شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الحج
شرح سنن أبي داود [235]
الحلقة (266)
شرح سنن أبي داود [235]
الأسئلة
حكم سفر الولد لطلب الرزق دون إذن والديه
السؤال: شاب في مقتبل عمره يعمل الآن في هذه البلاد، وقد غادر بلده وأهله غير راضين عنه، فيسأل يقول: إن الأبواب كلها مغلقة في وجهي فهل صحيح يا شيخ! أن رضا الوالدين ضروري من أجل توفيقي؟ وماذا أفعل حتى يرضيا عني، وجهوني جزاكم الله خيراً؟ الجواب: الإنسان يحرص على إرضاء الوالدين؛ لأن الوالدين حقهما كبير، وقد أوصى الله تعالى بحقهما وبالإحسان إليهما، وقرن ذلك بالأمر بعبادته، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، فحق الوالدين عظيم، فعلى الإنسان أن يحرص على رضاهما، وعلى الإحسان إليهما والعطف عليهما، وعلى تطييب خاطرهما، لأن الوالد هو الذي جعله الله سبباً في وجود الولد، وهو الذي رباه، وهو الذي نشأه، وهو الذي أحسن إليه حتى بلغ مبلغ الرجال، فمن حقه عليه أن يكافئ الجميل بالجميل، والإحسان بالإحسان ولا يقابل الحسنة بالسيئة، وإنما يأتي بالحسنى، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فمن أحسن يحسن إليه، ومن جازى بالمعروف كوفئ بالمعروف. وسفرك إذا كان من أجل أن تبحث عن الرزق، وأنك ما وجدت شيئاً في بلدك فأنت معذور، ولكن كان ينبغي عليك أن تطيب خاطر والديك باستئذانهما وإقناعهما، وبيان أنك بحاجة إلى أن تذهب وتسافر لتحصيل الرزق.
كيفية التعامل مع من يسب الدين عند الخصومة
السؤال: أنا في بلد يكثر فيه سب الدين نعوذ بالله، فماذا أفعل لو سُبَّ الدين أمامي؟
الجواب: ينبغي إذا وجد شيء من ذلك أن يبين خطورته، وأن الإنسان إذا حصل له غضب فلا يتجه إلى سب الدين، وإذا كان ولابد أن يسب فليتجه إلى غير الدين، فكون الإنسان يغضب من إنسان آخر ثم يسب الدين هذا سفه وقلة حياء، فالتوعية والتوجيه والنصح وبيان خطورة الأمر وما يترتب عليه هو الذي ينبغي أن يفعله الإنسان، وأما أن يعاقب أو يؤدب من يفعل ذلك فهو لا يملك هذا إلا أن يكون الذي حصل منه ذلك القول هو ممن هم تحت يده كأولاده، فله أن يؤدبهم وأن يزجرهم، لأنه صاحب يد عليهم، وأما إذا كان غير ذلك فما معه إلا النصح والتحذير من هذا الأمر.
حكم ترك السلام على الجالسين في المقاهي للهو مع تركهم للصلاة
السؤال: هل يترك الإنسان إلقاء السلام على الجالسين في المقاهي يشربون الدخان والشيشة ويلعبون بالورق والمؤذن ينادي؟
الجواب: إذا كان السلام معه نصح فهذا شيء طيب، فقبل أن ينصحهم يسلم ثم ينصحهم، وأما كونه يسلم عليهم ويمشي دون أن ينصح فلا، فإذا لم ينصحهم فعليه أن يعرض عنهم؛ لأنه إذا سلم عليهم ولم ينصحهم فمعنى ذلك أنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن ينبهوا عليه.
حكم الإحرام بالعمرة من جدة لمن كان يعمل فيها
السؤال: إذا ذهبت إلى جدة للعمل فهل يجوز لي أن أحرم منها في أي وقت؟
الجواب: إذا كان الإنسان سيسكن في جدة ويعمل فيها فحكمه كحكم أهل جدة، فيحرم من جدة كما يحرم أهل جدة.
حكم الصلاة في ثوب به دم
السؤال: ما حكم من صلى وبثوبه دم إنسان أو دم طير؟
الجواب: وجود النجاسة في ثوب الإنسان إذا لم يُعلم به إلا بعد فراغ الصلاة لا يؤثر، سواءٌ أكانت دماً أم بولاً أم أي شيء آخر من أنواع النجاسات، فما دام أنه لم يعلم إلا بعد الصلاة فإن صلاته تكون صحيحة ولا يلزمه أن يعيدها، فقد ثبت في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة، فجاءه جبريل وأخبره أن نعليه فيهما شيءٌ من الأذى، فخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، ولما فرغ قال: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك فعلت ففعلنا، فقال: إن جبريل جاءني وقال: كذا وكذا). فكونه صلى الله عليه وسلم خلع وأتم الصلاة يدل على صحة الصلاة؛ لأنه لم يعد ما مضى ولم يستأنف الصلاة من جديد بل أتم، وأزال ذلك الشيء الذي نبه عليه، فكذلك الإنسان إذا كان في الصلاة وعلم وهو في الصلاة أن هناك نجاسة في غترته أو في مشلحه أو ردائه أو في شيء يستطيع أن يتخلص منه فإنه يتخلص ويتم الصلاة، وإذا كان لا يتأتى له ذلك إلا بأن تظهر عورته فإنه يقطع الصلاة ويذهب يزيل النجاسة، أو يلبس ثوباً يستر به عورته ويصلي، فهذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد انتهاء الصلاة فإن صلاته صحيحة.
حكم الاكتفاء بتطهير البول بالماء دون الصابون
السؤال: من وقع على جسده شيء من البول فهل يكفيه الغسل بالماء أم لابد من الصابون؟
الجواب: يكفيه الماء ولا يلزم الناس بالصابون، ومَن ذا الذي يكون معهم الصابون في كل مكان وفي كل زمان؟! فالغسل إنما هو بالماء.
حكم انتقاض الوضوء أثناء الطواف
السؤال: من انتقض وضوؤه في الطواف وذهب ليتوضأ فهل يبدأ من جديد أم يبني على ما مضى من طوافه؟
الجواب: يستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان لو انتقض وضوؤه في الصلاة فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك يستأنف الطواف.
حكم تعليق الحاج صورته على صدره خشية أن يضيع
السؤال: نرى بعض الحجاج يعلق صورته على صدره حتى لا يضيع، فما حكم ذلك؟
الجواب: لا يصلح هذا، وينبغي عليه أن يخفيها، وهو لو ضاع فهي موجودة معه، سواءٌ أكانت ظاهرة أم خفية، فالذي ينبغي له أن يخفيها في جيبه، وأما أن تكون بارزة فهذا لا يصلح.
حكم قص الأظافر وحلق الشعر في عشر ذي الحجة للمهدي والمتمتع
السؤال: من أراد أن يهدي هل يلزمه ألا يقص أظافره، ولا يحلق شعره، ولا يتطيب خلال عشر ذي الحجة؟ وهل من كان متمتعاً له نفس الحكم؟
الجواب: إن كان المقصود بمن عليه الهدي من كان متمتعاً وعليه هدي فمثل هذا لا يمتنع من شيء بعد دخول العشر، والذي يمتنع بدخول العشر هو الذي يريد أن يضحي، وأما من كان متمتعاً فإنما يمتنع عند الإحرام عن ذلك، وأما قبل الإحرام فلا مانع ولو كان في عشر ذي الحجة، ولكن الذي يريد أن يضحي هو الذي لا يأخذ شيئاً من شعره، سواءٌ أراد الحج أو لم يرده، فإذا دخلت عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي.
حكم من سلم قبل الإمام ناسياً ثم سلم بعده
السؤال: مؤتم سلم قبل الإمام ناسياً ثم رجع مع الإمام وسلم التسليمة الثانية بعد الإمام، فما حكمه؟
الجواب: ما دام أنه أخطأ ثم رجع إلى الصواب وسلم بعد الإمام فليس عليه شيء.
حكم اغتسال الحاج والمعتمر في المدينة وإحرامه عند الميقات
السؤال: هل يمكن للحاج أو المعتمر أن يغتسل في المدينة ثم يحرم عند الميقات؟
الجواب: نعم يمكن له ذلك، وقد يكون هذا أستر له وأوسع وأهيأ، فالناس عندهم الماء في مساكنهم، وعندهم الاستعداد براحة وطمأنينة في مساكنهم في المدينة، فيفعلون هذا سواءٌ أكان السفر عن طريق الطائرة أو عن طريق السيارات، فيتجرد من ثيابه، ويقص شاربه، ويقلم أظفاره، ويحلق عانته، وينتف إبطيه، ولا يتعرض لراسه؛ لأنه سيحتاج إليه بالحلق أو التقصير، ولا يجوز له أن يتعرض للحية أبداً لا عند الإحرام ولا في أي زمان أو مكان؛ لأن إعفاءها واجب وحلقها حرام، وإذا استعد وتهيأ ولبس الإزار والرداء فإن كان سفره بالطائرات فإنه إذا ركب الطائرة وتحركت للإقلاع ينوي ويلبي؛ لأن الطائرة إذا طارت تتجاوز الميقات بسرعة، وإذا كان السفر بالسيارات فإنه إذا حاذى الميقات وأراد أن يواصل فإنه ينوي ويلبي عند محاذاة المسجد، وإن أراد أن ينزل إلى المسجد الذي في ذي الحليفة أو يصلي فيه ثم يحرم بعد ذلك فله ذلك.
حكم قول: (أبي في الله) و ( أمي في الله)
السؤال: ما حكم قولي: (أبي في الله) خاصة إذا كان له فضل علي بالإنفاق والتربية ونحو ذلك، وكذلك: (أمي في الله)، وهما ليسا كذلك في الحقيقة؟
الجواب: الأخوة في الله هي الكائنة شرعاً، وأما الأبوة أو الأمومة فليس هناك شيء يدل على هذا ويقتضيه، لكن للكبير أن يقول للصغير: (يا بني) وإن لم يكن ابنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنس بن مالك (يا بني)، وهذا من اللطف ومن المعاملة الحسنة للصغير، وكذلك للصغير أن يقول للكبير: (يا عم) وإن لم يكن عمه من النسب، كما جاء عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بدر أنه قال: كان عن يميني وعن شمالي شابان من الأنصار، فالتفت إلي أحدهما وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تريد؟ قال: إنه كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فقال هنا: مخاطباً عبد الرحمن بن عوف (يا عم)، وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، وهذان الشابان من الأنصار، فقول الصغير للكبير: (يا عم) وقول الكبير للصغير: (يا بني) سائغ.
حكم من بدأ السعي بالمروة ثم أسقط شوط الابتداء بها
السؤال: شخص بدأ السعي من المروة، ثم لما كان في الشوط الرابع ذكر وعلم أنه لابد من أن يبتدئ من الصفا، فأسقط الشوط الأول وأكمل سعيه ثم انتهى بالمروة، فصار سعيه ثمانية أشواط، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: هذا هو العمل الصحيح، فما دام أنه بدأ بالمروة وأخبر بأن البدء بها لا يجوز فأسقط ذلك الشوط ولم يعتبره وألغاه، واعتبر البدء بالصفا والختم بالمروة ما دام صنع كذلك فإنه قد عمل العمل الصحيح، وليس أمامه إلا هذا.
زمن ابتداء أذكار الصباح والمساء وحكم قضائها
السؤال: متى يبدأ وقت أذكار الصباح والمساء، وهل تقضى هذه الأذكار؟
الجواب: الصباح -كما هو معلوم- يبدأ من طلوع الفجر، والمساء يبدأ بعد الزوال، وينبغي أن يأتي بأذكار الصباح بعد الفجر، ويأتي بأذكار المساء آخر النهار، وكذلك تجوز قراءتها بعد المغرب؛ لأنه داخل في المساء أيضاً. وأما قضاؤها فكما هو معلوم أنها سنة يفوت محلها.
حكم حج المرأة مع أقاربها من غير المحارم
السؤال: امرأة عجوز تريد الحج مع بعض أقاربها وهم ليسوا محارم لها، علماً أنها أتت مع زوجها فأصيب بحادث، فهل لها أن تحج؟
الجواب: إذا كانت سافرت ومعها زوجها ثم حصل له حادث فيمكن أن تكمل الحج، وأما أن تبدأ وتنشيء السفر مع أجانب فلا يجوز لها، ولا يجب عليها الحج إذا لم يوجد لها محرم.
حكم الذهاب إلى الأماكن التاريخيه للعظة والعبرة
السؤال: هل يجوز الذهاب إلى الأماكن التاريخية بقصد الاعتبار، وعملاً بقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ [الأنعام:11]؟
الجواب: بعض الأماكن التي هي تاريخية ويقولون عنها: إنها تاريخية وإنها آثار لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، وإذا مر بها أسرع، فعندما مر بوادي محسر أسرع، وأيضاً ديار ثمود لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، ولما ذهب إلى تبوك ومر بها أسرع وقنع رأسه صلى الله عليه وسلم حتى تجاوزها، فلا ينبغي للإنسان أن يسافر من أجل أن يطلع على ديار ثمود -مثلاً- وما إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسافر إليها، ولم يرشد إلى السفر إليها، ولما مر بها وهو في طريقه إلى تبوك أسرع إسراعاً شديداً حتى تجاوزها صلى الله عليه وسلم.