عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-02-2025, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (563)
صــ 466 إلى صــ 480









12265 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل قال ، حدثنا عبد الله بن كثير ، أنه سمع مجاهدا يقول : تفرقت بنو إسرائيل فرقا ، فقالت [ ص: 466 ] فرقة : " عيسى هو ابن الله " ، وقالت فرقة : " هو الله " ، وقالت فرقة : "هو عبد الله وروحه " ، وهي المقتصدة ، وهي مسلمة أهل الكتاب .

12266 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : " منهم أمة مقتصدة " ، يقول : على كتابه وأمره . ثم ذم أكثر القوم فقال : "وكثير منهم ساء ما يعملون " .

12267 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "منهم أمة مقتصدة " ، يقول : مؤمنة .

12268 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " قال : المقتصدة ، أهل طاعة الله . قال : وهؤلاء أهل الكتاب .

12269 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " ، قال : فهذه الأمة المقتصدة ، الذين لا هم جفوا في الدين ولا هم غلوا . قال : و"الغلو " ، الرغبة [ عنه ] ، و"الفسق " ، التقصير عنه .

[ ص: 467 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ( 67 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قص تعالى ذكره قصصهم في هذه السورة ، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم ، واجتراءهم على ربهم ، وتوثبهم على أنبيائهم ، وتبديلهم كتابه ، وتحريفهم إياه ، ورداءة مطاعمهم ومآكلهم ، وسائر المشركين غيرهم ، ما أنزل عليه فيهم من معايبهم ، والإزراء عليهم ، والتقصير بهم ، والتهجين لهم ، وما أمرهم به ونهاهم عنه ، وأن لا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروه ما قام فيهم بأمر الله ، ولا جزعا من كثرة عددهم وقلة عدد من معه ، وأن لا يتقي أحدا في ذات الله ، فإن الله تعالى ذكره كافيه كل أحد من خلقه ، ودافع عنه مكروه كل من يبغي مكروهه . وأعلمه تعالى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مما أنزل إليه إليهم ، فهو في تركه تبليغ ذلك وإن قل ما لم يبلغ منه فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذنب بمنزلته لو لم يبلغ من تنزيله شيئا .

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

[ ص: 468 ] 12270 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، يعني : إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك ، لم تبلغ رسالاتي .

12271 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، الآية ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ، ويعصمه منهم ، وأمره بالبلاغ . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له : لو احتجبت! فقال : والله لأبدين عقبي للناس ما صاحبتهم .

12272 - حدثني الحارث بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد قال : لما نزلت : " بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، قال : إنما أنا واحد ، كيف أصنع؟ تجمع علي الناس! فنزلت : " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، الآية .

12273 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن ثعلبة ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحرسوني ، إن ربي قد عصمني .

[ ص: 469 ] 12274 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتقبه ناس من أصحابه ، فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس " ، خرج فقال : يا أيها الناس ، الحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس .

12275 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن عاصم بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحارسه أصحابه ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، إلى آخرها .

12276 - حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا الحارث بن عبيدة أبو قدامة الإيادي قال ، حدثنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ، حتى نزلت هذه الآية : "والله يعصمك من الناس " ، قالت : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال : "أيها الناس ، انصرفوا ، فقد عصمني الله

. [ ص: 470 ] 12277 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن القرظي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس ، حتى أنزل الله : " والله يعصمك من الناس " .

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية .

فقال بعضهم : نزلت بسبب أعرابي كان هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكفاه الله إياه .

ذكر من قال ذلك :

12278 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة ، فيقيل تحتها . فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال : الله! فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله : " والله يعصمك من الناس " .

[ ص: 471 ] وقال آخرون : بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا ، فأومن من ذلك .

ذكر من قال ذلك :

12279 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا ، فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس " ، استلقى ثم قال : "من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا .

12280 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق قال ، قالت عائشة : من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب! ثم قرأت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك " ، الآية .

12281 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن المغيرة ، عن الشعبي قال ، قالت عائشة : من قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم ، فقد كذب وأعظم الفرية على الله! قال الله تعالى ذكره : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية .

12282 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق قال ، قالت عائشة : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله ، فقد أعظم على الله الفرية! والله يقول : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، الآية .

12283 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن محمد بن الجهم ، [ ص: 472 ] عن مسروق بن الأجدع قال : دخلت على عائشة يوما فسمعتها تقول : لقد أعظم الفرية من قال إن محمدا كتم شيئا من الوحي! والله يقول : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " .

ويعني بقوله : " والله يعصمك من الناس " ، يمنعك من أن ينالوك بسوء . وأصله من "عصام القربة " ، وهو ما توكى به من سير وخيط ،

ومنه قول الشاعر :


وقلت : عليكم مالكا ، إن مالكا سيعصمكم ، إن كان في الناس عاصم


يعني : يمنعكم .

وأما قوله : " إن الله لا يهدي القوم الكافرين " ، فإنه يعني : إن الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبيل الحق ، وجار عن قصد السبيل ، وجحد ما جئته به من عند الله ، ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه .

[ ص: 473 ] القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )

قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهراني مهاجره . يقول تعالى ذكره له : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء اليهود والنصارى "يا أهل الكتاب " ، التوراة والإنجيل "لستم على شيء " ، مما تدعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى صلى الله عليه وسلم ، معشر اليهود ، ولا مما جاءكم به عيسى ، معشر النصارى "حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " ، مما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من الفرقان ، فتعملوا بذلك كله ، وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ، وتقروا بأن كل ذلك من عند الله ، فلا تكذبوا بشيء منه ، ولا تفرقوا بين رسل الله فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض ، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه ، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا ، فمن كذب ببعضها فقد كذب بجميعها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر .

12284 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، [ ص: 474 ] وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق ، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس ، وأنا بريء من أحداثكم! قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الحق والهدى ، ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك ! فأنزل الله تعالى ذكره : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " إلى : "فلا تأس على القوم الكافرين" .

12285 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " ، قال : فقد صرنا من أهل الكتاب"التوراة " ، لليهود ، و"الإنجيل " ، للنصارى ، "وما أنزل إليكم من ربكم " ، وما أنزل إلينا من ربنا أي : "لستم على شيء حتى تقيموا " ، حتى تعملوا بما فيه .

القول في تأويل قوله ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين ( 68 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، وأقسم : ليزيدن كثيرا من هؤلاء اليهود والنصارى الذين قص قصصهم في هذه الآيات ، الكتاب الذي أنزلته إليك ، يا محمد "طغيانا " ، يقول : تجاوزا وغلوا في التكذيب لك ، على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول [ ص: 475 ] الفرقان " وكفرا " يقول : وجحودا لنبوتك .

وقد آتينا على البيان عن معنى"الطغيان " ، فيما مضى قبل .

وأما قوله : "فلا تأس على القوم الكافرين " ، يعني بقوله : "فلا تأس " ، فلا تحزن .

يقال : " آسى فلان على كذا " ، إذا حزن"يأسى أسى " ، ، ومنه قول الراجز :


وانحلبت عيناه من فرط الأسى


يقول تعالى ذكره لنبيه : لا تحزن ، يا محمد ، على تكذيب هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى من بني إسرائيل لك ، فإن مثل ذلك منهم عادة وخلق في أنبيائهم ، فكيف فيك؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 476 ] ذكر من قال ذلك :

12286 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، قال : الفرقان ، يقول : فلا تحزن .

12287 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " فلا تأس على القوم الكافرين " ، قال : لا تحزن .
القول في تأويل قوله ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 69 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وهم أهل الإسلام"والذين هادوا " ، وهم اليهود والصابئون " ، وقد بينا أمرهم " والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر " ، فصدق بالبعث بعد الممات " وعمل " ، من العمل"صالحا " لمعاده"فلا خوف عليهم " ، فيما قدموا عليه من أهوال القيامة"ولا هم يحزنون " ، على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، بعد معاينتهم ما أكرمهم الله به من جزيل ثوابه .

[ ص: 477 ] وقد بينا وجه الإعراب فيه فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته .

القول في تأويل قوله ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( 70 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أقسم : لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل على الإخلاص في توحيدنا ، والعمل بما أمرناهم به ، والانتهاء عما نهيناهم عنه وأرسلنا إليهم بذلك رسلا ووعدناهم على ألسن رسلنا إليهم على العمل بطاعتنا الجزيل من الثواب ، وأوعدناهم على العمل بمعصيتنا الشديد من العقاب كلما جاءهم رسول لنا بما لا تشتهيه نفوسهم ولا يوافق محبتهم ، كذبوا منهم فريقا ، ويقتلون منهم فريقا ، نقضا لميثاقنا الذي أخذناه عليهم ، وجرأة علينا وعلى خلاف أمرنا .

[ ص: 478 ] القول في تأويل قوله ( وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون ( 71 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى : وظن هؤلاء الإسرائيليون الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : أنه أخذ ميثاقهم : وأنه أرسل إليهم رسلا وأنهم كانوا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبار بالشدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون

" فعموا وصموا " ، يقول : فعموا عن الحق والوفاء بالميثاق الذي أخذته عليهم ، من إخلاص عبادتي ، والانتهاء إلى أمري ونهيي ، والعمل بطاعتي ، بحسبانهم ذلك وظنهم "وصموا " عنه ثم تبت عليهم . يقول : ثم هديتهم بلطف مني لهم حتى أنابوا ورجعوا عما كانوا عليه من معاصي وخلاف أمري والعمل بما أكرهه منهم ، إلى العمل بما أحبه ، والانتهاء إلى طاعتي وأمري ونهيي " ثم عموا وصموا كثير منهم " ، يقول : ثم عموا أيضا عن الحق والوفاء بميثاقي الذي أخذته عليهم : من العمل بطاعتي ، والانتهاء [ ص: 479 ] إلى أمري ، واجتناب معاصي "وصموا كثير منهم " ، يقول : عمي كثير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بني إسرائيل ، باتباع رسلي والعمل بما أنزلت إليهم من كتبي عن الحق وصموا ، بعد توبتي عليهم ، واستنقاذي إياهم من الهلكة "والله بصير بما يعملون " ، يقول"بصير " ، فيرى أعمالهم خيرها وشرها ، فيجازيهم يوم القيامة بجميعها ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12288 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وحسبوا ألا تكون فتنة " ، الآية ، يقول : حسب القوم أن لا يكون بلاء "فعموا وصموا " ، كلما عرض بلاء ابتلوا به ، هلكوا فيه .

12289 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا " ، يقول : حسبوا أن لا يبتلوا ، فعموا عن الحق وصموا .

12290 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن مبارك ، عن الحسن : " وحسبوا أن لا تكون فتنة " ، قال : بلاء .

12291 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " وحسبوا أن لا تكون فتنة " ، قال : الشرك .

12292 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا " ، قال : اليهود .

[ ص: 480 ] 12293 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فعموا وصموا " ، قال : يهود قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : هذه الآية لبني إسرائيل . قال : و"الفتنة " ، البلاء والتمحيص .

القول في تأويل قوله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ( 72 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن بعض ما فتن به الإسرائيليين الذين أخبر عنهم أنهم حسبوا أن لا تكون فتنة . يقول تعالى ذكره : فكان مما ابتليتهم واختبرتهم به ، فنقضوا فيه ميثاقي ، وغيروا عهدي الذي كنت أخذته عليهم بأن لا يعبدوا سواي ، ولا يتخذوا ربا غيري ، وأن يوحدوني ، وينتهوا إلى طاعتي ، عبدي عيسى ابن مريم ، فإني خلقته ، وأجريت على يده نحو الذي أجريت على يد كثير من رسلي ، فقالوا كفرا منهم : "هو الله" .

وهذا قول اليعقوبية من النصارى عليهم غضب الله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]