عرض مشاركة واحدة
  #562  
قديم 17-02-2025, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,593
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (562)
صــ 451 إلى صــ 465







يقول تعالى ذكره : "وقالت اليهود " ، من بني إسرائيل"يد الله مغلولة " ، يعنون : أن خير الله ممسك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم ، كما قال تعالى [ ص: 451 ] ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [ سورة الإسراء : 29 ] .

وإنما وصف تعالى ذكره"اليد " بذلك ، والمعنى العطاء ، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم . فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا ، إذا وصفوه بجود وكرم ، أو ببخل وشح وضيق ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه ، كما قال الأعشى في مدح رجل :


يداك يدا مجد ، فكف مفيدة وكف إذا ما ضن بالزاد تنفق


فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى"اليد" . ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى . فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم فقال : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، يعني بذلك : أنهم قالوا : إن الله يبخل علينا ، ويمنعنا فضله فلا يفضل كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف ، تعالى الله عما قالوا ، أعداء الله!

[ ص: 452 ] فقال الله مكذبهم ومخبرهم بسخطه عليهم : "غلت أيديهم " ، يقول : أمسكت أيديهم عن الخيرات ، وقبضت عن الانبساط بالعطيات" ولعنوا بما قالوا " ، وأبعدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر ، وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب والإفك

"بل يداه مبسوطتان " ، يقول : بل يداه مبسوطتان بالبذل والإعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه ، غير مغلولتين ولا مقبوضتين "ينفق كيف يشاء " ، يقول : يعطي هذا ، ويمنع هذا فيقتر عليه .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12242 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ، قال : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكنهم يقولون : إنه بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

12243 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " يد الله مغلولة " ، قالوا : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ، حتى [ ص: 453 ] جعل الله يده إلى نحره! وكذبوا !

12244 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يد الله مغلولة " ، قال : اليهود تقوله : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب ، حتى إن يده إلى نحره " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " .

12245 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " إلى " والله لا يحب المفسدين " ، أما قوله : " يد الله مغلولة " ، قالوا : الله بخيل غير جواد! قال الله : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " .

12246 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ، قالوا : إن الله وضع يده على صدره ، فلا يبسطها حتى يرد علينا ملكنا .

وأما قوله : " ينفق كيف يشاء " ، يقول : يرزق كيف يشاء .

12247 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال عكرمة : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " الآية ، نزلت في فنحاص اليهودي .

12248 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم قوله : " يد الله مغلولة " ، يقولون : إنه [ ص: 454 ] بخيل ليس بجواد ! قال الله : " غلت أيديهم " ، أمسكت أيديهم عن النفقة والخير . ثم قال يعني نفسه : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " . وقال : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) [ سورة الإسراء : 29 ] ، يقول : لا تمسك يدك عن النفقة .

قال أبو جعفر : واختلف أهل الجدل في تأويل قوله : " بل يداه مبسوطتان " . فقال بعضهم : عنى بذلك : نعمتاه . وقال : ذلك بمعنى : " يد الله على خلقه " ، وذلك نعمه عليهم . وقال : إن العرب تقول : " لك عندي يد " ، يعنون بذلك : نعمة .

وقال آخرون منهم : عنى بذلك القوة . وقالوا : ذلك نظير قول الله تعالى ذكره : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي ) [ سورة ص : 45 ] .

وقال آخرون منهم : بل"يده " ، ملكه . وقال : معنى قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، ملكه وخزائنه .

قالوا : وذلك كقول العرب للمملوك : "هو ملك يمينه " ، و"فلان بيده عقدة نكاح فلانة " ، أي يملك ذلك ، وكقول الله تعالى ذكره : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) ، [ سورة المجادلة : 12 ] .

وقال آخرون منهم : بل"يد الله " صفة من صفاته ، هي يد ، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم .

قالوا : وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصه آدم بما خصه به من خلقه إياه بيده .

[ ص: 455 ] قالوا : ولو كان [ معنى"اليد " ، النعمة ، أو القوة ، أو الملك ، ما كان لخصوصه ] آدم بذلك وجه مفهوم ، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته ، ومشيئته في خلقه نعمة ، وهو لجميعهم مالك .

قالوا : وإذ كان تعالى ذكره قد خص آدم بذكره خلقه إياه بيده دون غيره من عباده ، كان معلوما أنه إنما خصه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق .

قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، بطل قول من قال : معنى"اليد " من الله ، القوة والنعمة أو الملك ، في هذا الموضع .

قالوا : وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون أن : "يد الله " في قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، هي نعمته ، لقيل : "بل يده مبسوطة " ، ولم يقل : "بل يداه " ، لأن نعمة الله لا تحصى كثرة . وبذلك جاء التنزيل ، يقول الله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ سورة إبراهيم : 34\ وسورة النحل : 18 ]

قالوا : ولو كانت نعمتين ، كانتا محصاتين .

قالوا : فإن ظن ظان أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة ، فذلك منه خطأ ، وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه ، وذلك كقول الله تعالى ذكره : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) [ سورة العصر : 1 ، 2 ] وكقوله ( لقد خلقنا الإنسان ) ، [ سورة الحجر : 26 ] وقوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) [ سورة الفرقان : 55 ] ، قال : فلم يرد ب"الإنسان " و"الكافر " في هذه الأماكن إنسان بعينه ، ولا كافر مشار إليه حاضر ، بل عني به جميع الإنس وجميع الكفار ، ولكن الواحد أدى عن جنسه ، كما تقول العرب : [ ص: 456 ] "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، وكذلك قوله : ( وكان الكافر ) معناه : وكان الذين كفروا .

قالوا : فأما إذا ثني الاسم ، فلا يؤدي عن الجنس ، ولا يؤدي إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما .

قالوا : وخطأ في كلام العرب أن يقال : "ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس " ، بمعنى : ما أكثر الدراهم في أيديهم .

قالوا : وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدي في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما .

قالوا : وغير محال : "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، و"ما أكثر الدراهم في أيديهم " ، لأن الواحد يؤدي عن الجميع .

قالوا : ففي قول الله تعالى : " بل يداه مبسوطتان " ، مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى ، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع ما ينبئ عن خطأ قول من قال : معنى"اليد " ، في هذا الموضع ، النعمة ، وصحة قول من قال : إن"يد الله " ، هي له صفة .

قالوا : وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به العلماء وأهل التأويل .

القول في تأويل قوله ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هذا الذي أطلعناك عليه من خفي أمور هؤلاء اليهود ، مما لا يعلمه إلا علماؤهم وأحبارهم ، [ ص: 457 ] احتجاجا عليهم لصحة نبوتك ، وقطعا لعذر قائل منهم أن يقول : " ما جاءنا من بشير ولا نذير " : " ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " . يعني ب"الطغيان" : الغلو في إنكار ما قد علموا صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتمادي في ذلك " وكفرا " ، يقول : ويزيدهم مع غلوهم في إنكار ذلك ، جحودهم عظمة الله ووصفهم إياه بغير صفته ، بأن ينسبوه إلى البخل ، ويقولوا : "يد الله مغلولة" . وإنما أعلم تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم أهل عتو وتمرد على ربهم ، وأنهم لا يذعنون لحق وإن علموا صحته ، ولكنهم يعاندونه ، يسلي بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الموجدة بهم في ذهابهم عن الله ، وتكذيبهم إياه .

وقد بينت معنى"الطغيان " فيما مضى بشواهده ، بما أغنى عن إعادته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12249 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن كفروا به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم .

[ ص: 458 ]

القول في تأويل قوله ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، بين اليهود والنصارى ، كما : -

12250 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، اليهود والنصارى .

فإن قال قائل : وكيف قيل : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء " ، جعلت "الهاء والميم " في قوله : "بينهم " ، كناية عن اليهود والنصارى ، ولم يجر لليهود والنصارى ذكر؟

قيل : قد جرى لهم ذكر ، وذلك قوله : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) ، [ سورة المائدة : 51 ] ، جرى الخبر في بعض الآي عن الفريقين ، وفي بعض عن أحدهما ، إلى أن انتهى إلى قوله : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء " ، ثم قصد بقوله : "ألقينا بينهم " ، الخبر عن الفريقين .

القول في تأويل قوله ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : كلما جمع أمرهم على شيء فاستقام واستوى ، فأرادوا مناهضة من ناوأهم ، شتته الله عليهم وأفسده لسوء فعالهم وخبث نياتهم ، كالذي : -

[ ص: 459 ] 12251 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) [ سورة الإسراء : 4 - 6 ] ، قال : كان الفساد الأول ، فبعث الله عليهم عدوا فاستباحوا الديار ، واستنكحوا النساء ، واستعبدوا الولدان ، وخربوا المسجد . فغبروا زمانا ، ثم بعث الله فيهم نبيا وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان . ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء ، حتى قتلوا يحيى بن زكريا ، فبعث الله عليهم بختنصر ، فقتل من قتل منهم ، وسبى من سبى ، وخرب المسجد . فكان بختنصر الفساد الثاني قال : و"الفساد " ، المعصية ثم قال ، ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ) إلى قوله : ( وإن عدتم عدنا ) [ سورة الإسراء : 7 ، 8 ] فبعث الله لهم عزيرا ، وقد كان علم التوراة وحفظها في صدره وكتبها لهم . فقام بها ذلك القرن ، ولبثوا فنسوا . ومات عزير ، وكانت أحداث ، ونسوا العهد وبخلوا ربهم ، وقالوا : " يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ، وقالوا في عزير : "إن الله اتخذه ولدا " ، وكانوا يعيبون ذلك على النصارى في قولهم في المسيح ، فخالفوا ما نهوا عنه ، وعملوا بما كانوا يكفرون عليه ، فسبق من الله كلمة عند ذلك أنهم لن يظهروا على عدو آخر الدهر ، فقال : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين " ، فبعث الله عليهم المجوس الثالثة أربابا ، فلم يزالوا كذلك والمجوس [ ص: 460 ] على رقابهم ، وهم يقولون : "يا ليتنا أدركنا هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا ، عسى الله أن يفكنا به من المجوس والعذاب الهون"! فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم واسمه " محمد " ، واسمه في الإنجيل " أحمد " فلما جاءهم وعرفوا ، كفروا به ، قال : ( فلعنة الله على الكافرين ) [ سورة البقرة : 89 ] ، وقال : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، [ سورة البقرة : 90 ] .

12252 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، هم اليهود .

12253 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا " ، أولئك أعداء الله اليهود ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله . لقد جاء الإسلام حين جاء ، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليه .

12254 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، قال : كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله ، وأطفأ حدهم ونارهم ، وقذف في قلوبهم الرعب .

[ ص: 461 ] وقال مجاهد بما : -

12255 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، قال : حرب محمد صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله ( ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ( 64 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويعمل هؤلاء اليهود والنصارى بمعصية الله ، فيكفرون بآياته ويكذبون رسله ، ويخالفون أمره ونهيه ، وذلك سعيهم فيها بالفساد

" والله لا يحب المفسدين " ، يقول : والله لا يحب من كان عاملا بمعاصيه في أرضه .
القول في تأويل قوله ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 65 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ولو أن أهل الكتاب " ، وهم اليهود والنصارى "آمنوا " بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فصدقوه واتبعوه وما أنزل عليه"واتقوا " ما نهاهم الله عنه فاجتنبوه"لكفرنا عنهم سيئاتهم " ، يقول : محونا عنهم ذنوبهم فغطينا عليها ، ولم نفضحهم بها

"ولأدخلناهم [ ص: 462 ] جنات النعيم " ، يقول : ولأدخلناهم بساتين ينعمون فيها في الآخرة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12256 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا " ، يقول : آمنوا بما أنزل الله ، واتقوا ما حرم الله ، "لكفرنا عنهم سيئاتهم" .

القول في تأويل قوله ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل " ، ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل "وما أنزل إليهم من ربهم " ، يقول : وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقان الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم .

فإن قال قائل : وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ، ونسخ بعضها بعضا؟

قيل : إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها ، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله ، والتصديق بما جاءت به من عند الله . فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم : تصديقهم بما فيها ، والعمل [ ص: 463 ] بما هي متفقة فيه ، وكل واحد منها في الحين الذي فرض العمل به .

وأما معنى قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، فإنه يعني : لأنزل الله عليهم من السماء قطرها ، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونباتها ، فأخرج ثمارها .

وأما قوله : " ومن تحت أرجلهم " ، فإنه يعني تعالى ذكره : لأكلوا من بركة ما تحت أقدامهم من الأرض ، وذلك ما تخرجه الأرض من حبها ونباتها وثمارها ، وسائر ما يؤكل مما تخرجه الأرض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12257 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم " ، يعني : لأرسل السماء عليهم مدرارا"ومن تحت أرجلهم " ، تخرج الأرض بركتها .

12258 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : إذا لأعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها .

12259 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : لو عملوا بما أنزل إليهم [ ص: 464 ] مما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنزلنا عليهم المطر ، فلأنبت الثمر .

12260 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم " ، أما"إقامتهم التوراة " ، فالعمل بها وأما"ما أنزل إليهم من ربهم " ، فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه . يقول : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، أما"من فوقهم " ، فأرسلت عليهم مطرا ، وأما"من تحت أرجلهم " ، يقول : لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم .

12261 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، قال : بركات السماء والأرض قال ابن جريج : "لأكلوا من فوقهم " ، المطر "ومن تحت أرجلهم " ، من نبات الأرض .

12262 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء"ومن تحت أرجلهم " ، يقول : من الأرض .

وكان بعضهم يقول إنما أريد بقوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، التوسعة ، كما يقول القائل : "هو في خير من قرنه إلى قدمه" .

وتأويل أهل التأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول ، وكفى بذلك شهيدا على فساده .

[ ص: 465 ]

القول في تأويل قوله ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( 66 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "منهم أمة " ، منهم جماعة "مقتصدة " ، يقول : مقتصدة في القول في عيسى ابن مريم ، قائلة فيه الحق أنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، لا غالية قائلة : إنه ابن الله ، تعالى الله عما قالوا من ذلك ، ولا مقصرة قائلة : هو لغير رشدة"وكثير منهم " ، يعني : من بني إسرائيل من أهل الكتاب اليهود والنصارى "ساء ما يعملون " ، يقول : كثير منهم سيئ عملهم ، وذلك أنهم يكفرون بالله ، فتكذب النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتزعم أن المسيح ابن الله وتكذب اليهود بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما . فقال الله تعالى فيهم ذاما لهم : "ساء ما يعملون " ، في ذلك من فعلهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12264 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "منهم أمة مقتصدة " ، وهم مسلمة أهل الكتاب"وكثير منهم ساء ما يعملون" .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]