ألبتة
شرح حديث: (.. أن ركانة طلق امرأته ألبتة..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ألبتة. [ حدثنا ابن السرح و إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين قالوا: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والله ما أردتَ إلا واحدة؟)فقال ركانة : والله ما أردتُ إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر ، والثالثة في زمان عثمان رضي الله تعالى عنهما. قال أبو داود أوله: لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ]. قوله رحمه الله: [ باب في طلاق البتة ] أي: أن يقول: أنتِ طالق ألبتة أو بتةً، أو بتّ طلاقها، وقيل: إن معنى ألبتة: ثلاثاً، أي: أنه طلقها ثلاثاً أو أنه أبتّ طلاقها، أي قطع صلته بها نهائياً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث ركانة وقد سبق أن مر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه، وأنه اعتبر الثلاث واحدة؛ ولكن الحديث ليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت حديث ابن عباس الذي فيه: ( كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وفي صدر من خلافة عمر واحدة)، وأما حديث ركانة هذا فإنه غير ثابت.
تراجم رجال إسناد حديث: (.. أن ركانة طلق امرأته ألبتة..)
قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و إبراهيم بن خالد الكلبي ]. إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور ،ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ في آخرين ]. يعني: معهم غيرهم. [ حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ]. محمد بن إدريس الشافعي هو الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني عمي محمد بن علي بن شافع ]. محمد بن علي بن شافع ، قال الحافظ في التقريب : وثقه الشافعي ، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن علي بن السائب ]. عبد الله بن علي بن السائب مستور -أي: مجهول الحال-، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن نافع بن عجير ]. نافع بن عجير قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان في التابعين، وبعض العلماء قال: مجهول؛ لأن الصحبة لم تثبت له؛ ولهذا عبر الحافظ ابن حجر بقوله: قيل: له صحبة، وذكر صاحب عون المعبود أن ابن القيم ذكر في الزاد أنه مجهول، والإسناد فيه أيضاً من هو دونه، وهو عبد الله بن علي بن السائب الذي سبق ذكره. و نافع بن عجير أخرج له أبو داود . [ أن ركانة بن عبد يزيد .. ]. ركانة سبق أن مر أنه صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ]. يعني: شيخيه؛ لأن أبا داود له فيه شيخان: أحدهما: أبو ثور . والثاني: ابن السرح . فقوله: [ أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ] يعني: ما ساقه على لفظ واحد منهما، وإنما جعل أوله على لفظ شيخ وآخره على لفظ شيخ آخر من شيخيه.
شرح حديث: (... أن ركانة طلق امرأته ألبتة...) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي أن عبد الله بن الزبير حدثهم عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث ]. قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ أن عبد الله بن الزبير حدثهم ]. عبد الله بن الزبير وهو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم في المقدمة و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً، وفيهم الشخص الذي هو مستور -وهو ابن السائب - وقال عنه: ابن السائب ؛ نسبه إلى جده. واسم عبد يزيد لا يجوز؛ لأنه لا تضاف العبودية إلا لله عز وجل، يقول ابن حزم : أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله حاشا عبد المطلب .
شرح حديث: (... أن ركانة طلق امرأته ألبتة) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه طلق امرأته ألبتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما أردتَ؟)قال: واحدة، قال: (آلله!)قال: آلله، قال: (هو على ما أردتَ) ]. أورد أبو داود نفس الحديث من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم. قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن سعيد ]. الزبير بن سعيد لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة ]. عبد الله هذا أيضاً لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وبعده أبوه: مستور، أخرج له أبو داود . و يزيد -الذي هو جد عبد الله - مجهول. [ قال أبو داود : وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأنهم أهل بيته وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس ]. سبق أن مر أن حديث ابن جريج هو الذي صح، وهو مطابق لحديث ابن عباس في أن الثلاث واحدة. وأما قول أبي داود هذا ففيه هؤلاء المجاهيل الضعفاء الذين في إسناده، وتصريح أبي داود بأنه أصح لا يعني أنه يكون صحيحاً؛ لأن كلمة (أصح) إذا أضيفت إلى شيء آخر تعني: أنه أمثل من غيره، فلا يعني تصحيحه، وهذا مثلما يقال للمريضين: هذا أصح من فلان، وكل منهما مريض، يعني: أن هذا أحسن حالاً من هذا، فلا يعني بهذا التصحيح وإنما يعني تقديمه على غيره، وأما من حيث الإسناد فحديث ابن جريج هو الذي سبق أن عرفنا أنه ثابت، وأن الألباني صححه وذكر له شواهد. وكلام أبي داود يفيد ترجيح هذا، لكنه ليس بصحيح، ذاك هو الصحيح، وهذا ليس بصحيح. والفرق بينهما: أن هذا الصحابي غير الصحابي -أي: صاحب القصة هذا غير صاحب القصة ذاك- لأن هنا ركانة هو الذي طلق، وفي الحديث المتقدم أن المطلق عبد يزيد . فهنا أبو داود يرجح أنه ركانة ، وقوله: [ وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً.. ] أي: أن الأصح أن ركانة هو الذي طلق امرأته، وليس عبد يزيد الذي جاء في رواية ابن جريج وإن كانت رواية ابن جريج هي الأصح.
الفرق بين (ألبتة) و (أمرك بيدك)
إذا قال رجل لامرأته: (أنت طالق ألبتة)، فهو مثل: (أمركِ بيدكِ)، إلا إذا كان المقصود بـ(ألبتة) أنها (ثلاثاً) وأنه عبر عن (ثلاثاً) بكلمة (ألبتة) فإن الحكم أن الثلاث واحدة. ولا يُحتاج إلى التحليف، مثل: أن يُستحلف الرجل، أو يُطلب منه اليمين هل أراد بـ(ألبتة) ثلاثاً أم واحدة، كما جاء في هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة.
الوسوسة بالطلاق
شرح حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوسوسة بالطلاق. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي قوله: [ باب في الوسوسة بالطلاق ] يعني: أن الإنسان تحدثه نفسه بالطلاق، ويقع في باله أنه طلق وهو لم يحصل منه التلفظ بالطلاق فإنه لا يعتبر شيئاً؛ لأن حديث النفس لا يقال له: كلام، وقد تجاوز الله عنه، وقد يقع في ذهن الإنسان أمور سيئة وخطيرة ولا تؤثر عليه، كما جاء في الحديث: [ (إنه يجد أحدنا ما يتعاظم أن يذكره، قال: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) ] أي: عندما يجد الإنسان في ذهنه شيئاً يعظُم في نفسه ويكرهه ويصعب عليه أن يتلفظ به، فهذا الذي وقع في نفسه وفي خاطره هو حديث النفس لا يعتبر شيئاً. فإذا وقع في باله أنه طلق زوجته أو نوى أنه يطلق زوجته في قلبه فإنه لا يعتبر مطلقاً إلا إذا تكلم، كما جاء في هذا الحديث: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ] ومعناه: أن حديث النفس الذي ينقدح في ذهن الإنسان وتحدثه نفسه به ولم يتلفظ به فإنه لا يترتب عليه شيء، وهذا في أمور كثيرة: في النكاح وفي الطلاق وفي العتاق وفي الهبة والعطية، وفي النذر أيضاً، فلو نذر في نفسه أنه سيفعل كذا وكذا ولم يتلفظ فليس عليه شيء، فإنه مجرد حديث نفس لا يترتب عليه شيء، وإنما العبرة بالقول أو الفعل. قوله: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به) ]. هذا مرادف للفظ الذي سيأتي، وهو قوله: [ (وبما حدثت به أنفسها) ]، والذي ورد في صحيح البخاري: [ (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) ]، فالحديثان لهما نفس المعنى، فـ[ (ما لم تتكلم أو تعمل) ] و[ (بما حدثت به أنفسها) ] كلمتان مترادفتان. والعمل تدخل فيه الكتابة؛ فهي من جنس القول والعمل، فإذا كتب طلاق زوجته فإنها تطلق منه بالكتابة؛ لأنه عمل، وهذا قال به جمهور العلماء على أن الكتابة عمل وأنها يحصل بها الطلاق. وإذا تكلم الزوج بالطلاق ونطق وقال: (طلقت زوجتي) بينه وبين نفسه، فهو طلاق؛ لأنه قال: [ (ما لم تتكلم) ] والكلام قد حصل، وسواءً سمعت الزوجة أو لم تسمع، وإسماعُها ليس بلازم.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى ]. الذين تقدموا مر ذكرهم، و زرارة بن أوفى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
الرجل يقول لامرأته يا أختي
شرح حديث: (.. أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا أبو كامل قال: حدثنا عبد الواحد و خالد الطحان المعنى كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته: (يا أخية!) فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أختك هي؟!) فكره ذلك ونهى عنه ]. قوله رحمه الله: [ باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي ] يعني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مظنة التحريم ومظنة الظهار، والشيء الذي فيه ريبة على المسلم أن يبتعد عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). قوله: [ (فكره ذلك ونهى عنه) ] يعني: كره أن يقول الرجل لزوجته: يا أختي، ونهى عن ذلك؛ لأن هذا اللفظ فيه احتمال أمر خطير وعظيم وهو الظهار، وهي أنها تكون كأخته فتكون حراماً عليه، فهو مظنة التحريم، فكرهه ونهى عنه. والحديث مرسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (.. أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية..)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا أبو كامل ]. وهو: الفضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد ]. عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الطحان ]. خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى كلهم عن خالد ]. أي: روايتهم متفقة بالمعنى، كلهم يروون عن خالد ، وهو ابن مهران المشهور بالحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي تميمة الهجيمي ]. هو: ظريف بن مجالد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام -يعني: ابن حرب - عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: (يا أخية!) فنهاه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو متصل مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من الصحابة [ (أنه سمع رجلاً يقول لزوجته: يا أخية! فنهاه) ] أي: فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا مثل الذي قبله، إذ إن فيه النهي عن مثل هذا القول ومثل هذا اللفظ، ولو قالت المرأة لزوجها: يا أخي لا يكون هذا مظنة الظهار، لكن الأولى ألا تقول هذا لزوجها، ولو قال الزوج لغير زوجته: يا أخية أو يا أختي فلا بأس. قوله: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز ]. محمد بن إبراهيم البزاز ، ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو نعيم ]. أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء عن أبي تميمة ]. خالد الحذاء مر ذكره، و أبو تميمة مر ذكره. [ عن رجل من قومه ]. قيل: هو أبو جري الهجيمي ، واسمه: جابر بن سليم أو سليم بن جابر ، فهو مختَلفٌ في اسمه، وهو صحابي ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . وفي هذا الإسناد ذكر الواسطة، وهناك في الإسناد السابق أرسل، والواسطة رجل من قومه، وهو من الصحابة.
الاختلاف في إرسال ورفع الحديث الذي فيه: (سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) وتراجم رجال الإسناد
[ قال أبو داود : ورواه عبد العزيز بن المختار عن خالد عن أبي عثمان عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذه طريق أخرى مرسلة: عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد عن أبي عثمان ]. هو خالد الحذاء. [ عن أبي عثمان ]. هو: عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. فهو هنا رواه أبو عثمان النهدي . [ ورواه شعبة عن خالد عن رجل عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهنا يوجد إبهام، ويحتمَل أن يكون هو أبو عثمان النهدي هذا. و شعبة هو: شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط إلا ثلاثاً: ثنتان في ذات الله تعالى، قوله: إِنِّي سَقِيْمٌ [الصافات:89] وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلاً فأتي الجبار فقيل له: إنه نزل ههنا رجل معه امرأة هي أحسن الناس، قال: فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: إنها أختي، فلما رجع إليها قال: إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي وأنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي في كتاب الله، فلا تكذبيني عنده) وساق الحديث ]. قوله: [ (إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات)] وكل هذا الثلاث فيها تورية، وفيها مجال لمعانٍ أخرى غير أن يكون الإنسان كاذباً؛ ولكن في الظاهر حسب ما يفهم السامع هي كذب، ولكنه في الحقيقة ليس بكذب. قوله: [ (ثنتان في ذات الله عز وجل: إحداهما: قوله: إِنِّي سَقِيْمٌ [الصافات:89]) ] يعني: أنه مريض، فيه سقم، وقيل: هذا محمول على أن قلبه فيه تألم وفيه تعب من فعلهم وصنيعهم وكونهم يعبدون الأوثان، فقلبه فيه السقم، من جهة التعب والتألم، وهو حقيقة، وكونه مريض أو متعب أو لا يستطيع الذهاب، هذا احتمال، وهذا هو الذي فهموه، وفيه معنىً آخر وهو أن قلبه سقيم متألم متأثر لصنيعهم ولفعلهم وكونهم يعبدون الأوثان ويعبدون هذه الأحجار التي لا تملك شيئاً لنفسها فضلاً عن غيرها. قوله: [ (وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]) ] وهذا من باب الإلزام في المناظرة، يعني: إذا كان هذا معبودكم وأنتم ترجون منه النفع فإذاً: هو الذي فعل هذا، أي إذا كان كذلك فهو الذي فعل هذا، وهو لا يفعل هذا؛ لأنه جماد، ولا يدفع الضر عن نفسه ولا عن غيره، ولا يفيد نفسه ولا يفيد غيره. قوله: [ (في ذات الله عز وجل) ] أي من أجل الله جل وعلا، وحتى الثالثة فهي من أجل الله عز وجل؛ لأنها لدفع الضرر عن زوجته، وهي في ذات الله؛ ولكن لما كانت الثنتان متمحضتين في أن ذلك لله وأما هذه ففيها شيء من حظ النفس وفيها شيء يتعلق بمصلحته وفائدته لكونها زوجته؛ قال عن الاثنتين أنهما [ (في ذات الله) ] وإن كانت الثلاث كلها في ذات الله من جهة أنه يريد بالثالثة أن يحمي زوجته وأن يحفظ زوجته وأن يدافع عن زوجته وأن يخلص زوجته من أن يقع لها شر أو بلاء، فهذه في ذات الله عز وجل، وهذه كلها تورية. قوله: [ (إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك، وإنك أختي في كتاب الله)]، لعل المقصود بذلك في ذلك المكان، وإلا فإنه في غير ذلك المكان يوجد مسلمون كثير، ومنهم لوط، كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] وكان في زمانه، فيحمل على أنه في ذلك المكان ليس هناك مسلم سواه وإياها. والمقصود أن قوله: [ (إنها أختي) ] فيه التورية للتخلص من الشر الذي قد يحصل له، والتورية عند الحاجة إليها سائغة. وهذا يأتي كثيراً في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول في مزحه إلا حقاً، ومن ذلك قصة المرأة التي قال لها: [ (لا يدخل الجنة عجوز) ]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، وإنما تدخل وقد عاد إليها شبابها، وهي فهمت أنها لا تدخل الجنة، فتألمت، ثم بعد ذلك بيَّن أنهن يدخلن وهن شابات، فهذه تورية. والجمع بين هذا الحديث والذي قبله: أن هذا للضرورة، وهو تورية وليس فيه احتمال بالمعنى الباطل، وهو ما قاله إلا للحاجة، ما قاله اختياراً وإنما قاله مضطراً، ولهذا قال لها ما أراد؛ لأنه شيء جديد وليس بشيء مألوف عنده أنه يخاطبها ويقول لها: يا أختي، أو يتكلم معها بـ(أختي)، ما قال إلا هذه المرة، ومع ذلك بيّن لها.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن حسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو: ابن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
طريق أخرى لحديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً) وتراجم رجاله
[ قال أبو داود : روى هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. ذكر المصنف طريقاً أخرى معلقة رواها شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
الأسئلة
معنى قوله في ذات الله
السؤال: قوله: [ (في ذات الله) ] هل الذات صفة تثبَت لله تعالى؟
الجواب: قوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله، والذات يقولون عنها: هي ذات كذا وذات كذا، أي: أن الذات هي التي توصف بالصفات، ويقولون في قواعد أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات تتصف بها ذاته لا تشبه الصفات. فقوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله.
حكم إطلاق كلمة الذات على الله
السؤال: إطلاق كلمة الذات على الله هل هي سائغة أو أنها تخصص في الرد فقط على أهل البدع؟
الجواب: هي سائغة؛ لأن الصفات توصف بها الذات؛ ولكن أصلها أنهم يقولون: ذات كذا وذات كذا، فقيل: الذات، (الألف واللام) عوض عن المضاف إليه. وليس معنى ذات الله: الذات، وإنما تضاف إليها الصفات مثل أن نقول: ذات علم.. ذات سمع.. ذات بصر.. ذات كذا. وقول الصحابي خبيب: (وذلك في ذات الإله) من جنس ( في ذات الله) الذي في الحديث، أي: من أجل الله، وإطلاقها سائغ بهذا المعنى، والمقصود بها الذات التي توصف بالصفات دون الصفات التي هي مضافة إليها؛ لأن وجود ذات مجردة من جميع الصفات غير ممكن إطلاقاً.
سبب قول إبراهيم: (إنها أختي)
السؤال: لماذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يقل: (إنها زوجتي)؟
الجواب: لعل السبب في هذا أن الجبار يغار من إبراهيم لأن عنده زوجة أحسن من زوجته.
مشروعية الصلاة والسلام على جميع الأنبياء
السؤال: هل يجوز الصلاة والسلام على الأنبياء، مثلما هنا: (عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم)؟
الجواب: أي نعم، يُصلى ويُسلم على الأنبياء، لكن كونه يلزم ذلك مثلما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ما نعلم شيئاً يدل عليه؛ لكن يُصلى ويُسلم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الفرق بين التورية والمعاريض
السؤال: ما الفرق بين التورية والمعاريض؟
الجواب: التورية: هي نفس المعاريض، وفي الأثر: ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) والمعاريض هي نفس التورية.
الفرق بين التورية والتقية
السؤال: هل التورية هي نفس التقية؟
الجواب: لا، التقية قد تكون تورية من أجل التقية، ومن أجل أن يتقي شراً.
الإكثار من التورية دون حاجة
السؤال: يلاحظ الإكثار من التورية حيث أصبح كثير من طلبة العلم يستخدمونها في كثير من الأحايين فما نصيحتكم؟
الجواب: لا يصلح، بل تستعمل للحاجة، أما بدون حاجة فلا يصلح استعمالها.
حكم قول الرجل لزوجته: (أم المؤمنين)
السؤال: ما حكم قول الرجل لزوجته: أم المؤمنين؟
الجواب: هذا لا يصلح، فأمهات المؤمنين هُن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
حكم قول الرجل لزوجته: (يا أختي) أو (يا أمي) على سبيل التوقير والاحترام
السؤال: ينقل عن ابن القيم في حاشية عون المعبود أنه قال: وفيه دليل على أن من قال لامرأته: إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير لا يكون مظاهراً، فكيف ذلك؟
الجواب: لا يكون مظاهراً؛ ولكن الأولى أن اللفظ المحتمِل يُترك، وإلا هو لا يكون مظاهراً بمجرد أنه يقول هذا الكلام؛ لكن لأنهم قالوا: هذا مظنة التعريض، واللفظ الذي فيه احتمال يُبتعد عنه؛ لكن مجرد قوله هذا لا يصيره مظاهراً وهو يريد التوقير. ومن التورية التي لا تحتمل معنى خاطئاً ما جاء في الصحيح في قصة أم سليم مع أبي طلحة في الولد الذي مات، وجاء أبوه وسأل عنه فقالت: إنه أسكن ما كان، وتقصد أنه مات، ولكنها أظهرت له كلاماً فهم منه أنه مستريح وأن حالته أحسن، وهي مورِّية بهذا، فما قالت له كذباً، وإنما قالت كلاماً يفهم منه المخاطب شيئاً وهي تريد شيئاً آخر، أي: كان ثائر النفَس فسكن، ففهم منها أنه هدأ، وهي تقصد أنه انقطع نفَسُه بالموت، فهذه هي التورية. وفيما يتعلق بالألفاظ المحتمِلة جاء في القرآن النهي عن ذلك كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104]؛ لأن لفظ (راعنا) فيه إشكال وفيه احتمال أمر آخر ليس طيباً، فالأولى أن يُترك ويُعدل إلى لفظ لا يحتمِل.
حكم نفي المحدث عن نفسه أنه حدث بالحديث
السؤال: مسألة من حدث ونسي، إذا كان مقبولاً ثم يأتي من هو أوثق منه فيؤكد أنه حدث به ولكنه نسي ذلك، ألا يعتبر قولُ مَن هو أوثق؟
الجواب: ما دام الشخص الذي يضاف إليه الكلام هو حدث، ثم نفى ذلك عن نفسه، فإن الطريق واحد والنتيجة واحدة؛ لكن العلة التي ليس فيها إشكال كونه مقبولاً.
حكم اشتراط العصمة للمرأة في عقد النكاح
السؤال: هل يصح اشتراط المرأة في العقد أن تكون العصمة لها؟
الجواب: لا يجوز اشتراط هذا، فهو شرط باطل، أما قوله: (أمرك بيدكِ) فهذا يكون بنية طلاق، وليس معناه أن العصمة تكون بيد المرأة.
حكم قول الرجل لامرأته: (أمركِ بيدكِ) أو (لكِ الخيار)
السؤال: قول الرجل لامرأته: (لك الخيار) أو (أمركِ بيدكِ) هل هذا من صريح الطلاق أو من الكنايات؟
الجواب: هذا ليس فيه تصريح بشيء من كلامه، وإنما تفويضها وإعطاؤها هذا الحق لتختار نفسها عند التخيير أو (أمركِ بيدكِ) أنها تختار الخلاص منه، فهذا كما هو معلوم من التفويض وجعل الأمر إلى الغير.
حكم استمرار تخيير الزوج لامرأته بقوله: (أمركِ بيدكِ)
السؤال: إذا خير الزوج امرأته هل يبطل خيارها إذا قامت من المجلس قياساً على البيع؟
الجواب: كثير من العلماء قال هذا كما ذكره صاحب عون المعبود، وبعضهم قال: إن لها الخيار إلى أن يطأها أو يحصل طلاق أو فسخ، دون أن يحصل منها تنفيذ ما جُعل إليها؛ ولكن قال في عون المعبود: أكثر العلماء على أن هذا الحق لها في المجلس، وليس شيئاً مستمراً دائماً وأبداً.
حكم التسمية بعبد المطلب، ورأي ابن حزم في ذلك
السؤال: ما وجه استثناء ابن حزم اسم عبد المطلب من الأسماء التي فيها العبودية لغير الله؟
الجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه من اسمه عبد المطلب ولم يغير اسمه، كما هو الحال في بعض قرابته، فإن فيهم من اسمه عبد المطلب فلم يغيره اسمه وغير الأسماء التي كانت معبدة لغير الله."