عرض مشاركة واحدة
  #462  
قديم 21-02-2025, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب النكاح
شرح سنن أبي داود [263]
الحلقة (295)



شرح سنن أبي داود [263]

يجوز للمرأة المبتوتة أن تخرج في حال عدتها بالليل دون النهار لحاجتها، وهل لها السكنى والنفقة أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك، وقد وردت أحاديث وآثار في هذا وفي هذا، وقال بكلا القولين جماعات من أهل العلم، فعلى المسلم الذي تواجهه هذه المسألة أن يتحرى القول الراجح فيها. ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشراً.

ما جاء في المبتوتة تخرج بالنهار


شرح حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي ... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المبتوتة تخرج بالنهار. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: طُلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: (اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المبتوتة تخرج بالنهار، أي: أن المطلقة المبتوتة في حال عدتها تخرج في النهار دون الليل، وأورد في ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن خالته طلقت ثلاثاً، وأنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الخروج نهاراً من أجل جداد نخلها، والجداد هو: قطع التمر، فقال لها الرسول: (اخرجي إلى نخلك؛ لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً) وهذا يدل على جواز الخروج للمطلقة المبتوتة في النهار دون الليل، وأما المطلقة الرجعية -كما هو معلوم- فهي زوجة تكون في بيت زوجها كحالتها قبل أن يحصل لها الطلاق، أي: أنها لا تخرج إلا بإذنه، وأما المطلقة المبتوتة فلا علاقة له بها، فشرع لها أن تخرج في النهار دون الليل.

تراجم رجال إسناد حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي ... )


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

التفريق بين الليل والنهار في خروج المبتوتة أثناء عدتها


والتفرقة بين الليل والنهار إنما هو لأن الخروج في النهار أسهل وأوضح والناس بحاجة إلى الخروج فيه، لاسيما في مثل هذا العمل الذي لا يكون إلا بالنهار وهو الجداد، وقد جاء في القرآن ما يدل على ذلك، كما في قصة أصحاب الجنة الذين قال الله عز وجل عنهم: إذ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم:17-19]، ولهذا كره بعض أهل العلم الحصاد والجداد بالليل؛ لأنه لا يكون هناك مجال للمساكين أن يأتوا ويعطوا شيئاً من ذلك، فالخروج في النهار أسهل من الخروج في الليل. فالمعتدة المبتوتة يلزمها البقاء في البيت كالمعتدة في الوفاة، ولا تخرج إلا بالنهار، هذا هو مقتضى حديث جابر هذا.

نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث



شرح أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث. حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث، والمتاع: هو أن يصير لها نفقة وأن تعطى شيئاً مدة عدتها، فنسخ ذلك بما جعل لها من الميراث؛ لأن الميت إذا مات فإنه بمجرد موته ينتقل المال إلى الورثة وهي من جملتهم، فهي تنفق على نفسها من ميراثها، ولا ينفق عليها من رأس المال، وإنما كلٌّ له حقه، وحقها من الميراث هو الربع أو الثمن، فتنفق على نفسها من ذلك، والمتاع الذي كان يوصى به من أنه ينفق عليها منه طيلة عدتها نسخ بآية المواريث، كما أن الاعتداد بالحول الكامل جاء نسخه بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر، وهذا مما جاء فيه الناسخ متقدماً على المنسوخ في الذكر وفي التلاوة؛ لأن آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، متقدمة على آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، فنسخ الله ذلك بآية الميراث. وقوله: (بما فرض لهن من الربع والثمن) يعني: أن الزوجات فرض لهن الربع والثمن ينفقن على أنفسهن منه، ولا يلزم أن ينفق عليهن من رأس المال مدة العدة. وقوله: (ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً)، أي: نسخ كونها تعتد حولاً كاملاً إلى أن تكون العدة أربعة أشهر وعشراً فقط. والمتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت مثلاً في بيت زوجها فتعتد في بيت زوجها، ولا يستأجر لها من رأس المال، فحيث يكون له بيت وهي ساكنة فيه فإنها تمكث فيه أربعة أشهر وعشراً.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ]. علي بن الحسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إحداد المتوفى عنها زوجها


شرح حديث: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إحداد المتوفى عنها زوجها. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة: قالت زينب : دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها حين توفي أبوها أبو سفيان رضي الله عنه فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). قالت زينب : ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). قالت زينب : وسمعت أمي - أم سلمة رضي الله عنها- تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)، قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به، فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعدُ ما شاءت من طيب أو غيره. قال أبو داود : الحفش: بيت صغير ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب إحداد المتوفى عنها زوجها، وإحداد المرأة هو: امتناعها من الطيب ومن الزينة في مدة العدة، وزمن العدة هو أربعة أشهر وعشر إذا كانت حائلاً -أي: غير حامل- ووضع الحمل إذا كانت حاملاً سواء طالت المدة أم قصرت، وإن كانت غير حامل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشر. وأورد أبو داود حديث زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى وفيه أن حميد بن نافع يروي عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب : دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). فهذا هو الحديث الأول من الأحاديث الثلاثة التي حدثت بها زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى عنها، وفِيه: أن أم حبيبة تفعل هذا الفعل ليس من أجل أنها ترغب في أن تستعمل الطيب، وإنما من أجل أن تبتعد عن الشيء الذي فيه مخالفة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الإحداد والامتناع من الطيب، فهي تقصد بذلك تنفيذ وتطبيق السنة، وأنها لا تكون محدة وممتنعة من الزينة والطيب من أجل ميت غير الزوج؛ لأن الزوج هو الذي يحد عليه أربعة أشهر وعشراً، فتمتنع المرأة من الزينة ومن الطيب فيها، وأما غيره فليس لها أن تزيد على الثلاثة أيام التي هي أيام الحزن والمصيبة التي حلت بأهل الميت. وقوله: (تؤمن بالله واليوم الآخر) ذكر فيه الإيمان بالله عز وجل لأنه هو الأساس، وذكر الإيمان باليوم الآخر لأنه يوم الجزاء والحساب. وفيه: التنبيه على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فالإنسان أمامه ثواب وعقاب، فيستعد لذلك اليوم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لذلك نصّ على الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله، والإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر هما من أصول الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هذا فيما يتعلق بالنواهي، ويأتي أيضاً في الترغيب: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فذكر اليوم الآخر من أجل الترغيب ومن أجل تحصيل الثواب، ويذكر في الترهيب من أجل الحذر من العقاب. وفيه: بيان أن العدة هي أربعة أشهر وعشر، وأن الإحداد إنما يكون أيضاً في العدة، ومن المعلوم أن العدة والإحداد إنما يبدأان من الوفاة، فلو لم تعلم المرأة بوفاة زوجها إلا بعد أن تمضي مدة من العدة فإنها تعتد الباقي، ولو لم يأت الخبر إلا بعد أربعة أشهر وعشر فإنها تكون قد مضت عدتها ولا يلزمها أن تأتي بعدة جديدة، فالعدة هي أربعة أشهر وعشر من وفاة الزوج سواء عُلم بذلك أو لم يعلم، وإذا كان قد مضى بعض الوقت فإنها تعتد الباقي، أي: تجلس المرأة الباقي وتمتنع من الطيب والزينة في الباقي، ولو خرجت من العدة قبل أن تعلم بوفاة الزوج فإن العدة تكون قد انتهت ومضت. وقوله: [ قالت زينب : ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) ]. فهذا الحديث كما أنه جاء عن أم حبيبة فقد جاء أيضاً عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، إذاً فقد جاء عن اثنتين من أمهات المؤمنين. وقولها: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر) هذا فيه بيان أنه قاله على المنبر، وهذا يدل على إعلان السنن وتبيينها على المنابر وفي الخطب كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. وقوله: [ قالت زينب : وسمعت أمي أم سلمة تقول: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر) ]. وسبب منعها من الاكتحال أن الكحل من الزينة وعليها أن تجتنب الزينة، فإذا كان هناك علاج بغير الزينة فلا بأس به، فالمحذور هو أن تعالجها بشيء من الزينة كالكحل، فدل هذا على أن المرأة تجتنب الزينة ولو كان ذلك لحاجة ولأمر يقتضيه. ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشر) يعني: أنها مدة قصيرة بالنسبة لما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهن كن في الجاهلية يمكثن سنة كاملة وهنّ بحال سيئة من الابتعاد عن الزينة والابتعاد عن النظافة، فلا تأخذ المعتدة شعراً، ولا تقلم ظفراً سنة كاملة، فتكون على هيئة كريهة وقبيحة، وأما الأربعة أشهر والعشر فإنها مدة قليلة يقللها صلى الله عليه وسلم بالنسبة لما كان في الجاهلية. وقوله: [ (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) ]. قيل: إن المقصود بذلك: أنها كانت إذا مضى الحول وقد بقيت على هذه الهيئة الكريهة، وصبرت على هذا الأذى وهذه المشقة فإنها ترمي بالبعرة، وهذا معناه: أن هذه المدة التي قطعتها من أجل الوفاء للزوج لا تساوي هذه البعرة التي ترمي بها، وأنه شيء يسير، أي: أن هذا الذي عملته من المكث هذه المدة الطويلة في مسكن ضيق مظلم صغير لا يساوي شيئاً في جانب حق الزوج والوفاء به، وأن البقاء هذه المدة على هذه الهيئة لا يساوي هذه البعرة، وأن المدة التي مضت سهلة عليها كهذه البعرة التي ترمي بها بيدها. وقوله: [ قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد، ما شاءت من طيب أو غيره ]. الحفش: هو مكان ضيق تجلس فيه ولا تخرج ولا تمس طيباً ولا تأخذ شعراً، ولا تقلم أظفاراً، وتكون في ذلك المكان أيضاً في حر وفي عرق، وتبقى هذه المدة الطويلة فتكون مثل الجيفة، فإذا مضى الحول أُعطيتْ طائراً أو حماراً أو شاة فقلَّما تفتض بشيء إلا مات؛ أي: بسبب نتن رائحتها، ومعنى تفتض به: أي: تدلك به جسدها، فلشدة النتن الذي كان على جسدها خلال هذه السنة من أولها إلى آخرها فإنها لو أخذت طائراً حياً ودلكت به جسدها فإنه يموت من شدة هذه الرائحة، وهذا واضح بالنسبة للطائر، وأما بالنسبة للحمار وللشاة فلعل المقصود به أنها لو فعلت ذلك برأسه فإنه يموت؛ لشدة الرائحة الكريهة.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ... )


قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر ]. عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن نافع ]. حميد بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة ربيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قالت: دخلت على أم حبيبة ]. هي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها حديثها عند أصحاب الكتب الستة. وكذلك أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أيضاً عند أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في المتوفى عنها تنتقل


شرح حديث: ( ... امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله .... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المتوفى عنها تنتقل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة : أن الفريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما- أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المتوفى عنها تنتقل، يعني: من بيت زوجها إلى أهلها أو إلى مكان آخر، يعني: هل لها ذلك أو ليس لها ذلك؟ وأورد أبو داود حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما: أن زوجها كان له أعبد وأنهم أبقوا -أي: هربوا- فلحقهم، فلما أدركهم قتلوه في مكان يقال له: القدوم، هو قريب من المدينة، وأنها جاءت تستأذن في الانتقال إلى أهلها، فأذن لها صلى الله عليه وسلم، ولما كانت في الحجرة أو في المسجد دعاها فقال: ماذا قلت؟ فأعادت الذي قالت، ثم قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، يعني: امكثي في البيت الذي كنت فيه امكثي فيه حتى يبلغ الكتاب أجله، أي: حتى تمضي الأربعة أشهر والعشر التي هي مدة العدة، أو وضع الحمل إذا كانت المرأة المتوفى عنها حاملاً، وهذا يدل على أنها لا تنتقل وأنها تبقى في بيت زوجها أو المكان الذي هي فيه مع زوجها، ولكن إذا كان هناك مصلحة في الانتقال أو كان هناك خوف عليها من البقاء في ذلك المكان كأن يكون موحشاً أو أنه غير مأمون فلها أن تنتقل، وإلا فإن الأصل أنها لا تنتقل، وإنما تعتد في بيت زوجها. وقولها: [ قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به ]. يعني: لما كانت خلافة عثمان بعث إليها فحدثته بالحديث فاتبعه وقضى به، أي: أنه كان يفتي بأن المرأة تعتد في بيت زوجها عدة الوفاة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]