عرض مشاركة واحدة
  #568  
قديم 17-02-2025, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,676
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (568)
صــ 546 إلى صــ 560







[ ص: 545 ] القول في تأويل قوله ( أو كسوتهم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فكفارة ما عقدتم من الأيمان : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم . يقول : إما أن تطعموهم أو تكسوهم . والخيار في ذلك إلى المكفر .

واختلف أهل التأويل في "الكسوة " التي عنى الله تعالى ذكره بقوله : "أو كسوتهم " .

فقال بعضهم : عنى بذلك : كسوة ثوب واحد .

ذكر من قال ذلك :

12441 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في كسوة المساكين في كفارة اليمين : أدناه ثوب .

12442 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أدناه ثوب ، وأعلاه ما شئت .

12443 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن الربيع ، عن الحسن قال في كفارة اليمين في قوله : "أو كسوتهم " ، ثوب لكل مسكين .

12444 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب .

12445 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبيدة وحدثنا ابن حميد وابن وكيع [ ص: 546 ] قالا : حدثنا جرير جميعا ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب .

12446 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب ثوب قال منصور : القميص ، أو الرداء ، أو الإزار .

12447 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : كسوة الشتاء والصيف ، ثوب ثوب .

12448 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عمر بن هارون ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب ثوب لكل مسكين .

12449 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : إذا كساهم ثوبا ثوبا أجزأ عنه .

12450 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن حماد قال : ثوب أو ثوبان ، وثوب لا بد منه .

12451 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قال : ثوب ثوب لكل إنسان . وقد كانت العباءة تقضى يومئذ من الكسوة .

[ ص: 547 ] 12452 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "أو كسوتهم " ، قال : "الكسوة " ، عباءة لكل مسكين ، أو شملة .

12453 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك قال : ثوب ، أو قميص ، أو رداء ، أو إزار .

12454 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي ، قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن اختار صاحب اليمين الكسوة ، كسا عشرة أناسي ، كل إنسان عباءة .

12455 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، سمعت عطاء يقول في قوله : "أو كسوتهم " ، الكسوة : ثوب ثوب .

وقال بعضهم : عنى بذلك : الكسوة ثوبين ثوبين .

ذكر من قال ذلك :

12456 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبيدة وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية جميعا ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : عباءة وعمامة .

12457 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب قال : عمامة يلف بها رأسه ، وعباءة يلتحف بها .

12458 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أشعث ، عن الحسن وابن سيرين قالا ثوبين ثوبين .

[ ص: 548 ] 12459 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن يونس ، عن الحسن قال : ثوبين .

12460 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .

12461 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : ثوبان ثوبان لكل مسكين .

12462 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين ، عن أبى موسى : أنه حلف على يمين ، فكسا ثوبين من معقدة البحرين .

12463 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن ابن سيرين : أن أبا موسى كسا ثوبين من معقدة البحرين .

12464 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن محمد بن عبد الأعلى : أن أبا موسى الأشعري حلف على يمين ، فرأى أن يكفر ففعل ، وكسا عشرة ثوبين ثوبين .

12465 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن هشام ، عن محمد : أن أبا موسى حلف على يمين فكفر ، فكسا عشرة مساكين ثوبين ثوبين .

12466 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب قال : عباءة وعمامة لكل مسكين .

12467 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

[ ص: 549 ] 12468 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا داود بن أبي هند قال : قال رجل عند سعيد بن المسيب : ( أو كأسوتهم ) ، فقال سعيد : لا إنما هي : "أو كسوتهم " ، قال قلت : يا أبا محمد ، ما كسوتهم؟ قال : لكل مسكين عباءة وعمامة : عباءة يلتحف بها ، وعمامة يشد بها رأسه .

12469 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : الكسوة ، لكل مسكين رداء وإزار ، كنحو ما يجد من الميسرة والفاقة .

وقال آخرون : بل عنى بذلك " كسوتهم " "ثوب جامع " ، كالملحفة والكساء ، والشيء الذي يصلح للبس والنوم .

ذكر من قال ذلك :

12470 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : الكسوة ثوب جامع .

12471 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا ابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع . قال وقال مغيرة : و"الثوب الجامع" : الملحفة أو الكساء أو نحوه ، ولا نرى الدرع والقميص والخمار ونحوه "جامعا" .

12472 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : ثوب جامع .

[ ص: 550 ] 12473 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : ثوب جامع .

12474 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع لكل مسكين .

12475 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان وشعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع .

12476 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، مثله .

وقال آخرون : عنى بذلك : كسوة إزار ورداء وقميص .

ذكر من قال ذلك :

12477 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن بردة ، عن رافع ، عن ابن عمر قال في الكسوة : في الكفارة إزار ورداء وقميص .

وقال آخرون : كل ما كسا فيجزئ ، والآية على عمومها .

ذكر من قال ذلك :

12478 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن ليث ، عن مجاهد قال : يجزئ في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان .

12479 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع [ ص: 551 ] قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن الحسن قال : يجزئ عمامة في كفارة اليمين .

12480 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أويس الصيرفي ، عن أبي الهيثم ، قال قال سلمان : نعم الثوب التبان .

12481 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الشيباني ، عن الحكم قال : عمامة يلف بها رأسه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة وأشبهها بتأويل القرآن ، قول من قال : عنى بقوله : "أو كسوتهم " ، ما وقع عليه اسم كسوة ، مما يكون ثوبا فصاعدا لأن ما دون الثوب ، لا خلاف بين جميع الحجة أنه ليس مما دخل في حكم الآية ، فكان ما دون قدر ذلك ، خارجا من أن يكون الله تعالى عناه ، بالنقل المستفيض . والثوب وما فوقه داخل في حكم الآية ، إذ لم يأت من الله تعالى وحي ، ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ، ولم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخل في حكمها . وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الآية محتمله من حكم الآية ، إلا بحجة يجب التسليم لها . ولا حجة بذلك .

[ ص: 552 ] القول في تأويل قوله ( أو تحرير رقبة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أو فك عبد من أسر العبودة وذلها .

وأصل "التحرير " ، الفك من الأسر ، ومنه قول الفرزدق بن غالب :


أبني غدانة ، إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال


يعني بقوله : "حررتكم " ، فككت رقابكم من ذل الهجاء ولزوم العار .

وقيل : "تحرير رقبة " ، والمحرر ذو الرقبة ، لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تجمع يديه إلى عنقه بقد أو حبل أو غير ذلك ، وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مما كانتا به مشدودتين إلى الرقبة . فجرى الكلام [ ص: 553 ] عند إطلاقهم الأسير ، بالخبر عن فك يديه عن رقبته ، وهم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره ، كما يقال : "قبض فلان يده عن فلان " ، إذا أمسك يده عن نواله "وبسط فيه لسانه " ، إذا قال فيه سوءا فيضاف الفعل إلى الجارحة التي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله ، لاستعمال الناس ذلك بينهم ، وعلمهم بمعنى ذلك . فكذلك ذلك في قول الله تعالى ذكره : "أو تحرير رقبة " ، أضيف "التحرير " إلى "الرقبة " ، وإن لم يكن هناك غل في رقبته ولا شد يد إليها ، وكان المراد بالتحرير نفس العبد ، بما وصفنا ، من جراء استعمال الناس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه .

فإن قال قائل : أفكل الرقاب معني بذلك أو بعضه؟

قيل : بل معني بذلك كل رقبة كانت سليمة من الإقعاد ، والعمى والخرس ، وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق ، ونظائر ذلك . فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب ، فلا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزئ في كفارة اليمين . فكان معلوما بذلك أن الله تعالى ذكره لم يعنه بالتحرير في هذه الآية . فأما الصغير والكبير والمسلم والكافر ، فإنهم معنيون به .

[ ص: 554 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم .

ذكر من قال ذلك :

12482 - حدثنا هناد . . . قال ، حدثنا مغيرة ، عن إبراهيم : أنه كان يقول : من كانت عليه رقبة واجبة فاشترى نسمة ، قال : إذا أنقذها من عمل أجزأته ، ولا يجوز عتق من لا يعمل . فأما الذي يعمل ، كالأعور ونحوه . وأما الذي لا يعمل فلا يجزئ ، الأعمى والمقعد .

12483 - حدثنا هناد قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن قال : كان يكره عتق المخبل في شيء من الكفارات .

12484 - حدثنا هناد قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه كان لا يرى عتق المغلوب على عقله يجزئ في شيء من الكفارات .

وقال بعضهم : لا يجزئ في الكفارة من الرقاب إلا صحيح ، ويجزئ الصغير فيها .

ذكر من قال ذلك :

12485 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لا يجزئ في الرقبة إلا صحيح .

12486 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يجزئ المولود في الإسلام من رقبة .

12487 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : ما كان في القرآن من "رقبة مؤمنة " ، فلا يجزئ إلا ما صام وصلى . وما كان ليس بمؤمنة ، فالصبي يجزئ .

[ ص: 555 ] وقال بعضهم : لا يقال للمولود"رقبة " ، إلا بعد مدة تأتي عليه .

ذكر من قال ذلك :

12488 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن شعيب بن شابور ، عن النعمان بن المنذر ، عن سليمان قال : إذا ولد الصبي فهو نسمة ، وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة ، وإذا صلى فهو مؤمنة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال ، إن الله تعالى عم بذكر "الرقبة " كل رقبة ، فأي رقبة حررها المكفر يمينه في كفارته ، فقد أدى ما كلف ، إلا ما ذكرنا أن الحجة مجمعة على أن الله تعالى ذكره ، لم يعنه بالتحرير ، فذلك خارج من حكم الآية ، وما عدا ذلك فجائز تحريره في الكفارة بظاهر التنزيل .

والمكفر مخير في تكفير يمينه التي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثلاث التي سماها الله في كتابه ، وذلك : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة بإجماع من الجميع ، لا خلاف بينهم في ذلك . فإن ظن ظان أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الجميع ، ليس كما قلنا ، لما : -

12489 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا سليمان الشيباني قال ، حدثنا أبو الضحى ، عن مسروق ، قال : جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله فقال : إني آليت من النساء والفراش! فقرأ عبد الله هذه الآية : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) [ سورة المائدة : 87 ] . قال فقال معقل : إنما سألتك أن أتيت [ ص: 556 ] على هذه الآية الليلة؟ فقال عبد الله : ائت النساء ونم ، وأعتق رقبة ، فإنك موسر .

12490 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني جرير بن حازم : أن سليمان الأعمش حدثه ، عن إبراهيم بن يزيد النخعي ، عن همام بن الحارث : أن نعمان بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود فقال : إني حلفت أن لا أنام على فراشي سنة؟ فقال ابن مسعود : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، كفر عن يمينك ، ونم على فراشك ! قال : بم أكفر عن يميني؟ قال : أعتق رقبة ، فإنك موسر .

ونحو هذا من الأخبار التي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما ، فإن ذلك منهم كان على وجه الاستحباب لمن أمروه بالتكفير بما أمروه به بالتكفير من [ ص: 557 ] الرقاب ، لا على أنه كان لا يجزئ عندهم التكفير للموسر إلا بالرقبة ، لأنه لم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال : لا يجزئ الموسر التكفير إلا بالرقبة . والجميع من علماء الأمصار ، قديمهم وحديثهم ، مجمعون على أن التكفير بغير الرقاب جائز للموسر . ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بغيره .

القول في تأويل قوله ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "فمن لم يجد " ، لكفارة يمينه التي لزمه تكفيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم "فصيام ثلاثة أيام " ، يقول : فعليه صيام ثلاثة أيام .

ثم اختلف أهل العلم في معنى قوله : "فمن لم يجد " ، ومتى يستحق الحانث في يمينه الذي قد لزمته الكفارة ، اسم "غير واجد " ، حتى يكون ممن له الصيام في ذلك .

فقال بعضهم : إذا لم يكن للحانث في وقت تكفيره عن يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته ، فإن له أن يكفر بالصيام . فإن كان عنده في ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه وليلته ، ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم ، لزمه التكفير بالإطعام أو الكسوة ، ولم يجزه الصيام حينئذ .

وممن قال ذلك الشافعي :

12491 - حدثنا بذلك عنه الربيع .

وهذا القول قصد إن شاء الله من أوجب الطعام على من كان عنده درهمان ، [ ص: 558 ] من أوجبه على من عنده ثلاثة دراهم . وبنحو ذلك : -

12492 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير ، قال : إذا لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم قال : يعني في الكفارة .

12493 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني معتمر بن سليمان قال : قلت لعمر بن راشد : الرجل يحلف ولا يكون عنده من الطعام إلا بقدر ما يكفر ، قال : كان قتادة يقول : يصوم ثلاثة أيام .

12494 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن قال ، إذا كان عنده درهمان .

12495 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا معتمر ، عن حماد ، عن عبد الكريم أبي أمية ، عن سعيد بن جبير قال : ثلاثة دراهم .

وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده مائتا درهم أن يصوم ، وهو ممن لا يجد .

وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرف به لمعاشه ما يكفر به بالإطعام أن يصوم ، إلا أن يكون له كفاية ، ومن المال ما يتصرف به لمعاشه ، ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه . وهذا قول كان يقوله بعض متأخري المتفقهة .

[ ص: 559 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن من لم يكن عنده في حال حنثه في يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته ، لا فضل له عن ذلك ، يصوم ثلاثة أيام ، وهو ممن دخل في جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق . وإن كان عنده في ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ، ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين ، أو يعتق رقبة ، فلا يجزيه حينئذ الصوم ، لأن إحدى الحالات الثلاث حينئذ من إطعام أو كسوة أو عتق ، حق قد أوجبه الله تعالى ذكره في ماله وجوب الدين . وقد قامت الحجة بأن المفلس إذا فرق ماله بين غرمائه : أنه لا يترك ذلك اليوم إلا ما لابد له من قوته وقوت عياله يومه وليلته . فكذلك حكم المعدم بالدين الذي أوجبه الله تعالى ذكره في ماله بسبب الكفارة التي لزمت ماله .

واختلف أهل العلم في صفة الصوم الذي أوجبه الله في كفارة اليمين . فقال بعضهم : صفته أن يكون مواصلا بين الأيام الثلاثة غير مفرقها .

ذكر من قال ذلك :

12496 - حدثنا محمد بن العلاء قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع ، إلا قضاء رمضان ، فإنه عدة من أيام أخر .

12497 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : كان أبي بن كعب يقرأ : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12498 - حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن [ ص: 560 ] موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، أنه كان يقرأ : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12499 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن قزعة ، عن سويد ، عن سيف بن سليمان ، عن مجاهد ، قال : في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12500 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : في قراءتنا : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12501 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، مثله .

12502 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قراءة أصحاب عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12503 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر قال : في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12504 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، عن أبي إسحاق في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12505 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، [ ص: 561 ] عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرؤن : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .

12506 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع قال ، سمعت سفيان ، يقول : إذا فرق صيام ثلاثة أيام لم يجزه . قال : وسمعته يقول في رجل صام في كفارة يمين ثم أفطر ، قال ، يستقبل الصوم .

12507 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "فصيام ثلاثة أيام " ، قال : إذا لم يجد طعاما ، وكان في بعض القراءة : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وبه كان يأخذ قتادة .

12508 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة ، الأول فالأول ، فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات .

وقال آخرون : جائز لمن صامهن أن يصومهن كيف شاء ، مجتمعات ومفترقات .

ذكر من قال ذلك :

12509 - حدثني يونس قال ، أخبرنا أشهب قال ، قال مالك : كل ما ذكر الله في القرآن من الصيام ، فأن يصام تباعا أعجب . فإن فرقها رجوت أن تجزئ عنه .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى [ ص: 562 ] ذكره أوجب على من لزمته كفارة يمين ، إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلا أن يكفرها بصيام ثلاثة أيام ، ولم يشرط في ذلك متتابعة . فكيفما صامهن المكفر مفرقة ومتتابعة أجزأه . لأن الله تعالى ذكره إنما أوجب عليه صيام ثلاثة أيام ، فكيفما أتى بصومهن أجزأ .

فأما ما روى عن أبي وابن مسعود من قراءتهما : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، فذلك خلاف ما في مصاحفنا . وغير جائز لنا أن نشهد لشيء ليس في مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله . غير أني أختار للصائم في كفارة اليمين أن يتابع بين الأيام الثلاثة ، ولا يفرق . لأنه لا خلاف بين الجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفارته ، وهم في غير ذلك مختلفون . ففعل ما لا يختلف في جوازه أحب إلي ، وإن كان الآخر جائزا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]