عرض مشاركة واحدة
  #494  
قديم 22-02-2025, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,691
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [288]
الحلقة (320)





شرح سنن أبي داود [288]

سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تفرغاً للعبادة وطلباً لليلة القدر، فصار الاعتكاف عبادة مستحبة، وله أحكام وآداب، منها أنه يسن للمعتكف أن يعتكف في المسجد الجامع ولا يخرج منه إلا للحاجة، ولا يزور المريض، ولا يتبع الجنازة، ولا يباشر النساء.

ما جاء في الاعتكاف


شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الاعتكاف. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب الاعتكاف]. أبو داود رحمه الله وكذلك غيره من العلماء يذكرون الاعتكاف مع الصيام؛ لأن الاعتكاف -كما قال بعض أهل العلم -لا يكون إلا مع صيام، وأيضاً كون المشهور والمعروف فيه أنه يكون في رمضان وفي العشر الأواخر وذلك في حال الصيام، فناسب أن يأتي ذكر الاعتكاف مع الصيام أو بعد الصيام. والاعتكاف في اللغة قيل: هو الحبس والمكث واللزوم. وفي الاصطلاح: هو المكث في المسجد على وجه مخصوص. فالحبس والمكث واللزوم كلها تطلق على المكث في المسجد، أو حبس النفس في المسجد، أو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، ولهذا فإن المعنى الشرعي مطابق أو مندرج تحت المعنى اللغوي، والمعاني اللغوية تدخل فيها المعاني الشرعية، ولكن المعنى الشرعي أخص، والمعاني اللغوية أعم. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر حتى قبضه الله) يعني: حتى توفي، واعتكف أزواجه بعده، وهذا يدلنا على أن الاعتكاف سنة ومستحب، ولا يجب إلا بالنذر، فالإنسان إذا أوجبه على نفسه بنذر فإنه يلزمه ويجب عليه أن يفي بنذره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه). فقول عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله) يدل على أنه حكم محكم غير منسوخ؛ لأن قولها: (حتى قبضه الله) يعني: أنه مستمر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم، وقولها: (ثم اعتكف أزواجه من بعده) يدلنا على أن الاعتكاف باقٍ وأنه سنة، وأنه فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، وكذلك فعل من بعده، وممن فعله أزواجه رضي الله تعالى عنهن، وفيه دليل على أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد سواء للرجال أو للنساء، ويدل على اعتكاف النساء في المساجد إذا أمن عليهن من أي محذور بسبب المكوث في المسجد والبقاء فيه، ولكن ذلك يكون بإذن أزواجهن؛ لأن الاعتكاف تطوع ومستحب، فلا تفعله المرأة إلا بإذن زوجها، وتفعله حيث لا يكون هناك محذور، وحيث لا يترتب أو يخشى من ذلك مضرة عليها. واعتكاف العشر الأواخر من رمضان فيه ليلة القدر، فالإنسان إذا كان معتكفاً العشر الأواخر فمعناه أن ذلك فيه تحر لها، وكون الإنسان ملازماً للمسجد يسأل الله ويرجوه ويتقرب إليه بالأعمال الصالحة في تلك الأيام والليالي التي فيها ليلة القدر -وهي ليلة خير من ألف شهر- فهي تعادل عبادة اثنين وثمانين سنة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


بيان أقل ما يكون به الاعتكاف


وأقل ما يكون به الاعتكاف فقد جاء عن بعض أهل العلم أنه قال: يقع الاعتكاف ولو لحظة، وأن الإنسان إذا دخل المسجد للصلاة فإن له أن ينوي الاعتكاف، لكن لا نعلم شيئاً يدل على هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وما جاء عنه ما يدل على أن الإنسان إذا دخل المسجد ليصلي أنه ينوي الاعتكاف، والذي جاء وثبت في حديث عمر أنه قال: (نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) فهذا يدل على أن الليلة يكون فيها الاعتكاف، يعني: يوم وليلة أو ليلة واحدة فقط؛ لأن الحديث جاء أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك)، فهذا هو الذي ورد محدداً ومبيناً والنبي صلى الله عليه وسلم قال: أوف بنذرك؛ لأنه اعتكاف.

شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أبي رافع عن أبي بن كعب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) ]. أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً -لأنه كان في سفر- فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) يعني: لما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة: عشر ليالٍ للسنة الحاضرة، وعشر ليالٍ للسنة الماضية، وهذا يدل على قضاء التطوع، وأن الإنسان إذا اعتاد شيئاً يحرص عليه، وإذا فاته فله أنه يقضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فعل شيئاً داوم عليه، وكان كما جاء في بعض الأحاديث أنه شغل عن ركعتين بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم داوم على ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رافع ]. هو أبو رافع هو نفيع الصائغ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه)


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية و يعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه قالت: وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان قالت: فأمر ببنائه فضرب، فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب قالت: وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضرب، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية فقال: ما هذه؟ آلبر تردن؟ قالت: فأمر ببنائه فقوض، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت، ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول يعني: من شوال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر، يعني: يبدأ اعتكافه بعد صلاة الفجر، وأنه أمر ببنائه فنصب يعني: الخباء أو المكان الذي يعتكف فيه صلى الله عليه وسلم، فرأى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأمرن بضرب الأخبية لهن، ولما صلى الفجر عليه الصلاة والسلام ورأى الأخبية قال: ما هذا؟ فعلم بأن نساءه ضربن تلك الأخبية فقال: (آلبر تردن؟)، خشي أن يكون هذا الذي قد حصل منهن إنما هو تنافس للقرب منه، وأن تكون تلك العبادة يدخلها شيء من الغيرة عليه صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون كل واحدة قريبة منه، فيكون في ذلك تأثير على نية الاعتكاف، فقال عليه الصلاة والسلام: (آلبر تردن؟ ثم إنه أمر بخبائه فقوض)، يعني: رفع وأزيل، ثم أمر أزواجه بأخبيتهن فقوضت، واعتكف في العشر الأول من شوال، يعني: بعد يوم العيد؛ لأن يوم العيد كما هو معلوم فيه ذهاب للعيد وإياب، فالذي يبدو أن ذلك كان بعد العيد، وأنه اعتكف عشراً بعد العيد يعني: بدلاً من هذه العشر التي تركها من أجل ما رأى من زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن. ثم ما جاء في الحديث أنه كان يدخل معتكفه بعد الفجر، فمعلوم أن أول ليلة من ليالي العشر هي ليلة واحد وعشرين، والليلة تبدأ بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس من يوم عشرين جاءت ليلة واحد وعشرين ويومها بعدها، وكما هو معلوم ليلة اليوم تسبقه، ولهذا إذا رؤي الهلال في أول يوم من رمضان فإن الناس يصلون التراويح قبل أن يصوموا؛ لأن تلك الليلة تكون من رمضان، وإذا رؤي الهلال لخروج رمضان فإنهم يتركون التراويح؛ لأن الليلة تكون ليلة العيد من شوال، وعلى هذا فالعشر الأواخر من رمضان اعتكافها يكون بغروب الشمس من يوم عشرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر في سنة من السنين بليلة القدر أنها ليلة واحد وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد أنه رأى أنه يسجد في صبيحتها بماء وطين، فلما صلوا الفجر من صبيحة واحد وعشرين وكانوا في الصلاة نزل المطر فخر السقف، وجاء على مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم، ثم لما انصرف وإذا على جبهته آثار الماء والطين صلى الله عليه وسلم، فعلم بأنها ليلة القدر، يعني: ليلة واحد وعشرين، وهو كان يعتكف من أجل أنه في العشر الأواخر يدرك ليلة القدر، ومعلوم أنه إذا كان دخول المعتكف بعد الفجر ذهبت ليلة واحد وعشرين التي هي أول الليالي؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الاعتكاف يكون من عند غروب شمس يوم عشرين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المحل المعد للاعتكاف إلا بعد الفجر، فيكون قولها: (دخل معتكفه) يعني: المكان الذي نصب له، ويكون ما قبل ذلك كان خارج المعتكف ولكنه في المسجد، ومعلوم أن المكث في المسجد سواء كان في نفس المعتكف أو في غيره كل ذلك يقال له: اعتكاف ما دام أنه منقطع للعبادة، ومنصرف عن الناس، وعلى هذا يكون ما جاء في هذا الحديث يفسر على اعتبار أن تواجده قبل طلوع الفجر من تلك الليلة إنما كان في المسجد، والذي جاء فيه إنما هو دخول المكان المعد للاعتكاف، فلا يخرج عن كونه معتكفاً لكونه كان في المسجد من أول الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وتأخيره صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إلى العشر الأول من شوال أداء؛ لأنه ما دخل في الاعتكاف، أو أنه قضاء؛ لأنه دخل في الاعتكاف وقطعه إذا كان الدخول للاعتكاف من الليل، فهو أمر بالتقويض بعد صلاة الفجر، فهو إما قضاء أو أداء فعله في تلك الليالي وترك ذلك خوفاً على أمهات المؤمنين من أن يكون حصل عندهن ما يؤثر في النية. وكونه صام تلك الأيام في شوال فلا نعلم شيئاً يدل على أنه صامها، ومسألة أن الاعتكاف لا يكون إلا مع الصيام، هذا فيه خلاف بين أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإخراجه له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يعلى بن عبيد ]. هو يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.

شرح حديث (اعتكف عشرين من شوال) وتراجم رجال إسناده


[ قال أبو داود : رواه ابن إسحاق و الأوزاعي عن يحيى بن سعيد نحوه، ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: (اعتكف عشرين من شوال) ]. قوله: [ رواه ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و الأوزاعي ]. الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد نحوه ]. يحيى بن سعيد الذي مر ذكره وقوله: (نحوه) يعني: نحو ما تقدم. [ ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: (اعتكف عشرين من شوال) ]. يعني: قال غيره: عشراً وقال هو: اعتكف عشرين من شوال، وهذا يخالف ما جاء في الروايات التي أثبتت العشر الأول من شوال؛ لأن العشرين ضعف العشر، والروايات المتعددة جاءت في أنه اعتكف عشراً من شوال وليس عشرين.

أين يكون الاعتكاف؟



شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أين يكون الاعتكاف؟ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن يونس أن نافعاً أخبره عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد]. أورد أبو داود باب أين يكون الاعتكاف؟ والاعتكاف يكون في المساجد ولا يكون في غيرها، لكن أي المساجد يكون فيها الاعتكاف؟ من العلماء من قال: إنه يعتكف في أي مسجد جامع يصلى فيه الجماعة، وإذا جاء يوم الجمعة يخرج إلى المسجد الذي يجمع فيه، ومنهم من قال: إنه يعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة، حتى لا يحتاج إلى أن يخرج إلى الجمعة، ومن العلماء من قال: إن الاعتكاف إنما يكون في المساجد الثلاثة التي هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومنهم من قال: إنه يكون في المسجدين فقط وهما: المسجد الحرام، والمسجد النبوي. والذي يبدو أنه يكون في أي المساجد ما دام أنه مسجد يصلى فيه جماعة فإنه يعتكف فيه، وإذا كان الإنسان يحتاج إلى أن يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فخروجه إلى الجمعة لا بأس به، ولا يؤثر، ولا مانع منه، وإن اعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة فهو الأولى، لكن لا يكون ذلك مقتصراً على المساجد الثلاثة ولا على مسجدين منها؛ لأن الله عز وجل قال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] وهذا لفظ عام، ثم ما جاء في بعض الأحاديث أنه (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) يحمل على أن المقصود به: لا يكون الاعتكاف كاملاً إلا فيها، لا أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها. قوله: [ قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ]. أي: المكان الذي كان يضرب فيه الخباء.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان)


قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن نافعاً أخبره ]. نافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر و ابن عمرو و ابن عباس و ابن الزبير وهو أحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث دليل على أن المعتكف يتخذ مكاناً معيناً يكون نومه وصلاته وقراءته فيه، والحديث الذي مر: (فأمر بخبائه فضرب، وأمر أزواجه بأخبيتهن فضربت) يدل على هذا.

شرح حديث (.. فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان عشرة أيام) التي هي العشر الأواخر، ولما كان العام الذي قبض فيه -وهو رمضان الذي كان في العاشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، فآخر رمضان مر عليه صلى الله عليه وسلم هو في السنة العاشرة- اعتكف عشرين يوماً من رمضان؛ العشر الأواخر والعشر الأوسط، وذلك فيه دلالة على أهمية الزيادة في العمل، وأيضاً كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، وفي آخر رمضان دارسه القرآن مرتين، وهذا الذي جرى من اعتكافه عشرين ليلة، فيه تمكين من مدارسة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في آخر رمضان.

تراجم رجال إسناد حديث (..فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)

قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر ]. هو أبو بكر بن عياش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حصين ]. أبو حصين هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأضاه.

المعتكف يدخل البيت لحاجته



شرح حديث عائشة (كان رسول الله إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) ]. أورد أبو داود باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. يعني: قضاء الحاجة؛ لأنه لا بد من الخروج من المسجد لقضاء الحاجة فكان يخرج من المسجد لقضاء الحاجة، والبيت بجوار المسجد، فكان يذهب لقضاء الحاجة ولا يذهب لغيرها، ولهذا لما احتاج إلى أن ترجل عائشة رأسه صلى الله عليه وسلم أدخل رأسه عليها، فكانت ترجله وجسمه في المسجد، فدل على أن المعتكف إنما يخرج للأمر الذي لا بد منه، كقضاء حاجته التي لا بد منها، أما الأمور الأخرى التي هي غير ذلك فإنه لا يخرج لأجلها، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم عندما يريد أن ترجل رأسه يدخل رأسه عليها وهي في الحجرة فترجله، فهذا فيه دليل على أن المعتكف له أن يغتسل وأن يتنظف، وله أن يرجل شعره، وكذلك ملامسة الحائض له عند الحاجة؛ لأنها كانت ترجله وهي حائض، ومن نذر ألا يدخل بيتاً فأدخل رأسه لم يحنث؛ لأن إدخال الرأس لا يعتبر دخولاً في البيت؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد، وكان يخرج رأسه ولا يكون بذلك خارجاً من المسجد وداخلاً في البيت.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]