وصف صفتهم فقال : " من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت " ، وكل ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل .

يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم " شر مكانا " ، في عاجل الدنيا والآخرة عند الله ممن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم بالله ، وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب ، وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء " وأضل عن سواء السبيل " ، يقول تعالى ذكره : وأنتم مع ذلك ، أيها اليهود ، أشد أخذا على غير الطريق القويم ، وأجور عن سبيل الرشد والقصد منهم .

قال أبو جعفر : وهذا من لحن الكلام . وذلك أن الله تعالى ذكره إنما [ ص: 444 ] قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه ، بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم ، واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم ، حتى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير ، خطابا منه لهم بذلك ، تعريضا بالجميل من الخطاب ، ولحن لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللحن ، وعلم نبيه صلى الله عليه وسلم من الأدب أحسنه فقال له : قل لهم ، يا محمد ، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزئون منهم شر ، أم من لعنه الله؟ وهو يعني المقول ذلك لهم .

القول في تأويل قوله ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ( 61 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا جاءكم ، أيها المؤمنون ، هؤلاء المنافقون من اليهود قالوا لكم : "آمنا" : أي صدقنا بما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم واتبعناه على دينه ، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم ، قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه في صدورهم ، وهم يبدون كذبا التصديق لكم بألسنتهم"وقد خرجوا به " ، يقول : وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم ، لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم ، يظنون أن ذلك من فعلهم يخفى على الله ، جهلا منهم بالله"والله أعلم بما كانوا يكتمون " ، يقول : والله أعلم بما كانوا - عند قولهم لكم بألسنتهم : "آمنا بالله وبمحمد وصدقنا بما جاء [ ص: 445 ] به" - يكتمون منهم ، بما يضمرونه من الكفر ، بأنفسهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12230 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا " الآية ، أناس من اليهود ، كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به ، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر . وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله صلى الله عليه وسلم .

12231 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، قال : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهود . يقول : دخلوا كفارا ، وخرجوا كفارا .

12232 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، وإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق ، وتسر قلوبهم الكفر ، فقال : " دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " .

12233 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا ) [ ص: 446 ] ، [ سورة آل عمران : 72 ] . فإذا رجعوا إلى كفارهم من أهل الكتاب وشياطينهم ، رجعوا بكفرهم . وهؤلاء أهل الكتاب من يهود .

12234 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : " وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، أي : إنه من عندهم .

القول في تأويل قوله ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ( 62 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وترى " يا محمد "كثيرا " ، من هؤلاء اليهود الذين قصصت عليك نبأهم من بني إسرائيل" يسارعون في الإثم والعدوان " ، يقول : يعجلون بمواقعة الإثم .

وقيل : إن "الإثم " في هذا الموضع ، معني به الكفر .

12235 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان " ، قال : "الإثم " ، الكفر .

12236 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان " ، وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم

. [ ص: 447 ] 12237 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يسارعون في الإثم والعدوان " ، قال : هؤلاء اليهود " لبئس ما كانوا يعملون " ( لولا ينهاهم الربانيون ) ، إلى قوله : ( لبئس ما كانوا يصنعون ) ، قال : "يصنعون " و"يعملون " واحد . قال : لهؤلاء حين لم ينهوا ، كما قال لهؤلاء حين عملوا .

قال : وذلك الإدهان .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن السدي ، وإن كان قولا غير مدفوع جواز صحته ، فإن الذي هو أولى بتأويل الكلام : أن يكون القوم موصوفين بأنهم يسارعون في جميع معاصي الله ، لا يتحاشون من شيء منها ، لا من كفر ولا من غيره . لأن الله تعالى ذكره عم في وصفهم بما وصفهم به من أنهم يسارعون في الإثم والعدوان ، من غير أن يخص بذلك إثما دون إثم .

وأما " العدوان " ، فإنه مجاوزة الحد الذي حده الله لهم في كل ما حده لهم .

وتأويل ذلك : أن هؤلاء اليهود الذين وصفهم في هذه الآيات بما وصفهم به تعالى ذكره ، يسارع كثير منهم في معاصي الله وخلاف أمره ، ويتعدون حدوده التي حد لهم فيما أحل لهم وحرم عليهم ، في أكلهم " السحت " وذلك الرشوة التي يأخذونها من الناس على الحكم بخلاف حكم الله فيهم .

يقول الله تعالى ذكره : " لبئس ما كانوا يعملون " ، يقول : أقسم لبئس العمل ما كان هؤلاء اليهود يعملون ، في مسارعتهم في الإثم والعدوان ، وأكلهم السحت .

[ ص: 448 ]

القول في تأويل قوله ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ( 63 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الرشى في الحكم ، من اليهود من بني إسرائيل ، ربانيوهم وهم أئمتهم المؤمنون ، وساستهم العلماء بسياستهم ، وأحبارهم وهم علماؤهم وقوادهم "عن قولهم الإثم " يعني : عن قول الكذب والزور ، وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم الله ، ويكتبون كتبا بأيديهم ثم يقولون : "هذا من حكم الله ، وهذا من كتبه" . يقول الله : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) [ سورة البقرة : 79 ] .

وأما قوله : " وأكلهم السحت " ، فإنه يعني به الرشوة التي كانوا يأخذونها على حكمهم بغير كتاب الله لمن حكموا له به .

وقد بينا معنى"الربانيين " و"الأحبار " ومعنى"السحت " ، بشواهد ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

" لبئس ما كانوا يصنعون " ، وهذا قسم من الله أقسم به ، يقول تعالى ذكره : أقسم : لبئس الصنيع كان يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار ، في تركهم نهي الذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السحت ، عما كانوا يفعلون من ذلك .

[ ص: 449 ] وكان العلماء يقولون : ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ، ولا أخوف عليهم منها .

12238 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الله بن داود قال ، حدثنا سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم " قال : ما في القرآن آية أخوف عندي منها : أنا لا ننهى .

12239 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عطية قال ، حدثنا قيس ، عن العلاء بن المسيب ، عن خالد بن دينار ، عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) قال : كذا قرأ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12240 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت " [ قال : "الربانيون والأحبار " ، فقهاؤهم وقراؤهم وعلماؤهم . قال : ثم يقول الضحاك : وما أخوفني من هذه الآية! ] .

[ ص: 450 ] 12241 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " ، يعني : الربانيين ، أنهم : لبئس ما كانوا يصنعون .
القول في تأويل قوله ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جرأة اليهود على ربهم ، ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، توبيخا لهم بذلك ، وتعريفا منه نبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغترارهم به ، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم ، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم واحتجاجا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه له نبي مبعوث ورسول مرسل : أن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفي علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود ، فضلا عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرأوا كتابا ، ووعوا من علوم أهل الكتاب علما ، فأطلع الله على ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، ليقرر عندهم صدقه ، ويقطع بذلك حجتهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]