
17-02-2025, 11:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (570)
صــ 1 إلى صــ 15
12533 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ! فأنزل الله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني قبل التحريم ، إذا كانوا محسنين متقين ، وقال مرة أخرى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " من الحرام قبل أن يحرم عليهم ، إذا ما اتقوا وأحسنوا ، بعد ما حرم ، وهو قوله : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) ، [ سورة البقرة : 275 ] .
12534 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر ، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرم . فلما حرمت قالوا : كيف تكون علينا حراما ، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا [ ص: 582 ] " ، يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها ، إذا كانوا محسنين متقين " والله يحب المحسنين" .
12535 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، لمن كان يشرب الخمر ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدر وأحد .
12536 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية ، هذا في شأن الخمر حين حرمت ، سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله "ليبلونكم الله بشيء من الصيد " ، يقول : ليختبرنكم الله "بشيء من الصيد " ، يعني : ببعض الصيد .
وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء ، لأنه لم يبلهم بصيد البحر ، وإنما ابتلاهم بصيد البر ، فالابتلاء ببعض لا بجميع .
[ ص: 583 ] وقوله : "تناله أيديكم " ، فإنه يعني : إما باليد ، كالبيض والفراخ وإما بإصابة النبل والرماح ، وذلك كالحمر والبقر والظباء ، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجكم .
وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
12537 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : "أيديكم " ، صغار الصيد ، أخذ الفراخ والبيض ، و"الرماح " قال : كبار الصيد .
12538 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
12539 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : النبل"رماحكم " ، تنال كبير الصيد ، "وأيديكم " ، تنال صغير الصيد ، أخذ الفرخ والبيض .
12540 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : ما لا يستطيع أن يفر من الصيد .
[ ص: 584 ] 12541 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد . وعبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، مثله .
12542 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أيديكم ورماحكم ، قال : هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاءوا نالوه بأيديهم . فنهاهم الله أن يقربوه .
12543 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حميد الأعرج ، وليث ، عن مجاهد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ، قال : الفراخ والبيض ، وما لا يستطيع أن يفر .
القول في تأويل قوله ( ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 94 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ليختبرنكم الله ، أيها المؤمنون ، ببعض الصيد في حال إحرامكم ، كي يعلم أهل طاعة الله والإيمان به ، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه ، ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه ، ويجتنبه خوف عقابه "بالغيب " ، بمعنى : في الدنيا ، بحيث لا يراه . .
وقد بينا أن "الغيب " ، إنما هو مصدر قول القائل : "غاب عني هذا الأمر [ ص: 585 ] فهو يغيب غيبا وغيبة " ، وأن ما لم يعاين ، فإن العرب تسميه "غيبا" .
فتأويل الكلام إذا : ليعلم أولياء الله من يخاف الله فيتقي محارمه التي حرمها عليه من الصيد وغيره ، بحيث لا يراه ولا يعاينه .
وأما قوله : "فمن اعتدى بعد ذلك " ، فإنه يعني : فمن تجاوز حد الله الذي حده له ، بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام ، فاستحل ما حرم الله عليه منه بأخذه وقتله"فله عذاب ، من الله "أليم " ، يعني : مؤلم موجع .
الجزء ال11
[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " لا تقتلوا الصيد " الذي بينت لكم ، وهو صيد البر دون صيد البحر " وأنتم حرم " يقول : وأنتم محرمون بحج أو عمرة .
و " الحرم " جمع " حرام " والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد . تقول : " هذا رجل حرام " و " هذه امرأة حرام " . فإذا قيل : " محرم " قيل للمرأة : " محرمة " . و " الإحرام " هو الدخول فيه ، يقال : " أحرم القوم " إذا دخلوا في الشهر الحرام ، أو في الحرم .
فتأويل الكلام : لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة .
وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " فإن هذا إعلام من الله - تعالى ذكره - عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة " العمد " الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد . [ ص: 8 ]
فقال بعضهم : هو العمد لقتل الصيد ، مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله . وقال : إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله .
قالوا : وهذا أجل أمرا من أن يحكم عليه ، أو يكون له كفارة .
ذكر من قال ذلك :
12544 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " من قتله منكم ناسيا لإحرامه ، متعمدا لقتله ، فذلك الذي يحكم عليه . فإن قتله ذاكرا لحرمه ، متعمدا لقتله ، لم يحكم عليه .
12545 - حدثنا ابن وكيع و ابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في الذي يقتل الصيد متعمدا وهو يعلم أنه محرم ، ويتعمد قتله ، قال : لا يحكم عليه ، ولا حج له . وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : هو العمد المكفر ، وفيه الكفارة والخطأ ، أن يصيبه وهو ناس لإحرامه ، متعمدا لقتله أو يصيبه وهو يريد غيره . فذلك يحكم عليه مرة .
12546 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .
12547 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 9 ]
12548 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا الفضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : العمد هو الخطأ المكفر .
12549 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا يونس بن محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا ليث قال : قال مجاهد : قول الله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : فالعمد الذي ذكر الله - تعالى ذكره - : أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فيصيبه ، فهذا العمد المكفر ، فأما الذي يصيبه غير ناس ولا مريد لغيره ، فهذا لا يحكم عليه . هذا أجل من أن يحكم عليه .
12550 - حدثنا ابن وكيع ، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه قال في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : يقتله متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه .
12551 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي قال : حدثنا شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد مثله .
12552 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : قال ابن جريج " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا لحرمه ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .
12553 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : " ومن قتله منكم متعمدا " للصيد ، ناسيا لإحرامه " فمن اعتدى بعد ذلك " متعمدا للصيد يذكر إحرامه .
12554 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدا ذاكرا [ ص: 10 ] لإحرامه : لم يحكم عليه قال إسماعيل : وقال حماد عن إبراهيم ، مثل ذلك .
12555 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " الآية ، فسألته ، فقال : كان عطاء يقول : هو بالخيار ، أي ذلك شاء فعل ، إن شاء أهدى ، وإن شاء أطعم ، وإن شاء صام . فأخبرت به جعفرا وقلت : ما سمعت فيه؟ فتلكأ ساعة ، ثم جعل يضحك ولا يخبرني ، ثم قال : كان سعيد بن جبير يقول : يحكم عليه من النعم هديا بالغ الكعبة ، وإنما جعل الطعام والصيام كفارة ، فهذا لا يبلغ ثمن الهدي ، والصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة .
12556 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : أخبرني ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ، ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .
12557 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أن قتله غير محرم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم . فأما من قتله متعمدا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه محرم ، وأنه حرام ، فذلك يوكل إلى نقمة الله ، وذلك الذي جعل الله عليه النقمة .
12558 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 11 ]
وقال آخرون : بل ذلك هو العمد من المحرم لقتل الصيد ، ذاكرا لحرمه .
ذكر من قال ذلك :
12559 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان .
12560 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثنا ابن جريج وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم عن ، ابن جريج قال : قال طاوس : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " .
12561 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني بعض أصحابنا ، عن الزهري أنه قال : نزل القرآن بالعمد ، وجرت السنة في الخطأ يعني : في المحرم يصيب الصيد .
12562 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " قال : إن قتله متعمدا أو ناسيا ، حكم عليه . وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة ، إلا أن يعفو الله .
12563 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير قال : إنما جعلت الكفارة في العمد ، ولكن غلظ عليهم في الخطأ كي يتقوا .
12564 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، نحوه .
12565 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : خبرنا ابن جريج قال : كان طاوس يقول : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " . [ ص: 12 ]
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - حرم قتل صيد البر على كل محرم في حال إحرامه ما دام حراما بقوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد " ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا لقتله ، ولم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه إحرامه ، ولا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عم في التنزيل بإيجاب الجزاء ، كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمدا . وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نص كتاب ، ولا خبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا إجماع من الأمة . ولا دلالة من بعض هذه الوجوه .
فإذ كان ذلك كذلك ، فسواء كان قاتل الصيد من المحرمين عامدا قتله ذاكرا لإحرامه ، أو عامدا قتله ناسيا لإحرامه ، أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لإحرامه في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا - تعالى ذكره - ، وهو : مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من المسلمين ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما .
وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما ، دون القول الذي قاله مجاهد .
وأما ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع ، بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع . وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكر ، فنذكر أحكامه . [ ص: 13 ]
وأما قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فإنه يقول : وعليه كفاء وبدل ، يعني بذلك : جزاء الصيد المقتول . يقول - تعالى ذكره - : فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول ، مثل ما قتل من النعم .
وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : ( فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ) .
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض البصريين : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، بإضافة " الجزاء " إلى " المثل " وخفض " المثل " .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " بتأويل : فعليه جزاء مثل ما قتل .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " لأن الجزاء هو المثل ، فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه .
وأحسب أن الذين قرأوا ذلك بالإضافة ، رأوا أن الواجب على قاتل الصيد أن يجزي مثله من الصيد بمثل من النعم . وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه ، بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتول نظيره من النعم . وإذ كان ذلك كذلك ، فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله - تعالى ذكره - على قاتل الصيد ، ولن يضاف الشيء إلى نفسه . [ ص: 14 ] ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه ، بالتنوين ونصب " المثل " . ولو كان " المثل " غير " الجزاء " لجاز في المثل النصب إذا نون " الجزاء " كما نصب " اليتيم " إذ كان غير " الإطعام " في قوله : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة [ سورة البلد : 14 ، 15 ] وكما نصب " الأموات " " والأحياء " ونون " الكفات " في قوله : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [ سورة المرسلات : 25 ، 26 ] ، إذ كان " الكفات " غير " الأحياء " " والأموات " . وكذلك الجزاء لو كان غير " المثل " لاتسعت القراءة في " المثل " بالنصب إذا نون " الجزاء " . ولكن ذلك ضاق ، فلم يقرأه أحد بتنوين " الجزاء " ونصب " المثل " إذ كان " المثل " هو " الجزاء " وكان معنى الكلام : ومن قتله منكم متعمدا فعليه جزاء هو مثل ما قتل من النعم .
ثم اختلف أهل العلم في صفة " الجزاء " وكيف يجزي قاتل الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم . .
فقال بعضهم : ينظر إلى أشبه الأشياء به شبها من النعم ، فيجزيه به ، ويهديه إلى الكعبة .
ذكر من قال ذلك :
12566 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : أما " جزاء مثل ما قتل من النعم " فإن قتل نعامة أو حمارا [ ص: 15 ] فعليه بدنة . وإن قتل بقرة أو أيلا أو أروى فعليه بقرة . أو قتل غزالا أو أرنبا فعليه شاة . وإن قتل ضبا أو حرباء أو يربوعا ، فعليه سخلة قد أكلت العشب وشربت اللبن .
12567 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد قال : سئل عطاء : أيغرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره؟ قال : أليس يقول الله - تعالى ذكره - : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ؟
12568 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : عليه من النعم مثله .
12569 - حدثنا هناد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، وجب عليه جزاؤه من النعم . فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به ، فإن لم يجد جزاءه قوم الجزاء دراهم ، ثم قوم الدراهم حنطة ، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما . قال : وإنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعاما وجد جزاء .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|