عرض مشاركة واحدة
  #418  
قديم 19-02-2025, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,569
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب النكاح
شرح سنن أبي داود [236]
الحلقة (267)





شرح سنن أبي داود [236]

الزواج أمره عظيم، وقد رغب فيه الشرع وحض عليه في حق القادر عليه، ولكون المقصد الأولي منه هو النسل فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج بالولود من النساء، ولكي تدوم العشرة بين الزوجين رغب صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين وأمر بالظفر بها دون سائر النساء، كما حث على نكاح الأبكار، وليس هذا إلا عناية من الإسلام بهذا الباب العظيم.

التحريض على النكاح


شرح حديث (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)


قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب النكاح. باب التحريض على النكاح. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمنى إذ لقيه عثمان رضي الله عنه فاستخلاه، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة قال لي: تعال يا علقمة . فجئت فقال له عثمان : ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن! بجارية بكر لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ فقال عبد الله : لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. قوله: [ كتاب النكاح ] النكاح في اللغة: هو الضم والتداخل، يقال: تناكحت الأشجار إذا تداخلت وانضم بعضها إلى بعض، وفي الاصطلاح: هو عقد بين زوجين يحل به الوطء، والوطء شرعاً لا يجوز إلا بأحد طريقين: أحدهما: الزواج، والثاني: ملك اليمين، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [ المؤمنون:5-7 ]، فالذي شرعه الله عز وجل في ذلك أمران اثنان لا ثالث لهما، وهما الزواج وملك اليمين، وما سوى ذلك فهو من العدوان، وهو من الخروج عن الحق إلى ما سواه. وعقد المصنف رحمه الله باب التحريض على النكاح، والتحريض: هو الحث عليه والترغيب فيه، وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). والحديث حدث به عبد الله بن مسعود بمناسبة ذكرت في الحديث، وهي أن علقمة بن قيس النخعي قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود فدعاه عثمان في منى واستخلاه، يعني: خلا به فلم يكن معهما ثالث، فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة دعا علقمة فجاء وجلس معهما، وقال عثمان رضي الله عنه لعبد الله : [ يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بجارية بكر لعله يرجع إليى من نفسك ما كنت تعهد؟! -يعني: من النشاط- فقال: لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. وهذا الذي ذكره علقمة مما حصل بين عثمان و ابن مسعود من الخلوة والانفراد والتحدث ثم قال: [ فلما رأى أن ليس له حاجة ] جاء في بعض الشروح أنَّ معناه: أنه ليس له حاجة في النكاح، وليس هناك شيء من الروايات يدل على هذا المعنى، والذي يظهر هو خلاف ذلك، وهو أنه لما رأى أن الكلام الذي بينهما قد انتهى ولم يبق هناك حديث يكون سراً بينهما دعا علقمة ليجلس بينهما؛ لأن المقصود من الانفراد قد انتهى، فلم يكن هناك حاجة إلى أن يبقيا منفردين، فدعا علقمة فجاء وجلس معهما، وبعد جلوسه معهما قال عثمان رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود -وهو أبو عبد الرحمن -: يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بكراً لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك؟ ثم إن عبد الله حدث بالحديث بهذه المناسبة. يقول العلماء في علم المصطلح: إن الحديث إذا كانت له قصة فإنها تدل على ضبط الراوي، فالراوي ضبط الحديث وضبط معه القصة التي كانت فيه، فعلقمة ضبط القصة وحدث بالمناسبة التي جرت وحصلت وعلى أثرها جاء التحديث بالحديث، فهذا من الأمور التي تدل على ضبط الراوي لما رواه. ومثله قول ابن عمر رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فكونه يتذكر الهيئة التي حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عليها -وهي وضع يده على منكبه- يدل على ضبطه للحديث.

سبب توجيه الخطاب إلى الشباب في الزواج


قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب) خطاب موجه للشباب، والسبب في ذلك أنهم عندهم القوة والنشاط والدوافع التي تدفعهم إلى ذلك، فكان الخطاب موجهاً إليهم بأنَّ عليهم أن يتزوجوا متى قدروا على ذلك ومتى تمكنوا منه. قوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج): الباءة: هي النكاح وما يلزم له، وذلك بأن يكون عنده قدرة على أن يقضي شهوته بالزواج، فمن كان عنده قدرة على النكاح وعلى الزواج فعليه المبادرة إلى ذلك ولا يتخلف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حث ورغب وحرض على الزواج، وبعض الناس من الشباب أو الشابات قد يتعذرون في بعض الأحوال بأن الزواج قد يؤخرهم أو يكون سبباً في التأخر في الدراسة، فيترك أحدهم الزواج حتى يفرغ من الدراسة، وهذا ليس بصحيح، بل قد يكون الزواج سبباً من أسباب القوة والنشاط في الدراسة، وذلك لأنه يصرفك عن التفكيرات التي كنت تفكر بها فيما يتعلق بالزواج، فيكون عنده الإحصان والعفة، وعنده غض البصر، فيكون ذلك من أسباب نشاطه وقوته في الدراسة، وأما بالنسبة للشابات فإنه قد يكون الأمر في حقهن أخطر فيما يتعلق بالتأخير؛ لأن الفتاة إذا كانت في سن الشباب وفي السن الذي يطلب فيه زواجها ويرغب الشباب والرجال فيها ثم تأخرت عن ذلك وردت الكفؤ لأجل أن تكمل الدراسة فإنها قد تجلب على نفسها خسارة فادحة وخسارة عظيمة، وهي أنها تنصرف الرغبة عنها؛ لأنها تقدمت بها السن، ولأنها مضى عليها وقت ولم تتزوج، والوقت الذي يرغب فيها فيه قد فوتته على نفسها، فعند ذلك تضطر إلى أن تتزوج من شخص لا يكون محل رغبة عندها؛ لأنها فوتت الفرصة على نفسها، فتصبح ضرة شريكة بعد أن كان بإمكانها أن تنفرد بزوج، فترتب على ذلك حصول أضرار لها. فالحاصل أن المبادرة إلى الزواج مطلوبة، فالشاب عليه أن يبادر إلى الزواج متى استطاع إليه سبيلاً، والفتاة إذا تقدم لها كفؤ فإن عليها المبادرة إلى الزواج وعدم التأخير.
فوائد الزواج

لقد بين عليه الصلاة والسلام شيئاً من الحكم والأسرار والفوائد التي تترتب على النكاح، ومن ذلك غض البصر، فالرجل المتزوج يغض بصره عن النساء، والمرأة المتزوجة تغض بصرها عن الرجال؛ لأنه قد حصل الاستغناء والاكتفاء والإعفاف، وكل قد عف الآخر وأحسن إليه، فترتب على ذلك غض البصر عن النظر إلى ما لا يحل. قوله: (وأحصن للفرج) يعني: أن الإنسان يحصل له بالزواج عفة وإحصان الفرج؛ وذلك قضاء الشهوة وقضاء الوطر، فيكون بذلك قد ظفر بمطلوبه على الوجه المشروع، وسلم من أن يتعرض لأمر محرم، سواءٌ أكان وسيلة أم غاية، فالوسيلة المحرمة هي النظر، كما في الحديث: (العين تزني وزناها النظر) والغاية المحرمة الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله.
العلاج عند عدم القدرة على الزواج

لما حث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ورغب على الزواج والمبادرة إليه لمن قدر عليه أرشد بعد ذلك عليه الصلاة والسلام إلى العلاج لمن لم يقدر على ذلك، فأرشد إلى الصيام؛ لأن الصيام تضعف به القوة والنشاط والرغبة في الجماع، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الصيام لأن فيه عبادة وقربة، وفيه حمية من الوقوع في المحذور وحصول الضرر الذي يحصل بقوة الشهوة مع عدم القدرة عليها، فالطريق الصحيح والطريق الشرعي الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الصيام، فقال: (ومن لم يستطع فعليه فعليه بالصوم) ]، ففيه ترغيب وحث على الصوم لمن لم يستطع الزواج؛ لأنه يحصل بذلك ضعف شهوته وضعف قوته، فتحصل الفائدة الكبيرة من وراء ذلك. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين عظم فائدة الصيام في حق الشاب الذي لا يستطيع الزواج، فقال: (فإنه له وجاء) أي: هو بمثابة الخصاء، والوجاء قيل: هو رض الخصيتين، أي: أنهما لا يستفاد منهما ولا يحصل بسببهما رغبة في النساء، فهو قاطع ومضعف للشهوة، ويكون بمثابة الخصاء الذي يجعل الإنسان لا رغبة له في النساء. فهذا هو المسلك والسبيل الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للتخلص من ذلك الضرر والبلاء الذي قد يحصل للإنسان نتيجة لقوة الشهوة من الاندفاع إلى المحذور والمحرم.

مشروعية المخاطبة بالكنى

في هذا الحديث أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه خاطب عبد الله بن مسعود بكنيته، وهذا يدل على أن المخاطبة بالكنى صحيحة، وهي أدب كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخاطب أصحابه بكناهم، وكان الصحابة يكني بعضهم بعضاً في مخاطبتهم، وهو من الآداب الحسنة والأخلاق الكريمة، وهو يؤدي إلى الألفة والمودة، فكون الرجل يخاطب بكنيته هو من الأمور المألوفة التي جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليها أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه ذلك في أحاديث كثيرة، كان يخاطب أصحابه بكناهم، وأمثلته لا تحصى.

تراجم رجال إسناد حديث (من استطاع منكم الباءة فيلتزوج)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم ين يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هل وافق ابن مسعود على الزواج

إن هذا الذي عرضه عثمان رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود يبين ما يدل على الترغيب فيه، لكن لا نعلم هل وافقه ابن مسعود وافقه على ذلك، فليس هناك ما يدل عليه، وقد كان ابن مسعود من الشباب في وقت مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، والكلام بينه وبين عثمان كان في خلافة عثمان رضي الله عنه، و عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة سنة ثلاث وعشرين، ومكث في الخلافة اثنتي عشرة سنة، حيث توفي سنة خمس وثلاثين، و ابن مسعود رضي الله عنه توفي في خلافة عثمان في سنة اثنتين وثلاثين، فمعنى ذلك أن الكلام كان في الفترة التي هي بين ثلاث وعشرين واثنتين وثلاثين. وهنا مسألة وهي: هل لفظ النكاح يطلق على الوطء أو على العقد؟ الجواب: النكاح قيل: إنه يطلق على العقد، وقيل: إنه يطلق على الوطء، وقيل: إنه مشترك بينهما. فمن العلماء من قال: إنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ومنهم من عكس، والذين يقولون: إن اللغة ليس فيها مجاز يقولون: إنه يطلق كثيراً على كذا ويطلق قليلاً على كذا، وكله إطلاق لغوي صحيح. ومنهم من قال: إنه يطلق بالاشتراك، فهو لفظ واحد يطلق على هذا وعلى هذا، كما يطلق لفظ القرء على الطهر والحيض، وكما يطلق لفظ (عسس) على أقبل وأدبر، وهي من الألفاظ المتضادة، وكما يطلق اسم العين على العين الجارية والعين الباصرة وعلى النقد، فهذا يسمونه مشتركاً لفظياً. وقد رجح بعض أهل العلم أنه حقيقة في العقد، وقال: إنه لم يأت في القرآن إلا بمعنى بالعقد غالباً، وقد جاء بمعنى الوطء في آية، وهي قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ البقرة:230 ]. وقالوا: إن الذي جاء في السنة من تفسير النكاح بأن المقصود به ذوق العسيلة إنما هو زيادة إيضاح وبيان على العقد، وإلا فإن العقد موجود، ولكن بينت السنة أنه لا يتم حلها للأول إلا إذا وطئها الثاني، وأن مجرد العقد لا يكفي، بل لابد من أن تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: إنه حقيقة في الوطء؛ لأنه هو الذي يكون به المقصود، وبه حصول الغاية وحصول المطلوب. وقد ترجم الإمام أبو داود للباب فقال: باب التحريض على النكاح، والتحريض هو الحث، ولم يذكر له حكماً من الأحكام التكليفية الخمسة، والعلماء على أن الزواج إنما هو من الأمور المستحبة، وبعض أهل العلم قال: إنه يجب إذا خاف العنت، وأما إذا لم يخف العنت فإنه لا يجب عليه. وكثير من أهل العلم يقولون: إنه لا يجب عليه ولو خاف العنت، ويعتبرونه مستحباً. وقول علقمة : (إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى) يمكن أن يكون في الموسم، لكن هذا يكون بعد التحلل الأخير، فبعد التحلل الأخير يحل للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام، ومعلوم أن الحاج إذا رمى في يوم العيد وحلق وطاف وسعى إذا كان عليه سعي فإنه بعد ذلك يجامع ولو كان في منى. قول علقمة في حديثه: (فاستخلاه) يقصد عثمان مع عبد الله بن مسعود ، وقد جاء النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، ومعلوم أنهما لم يكونا جالسين وإنما كانا يمشيان فدعاه عثمان ، وهذا بخلاف ما لو كانا جالسين فيتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يشق عليه، لكن كانا يمشيان فإنه يختلف عن أن يكونا جالسين. ومعنى قول عثمان لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما: (لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) أي: النشاط الذي كان في شبابه، أي: لعله ينشط إذا رأى الشابة ورأى الجارية، فينشط ويعود إلى نشاطه الأول الذي كان يعرف، وهذا يدل على أنه قال له ذلك وهو ليس بشاب؛ لأنه قال: (ما كنت تعهد) يعني: في حال شبابك، فالكلام كان مع كبير وليس مع شاب، ولهذا قال: (لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك). وهذا يدل على أنه لا يعاب الزواج في الكبر، فسويد بن غفلة تزوج وهو فوق المائة، ولكن يتزوج بامرأة بينه وبينها سنوات، لا أن تكون صغيرة، بل تكون امرأة قد انقطع منها النسل أو أنها تنجب لكن تكون كبيرة في العمر.
الحث على الزواج بذات الدين


شرح حديث (تنكح المرأة لأربع...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين. حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - قال: حدثني عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تنكح النساء لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]، أي: أن الإنسان يتزوج ذات الدين؛ لأن هذا هو المهم في الأمر، فالأمور الأخرى إذا جاءت مع عدم الدين فلا تكون فائدتها كبيرة، فالمهم هو الدين، وما جاء مع الدين فهو خير وبركة، وإذا وجد الفسق مع وجود الصفات الأخرى فإن هذا خلل كبير ونقص عظيم. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (تنكح النساء لأربع: لجمالها، ولحسبها، ولمالها، ولدينها) ] هذا إخبار عن الأمور التي تدفع إلى الزواج؛ لأن الجمال من الدوافع، والمال من الدوافع، والحسب من الدوافع، والدين من الدوافع، ولكن المهم في الأمر هو الدين؛ لأن الدين إذا وجد وانضاف إليه أمور أخرى حسنة كان ذلك خيراً على خير، وإذا فقد الدين أو ضعف الدين وضعف الإيمان فإن تلك الأمور لا تصلح وليست لها أهمية؛ إذا يمكن عند عدم الدين الوقوع في أمور محرمة منكرة، لكن الدين هو الذي يمنع من الوقوع في المعاصي، فلهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الدوافع التي تدفع الناس إلى الزواج بالنساء، وأن منها الجمال، ومنها المال، ومنها الحسب، ومنها الدين، ثم إن المسلم أُرشِد إلى العناية والحرص على الظفر بذات الدين، قال صلى الله عليه وسلم: [ (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. وهذا هو محل الشاهد من قوله: [ ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]؛ لأن فيه (اظفر): فهو أمر بالزواج بذات الدين والظفر بها، فهذا هو الذي يطابق الترجمة. وقوله: (تربت يداك) هو من الكلمات التي تقال ولا يقصد معناها، والمقصود من ذلك أنه يجدّ ويجتهد في الوصول والظفر بذات الدين. ومعنى الحسب هنا قيل: أن تكون من أهل بيت ذوي شرف ومكانة ومنزلة وسؤدد في قومهم، فهذا من الأشياء التي ترغّب في المرأة، والمهم في الأمر هو الأخير وهو الدين، وهو مسك الختام الذي أرشد إليه وأمر به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث (تنكح المرأة لأربع...)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
تزويج الأبكار


شرح حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج الأبكار. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتزوجتَ؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في تزويج الأبكار ] يعني: تزوّج الأبكار؛ لأن الأبكار في حال شبابهن تخلو قلوبهن من التعلق بأحد، فيكون في ذلك كمال المودة، وإذا كانت ثيباً فقد يكون هناك تعلق منها بالزوج الأول، وقد يكون هناك شيء من الوحشة بينها وبين الزوج الثاني، فتكون البكر خالية من أن تكون متعلقة بأحد، فيكون هذا زيادة في كمال المتعة واللذة بها؛ لصفاء وسلامة قلبها من أن يكون فيه تعلق بأحد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أنه تزوج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أتزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً -أي: أفلا تزوجت بكراً- تلاعبها وتلاعبك)، وسبب تزوج جابر رضي الله عنه ثيباً أن والده استشهد في غزوة أحد وترك بنات، فأراد أن يأتي لهن بامرأة كبيرة تحسن رعايتهن والعناية بهن، فآثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله عنه وأرضاه، فلم يأتِ بواحدة مثلهن في عدم الخبرة والمعرفة والعناية بالبنات، وإنما أتى بامرأة تكبرهن في السن حتى تكون لهن بمثابة الأم، فترعاهن وتمشطهن وتحسن رعايتهن وتقوم بما يلزم من شئونهن، فاختار مصلحة أخواته على مصلحة نفسه، ومحل الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج البكر فقال: [ (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ].

تراجم رجال إسناد حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

النهي عن تزويج من لم يلد من النساء



شرح حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: غربها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها) ]. أورد أبو داود باباً في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، وهذه الترجمة المقصود بها أن الزواج إنما يكون لحصول الولد وكثرة النسل مع العفة وغض البصر الذي سبق أن مر في حديث ابن مسعود : (فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر). وهنا أيضاً بيان أنَّ من الأمور التي تترتب على الزواج حصول النسل وحصول الولد، والولد لا سبيل إلى حصوله إلا بالزواج وملك اليمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج الودود الولود، وأخبر أنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: غربها) ] يعني: أبعدها، وذلك أن يطلقها ويتخلص منها، وفي بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها)، (قال: أخشى أن تتبعها نفسي) ] يعني: أن يتعلق بها، وقد يطلبها بطريق محرم، [ (فقال: أمسكها) ]. وهذا الحديث لا تظهر دلالته على الترجمة في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، ويناسبه الباب الذي سيأتي فيه ذكر حكم الزواج بالزانية.

تفسير قوله (لا ترد يد لامس...)


قول الرجل: [ (إنها لا ترد يد لامس) ] فسر بثلاثة تفسيرات: التفسير الأول: أنها تستسلم وتنقاد لمن أراد منها الفاحشة. التفسير الثاني: أن ذلك في بذلها وإعطائها وتبذيرها، فالذي يريد منها مالاً أو غيره فإنها تخرج ما عندها. التفسير الثالث: أنها رجلة، فعندها توسع في مخاطبة الرجال والكلام معهم ولا تبتعد عن الرجال، وقد يلمسها الرجال مجرد لمس من دون أن يكون هناك فاحشة، وعلى كل كونها تتوسع في مخاطبة ومخالطة الرجال هذا أمر معيب في النساء. وقد أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يطلقها ويتخلص منها، وجاء في بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها، قال: أخشى أن تتبعها نفسي، قال: أمسكها). وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه يجوز للإنسان -وذلك على التفسير الأول- أن يبقي المرأة الزانية عنده، ومنهم من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقره على إبقاء امرأة غير عفيفة تلوث فراشه، وإنما المقصود من ذلك أنها عندها توسع في مخالطة الرجال ولا تهتم بالابتعاد عنهم، ولعل هذا هو الأقرب؛ لأن كون الرسول يأمره بأن يمسكها وهي زانية فيه ما فيه، فالعفيف لا يتزوج الزانية وإن كان هذا ليس تزوجاً وإنما هو إبقاء على الزواج. وقال بعض أهل العلم: إن هذا فيه إبقاء، وهناك فرق بين الاستدامة وبين الابتداء، لكن لا شك في أن المرأة إذا كانت متصفة بالفاحشة وغير تائبة فليس من اللائق بالمسلم أن يمسك من تكون كذلك بحيث تلوث فراشه. فعلى هذا يحمل -والله تعالى أعلم- على أن المقصود من ذلك التفسير الثالث وهو: أنها ليست لديها صيانة لنفسها من ناحية التبذل ومخاطبة الرجال والتوسع في ذلك.

التحمل بالكتابة وحكمه عند علماء الحديث


قوله: [ قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي ]. هذا فيه دليل على المكاتبة وأنها معتبرة، وأنها من طرق التحمل، وهي طريقة معتبرة سواء في أوائل الأسانيد بين المؤلفين وبين شيوخهم، أو في أعلى الأسانيد، وفي الذكر بعد الصلاة قال: كتب معاوية بن المغيرة بن شعبة فأملى وراد : يعني أملى المغيرة على وراد بالإجابة. فالمكاتبة معتبرة، وهي من طرق التحمل، وهذا الحديث عند أبي داود منها، قال: كتب إلي الحسين بن حريث، وقد جاء عند البخاري في موضع واحد في صحيحه: كتب إلي محمد بن بشار، وقد ذكرت هذا في ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وهناك كتب أخرى ذكرت الموضع الذي ذكره البخاري فيه، وهو الموضع الوحيد، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ليس عنده شيء بالمكاتبة بينه وبين شيوخه إلا في هذا الموضع الذي قال فيه: (كتب إلي محمد بن بشار ). وهذا مثل قول أبي داود هنا: [ كتب إلي الحسين بن حريث ].

تراجم رجال إسناد حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس)


قوله: [ كتب إلى الحسين بن حريث ] الحسين بن حريث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الفضل بن موسى ]. هو الفضل بن موسى المروزي السيناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسين بن واقد ]. الحسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمارة بن أبي حفصة ]. عمارة بن أبي حفصة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، و عمارة بن أبي حفصة هذا هو والد حرمي بن عمارة بن أبي حفصة الذي سبق أن مر بنا في حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وسبق أن أشرنا إلى الفائدة التي ذكرت في التقريب في اسمه، وكذلك ذكرها -الحافظ - في (فتح الباري)، وقال: و أبو حفصة اسمه نابت بالنون، وقيل: كالجادة. يعني: ثابت. أي أن التسمية بـ(نابت) قليلة، والتسمية بـ(ثابت) كثيرة، ويأتي التصحيف بين (نابت) و (ثابت) بأن يترك القليل ويؤتى بالكثير وهو ثابت، ولهذا صحفه بعضهم فقال: ثابت، ففي ترجمة حرمي بن عمارة قال: و أبو حفصة اسمه نابت وقيل: بل كالجادة. يعني أن اسمه (ثابت)، وفي ترجمة عمارة في (التقريب): وهو بالنون، وقيل: بالمثلثة، وهو تصحيف كما ذكر ذلك الفلاس . فالتسمية بـ(ثابت) هو الجادة، أي: الذي يكون سهلاً على الألسنة وعلى ما تألفه النفوس لكثرته، بخلاف القليل فإنه قد لا يتنبه له فيظن أنه ليس بصحيح، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]