عرض مشاركة واحدة
  #512  
قديم 25-02-2025, 02:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,274
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ يس
المجلد الرابع عشر
صـ 4991 الى صـ 5000
الحلقة (512)






[ ص: 4991 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 1 ] يس .

يس تقدم الكلام في مثل هذه الفواتح مرارا. وحاصله - كما قاله أبو السعود - أنها إما مسرودة على نمط التعديد، فلا حظ لها من الإعراب، أو اسم للسورة كما نص عليه الخليل وسيبويه ، وعليه الأكثر، فمحله الرفع على أنه خبر محذوف، أو النصب، مفعولا لمحذوف، وعليهما مدار قراءة: يس بالرفع والنصب.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 2 ] والقرآن الحكيم .

والقرآن الحكيم أي: ذي الحكمة أو الناطق بالحكمة، ولما كانت منزلة الحكمة من المعارف، منزلة الرأس ، وكانت أخص أوصاف التنزيل، أوثرت في القسم به دون بقية صفاته، لذلك.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 3 - 4 ] إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم .

إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم وهو الموصل إلى المطلوب بدون لغوب. والتنكير للتفخيم والتعظيم.

[ ص: 4992 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 5 ] تنـزيل العزيز الرحيم .

تنـزيل العزيز الرحيم بالنصب على إضمار فعله، وبالرفع خبر لمحذوف، أو خبر لـ: يس إن كان اسما للسورة، أو مؤولا بها. والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به ، اهتماما.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 6 ] لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون .

لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم أي: برسول ولا كتاب: فهم غافلون أي: عن أمر حق الخالق والمخلوق، بالكفر، والفساد، ونكران البعث، والمعاد.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 7 ] لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون .

لقد حق القول على أكثرهم أي: استأهلوا لأن ينزل بهم العذاب، وينتقم منهم أشد الانتقام: فهم لا يؤمنون أي: لا يريدون أن يؤمنوا ويهتدوا، كفرا، وكبرا، وعنادا، وبغيا في الأرض بغير الحق.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 8 ] إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون .

إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان أي: اللحى; أي: واصلة إليها وملزوزة إليها: فهم مقمحون أي: ناصبو رؤوسهم، غاضو أبصارهم. يقال: أقمح الرجل، رفع رأسه وغض بصره. وأقمح الغل الأسير، إذا ترك رأسه مرفوعا لضيقه، فهو مقمح، وذلك إذا لم يتركه عمود الغل الذي ينخس ذقنه، أن يطأطئ رأسه. قال ابن الأثير : هي في قوله تعالى: [ ص: 4993 ] فهي إلى الأذقان كناية عن الأيدي لا عن الأعناق; لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن والعنق، وهو مقارب للذقن. وقال الأزهري : أراد عز وجل أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم، رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صعدا، كالإبل الرافعة رؤوسها، وهذا معنى قول ابن كثير : اكتفى بذكر الغل في العنق، عن ذكر اليدين، وإن كانتا مرادتين، لما دل السياق عليه; فإن الغل إنما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 9 ] وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون .

وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون قال الزمخشري : مثل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين، في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له، وكالحاصلين بين سدين، لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم، في أن لا تأمل لهم ولا تبصر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله . انتهى. أي: فالمجموع استعارة تمثيلية.

وفي (الانتصاف) للناصر: إذا فرقت هذا التشبيه، كان تصميمهم على الكفر مشبها بالأغلال، وكان استكبارهم عن قبول الحق، وعن الخضوع، والتواضع لاستماعه، مشبها بالإقماح; لأن المقمح لا يطأطئ رأسه. وقوله: فهي إلى الأذقان تتمة للزوم الإقماح لهم، وكان عدم الفكر في القرون الخالية مشبها بسد من خلفهم، وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبها بسد من قدامهم. انتهى. فيكون فيه تشبيه متعدد. قال الشهاب : والتمثيل أحسن منه. انتهى.

ثم قال الناصر : يحتمل أن تكون الفاء في: فهم مقمحون للتعقيب، كالفاء الأولى، أو للتسبب، ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في الغل يوجب الإقماح; فإن اليد، والعياذ بالله، تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن، دافعة بها ومانعة من وطأتها. ويكون التشبيه أتم على هذا التفسير، فإن [ ص: 4994 ] اليد متى كانت مرسلة مخلاة، كان للمغلول بعض الفرج بإطلاقها، ولعله يتحيل بها على فكاك الغل، ولا كذلك إذا كانت مغلولة. فيضاف إلى ما ذكرناه من التشبيهات المفرقة، أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والانخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم، مشبها بغل الأيدي; فإن اليد آلة الحيلة إلى الخلاص. انتهى.

وإنما اختير هذا; لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا، وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة، على أنه حقيقة لا تمثيل فيه، فورد عليه أن يكون أجنبيا في البين، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله: حق القول على أكثرهم والأول أدق، وبالقبول أحق.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 10 ] وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون .

وسواء عليهم أأنذرتهم أي: خوفتهم بالقرآن: أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي: لا يريدون أن يؤمنوا، ولما صدقت الآية على مثل أبي جهل وأصحابه من كفرة قريش ، الذين هلكوا في بدر ، وكانوا طواغيت الكفر، أشار بعضهم إلى أن الآية نزلت في ذلك.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 11 ] إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم .

إنما تنذر أي: الإنذار المترتب عليه النفع: من اتبع الذكر أي: القرآن بالتأمل فيه والعمل به: وخشي الرحمن بالغيب أي: عمل الصالحات لوجهه، وإن كان لا يراه

فبشره بمغفرة أي: لذنوبه في الدنيا: وأجر كريم أي: ثواب حسن في الجنة.

[ ص: 4995 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 12 ] إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين .

إنا نحن نحيي الموتى أي: للبعث: ونكتب ما قدموا أي: نحفظ عليهم ما أسلفوا من الخير والشر: وآثارهم أي: ما تركوه من سنة صالحة، فعمل بها بعد موتهم، أو سنة سيئة فعمل بها بعدهم: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين أي: في اللوح المحفوظ، أو العلم الأزلي.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 13 ] واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون .

واضرب لهم مثلا أي: مثل لأهل مكة مثلا: أصحاب القرية أي: اذكر لهم قصة عجيبة، قصة أصحاب القرية: إذ جاءها المرسلون أي: الدعاة إلى الحق، ورفض عبادة الأوثان.
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 14 ] إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون .

إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث أي: فقويناهما برسالة ثالث: فقالوا إنا إليكم مرسلون

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 15 - 17 ] قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنـزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون [ ص: 4996 ] قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين .

قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنـزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين أي: التبليغ عن الله ظاهرا بينا لا سترة فيه، وقد خرجنا من عهدته.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 18 ] قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم .

قالوا إنا تطيرنا بكم أي: تشاءمنا بكم، فكان إذا حدث في البلد ما يسيء من حريق أو بلاء، نسبوه إليهم. وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه، وآثروه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه; فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط : وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه وعن مشركي مكة : وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك أفاده الزمخشري لئن لم تنتهوا أي: عن دعوتكم إلى التوحيد: لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 19 ] قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون .

قالوا أي: الرسل: طائركم معكم أي: سبب شؤمكم معكم، وهو الكفر والمعاصي: أإن ذكرتم أي: وعظتم بما فيه سعادتكم. وجواب الشرط محذوف، ثقة بدلالة ما قبله عليه; أي: تطيرتم، وتوعدتم بالرجم والتعذيب: بل أنتم قوم مسرفون أي: في الشؤم والعدوان.

[ ص: 4997 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 20 ] وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين .

وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى أي: يسرع في المشي، حيث سمع بالرسل: قال يا قوم اتبعوا المرسلين أي: بالإيمان بالله وحده.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 20 ] اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون .

اتبعوا من لا يسألكم أجرا أي: جعلا، ولا مالا على الإيمان: وهم مهتدون أي: في أنفسهم بالكمالات، والأخلاق الكريمة، والآداب الشريفة; أي: فيجدر أن يتأسى بهم.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 22 ] وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون .

وما لي لا أعبد الذي فطرني أي: خلقني، وهذا تلطف في الإرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه، وإمحاض النصح، حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه. والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره; كما ينبئ عنه قوله: وإليه ترجعون أي: بعد الموت.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 23 ] أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون .

أأتخذ من دونه آلهة أي: فأضرع إليها وأعبدها، وهي في المهانة والحقارة بحيث إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون أي: من ذلك الضر، بالنصر والمظاهرة. وفيه تحميق لهم; لأن ما يتخذ ويصنعه المخلوق، كيف يعبد؟

[ ص: 4998 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 24، 25 ] إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون .

إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون أي: فاسمعوا إيماني واشهدوا به. قال السمين : الجمهور على كسر النون، وهي نون الوقاية، حذفت بعدها ياء الإضافة، مجتزى عنها بكسرة النون، وهي اللغة العالية. وقرأ بعضهم بفتحها وهي غلط. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 26، 27 ] قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين .

قيل ادخل الجنة أي: ثوابا على صدق إيمانك، وفوزك بسببه بالشهادة: قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين أي: ليقبلوا على ما أقبلت عليه، ويضحوا لأجله النفس والنفيس.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 28 ] وما أنـزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منـزلين .

وما أنـزلنا على قومه من بعده أي: من بعد موته بالشهادة: من جند من السماء أي: لإهلاكهم: وما كنا منـزلين قال الرازي : إشارة إلى هلاكهم بعده سريعا، على أسهل وجه، فإنه لم يحتج إلى إرسال جند يهلكهم.

القول في تأويل قوله تعالى:

[ 29 ] إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون .

[ ص: 4999 ] إن كانت إلا صيحة واحدة أي: ما كانت العقوبة إلا صيحة واحدة من السماء هلكوا بها: فإذا هم خامدون ميتون كالنار الخامدة، رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب، والميت كالرماد، كما قال لبيد:


وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع


تنبيهات:

الأول - قال ابن كثير : روي عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح عيسى عليه السلام، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن أحد من متأخري المفسرين، غيره. وفي ذلك نظر من وجوه:

أحدها - أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل، لا من جهة المسيح عليه السلام، كما قال تعالى: إذ أرسلنا إليهم اثنين ولو كان هؤلاء من الحواريين، لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام. والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: إن أنتم إلا بشر مثلنا.

الثاني - أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح ; ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللائي فيهن بطاركة، وهن: القدس ; لأنها بلد المسيح ، وأنطاكية ; لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية ; لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البطارقة والأساقفة والشمامسة والرهابين، ثم رومية ; لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطده، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البطرك من [ ص: 5000 ] رومية إليها - كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم - كسعد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين - فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم.

الثالث - أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وغير واحد من السلف، أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة، لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم. بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى فعلى هذا يتعين أن أهل هذه القرية المذكورة في القرآن، قرية أخرى غير أنطاكية ، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا، أو تكون أنطاكية - إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة - مدينة أخرى غير المشهورة المعروفة; فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية، ولا قبل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى كلام ابن كثير.

وأقول: إن من محاسن التنزيل الكريم وبلاغته الخارقة، هو الإيجاز في الأنباء التي يقصها ، والإشارة منها إلى روحها وسرها، حرصا على الثمرة من أول الأمر، واقتصارا على موضع الفائدة، وبعدا عن مشرب القصاص والمؤرخين; لأن القصد من قصصه الاعتبار والذكرى ، وما من حاجة إلى تسمية تلك المبهمات كائنة ما كانت، ثم إن المفسرين رحمهم الله عنوا بالبحث، والأخذ، والتلقي، فكان من سلف منهم يرون فيما يرون أن من العلم تفصيل مجملات التنزيل وإبانة مبهماته ، حتى جعل ذلك فنا برأسه، وألف فيه مؤلفات، ولا بأس في التوسع من العلم والازدياد منه بأي طريقة كانت، لاسيما وقد رفع عنا الحرج بالتحدث عن بني إسرائيل، إلا أنه يؤاخذ من يجزم بتعيين مبهم ما، إن كان جزمه من غير طريق القواطع [ ص: 5001 ] ; فإن القاطع هو ما تواتر أو صح سنده إلى المعصوم، صحة لا مغمز فيها ، وهذا مفقود في الأكثر، ومنه بحثنا المذكور; فإن تعيين أن البلدة أنطاكية وتسمية الرسل، إنما روي موقوفا ومنقطعا، وفي بعض إسناده متهمون، ولذا قد يرد على من يقطع بذلك ما لا مخرج له منه، فالمفسر أحسن أحواله أن يمشي مع التنزيل، إجمالا فيما أجمله، وتفصيلا فيما فصله ، ولا يأخذ من إيضاح مبهماته إلا بما قام عليه قاطع أو كان لا ينبذه العلم الصحيح، وإلا فليعرض عن تسويد وجوه الصحف بذلك، بل عن تشويهها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]