عرض مشاركة واحدة
  #536  
قديم 25-02-2025, 07:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,347
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الشورى
المجلد الرابع عشر
صـ 5231 الى صـ 5240
الحلقة (536)








القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : الآيات 12 الى 13]
له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم (12) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13)
له مقاليد السماوات والأرض أي مفاتيح الأرزاق وخزائن الملك والملكوت يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه ويغنيه، ويقتر على آخرين إنه بكل شيء عليم شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه اعلم أنه تعالى لما عظم وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم [الشورى: 3] ، ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك، وهو ما شرعه له ولهم من الاتفاق على عبادته وحده لا شريك له كما قال: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [الأنبياء: 25] ، وفي الحديث «1» : نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد. يعنى: عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم. كقوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [المائدة: 48] . وتخصيص هؤلاء الخمسة، وهم أولو العزم
(1)
أخرجه البخاري في: الأنبياء، 48- باب واذكر في الكتاب مريم، حديث رقم 1617، عن أبي هريرة.

وأخرجه مسلم في: الفضائل، حديث رقم 145.
عليهم السلام، بالذكر، لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة. ولاستمالة قلوب الكفرة، لاتفاق الكل على نبوة بعضهم. وابتدأ بنوح عليه السلام لأنه أول الرسل. والمعنى: شرع لكم من الدين ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوح عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام. والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له، للإشارة إلى أن شريعته صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الكاملة. ولذا عبر فيه ب (الذي) التي هي أصل الموصولات. وأضافه إليه بضمير العظمة، تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن وكمال الاعتناء. وهو السر في تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا كبر على المشركين ما تدعوهم إليه أي من إخلاص العبادة لله وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الأوثان الله يجتبي إليه من يشاء وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه ويهدي إليه من ينيب أي يوفق للعمل لطاعته واتباع رسله من يقبل إلى طاعته ويتوب من معاصيه. ثم أشار إلى حال أهل الكتاب، إثر بيان حال المشركين، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 14]
وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (14)
وما تفرقوا أي في دينهم وصاروا شيعا إلا من بعد ما جاءهم العلم أي الدلائل الصحيحة والبراهين اليقينية على حقية ما لديهم بغيا بينهم أي ظلما وتعديا وطلبا للرئاسة ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى وهو تأخير العذاب.
إلى يوم القيامة لقضي بينهم أي باستئصالهم، لاستيجاب جناياتهم لذلك وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم وهم أهل مكة الذين من الله عليهم بالكتاب العزيز لفي شك منه مريب أي موقع لأتباعهم في الشك، لكثرة ما يبثونه من الوساوس الصادة عن سبيل الله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 15]
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير (15)
فلذلك فادع أي فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب، فادع الناس كافة إلى إقامة الدين لمقاومة الباطل ودحره، وهتك وساوسه واستقم أي على الدعوة إليه والصدع به كما أمرت أي أوحي إليك ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب أي: أي كتاب كان، لا كالذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وفيه تحقيق للحق، وبيان لاتفاق الكتب في الأصول، وتأليف لقلوب أهل الكتابين، وتعريض بهم. أفاده أبو السعود وأمرت لأعدل بينكم أي لأسوي بينكم في دعوة واحدة كما قال تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا [آل عمران: 64] الآية. ثم أشار إلى أن ما وراء الأمر المذكور والتبليغ به من الحساب، فهو إليه تعالى. فقال الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم أي لا خصومة ولا محاجة بعد هذا. لأن الحق قد ظهر. ولم يبق للمحاجة حاجة، ولا للمخالفة محل سوى المكابرة. والحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاج. كما ذكره الراغب. وتكون بمعنى الدليل. والمراد هو الأول دون الثاني. وهو ظاهر الله يجمع بيننا أي يوم القيامة، فيقضي بالحق فيما اختلفنا فيه وإليه المصير أي المعاد والمرجع للجزاء.
تنبيهان:
الأول- تفسير العدل بما ذكرناه، لأنه الذي يقتضيه سياق الكلام لا سيما والسورة مكية. ولم يكن مظهره صلوات الله عليه بها فصل الخصومات والقضاء في الحكومات. نعم من ذهب إلى ذلك فإنما وقف مع عمومها. ومنه قول قتادة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل حتى مات. والعدل ميزان الله في الأرض. به يأخذ للمظلوم من الظالم. وللضعيف من الشديد. وبالعدل يصدق الله الصادق ويكذب الكاذب.
وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه.
الثاني- قال ابن كثير: اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات. كل منها منفصلة عن التي قبلها. حكم برأسها. قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي. فإنها أيضا عشرة فصول كهذه. انتهى
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 16]
والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد (16)
والذين يحاجون في الله أي يخاصمون في دينه الذي ابتعث به خاتم أنبيائه،
وهم الذين أورثوا الكتاب، المذكورون قبل، ليصدوا عن الهدى طمعا في عود الجاهلية من بعد ما استجيب له أي استجاب له الناس. أي بالاستسلام والانقياد لدينه حسبما قادهم إليه العقل السليم والنظر الصحيح وسيرة الداعي وهديه وحسن دعوته وتصديق الكتب المنزلة له وسلامة الفطرة حجتهم داحضة أي زائلة لأنها في باطل. والباطل لا بقاء له مع قوة الحق عند ربهم أي في حكمه وقضائه وتقديره. قال أبو السعود: وإنما عبر عن أباطيلهم بالحجة، مجاراة معهم على زعمهم الباطل وعليهم غضب أي عظيم، لمكابرتهم الحق بعد ظهوره ولهم عذاب شديد وهو عذاب النار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 17]
الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب (17)
الله الذي أنزل الكتاب بالحق أي متلبسا به في أحكامه وأخباره والميزان أي وأنزل الميزان وهو العدل الذي يوزن به الحقوق ويسوى به الخلاف وما يدريك لعل الساعة قريب قال أبو السعود: أي شيء قريب. أو قريب مجيئها. أو الساعة بمعنى البعث. والمعنى أنها على جناح الإتيان. فاتبع الكتاب واعمل به وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفى جزاؤها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 18]
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد (18)
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها أي خائفون منها. قال ابن جرير: لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها ويعلمون أنها الحق أي المتحقق وجوده لا محالة ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد أي لإنكارهم عدل الله وحكمته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 20]
الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز (19) من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (20)
الله لطيف بعباده أي يلطف بهم في تدبير إيصال ما يفتقرون من خبر الدين والدنيا يرزق من يشاء وهو القوي العزيز من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب.
قال الزمخشري: سمي ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة والزكاء، حرثا على المجاز- أي بتشبيهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا. ولذلك قيل (الدنيا مزرعة الآخرة) وفرق بين عمل العاملين بأن من عمل للآخرة، وفق في عمله وضوعفت حسناته. ومن كان عمله للدنيا أعطي شيئا منها، لا ما يريده ويبتغيه، وهو رزقه الذي قسم له وفرغ منه، وما له نصيب قط في الآخرة. ولم يذكر في معنى عامل الآخرة وله في الدنيا نصيب على أن رزقه المقسوم له، واصل إليه لا محالة- للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب.
انتهى.
وهذه الآية كآية من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء [الإسراء:
18] ، إلخ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 23]
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم (21) ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير (22) ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور (23)
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله (أم) منقطعة، فيها معنى (بل والهمزة) ولا بد من سبق كلام، خبرا أو إنشاء، يضرب عنه ويقرر ما بعده.
وما سبق قوله شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا [الشورى: 13] ، إلخ فهو معطوف عليه، وما بينهما من تتمة الأول. والمراد بشركائهم، إما شياطينهم لأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه. وإما أوثانهم. وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها
شركاء وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وعلى الثاني، فإسناد الشرع إليها، لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به. أو لأنها على صورة المشرع الذي سن هذا الضلال لهم. ويجوز كون الاستفهام المقدر حينئذ للإنكار. أي ليس لهم شرع ولا شارع.
كما في قوله: أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا [الأنبياء: 43] ، ولولا كلمة الفصل أي القضاء السابق بأن الجزاء في القيامة لا في الدنيا. أو لولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ويبين في الآخرة. فالفصل بمعنى البيان لقضي بينهم أي لفرغ من الحكم بين الكافرين والمؤمنين، بتعجيل العذاب للكافرين وإن الظالمين لهم عذاب أليم ترى الظالمين أي يوم البعث مشفقين مما كسبوا أي من السيئات وهو واقع بهم أي نازل بهم لا محالة والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجرا أي لا أسألكم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه إلا المودة في القربى أي أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم، وتصلوا الرحم التي بيننا. ولا يكن غيركم، يا معشر قريش، أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم.
قال الشهاب: المودة مصدر مقدر ب (أن والفعل) . والقربى مصدر كالقرابة.
و (في) للسببية. وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة. والخطاب، إما لقريش أو لجميع العرب، لأنهم أقرباء في الجملة. انتهى. والاستثناء منقطع. ومعناه نفي الأجر أصلا. لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم، لكونها سبب نجاتهم. فلا تصلح أن تكون أجرا له. وقيل: المعنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. وقيل (القربى) التقرب إلى الله تعالى. أي إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه.
والمعنى الأول هو الذي عول عليه الأئمة. ولم يرتض ابن عباس رضي الله عنه، غيره.
ففي البخاري «1» عنه أنه سئل عن قوله تعالى: إلا المودة في القربى فقال سعيد ابن جبير: القربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
قال ابن كثير: انفرد به البخاري- أي عن مسلم- ورواه الإمام أحمد. وهكذا
(1)
أخرجه البخاري في: التفسير، 42- سورة الشورى، 10- باب قوله: إلا المودة في القربى، حديث رقم 1643.

روى الشعبي والضحاك وعلي بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس، رضي الله عنهما، مثله. وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي، لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم.
وروى الإمام أحمد «1» عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا، إلا أن تودوا الله تعالى، وأن تقربوا إليه بطاعته. وهكذا روي عن قتادة والحسن البصري مثله
وأما رواية أنها نزلت بالمدينة فيمن فاخر العباس من الأنصار، فإسناده ضعيف. على أن السورة مكية. وليس يظهر بين الآية وتلك الرواية في هذا السياق مناسبة. وكذا ما
رواه ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: فاطمة وولدها رضي الله عنهم
، فإن في إسناده مبهما لا يعرف، عن شيخ شيعي، وهو حسين الأشقر، فلا يقبل خبره في هذا المحل وذكر نزول الآية في المدينة بعيد. فإنها مكية. ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية. فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه عنه البخاري. ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم. فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا. ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية. كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين
وقد ثبت في الصحيح «2» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي. وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وروى الإمام أحمد «3» عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن. وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها. قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وقال: والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله.
هذا ملخص ما أورده ابن
(1)
أخرجه في المسند 1/ 268. والحديث رقم 2415.

(2)
أخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث رقم 36.

(3)
أخرجه في المسند 1/ 207، والحديث رقم 1772.

كثير رحمه الله تعالى، وسبقه في الإيساع في ذلك تقي الدين ابن تيمية في (منهاج السنة) من أوجه عديدة.
قال في الوجه الثالث: إن هذه الآية في سورة الشورى. وهي مكية باتفاق أهل السنة. بل جميع آل حم مكيات. وكذلك آل طس. ومن المعلوم أن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر. والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة. والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة. فكيف يفسر النبي صلى الله عليه وسلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق.
ثم قال: الوجه الرابع- إن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك. فهذا ابن عباس ترجمان القرآن وأعلم أهل البيت، بعد علي، يقول:
ليس معناها مودة ذوي القربى. ولكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرا. لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم. فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولا، أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه.
الوجه الخامس- أنه قال: لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى لم يقل إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى. فلو أراد المودة لذوي القربى لقال المودة لذوي القربى كما قال: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [الأنفال: 41] ، وقال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى [الحشر: 7] ، وكذلك قوله: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل [الإسراء: 26] ، وقوله: وآتى المال على حبه ذوي القربى [البقرة: 177] ، وهكذا في غير موضع. فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم، وذوي قربى الإنسان، إنما قيل فيها (ذوي القربى) . لم يقل (في القربى) . فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم، دل على أنه لم يرد (ذوي القربى) .
الوجه السادس- أنه لو أريد المودة لهم لقال: المودة لذوي القربى، ولم يقل في القربى، فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره: أسألك المودة في فلان، ولا في قربى فلان. ولكن أسألك المودة لفلان، والمحبة لفلان. فلما قال المودة في القربى، علم أنه ليس المراد لذوي القربى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]