عرض مشاركة واحدة
  #539  
قديم 25-02-2025, 08:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الزخرف
المجلد الرابع عشر
صـ 5261 الى صـ 5270
الحلقة (539)








القول في : [سورة الزخرف (43) : آية 15]
وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين (15)
وجعلوا له من عباده جزءا أي جعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا.
وذلك قولهم للملائكة (هم بنات الله) قال القاشاني: أي اعترفوا بأنه خالق السموات والأرض ومبدعهما وفاطرهما. وقد جسموه وجزأوه بإثبات الولد له، الذي هو بعض من الوالد، مماثل له في النوع، لكونهم ظاهريين جسمانيين، لا يتجاوزون عن رتبة الحس والخيال، ولا يتجردون عن ملابس الجسمانيات، فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة، فضلا عن ذات الله تعالى. فكل ما تصوروا وتخيلوا، كان شيئا جسمانيا. ولهذا كذبوا الأنبياء في إثبات الآخرة والبعث والنشور، وكل ما يتعلق بالمعاد. إذ لا يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا، وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية، أمور المعاش. فلا مناسبة أصلا بين ذواتهم وذوات الأنبياء، إلا في ظاهر البشرية. فلا حاجة إلى ما وراءها. انتهى إن الإنسان لكفور مبين أي لجحود نعم ربه، التي أنعمها عليه. يبين كفرانه لمن تدبر حاله.
القول في : [سورة الزخرف (43) : آية 16]
أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين (16)
أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين أي: بل اتخذ. والهمزة للإنكار تجهيلا لهم. وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين وهو الإناث دون الذكور. على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث، وأمقتهم لهن. ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وادوهن. كأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة، فرضا وتمثيلا، أما تستحيون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما، ترك له شرهما وأدناهما؟
قاله الزمخشري.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 17]
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم (17)
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي من البنات ظل وجهه مسودا أي من الكآبة والغم والحزن وهو كظيم أي مملوء قلبه من الكرب.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 18]
أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين (18)
أومن ينشؤا في الحلية أي تربى في الزينة، يعني البنات وهو في الخصام أي في المجادلة غير مبين أي لمن خاصمة ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه.
والمعنى: أو من كان كذلك جعلتموه جزءا لله من خلقه، وزعمتم أنه نصيبه منهم؟.
تنبيه:
قال الكيا الهراسي: في دليل على إباحة الحلي للنساء. وسئل أبو العالية من الذهب للنساء، فلم ير به بأسا، وتلا هذه الآية.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 19]
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون (19)
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أي جعلوا ملائكة الله الذين هم عنده، يسبحونه ويقدسونه، إناثا. فقالوا (هم بنات الله) جهلا منهم بحق الله سبحانه، وجراءة منهم على قيل الكذب.
قال القاشاني: لما سمعوا من أسلافهم قول الأوائل من الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها، إما باعتبار اللفظ وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الأرواح المقدسة العقلية، مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة الإلهية- توهموا أنوثتها في الحقيقة، التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع اختصاصها بالله.
فجعلوها بنات. وقلما يعتقدها العامي إلا صورا إنسية لطيفة في غاية الحسن. انتهى.
أشهدوا خلقهم أي أحضروا خلق الله إياهم فوصفوهم بذلك لعلمهم بهم وبرؤيتهم إياهم؟ وهو تجهيل لهم، وتهكم بهم ستكتب شهادتهم أي على الملائكة بما هم مبرءون عنه ويسئلون أي عنها يوم القيامة، بأن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا. وفيه من الوعيد ما فيه. لأن كتابتها، والسؤال عنها، يقتضي العقاب والمجازاة عليها، وهو المراد.
القول في [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 21]
وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون (20) أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون (21)
وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون هذا بيان لضلال لهم آخر، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم. وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي. وأهل السنة تأولوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح. وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء، الناطق به غير ما آية. ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديما وحديثا آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين، جريا على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم، وتحلية مصنفاتنا بها، فنقول: قال القاشاني: لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى، افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار. وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان، بل على سبيل العناد والإفحام.. ولهذا ردهم الله تعالى بقوله: ما لهم بذلك من علم إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله. فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره. إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضرا إن هم إلا يخرصون لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل، حين عظموهم وخافوهم وخوفوا أنبياءهم من بطشهم، كما قال قوم هود إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء [هود: 54] ، ولما خوفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم، أجاب بقوله ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا [الأنعام: 80] ، إلى قوله وكيف أخاف ما أشركتم [الأنعام: 81] ، انتهى.
وفي البيضاوي وحواشيه: إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها. يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى.
فيكون مأمورا بها أو حسنة. ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة. وهذا الاستدلال باطل. لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن، لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض، حسنا كان أو قبيحا. ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا. والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها: لا إلى هذا القول. فإنه كلمة حق أريد بها باطل. انتهى.
وقال الناصر في (الانتصاف) : نحن معاشر أهل السنة نقول: إن كل شيء بمشيئته تعالى، حتى الضلالة والهدى، اتباعا لدليل العقل، وتصديقا لنص النقل.
في أمثال قوله تعالى: يضل من يشاء ويهدي من يشاء [النحل: 93] و [فاطر:
8] ، وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيدا، ولا تفيده إلا تصويبا وتسديدا. فنقول: إذا قال الكافر (لو شاء الله ما كفرت) فهذه كلمة حق أراد بها باطلا، أما كونها كلمة حق، فلما مهدناه. وأما كونه أراد بها باطلا، فمراد الكافر
بذلك أن يكون له الحجة على الله، توهما أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل، أن لا يعاقبه على ذلك. لأنه إنما فعل مقتضى مشيئته.
ثم قال: فإذا وضح ما قلناه، فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه. لأنهم توهموا أنها حجة على الله. فدحض الله حجتهم، وأكذب أمنيتهم، وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض، فقال: ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون و (إنهم إلا يظنون) وقد أفصحت أخت هذه الآية مع هذه الآية عن هذا التقدير.
وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء، كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون [الأنعام: 148] ، فبين تعالى أن الحامل لهؤلاء على التكذيب بالرسل، والإشراك بالله، اغترارهم بأن لهم الحجة على الله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام: 148] فشبه تعالى حالهم في الاعتماد على هذا الخيال، بحال أوائلهم. ثم بين أنه معتقد نشأ عن ظن خلب وخيال مكذب، فقال إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون [الأنعام: 148] ، ثم لما أبطل أن يكون لهم في مقالتهم حجة على الله، أثبت تعالى الحجة له عليهم بقوله: فلله الحجة البالغة [الأنعام: 149] ، ثم أوضح أن الرد عليهم ليس إلا في احتجاجهم على الله بذلك. لا لأن المقالة في نفسها كذب. فقال فلو شاء لهداكم أجمعين [الأنعام: 149] ، وهو معنى قولهم لو شاء الله ما أشركنا من حيث إن (لو) مقتضاها امتناع الهداية لامتناع المشيئة. فدلت الآية الأخيرة على أن الله تعالى لم يشأ هدايتهم. بل شاء ضلالتهم.
ولو شاء هدايتهم لما ضلوا. فهذا هو الدين القويم، والصراط المستقيم، والنور اللائح والمنهج الواضح. والذي يدحض به حجة هؤلاء، مع اعتقاد أن الله تعالى شاء وقوع الضلالة منهم، هو أنه تعالى جعل للعبد تأتيا وتيسرا للهداية وغيرها. من الأفعال الكسبية. حتى صارت الأفعال الصادرة منه مناط التكليف. لأنها اختيارية. يفرق بالضرورة بينها وبين العوارض القسرية. فهذه الآية أقامت الحجة. ووضحت، لمن اصطفاه الله للمعتقدات الصحيحة، المحجة. ولما كانت تفرقة دقيقة لم تنتظم في سلك الأفهام الكثيفة. فلا جرم أن أفهامهم تبددت. وأفكارهم تبدلت. فغلت طائفة القدرية واعتقدت أن العبد فعال لما يريد على خلاف مشيئة ربه. وجارت الجبرية فاعتقدت أن لا قدرة للعبد البتة ولا اختيار. وأن جميع الأفعال صادرة منه على سبيل الاضطراب. أما أهل الحق فمنحهم الله من هدايته قسطا.
وأرشدهم إلى الطريق الوسطى. فانتهجوا سبل السلام. وساروا ورائد التوفيق لهم إمام. مستضيئين بأنوار العقول المرشدة، إلى أن جميع الكائنات بقدرة الله تعالى ومشيئته. ولم يغب عن أفهامهم أن يكون بعض الأفعال للعبد مقدورة. لما وجدوه من التفرقة بين الاختيارية والقسرية بالضرورة. لكنها قدرة تقارن بلا تأثير.
وتميز بين الضروري والاختياري في التصوير. فهذا هو التحقيق.
انتهى.
وقد سبق في آية (الأنعام) نقول عن الأئمة في الآية مسهبة: فراجعها إن شئت.
وقوله تعالى: أم آتيناهم كتابا من قبله أي من قبل هذا القرآن فهم به مستمسكون أي يعملون به ويدينون بما فيه ويحتجون به عليك. نظير قوله تعالى في الآية الأخرى قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا
يعني بالعلم كتابا موحى فيه ذلك. وقوله تعالى:
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 22]
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون (22)
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون أي لا حجة لهم إلا تقليد آبائهم، الجهلة مثلهم.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 23]
وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23)
وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون أي كما فعل هؤلاء المشركون من دفاع الحجة بالتقليد، فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله.
قال القاضي: وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وأن مقلديهم أيضا لم يكن لهم سند منظور فيه. وتخصيص المترفين، إشعار بأن النعم وحب البطالة، صرفهم عن النظر إلى التقليد.
القول في[سورة الزخرف (43) : آية 24]
قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون (24)
قال وقرئ قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون منكرون، وإن كان أهدى. إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 25]
فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين (25)
فانتقمنا منهم أي بعذاب الاستئصال فانظر كيف كان عاقبة المكذبين أي آخر أمرهم، مما أصبح مثلا وعبرة.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 26]
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون (26)
وإذ قال إبراهيم قال القاضي: أي اذكر وقت قوله هذا، ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالدليل. أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد، فإنه أشرف آبائهم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون أي بريء من عبادتكم أو معبودكم. وبراء بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة، مصدر كالطلاق والعتاق، أريد به معنى الوصف مبالغة. فلذا أطلق على الواحد وغيره. وقرئ بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة، كطوال وكرام، بضم الطاء والكاف. وقوله:
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 27]
إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (27)
إلا الذي فطرني استثناء منقطع أو متصل. على أن (ما) يعم أولي العلم وغيرهم، وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام. أو (إلا) بمعنى (غير) صفة ل (ما) . أي إنني بريء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني. أي خلقني فإنه سيهدين أي للدين الحق، واتباع سبيل الرشد. والسين إما للتأكيد، ويؤيده آية الشعراء يهدين بدونها. والقصة واحدة، والمضارع في الموضعين للاستمرار. وإما للتسويف والاستقبال، والمراد هداية زائدة على ما كان له أولا. فيتغاير ما في الآيتين من الحكاية أو المحكي، بناء على تكرر قصته.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 28]
وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (28)
وجعلها أي شهادة التوحيد كلمة باقية في عقبه أي موصي بها، موروثة متداولة محفوظة. كقوله تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب [البقرة: 132] ، لعلهم يرجعون أي لكي يرجعوا إلى عبادته، ويلجئوا إلى توحيده في سائر شؤونهم. أو لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 29]
بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين (29)
بل متعت هؤلاء يعني أهل مكة وآباءهم أي من قبلهم بالحياة، فلم أعاجلهم على كفرهم حتى جاءهم الحق أي دعوة التوحيد أو القرآن ورسول مبين أي ظاهر الرسالة بالآيات والحجج التي يحتج بها عليهم في دعوى رسالته.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 30]
ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون (30)
ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون أي جاحدون. فازدادوا في ضلالهم، لضمهم إلى شركهم، معاندة الحق.
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 31]
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (31)
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين أي من إحداهما، مكة والطائف. فالتعريف للعهد عظيم أي بالجاه والمال. فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم عندهم. قال القاضي: ولم يعلموا أنها رتبة روحانية. تستدعي عظيم النفس، بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية.
وقوله تعالى:
القول في [سورة الزخرف (43) : آية 32]
أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون (32)
أهم يقسمون رحمت ربك إنكار، فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم فيما لا يتولاه إلا هو تعالى. والمراد بالرحمة النبوة نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا أي فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا ورفعنا بعضهم أي بالغنى فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم يعني الغني بعضا يعني الفقير سخريا أي مسخرا في العمل، وما به قوام المعايش، والوصول إلى المنافع. لا لكمال في الموسع عليه، ولا لنقص في المقتر عليه بل لحاجة التضام والتآلف، التي بها ينتظم شملهم.
وأما النفحات الربانية، والعلوم اللدنية، فليست مما يستدعي سعة ويسارا. لأنها اختصاص إلهي، وفيض رحماني، يمن به على أنفس مستعديه، وأرواح قابليه.
و (السخري) بالضم منسوب إلى السخرة بوزن (غرفة) وهي الاستخدام والقهر على العمل. ورحمت ربك خير مما يجمعون يعني أن النبوة خير مما يجمعون من الحطام الفاني. أي: والعظيم من أعطيها وحازها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم. لا من حاز الكثير من الشهوات المحبوبة. ثم أشار تعالى إلى حقارة الدنيا عنده، بقوله:
القول في [سورة الزخرف (43) : الآيات 33 الى 35]
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون (33) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن (34) وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين (35)
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة أي متفقة على الكفر بالله تعالى. أي لولا كراهة ذلك لجعلنا لمن يكفر بالرحمن أي لتكثير النعم عليه، مع كفره بالمنعم فيزداد عذابا لبيوتهم بدل من لمن سقفا بفتح السين وسكون القاف، وبضمهما، جمعا من فضة ومعارج أي مصاعد من فضة عليها يظهرون أي يرتقون ولبيوتهم أبوابا أي من فضة وسررا أي من فضة عليها يتكؤن وزخرفا أي: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا، أي زينة من ذهب وجواهر فوق الفضة.
ثم أشار إلى أن لا دلالة في ذلك على فضيلتهم بقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا أي: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت، من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة، الزخرف، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين أي: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، أي الذين اتقوا الله فخافوا عقابه..





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.17%)]