عرض مشاركة واحدة
  #549  
قديم 25-02-2025, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ محمد
المجلد الخامس عشر
صـ 5366 الى صـ 5375
الحلقة (549)







قال ابن كثير: لأنه دعا الجن إلى الله تعالى، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرحمن، ولهذا قال أجيبوا داعي الله وآمنوا به.
(1)
أخرجه الترمذي في: التفسير، 55- سورة الرحمن، باب حدثنا عبد الرحمن بن واقد.

قال الماوردي: لم يختلف أهل العلم أنه يجوز أن يبعث إليهم رسولا من الإنس، واختلفوا في جواز بعثة رسول منهم، فجوزه قوم لقول الله تعالى: امعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم
[الأنعام: 130] ، ومنع آخرون منه. وهذا قول من جعلهم من ولد إبليس، وحملوا قوله لم يأتكم رسل منكم
على الذين لما سمعوا القرآن، وولوا إلى قومهم منذرين. انتهى.
أقول: ونظيره تسمية رسل عيسى عليه السلام رسلا في آية إذ أرسلنا إليهم اثنين [يس: 14] .
الرابع- استدل بقوله يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة. إذ لو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا، لأوشك أن يذكروه.
قال الماوردي: فأما كفارهم فيدخلون النار، وأما مؤمنوهم، فقد اختلفوا في دخولهم الجنة ثوابا على إيمانهم. فقال الضحاك: ومن جوز أن يكون رسلهم منهم، يدخلون الجنة. وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصا منها، ثم يقال: لهم: كونوا ترابا كالبهائم. انتهى.
والحق- كما قال ابن كثير- أن مؤمنهم كمؤمن الإنس، يدخلون الجنة، كما هو مذهب جماعة من السلف. وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عز وجل لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [الرحمن: 56 و 74] ، وفي هذا الاستدلال نظر، وأحسن منه قوله جل وعلا ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 46- 47] ، فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة. وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس، فقالوا:
ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد. فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم. وأيضا، فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار، وهو مقام عدل، فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة، وهو مقام فضل، بطريق الأولى والأحرى. ومما يدل أيضا على عموم ذلك قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا [الكهف: 107] ، وما أشبه ذلك من الآيات. وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان، من تكفير الذنوب، والإجارة من العذاب الأليم، هو يستلزم دخول الجنة، لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار. فمن أجير من النار دخل الجنة لا
محالة، ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع، أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة، وإن أجيروا من النار، ولو صح لقلنا به، والله أعلم. وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى [نوح:
4] ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة، فكذلك هؤلاء. وقد حكي فيهم أقوال غريبة. فعن عمر بن عبد العزيز أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة، وإنما يكونون في ربضها وحولها وفي أرجائها. ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم، ولا يرون بني آدم بعكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا. ومن الناس من قال: لا يأكلون في الجنة ولا يشربون، وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس، عوضا عن الطعام والشراب، كالملائكة، لأنهم من جنسهم. وكل هذه الأقوال فيها نظر، ولا دليل عليها. انتهى.
الخامس- قيل: سر التبعيض في قوله من ذنوبكم أن من الذنوب ما لا يغفر بالإيمان، كذنوب المظالم، أي: حقوق العباد. وفيه نظر، لأن الحربي لو نهب الأموال المصونة، وسفك الدماء المحقونة، ثم حسن إسلامه، جب الإسلام عنه إثم ما تقدم.
بلا إشكال. ويقال: إنه ما وعد المغفرة للكافر على تقدير الإيمان في كتاب الله تعالى إلا مبعضة، والسر فيه أن مقام الكافر قبض لا بسط، فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن- أفاده الناصر-.
السادس- قال ابن كثير: جمعوا في دعواهم قومهم بين الترغيب والترهيب، ولهذا نجع في كثير منهم، وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا، كما تقدم بيانه.
السابع- قال الماوردي: الجن من العالم الناطق المميز، يأكلون ويتناكحون ويتناسلون ويموتون، وأشخاصهم محجوبة عن الأبصار، وإن تميزوا بأفعال وآثار، إلا أن الله يخص برؤيتهم من يشاء. وإنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية، وما تخيلوه من آثارهم الخفية.
وقال القاشاني: الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر، سماها حكماء الفرس (الصور المعلقة) . ولكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية، ومشاركتها الإنس في ذلك، سميا (ثقلين) . وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم. وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن رد الجميع، وأوضح من أن يقبل التأويل. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحقاف (46) : آية 33]
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير (33)
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى أي بإعادة الروح إلى الجسد، بعد مفارقتها إياه، وإخراجهم من قبورهم كهيئتهم قبل وفاتهم.
وفي ابن جرير بحث نحوي في دخول الباء في بقادر بديع. ويذكر في مباحث زيادة الباء، في مطولات العربية.
بلى إنه على كل شيء قدير أي من إعادة المعدوم، ولو فني الجسد وغيره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحقاف (46) : الآيات 34 الى 35]
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (34) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون (35)
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا أي الإحياء إحياء بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر أي على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم كما صبر أولوا العزم من الرسل أي: أولو الثبات والجد منهم، فإنك منهم. والعزم- في اللغة- كالعزيمة، ما عقدت قلبك عليه من أمر. والعزم أيضا القوة على الشيء والصبر عليه. فالمراد به هنا المجتهدون، المجدون، أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم، وقدره وقضاه عليهم. ومطلق الجد والجهد والصبر موجود في جميع الرسل، بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكثير من الأولياء. فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل، وأن (من) بيانية لا تبعيضية، فكل رسول من أولي العزم، فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم، فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص. ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال: أحدها- أنهم جميع الرسل. والثاني- أنهم أربعة: نوح وإبراهيم وموسى ومحمد. والثالث- أنهم خمسة بزيادة عيسى، كما قيل:
أولي العزم نوح والخليل الممجد ... وموسى وعيسى والنبي محمد
والرابع- أنهم ستة، بزيادة هارون أو داود. والخامس- أنهم سبعة بزيادة آدم.
والسادس- أنهم تسعة، بزيادة إسحاق ويعقوب ويوسف. وقد يزاد وينقص.
وتوجيه التخصيص أن المراد بهم من له جد وجهد تام في دعوته إلى الحق، وذبه عن حريم التوحيد، وحمى الشريعة، بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية والبدنية، وأموره الخارجية، كمبارزة كل أهل عصره، كما كان لنوح. أو لملك جبار في عصره، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية، كنمروذ إبراهيم، وجالوت داود، وفرعون موسى. ولكل موسى فرعون، ولكل محمد أبو جهل.
وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوة قدسية، ونفس ربانية، كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام. ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص، وهذا مما كشفت بركاتهم سره- أفاده الشهاب- ولا تستعجل لهم أي ولا تستعجل بمساءلتك ربك العذاب لهم، فإن ذلك نازل بهم لا محالة، وإن اشتد عليك الأمر من جهتهم. كأنهم يوم يرون ما يوعدون أي من عذاب الله ونكاله وخزيه الذي ينزل بهم في الدنيا أو في الآخرة لم يلبثوا إلا ساعة من نهار أي لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا، ومبلغ ما فيها مكثوا.
وقوله تعالى بلاغ قال ابن جرير: فيه وجهان:
أحدهما- أن يكون معناه: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، ذلك لبث بلاغ، بمعنى: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم، ثم حذف (ذلك لبث) ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها.
والآخر- أن يكون معناه: هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية، إن فكروا واعتبروا، فتذكروا. انتهى.
وأشار المهايمي إلى معنى آخر فقال: ليس من حق الرسل الاستعجال، بل حقهم بلاغ.
فهل يهلك أي بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل والحكمة إلا القوم الفاسقون أي الذين خالفوا مره، وخرجوا من طاعته. نعوذ بالله من غضبه، وأليم عقابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة محمد صلى الله عليه وسلم
سميت به، لما فيها من أن الإيمان بما نزل على محمد متفرقا، أعظم من الإيمان بما نزل مجموعا على سائر الأنبياء عليهم السلام. وهو من أعظم مقاصد القرآن. وتسمى سورة (القتال) ، لدلالتها على ارتفاع حرمة نفوس الكفار المانعة من قتالهم، وما يترتب على القتال وكثرة فوائده- قاله المهايمي-.
وهي مدنية. وحكى النسفي قولا غريبا، أنها مكية. وآيها ثمان وثلاثون.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (47) : آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم (1)
الذين كفروا أي: جحدوا توحيد الله، وعبدوا غيره وصدوا عن سبيل الله أي: أعرضوا وامتنعوا عن الإقرار لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة. أو صدوا غيرهم عن ذلك. أضل أعمالهم أي جعلها على غير هدى ورشاد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (47) : آية 2]
والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (2)
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أي الطاعات فيما بينهم وبين ربهم.
وقوله: وآمنوا بما نزل على محمد أي بما أنزل الله به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم. وإنما خصه بالذكر، مع دخوله فيما قبله، تعظيما لشأنه وتعليما، لأنه لا يصح الإيمان ولا يتم إلا به، إذ يفيد بعطفه أنه أعظم أركانه، لإفراده بالذكر. وقد تأكد ذلك بالجملة الاعتراضية التي هي قوله وهو الحق من ربهم أي الثابت بالواقع ونفس الأمر. كفر عنهم سيئاتهم أي ستر بإيمانهم وعملهم الصالح، ما كان منهم من الكفر والمعاصي، لرجوعهم عنها وتوبتهم وأصلح بالهم أي حالهم وشأنهم، وعملهم في الدنيا بالتأييد والتوفيق.
قال الشهاب: (البال) يكون بمعنى الحال والشأن. وقد يخص بالشأن العظيم،
كقوله صلى الله عليه وسلم «1»
«كل أمر ذي بال» .
ويكون بمعنى الخاطر القلبي، ويتجوز به عن القلب. ولو فسر به هنا كان حسنا أيضا. وقد فسره السفاقسي بالفكر، لأنه إذا صلح قلبه وفكره، صلحت عقدته وأعماله.
(1)
أخرجه ابن ماجة في: النكاح، 19- باب خطبة النكاح، حديث 1894.

وقال ابن جرير: البال كالمصدر، مثل الشأن، لا يعرف منه فعل، ولا تكاد العرب تجمعه إلا في ضرورة شعر، فإذا جمعوه قالوا: (بالات) .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (47) : آية 3]
ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم (3)
ذلك أي المذكور من فعله تعالى بالفريقين ما فعله كائن بأن الذين أي بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم أي يشبه لهم الأشباه، فيلحق بكل قوم من الأمثال أشكالا.
قال الزمخشري: فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: في أن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار. واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين. أو في أن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (47) : آية 4]
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4)
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب لما كان طليعة هذه السورة تمهيدا لجهاد المشركين الساعين في الأرض بالفساد، الصادين عن منهج الرشاد، وبعثا على الصدق في قتالهم، كسحا لعقبة باطلهم، عملا بما يوجبه الإيمان ويفرضه الإيقان، وتمييزا لأولياء الرحمن من أولياء الشيطان، تأثر تلك الطليعة بهذه الجملة. ولذا قال أبو السعود: الفاء لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها. فإن ضلال أعمال الكفرة وخبثهم، وصلاح أحوال المؤمنين وفلاحهم، مما يوجب أن يرتب على كل من الجانبين ما يليق به من الأحكام. أي: فإذا كان الأمر كما ذكر، فإذا لقيتموهم في المحاربة، فضرب الرقاب. وأصله: فاضربوا الرقاب ضربا. فحذف الفعل، وقدم المصدر، وأنيب منابه مضافا إلى المفعول. وفيه اختصار وتأكيد بليغ. والتعبير به عن القتل، تصوير له بأشنع صورة، وتهويل لأمره، وإرشاد للغزاة إلى أيسر ما يكون
منه حتى إذا أثخنتموهم أي غلبتموهم، وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم، فصاروا في أيديكم أسرى فشدوا الوثاق بفتح الواو، وقرئ بكسرها. وهو ما يوثق به، أي يربط ويشد، كالقيد والحبل. أي فأمسكوهم به كيلا يقتلوكم فيهربوا منكم فإما منا بعد وإما فداء أي فإما تمنون بعد ذلك عليهم، فتطلقونهم بغير عوض، لزوال سبعيتهم، وإما تفدون فداء، فتطلقونهم بعوض مال، أو مسلم أسروه فيتقوى به المسلمون، أو يتخلص أسيرهم.
قال المهايمي: ولم يذكر القتل اكتفاء بما مر من قوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض [الأنفال: 67] ، وذلك فيمن يرى فيه الإمام بقاء السبعية بالكمال. ولم يذكر الاسترقاق، لأنه في معنى استدامة الأسر، وذلك فيمن يرى فيه نوع سبعية. ولا تزالوا كذلك حتى تضع الحرب أوزارها أي: إلى انقضاء الحرب و (الأوزار) كالأحمال وزنا ومعنى. استعير لآلات الحرب التي لا تقوم إلا بها، استعارة تصريحية أو مكنية، بتشبيهها بإنسان يحمل حملا على رأسه أو ظهره، وأثبت له ذلك تخييلا. وقد جاء ذكرها في قول الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها: ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وقيل: أوزارها آثامها. يعني: حتى يترك أهل الحرب- وهم المشركون- شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا.
تنبيهات:
الأول- قال في (الإكليل) : في الآية بيان كيفية الجهاد.
الثاني- للسلف قولان في أن الآية: منسوخة أو محكمة.
فروي عن ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي أنها منسوخة بقوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] ، قالوا: فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة بعد براءة، وانسلاخ الأشهر الحرم.
وروي عن ابن عمر وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز، أن الآية محكمة ليست منسوخة، وأنه لا يجوز قتل الأسير، وإنما له المن أو الفداء.
ووجه من ذهب إلى الأول تعارض الآيتين عنده بادئ بدء، فلم يبق إلا القول بإحداهما وهي المطلقة.
ومدرك الثاني أن الأمر بقتلهم المجمل في آيات، محمول على المفصل في
مثل هذه الآية، أي إن القتل عند اللقاء، ثم بعد انقضاء الحرب المن أو الفداء لا غير، إلا أن تبدو مصلحة في القتل، فتلك من باب آخر.
وثم قول ثالث: وهو كون الآية محكمة مع تفويض الأمر إلى الإمام، وأن ذكر المن والفداء لا ينافي جواز القتل، لعلمه من آيات أخر، لا سيما ومرجع الأمر إلى المصلحة. وهذا القول هو الذي أختاره. وإذا دار الأمر في الآي بين الإحكام والنسخ.
فالأول هو المرجح. وقد لا يتعارض قول من قال بالنسخ مع الذاهب إلى الإحكام، لما قدمناه في مقدمة التفسير، من تغاير اصطلاح السلف والأصوليين في النسخ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]